بقلم مريم الحسن :

للعروبيين القوميين, وللمناضلين الأمميين المؤيدين للثورات الشعبية و للحريات, وللثوريين المطالبين “بالديمقراطية” و الحرية, و لكل البانين مواقفهم على مبدأ أن للشعب الحق بأن يثور على حاكمه إذا لمس فيه طغياناً أو جوراً أو فساداً أو تفرداً بالسلطة (و هذا حق مُقدّس للشعوب و واجب عليها أيضاً), و للمستغربين موقف المنتصرين على إسرائيل من ما يحدث في سورية بخلاف ما كان منهم مع باقي ثورات “الربيع العربي” , و للذين يطالبون مؤيدي الجيش العربي السوري و قائده إعادة النظر في نظرية المؤامرة على سوريا نقول لهم: نطقتم بالحق إلى أن أتيتم على ذكر “الثورة” في سورية, لأن ما يجري في هذا البلد الغالي ليس ثورة, و إنما عدوان صهيوني تدثّر بمعطف مطالب الشعب المحقة ليتسلل إلى وطن الممانعة. لذا كان من المنطقي ان لا يقبل الممانع الذي قاوم المحتل بهكذا عدوان على بلاده و لم يكن متوقعاً منه إلا رفضه التوقيع على وثيقة التنازل عن السيادة مهما ارتفعت أصوات المحتجين حوله, فعندما يكون الوطن كل الوطن هو المستهدف تتصاغر أمامه كل المطالب الداخلية مهما كانت محقة ليصبح المطلب الأوحد المحق هو الدفاع عن الوطن و سيادته و صد العدوان عنه و هكذا كان.

هذا في المبدأ أما في الوقائع , فنذكّر أنه رَغم انفضاح أمر حصان برنار هنري ليفي الطروادي بعد ما حصل في ليبيا, أيّد حلفاء الدولة السورية المقاومين مشروعية مطالب الشعب السوري المحقة كما فعلوا مع باقي الثورات في المنطقة و ذلك منذ الأسابيع الأولى للتحرك الشعبي لكن بتريث كعادة الحكيم في المواقف الحساسة , فكيف الحال و الأمر يعني الحليف الأول ,شريك النضال و رفيق العمل المقاوم؟ أيوجد وضع أكثر حساسية من هكذا وضع؟ و على عادتهم و كونهم قارئين متمعنين للأحداث بحكم خبرتهم و تيقظهم الذي تلزمهم به طبيعة حركتهم النضالية دعوا المتظاهرين في سوريا إلى التريّث و التبصّر و الحذر و خفض سقف المطالب الغير المنطقية و الغير ممكنة التحقيق لعلمهم و درايتهم بأهمية دور سوريا في محورٍ لن يتخلى عنها ابداً مهما كان الثمن كون هذا المحور منخرط في صراعٍ سيادي مع محورٍ آخر أُممي جنّد كل طاقاته و أدواته للقضاء عليه و لهذا السبب كانت مواقف المنتصرين على اسرائيل متريث و حذرة في بداية الحراك المعارض, و هذا ليس لأنهم ضده بل من حرصهم على الا يستثمر تحركَ الشعب السوري صهاينةُ الدول الغربية وأتباعهم الاسرائيليين و الدول العربية الناطقة سياسياً باللغة العبرية , فيفقد التحرك المحق شرعيته و يصير مَطيةَ الصهيونية العالمية لضرب محور الممانعة و المقاومة في المنطقة و الذي سوريا فيه حجر الأساس و قلعته تاريخيا.

إذاً انطلاقاً من هذه النقطة, نستطيع أن نفهم (هذا إذا كنا لسنا جدليين فقط و نريد فعلاً أن نفهم) لماذا اختلفت الحالة السورية عن غيرها من حالات الربيع العربي فاختلف بذلك معها موقف المقاومين الحقيقيين في المنطقة؟ و لماذا بالتالي لم يمر الربيع على سوريا لا سلمياً و لا ياسمينياً بل نفطياً صحراوياً أطلسياً و إرهابياً قاعدياً؟ لكن لفهم وجه الاختلاف هذا بين الحالة السورية و الثورات الربيعية ينبغي أولاً إدراك أهمية سوريا “الطريق” و “عقدة ” الربط و الحل لأي تسويةٍ أو رهانٍ في الشرق الأوسط , و هذه ميزة لم و لن تكون لغيرها من باقي دول المنطقة مهما نشطت هذه الدول بمالها النفطي و بنفاقها الإعلامي المُدجِّنُ للعقول العربية البسيطة الذاهلة عن قضاياها الأساس أو استقوت بعلاقاتها الأطلسية التي كانت حتى الأمس مشبوهة و أضحت اليوم واضحة الأهداف و الغايات.

و للسائل لماذا ؟ نقول أن سوريا مُكَوّنٌ شَرطِي قائد في محورِ ممانعةٍ لا يقوم من دونها و ذلك بحكم موقعها “الجيوسياسي” وهذه الميزة السيادية تفتقر إليها الدول العربية المهاجرة غرباً سعياً إلى دورٍ رياديٍ لها في منطقتها العربية و الذي لن يكون لها ابداً طالما انها تستجديه من أعداء أمتها بدل ان تستقيه من نبعة حرصها على قضية الامة الأساس و العمل لأجلها بما يرضي الشعوب العربية و ينصف من تضرر منها. فللحصول على هكذا دور, استغلت هذه الدول الفاقدة للسيادة حراك الشارع العربي المحق (و هو بالنسبة لها حراك محق طالما هو خارج منطقة نفوذها القبلية طبعاً) و ذلك لتحقيق أهداف أسيادها الصهاينة الساعين للاستيلاء على خارطة النفط الجديدة (الغاز) التي لن تكون لهم إلا بكسر محور الممانعة المتعاظمة قوته بفعل صموده في وجه الإمبريالية و تقدمه العلمي و التقني و التكنولوجي و الأهم من هذا مكاسب انتصارات مقاومته التي اعطت عينة لإعداء هذا المحور عن مدى جديتها بالتصدي لأي محاولةٍ لاغتيالها او الاستهتار بقوة و عزيمة مكونها البشري. هذا المحور استلمت قيادته عربياً سوريا بعد الغياب المصري لتشاركها في قيادته اسلامياً الجمهورية الاسلامية الايرانية في إطار حلفٍ استراتيجي التزمت به الدولة السورية مع هذه الدولة الاسلامية بعد أن خَذلَ الأعرابُ المقاومين العرب من مسلمين و مسيحيين و علمانيين و ذلك بتقاعسهم عن تقديم العون اللازم لتقوية جبهة نضالهم و إهدائهم بدل الدعم المنشود المكائد و المؤامرات واصرارهم على تقديم التنازلات من خلال مبادرات سلام هزيلة رُفضت اسرائيلياً قبل ان يرفضها أي عربي شريف.

أذاً نظراً لمكانة سوريا السياسية و لحساسية موقعها الجيوستراتيجي وأهمية دورها في العمل المقاوم و وفاءً منهم للشعب السوري الذي ما فتئ حاضناً لمجتمع المقاومتين السياسية و العسكرية على مر العصور و في كل الأزمات, حثّ المقاومون في لبنان ومناصروهم الدولة السورية منذ بداية التحرك الشعبي على الإسراع إلى تلبية المطالب الشعبية المشروعة التي كانت الدولة السورية قد اخذتها فعلاً على محمل الجِدّ و المسؤولية و ذلك على عكس ما حصل في باقي دول الربيع العربي, و الدليل على ذلك أن هذه المطالب باستثناء ما تعلق بالسيادة و بالكرامة السوريتين لُبّت في أغلبها و عولجت في التعديلات الرئاسية و في الدستور الجديد و للمشكك ما عليه سوى مراجعة الأرشيف الإعلامي ليتذكّر.

أن الثورة السلمية حق مقدّس لكل شعوب العالم لكن بشرط ان تتوفر الظروف وعناصر الثورة المهيّأة والضامنة لنجاح التحرك الثوري و إلا تذهب تضحيات الثائرين سداً و تفشل ثورتهم لا محال كما حصل في سوريا مع من ظنوا انفسهم ثواراً وهم لم يكونوا سوى فوضويو البداية و ارهابيو النهاية. أن الثورات الوطنية لا تتزامن في توقيتها مع العدوان على الوطن و بالأخص حين يكون الحاكم مقاوماُ ممانعاً و مُستهدفاً من قبل الإمبريالية الصهيونية لرفضه إدخال وطنه إلى معسكرها الظالم لأمته العربية كما فعل نظراءه من الرؤساء العرب المنبطحين الذين يصافحون الإسرائيلي بيد ويعملون بالأخرى على أضعاف جبهة المقاومة العربية وعلى تقسيم البيت العربي بتشجيع الخطاب الطائفي بين اهله و ببثهم لسم التطرف التكفيري فيه

الحق يقال, لقد سجل التاريخ لسوريا و لشعبها و لقيادتها مواقفاً بطولية في العمل المقاوم لا يمكن أن ينساها الضمير العربي و لا الضمير الانساني. و للمتسائلين أين المقاومة السورية في الصمت العسكري للدولة السورية عن احتلال الجولان, نذكّرهم بأن في العمل المقاوم يكون هناك عادةً توزيعاً للأدوار بين ناشطيها, خاصة عندما يكون نسب الارض واحد والدفاع عنها مشترك (هذا مبدأ اساس في محور المقاومة العربية لكنه مرفوض بشدة من قبل اصحاب النظرية المُنادية بسوريا أولاُ و لبنان أولاً و الأردن أولاً و…و…و) ,و بمأن العمل في هذا المحور مشترك فكل من فيه يقاوم من موقعه و بما تيسر له من إمكانيات و قدرات وفرصٍ لإنجاح تحركه. ففي زمن الانبطاح العربي و في ظل خيمة التآمر العربية على جبهة المقاومة, لم تكن فرص سوريا في تحرير ارضها المحتلة ناجحة و شبيهة بنظيراتها لدى المقاومين في لبنان, لأن توزيع الأدوار المُلزم استراتيجياً و الضروري للمحافظة على مِنعة الصف المقاوم لم يكن يسمح لسوريا إلا بلعب دور الداعم اللوجستي و الحاضن الحامي لمكونات المقاومة في المنطقة في انتظار أن تتيسر الفرصة المناسبة المهيأة لشروط الانتصار في معركة تحرير الجولان. لكن اليوم الظروف تغيرت بعد هذا العدوان العالمي على سوريا…و من يدري؟ فمن خاض بحر الحرب العالمية عليه و عبره رغم الإنهاك منتصراً لن يغرق بعده في ساقية الحرب مع اسرائيل و من تدرب على معارك العصابات في صده لجيش ابو جهل المستميت في القتال من اجل حورية ما لن يراها ابدا بعينية الارهابيتين لن يعجزه اسرائيلي متعلق إلى حد الجُبن و الهزيمة في متاع الدنيا حتى اخر رمق فيه.

إن الثورة حالة و حركة شرعية تقوم بها الشعوب عادةً لأهداف محقة بنّاءة تصب في خدمة الوطن و الوطن فقط ,و لهذا على الثوار و ثورتهم ان يتّصفوا بالوطنية لاكتساب الشرعية لتحركهم. فلإنجاح أي ثورة وطنية يجب على القائمين عليها و بها ان يوقّتوا انطلاقتها خارج زمن العدوان على الوطن .و للجاهلين بأشكال العدوان نذكّرهم بأن العدوان على الوطن يمكن ان يأتي محض خارجي كما في الغزو و الاستعمار او داخلياً بدعمٍ خارجي بغية تفتيت الكيان من الداخل بزرع الفوضى و الانقسامات عبر تنشيط خلاية و عصابات ارهابية نائمة و مزروعة فيه لهكذا غايات.

ان شروط الثورة الوطنية و منذ بدايات التحرك الشعبي لم تكن متوفرة كلها في الحالة السورية كما ان انتهاج المعارضة للعنف لغى ما كان متوفر من شروط فألغى مشروعية قيامها. و للقائل بأن الشعب هو من يعطي الشرعية للثورة نقول وإن كانت الثورات هي من صنع الشعوب التي هي دائماً على حق في تحركها كونها مكون رئيس للوطن بأبعاده الثلاثية: أرض و شعب و سيادة ,إلا أن شرعية الثورة تأتي من محافظة الثائرين على مكون الوطن الثلاثي الأبعاد هذا (أرض حرة, شعب مُوحد و سيادة). فالثائر الشريف الوطني لا يفاوض على أي مكون من مكونات الوطن, و يأبى أن يشوه طهارة تحركه بوسائل تناقض أهداف ثورته و يأبى أن يُحّول تحركه البنّاء إلى فوضى هدّامة تهدد الوطن و تُضعفه و تدمر بنيته الاجتماعية و تركيبته الثقافية المتنوعة الي ناغمت فيما بينها وحدتها الوطنية.

أن الثورات الوطنية لا تقوم من قصور المستعمرين كالإليزيه و البيت الأبيض, و لا تنشط بأموال الخونة و المتآمرين على قضايا الوطن والأمة كحكام الخليج الديكتاتوريين بامتياز. إن الثورات لا تحتاج إلى الكذب و الخداع و التزييف لتثبيت حقها و مشروعيّتها , لأن الإناء عادة ينضح بما فيه, فلو كانت “ثورة” سوريا محقة كما كان حال ما سبقها من ثورات لما احتاجت لأن تتظلل بكل هذا النفاق و هذا الكذب الإعلامي لتروي قصتها و شرعية وجودها للعالم, و لما سعت أيضاً إلى استجلاب القرارات و الاسلحة الصهيونية لتسلك طريقها بها إلى حضن الوطن, و لما سمحت لسلوك عصر الجاهلية الخارج من ظلمات التاريخ بأن يجتاح مجتمعاتها وبأن يُلطّخ ذاكرة الوطن بالإرهاب و التخلف ,و لَمَا أعلنت استسلامها لأعداء الإنسانية و للرأسماليين الجشعين بتخلّيها عن القضية الفلسطينية وعن العاملين على استرجاعها, في وقتٍ ليس لهذه القضية المقدسة الرافعة من شأن داعميها من حضنٍ يحمي إلا الحُصن الشامي المقاوم.
الحق يقال ,لو كان هناك في سورية فعلاً ثورة مكتملة العناصر الوطنية و تضم غالبية الشعب السوري حقاً ,لكانت احتلت هذه الثورة الساحات العراض إبّان قيامها كما فعلت باقي الشعوب الثائرة و فعلوا شركائها في الوطن من الميدان المقابل, و لما اكتفت فقط بمسيرات الأرياف و التجمع في ساحات القرى الصغرى و ساحات الوهم الإعلامي و الهواتف المحمولة. فلو كان ما جرى و يجري اليوم في سوريا هو حقاً ثورة كما يحلوا للمعارضين تسميتها, فإن الثورة لا تقتل ابناء الوطن و تنكل بخصومها باسم الدين, لا بل على العكس, من اهم مميزات الثورة انها تجتاح الوطن و الشعب بفكرها السياسي أول ذي بدء فتمهد به هو الطريق لاستلام السلطة و ليس بالعنف و الفوضى, فباتساع مدها الفكري يتسع مدّها الشعبي و بإصرارها السلمي فقط تنتصر على عنف السلطة و سجونها لتستمر شعلتها بالتوهج و لتملأ ساحات الوطن كله بنور التغيير, فيسقط الحاكم حينها بجملة واحدة لا غير ” ثورة حتى الاصلاح او التغيير” , فلا دماء تسفك من قبلها و لا سكاكين و لا إرهاب يسيطر على صفوفها و لا تقتيل, و تظل مهما حصل ثورة سلمية تنتزع شرعيتها بالصبر و المثابرة مهما مورس عليها من ضغط أو حبس او اعتقالات أو تعذيب. هكذا تكون الثورات و غير هذا هو إما فوضى , إما شغب , إما ارهاب إما عدوان خارجي يأتي به معارضٌ غبي او عميل صهيوني

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫8 تعليقات

  1. مع اني لا اؤيد النظام ولا اعارضه
    انا مع وقف نزيف شعبنا من عن يد كل من يسفكه ولكن الاطالة والاسهاب في الموضوع.
    يوضح وبما لايدع مجالا للشك ان الكاتب نفسه ليس مقطنع بافكاره وهو يحاول اقناع نفسه اولا وقبل كل شيئ.
    والحق في رايي انه ليس في الصراع في سورية شيئ مقذس لا مقومة ولا ثوره فهو صراع على الصلطة
    يدفع ثمنه ماضي وحاضر ومستقبل سوريا وشعبها.
    ما عدا ذلك كل اطراف النزاع فاسدون

  2. الحرب في سوريا في بعض جوانبها حرب بالوكالة و لا مصلحة للشعب السوري بها هي قالب چاتوه تتنازع هذه القوى المتصارعة على أكله تحت ظل غياب الضمير العالمي ٠

  3. انظروا إلى غباء هؤلاء الشيعه الانجاس ..
    من العنوان فقط تدركون غبائهم وكذبهم ودجلهم ..
    هذه الشيعية النتنة تصف الثورة السورية أنها ” عدوان صهيوني ” …
    وهم يعتبرون روسيا في طليعة محور المقاومة .. وأنها جاءت إلى سوريا لدحر ” العدوان الروسي ” .. وشاهدنا يوم أمس أحد معممي ايران وهو يدعو لنجاح الضربات الروسية في سوريا …
    فماذا يقول هؤلاء عن الضربات الاسرائيلية المستمرة على سوريا بوجود الطيران الروسي ؟!! .. وبوجود منطومة الصواريخ ” إس 400 ” التي تصيب حبّات المطر ؟؟؟
    لماذا لا تقوم روسيا المقاومة باستهداف الطائرات الاسرائيلية ؟!!! .. هاهي اسرائيل قد أتتكم بنفسها .. فلماذا تتركونها وتذهبون لتحاربون أدواتها كما تقولون ؟!!!!!!! ..
    شو يا جحشة ؟ بتقدري تردي ؟ هههههه

  4. علي الديك لحاله بده ثورة، الصهيونية اشرف من المنظومة العلوية بألف مرة، و استغل الفرصة لأقدم اغنية تي رشرش لجيش سارية السواس بطل العالم بالركض لجميع المسافات المتوسطة و الطويلة.

  5. فيك تاكل هوى عامل حالك بندوء وفهمان وانت كوعك من بوعك مابتعرفوا ! والحثالة هو انت وامثالك يابلا زوء

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *