(( ودمــعٌ لا يكفكـف يـا دمـشـقُ ))

قمر دمشقي يسافـر في دمي *** وسنابل وخمائل وقبـــــــــــاب
الحب يبدؤ من دمشـق فأهله *** عشقوا الجمال وذوبوه وذابوا
والماء يبدؤ من دمشق فأينما *** أسْنَدتَ رأسك جدول ينساب
ودمشق تهدي للعروبة لونها *** وببابها تتشكلّ الأحــــــــزاب

السلامُ عليك يا أرض شيخ الإسلام ، ورحمة الملك العلاَّم ، أيها الحضور الكرام ، في دمشق الشام .
يا دمشق ماذا تكتب الأقلام ، وكيف يرتب الكلام ، وماذا نقول في البداية والختام.
في دمشق الذكريات العلمية ، والوقفات الإسلامية ، والمآثر الأمويّة . وفيها يرقد ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية . وفي دمشق حلقات الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية .
يحق لحسان أن ينوح على تلك الأوطان ، ويسكب عليها الأشجان .
لله در عصابة نادمتهـــــــم *** يوماً يحلق في الزمـــان الأول
أبناء جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل

تذكرك دمشق بمعاوية بن أبي سفيان ، وعبد الملك بن مروان ، وبني غسان ، والشعر والبيان ، والمجالس الحسان . دمشق سماء زرقاء ، وروضة خضراء ، وقصيدة عصماء ، وظل وماء ، وعلو وسناء ، وهمة شماء . ما أبقى لنا الشوق بقية ، لما سمعنا تلك القصيدة الشوقية ، في الروابي الدمشقية .
سلام من صبا بردى أرق *** ودمع لا يكفكف يا دمشــــق
ومعذرة اليراعة والقوافــي *** جلال الرزء عن وصف يدق
دخلتك والأصيل له ائتلاق *** وملأ ربــــك أوراق ووُرْق

في دمشق أكباد تخفق ، وأوراق تصفق ، ونهر يتدفق ، ودمع يترقرق ، وزهر يتشقق
دخلنا دمشق فاتحين ، وصعدنا رباها مسبحين . فدمشق في ضمائرنا كل حين . وهي غنية عن مدح المادحين . ولا يضرها قدح القادحين .
آه يا دمشق كم في ثراك من عابد ، كم في جوفك من زاهد ، كم في بطنك من مجاهد ، كم في حشاك من ساجد . أنت يا دمشق سفر خلود ، وبيت جود ، منك تهب الجنود ، وتحمل البنود . يصنع على ثراك الأحرار ، ويسحق على ترابك الاستعمار ، ويحبك يا دمشق الأخيار . فأنت نعم الدار . تقطع إليك من القلوب التذاكر ، من زارك عاد وهو شاكر ، ولأيامك ذاكر ، يكفيك تاريخ ابن عساكر ، صانك الله من كل كافر
ألقيت فوق ثراك الطاهر الهدبــــا *** فيا دمشق لماذا نكثر العتبـــــــــا
دمشق يا كنـز أحلامي ومروحتي *** أشكو العروبة أم أشكو لك العربا

في دمشق روضة العلماء ، وزهد الأولياء ، وسحر الشعراء ، وحكمة أبي الدرداء ، وجفان الكرماء .
في دمشق عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد ، والملك الزاهد ، والولي العابد ، يطارد الظلم والظالمين ، ويحارب الإثم والآثمين ، فيذكر الناس بالخلفاء الراشدين ، ويعيد للإسلام جماله في عيون الناظرين . في دمشق براعة ابن كثير ، وعبقرية ابن الأثير ، وتحقيق النووي ، وفطنة ابن عبد القوي .
لولا دمشق لما كانت بلنسية *** ولا زهت ببني العباس بغدان
أتى يصفق يلقانا بها بردى *** كما تلقاك دون الخلد رضوان

يكفيك أيها الشام السعيد ، أن فيك القائد الفريد ، والبطل السديد ، خالد بن الوليد . سيف الله الهمام ، كاسر كل حسام ، أغمد في الشام ، السلام عليك يا أبا سليمان ، يا قائد كتيبة الإيمان ، ويا رمز كتيبة الرحمن .
يا ابن الوليد الأسيف تناولنا *** فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا
لا تخبروه رجاءً عن هزائمنا *** فيمتلئ قبرُه من قومه غضبا

صحح الألباني ، المحدث الرباني ، أحاديث في فضل تلك المغاني .
وأول أبيات في الأغاني ، لأبي الفرج الأصبهاني . في وصف دمشق وتلك المباني .
حيث يقول الشاعر :
القصر والبئر والجماء بينهما *** أشهى إلى النفس من أبواب جيرون

وقد نسى ابن كثير نفسه ، وملأ بالمدح طرسه ، لما تحدث عن دمشق ، فقلمه بالثناء سبق ، وبالإطراء دفق ، وحار الحكماء في وصف دمشق وطيب هوائها ، وعذوبة مائها ، واعتدال أجوائها ، وذكاء علمائها ، وبلاغة خطبائها ، وتقدم شعرائها ، وعدل أمرائها ، وجمال نسائها ، حتى إن بعض العلماء ذكر أن دمشق أم البلدان ، وأنها في الدنيا جنة الجنان .
دمشق الشام كل حديث ركب *** يقصر عنك يا نون العيــــونِ
كأنك جنة عرضت بدنيــــــا *** أثرت على هوى قلبي شجوني

دخل دمشق الصحابة ، كأنهم وبل سحابة ، أو أسد غابة ، فلقيتهم بالأحضان ، وفرشت لهم الأجفان ، فعاشوا على روابيها كالتيجان . في دمشق فنون وشجون ، وعيون ومتون ، وسهول وحزون ، وتين وزيتون . دمشق جديدة كل يوم ، وهي حسناء في أعين القوم ، وقد بكى من فراقها ملك الروم . إذا دخلت دمشق تتمايل أمامك السنابل ، وتتراقص في ناظريك الخمائل . وتصفق لقدومك الجداول ، وترحب بطلعتك القبائل . دمشق أعيادها يوميّه ، وأعلامها أمويّة ، وأطيافها سماوية ، وبسيوف أهلها محميّة
دمشق في الحسن مفرطة ، وبجواهر الجمال مقرطة ، وفي الطقس متوسطة .
فارقتها وطيور القاع تتبعنـــــي *** بكل لحن من الفصحا تغنيني
كأنما الطير يهوى حسن طلعته *** بانت دمشق فيا أيامنا بيني

الجمال دمشقي : لأنه لا بد له من روضة فيحاء ، وخميلة غناء ، وحبة خضراء ، وظل وماء . والحب دمشقي : لأنه لا بد له من أشواق مسعفة ، وأحاسيس مرهفة ، وألمعية ومعرفة .
كتب ابن عساكر في دمشق تاريخ الرجال ، وسطر المزي في دمشق تهذيب الكمال، وألف الذهبي في دمشق ميزان الاعتدال ، واحتسب ابن تيميه في دمشق الرد على أهل الضلال ، وأرسل لنا المتنبئ من الشام تلك القصائد الطوال ، وذاك السحر الحلال .
قالوا تريد الشام قلت الشام في *** قلبي بنت في داخلي أعلاما
هي جنة الدنيا فإن أحببتهــــــا *** فالحسن محبوب وقلبي هاما

في دمشق رسائل الياسمين ، ودفاتر اليقطين ، ومؤلفات النسرين ، للحمام بها رنين ، وللعندليب بها حنين ، كأنها تقول : ادخلوها بسلام آمنين .
ليس لدمشق الشام ، دين غير الإسلام . فطرت دمشق على الإيمان ، ولذلك طردت الرومان ، ورحبت بحملة القرآن . ليس بقيصر الروم في دمشق قرار ، ولذلك ولى الأدبار، ولاذ بالفرار ، لأن الدار دار المختار ، والمهاجرين والأنصار .
من مخبر القوم شطت دارهم ونأت *** أني رجعت إلى أهلي وأوطاني
بالشام أهلي وبغداد الهـــــــوى وأنا *** بالرقمتين وبالفسطاط جيراني

في الشام يرقد سيف الدولة الملك الهمام ، وابن نباته خطيب الأنام ، وابن قدامة تاج الأعلام ، وأبو فراس الحمداني الشاعر المقدام . وفي دمشق سكن الزهري المحدث الشهير ، والأوزاعي العالم النحرير ، والبرزاني المؤرخ الكبير ، والسبكي القاضي الخطير .
أتانا من دمشق كتاب رياض الصالحين ، وكتاب روضة المحبين ، ونزهة المشتاقين ، وكتاب عمدة الطالبين ، وكتاب مدارج السالكين ، وكتاب أعلام الموقعين .
فسلام على دمشـق في الآخـرين .

عائض القرني

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫12 تعليق

  1. دمشق بقلبي وروحي وعقلي ،
    وصف كثير حلو لدمشق، بس للأسف تم تجاهل وجود الديانه المسيحيه بالشام ” ليس لدمشق الشام ، دين غير الإسلام ” ؟؟ يعني الكاتب ما عندو ولا فكره عن كنيسة حنانيا sainte ananie مثلا وتاريخها العريق!!
    تحياتي لأحمد و شاميّه حلوة نورت ،

  2. هلا نفين الشيخ عائض اديب بارع وله كتاب بعنوان مقامات عائض القرني .

  3. أحمد
    بوعدك رح حاول اقرالو ، صعب تلاقي هيك كتب ب باريس . رمضان كريم وينعاد علينا وعليك يا الغالي

  4. فينك مهضومة من ساعة مشفت بلخير وانت فص ملح وداب ليكون جرى ليك شي بعد الشر.

  5. عيني على الشام قد جفت مآقيها
    هل مَن يقدِّم لي دمعا لأبكيها

    عيني على الشام لا من أجل منفعةٍ
    ولا لأجل جزاء من ثوانيها

    ولا لأجل جمالٍ في مفاتنها
    شُلت قوافي شعري أن تحاكيها

    ولا لأجل ربوع الخير مفعمةً
    بالياسَمينِ وفُلٍّ نابتٍ فيها

    عيني على الشام قد ضاقت مدامعها
    تستعرض الشام آلاماً لتحكيها

    تحكي حكاياتٍ مجد دام منشؤها
    تحكي حكايات خيرٍ ساكنٍ فيها

    تروي البطولة إذْ في الشام قد وُلِدت
    وحطمت كل جبار قد طغى فيها

    إن شئتمُ فسلوا عن كل طاغيةٍ
    في الأرض عاث فساداً في نواحيها

    سلوا تبوكَ تحدثْكم بما فعلت
    صحابُ نبيِّ الله الرومَ تقصيها

    والقدسَ كم صبرت إتيانَ فاتحِها
    فاروقَ أمتنا لله يُعليها

    أن ليس للناس عزٌ إن همُ تركوا
    دين العزيز وعز اليوم حاكيها

    سلوا التتارَ وكم روحاً هنا سفكوا
    والأرض ينزف قاصيها ودانيها

    هل للتتار بأرض الله مقبرةٌ
    إلا الشآم وفي جالوت تحويها

    سلوا الصليب وأرتالاً له حملوا
    للقدس باغين لا بل خاب باغيها

    حطينُ حطينُ كم أعليتِ من شيمٍ
    ما جاء بعد صلاح الدين يعليها

    شامُ الخليل وكلِّ الأنبياءِ معاً
    كُرمى من الله للإنسان يسقيها

    مسرى النبي وخير الخلق كلهِمِ
    محمدٍ بات بالخيرات يحكيها

    لا خير في الناس إن شام الورى فسدت
    وسنةً فرقةٌ تنجو وتعليها

    لا ضرَّ يردعها أو من سيخذلها
    بالحق قامت أسود الشام تحييها

    والخيلُ لا تبكي أن نام فارسُها
    بل البكاءُ لفأرٍ بات يؤويها

    قالوا له أنت ليثٌ… أو فقل أسدٌ
    زمجر كما تشتهي أسمٍع نواحيها

    فالأسْدُ نامت ولن تصحو إلى أجلٍ
    والفأر بات مليكاً حاكماً فيها

    يا شامُ يا شامُ إن الحق منبلجٌ
    محمدٌ قالها والله معطيها

    بالشام إيمانُنا إن أعصفت فتنٌ
    وقد تكفل مولانا بمن فيها

    للشام نلجأ إنْ نارٌ لنا حشرت
    فيها ملائكةٌ حفت ثوانيها

    في الشام ملحمةٌ في دايقٍ سكنت
    والروم يلعن أدناها أعاليها

    والقدس تشهد سًحقا لليهود غدا
    للكفر طمساً وللأجيال يحكيها

    يا شام يا شام إن الحق منبلج
    محمد قالها والله معطيها

    عيسى سينزل في البيضاء مرتكزاً
    مستأصلاً رقْبة الدجال يفنيها

    قلا تبالي بكيد لا مناص له
    ستنتهي فتن قد خاب ساعيها

    ولا تبالي بفأر لا خلاص له
    فالأسد قامت وعين الله تنجيها

    سأكتب الشعر للتاريخ يقرأه
    الشام باقية والله حاميها

  6. سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ *** وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

    وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي *** جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ

    وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي *** إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ

    وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي *** جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ

    لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ *** عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ

    يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ *** وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ

    تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها *** تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ

    وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ *** وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ

    أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا *** وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ

    صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ *** وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرق

    سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ *** أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ
    بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا *** وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
    وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ *** فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا

    وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ *** يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ

    وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا *** إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا

    وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا *** وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ

    فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ *** وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ

    وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ *** بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

    جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ *** وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
    .
    …….بارك الله فيك اخي احمد على هذا الموضوع الأكثر من رائع وكل عام وانت واهلك بألف خير

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *