تعانقت الأصوات والصرخات والصلوات ، بعد تعرض الطائرة لعطل فني بالجو ، وبعد خمس ساعات منذ غادرت أوروبا الى أسيا ، كلاً أفصح بما يؤمن ويعتقد ، فظهرت الأديان بكل اشكالها ومذاهبها ، وكشف كل راكب عن ما يضمر من إيمان ويحفظ من كلمات ، ودعا كل راكب ربه أنه أن ينجيه ، وبأرقى درجات وكلمات التوسل ، ولم لا !!! فإنها ساعة الصفر! وباتت مسألة حياة أو موت ! والبحث جارٍ عن أي سبب لإنقاذهم ، فالقشة أمل الغريق ومطلبه ، وهم في صراع بين كفتي الوقت والبقاء ، والطائرة بحالة هبوط مائل نحو الأرض التي ستبتلعهم .

من الصعب وصف تلك اللحظات ، أو ترجمة إحساس الخوف بكلمات ، فقد نسي كل غني ماله ، ونسي كل جميل صفاته ، ونسي كل راكب جنسيته ولون جوازه ، ونسوا أشكال بيوتهم ، وفخامة سياراتهم ، ونوع أجهزة جوالاهم ، لكن اكتشفتنا إنهم مشتركون بطلب واحد ، وهو ” حلاوة الروح ” ووصلنا إلي نتيجة إنهم بشر، وهم الأن بحالة خنوع أو ربما ضعف أرجعهم إلي إنسانيتهم وتكوينهم ، والكل بهذا الموقف فقير ويحتاج الي العطف والرحمة ، أي فقراء مجازياً ، ومحتاجون إلي غيرهم ، وهو الرب الذي يعطي ويمنع .

هبطت الطائرة بعد جهد جهيد في إحدى مطارات مقاطعات نيبال الفقيرة ، إذ وضعت بالمدرج المتواضع وسط الوادي الأخضر رغوة كثيفة ، فنزلت عليها الطائرة ومعها نزلت أرواح الركاب من الخوف ! والحمد لله ، ماهي إلا دقائق حتى تدحرج الجميع على سلم الطوارئ البالوني ، وأستقبلهم أهالي القرية بالتصفيق الحار، والماء والأحضان والدموع ، وتعانق الركاب وهم يبكون غير مصدقين أنهم أحياء، فرفعوا الكابتن ” اللاديني ” فوق الأكتاف ، وقبلوا رأسه ويديه ، وحينها تمثلت مكارم الأخلاق في الإنسانية والابتسامة والدمعة ، ومازال الركاب يقبلون الكابتن ويحمدون الله ، وفي النهاية رجع كل راكب إلي وطنه وأهله ، وهو يؤمن ويعتقد إن الذي أنقذهم ربه الذي دعاه ، وكذلك علم وتــّيقن كل راكب ، إنه ليس بوكيل الله على عباده، وأنه ليس المسؤول عن الخلق ، وأن الجنة والنار ليستا ملكه وهو يعطيها من يشاء .

فوزي صادق / كاتب وروائي  @fawzisadeq

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫5 تعليقات

  1. من الصعب وصف تلك اللحظات ، أو ترجمة إحساس الخوف بكلمات ، فقد نسي كل غني ماله ، ونسي كل جميل صفاته ، ونسي كل راكب جنسيته ولون جوازه ، ونسوا أشكال بيوتهم ، وفخامة سياراتهم ، ونوع أجهزة جوالاهم ، لكن اكتشفتنا إنهم مشتركون بطلب واحد ، وهو ” حلاوة الروح ” ووصلنا إلي نتيجة إنهم بشر، وهم الأن بحالة خنوع أو ربما ضعف أرجعهم إلي إنسانيتهم وتكوينهم
    ___________________________________________________________________________
    أعجبتني هده السطور فعلا عند إقتراب نهاية الانسان يشعر بحلاوة الروح
    كم عاشها البشر منهم من نجا ومنهم من راح من هدا العالم فكرتني في قصة الطائرة التي سقطت مؤخرا قيل أنهم سمع تسجيل لهم كل واحد ينادي ربه بجميع اللغات……

  2. للموت كما للحياة تحتاج يقينا خاص وهدوء لا تزحزه العواصف ومهما تكاثرت حولك صعاب قادرة ان تهد الجبال !!!
    بحيث ان لحظة الموت واهوالها لا تدهشك ولا ينزل عليك منه ما تنكره …!
    فتستقبل بابتسامة او حتى بأهزوجة او هتاف يقيني لا غواغاءي !
    فالهتاف اليقيني يفرق عن الغوغاءي الانتحاري ….
    اجمل من جسد ذلك اي نزول الموت فجاءة هو علي عليه السلام فيوم نزل سيف اللعين ابن ملجم على راسه الشريفة قال والفرحة الغامرة تملا وجهه وهتاف رغم هدوءه رج أزقة الكوفة ليقول لاهل الدنيا : فزت ورب الكعبة …!
    اللهم أحينا على ما احييت عليه عليا عليه السلام وما مات عليه ….. ابتسامة فرح ويقين بحرز الاخرة ونعيمها .

  3. سبق وقرأت هذي القصة ما اعرف ان كان صاحبها ملحد لا يؤمن بالاديان او لا هكذا انا حسّيت قد أكون مخطئة
    فركاب الطائرة من جميع الأديان كل يدعو ربه … بس منقذهم من الموت المحتوم ( ربان الطائرة ) ملحد حملوه على الاعناق مهللين و كل يعتقد ان ربه استجاب الدعاء …

  4. سٌئل حكيم يوماآآ،،
    اخبرنى عن السماء وما اثقل منها ؟؟
    والارض وما اوسع منها؟؟
    والبحر وما اغنى منه؟؟
    والنار وما احر منها؟؟
    والحجر وما اقسى منه؟؟
    واليتيم وما اذل منه؟؟
    فاجاب الحكيم
    التهمات على البرىء اثقل من السماوات
    والحق اوسع من الارض
    والقلب القانع اغنى من البحر
    والحقد والحسد احر من النار
    والحاجه الى القريب ان لم تنجح ابرء من الزمهرير
    وقلب الكافر اشد قساوه من الحجاره
    والنمام اذ بان امره اذل من اليتيم
    ولكن هناك سته تهون المصيبه يا ولدى
    ان تذكر ان كل شىء قضاءوقدر
    ان الجزع لا يرد عنك القضاء
    ان ما انت فيه اخف مما هو اكبر منه
    ان ما بقى لك اكثر مما اخذ منك
    ان لكل شىء قدر او حكمه لو رايتها لارايت المصيبه عن النعمه
    ان كل مصيبه للمؤمن لاتخلو من ثواب ومغفره ورفعه شان
    او دفع بلاء اشد وما عند الله خير وابقى

    ونعم بالله

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *