20 عاما، قضاها سعيد مغسل مشرحة زينهم في العاصمة المصرية بين الجثث، لا يكل من تغسيل الموتى حتى أطلق عليه “صديق الجثث”، المغسلاتى البالغ عمره 60 عاما يخرج من منزله يوميا بعد تأدية صلاة الفجر فى المسجد والذهاب للمشرحة لتنظيفها، وتجهيزها لاستقبال الموتى ويجلس داخل غرفة التغسيل التى تحتوى على سرير طويل “طاولة الغسل” وجرادل وخراطيم مياه أدواته المستخدمة فى تغسيل الجثث وتجهيزها بعد تشريحها لتسليمها لذويها.

“اليوم السابع” التقى بـ”الشيخ سعيد المغسلاتى” داخل غرفة عمله بمشرحة زينهم بالسيدة زينب وتحدث معه عن طبيعة عمله كمغسل لتشريح الجثث، لإزاحة الستار قليلا عن الغموض الذي يحيط بالحياة داخل المشرحة، وتلمس الوجه الآخر من حياة العاملين بداخلها، ومدى تأثير عملهم بالمشرحة على نمط حياتهم وعلاقاتهم بأسرهم وأقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم.

يقول الشيخ سعيد، أنه بدأ فى ممارسة مهنة المغسل وعمره 28 سنة كان بيغسل لوجه الله لقلة العائد الذى كان يتقاضاه من إيجار محل لبيع موبيليا قائلا “ابو مالين كداب”، ولديه 3 أولاد وبنتين يسكن فى غرفة بمنطقة إمبابة بالجيزة، مؤكدا أنه يعشق عمله كمغسل أكثر من بيته وراضى عن حالته المعيشية رضا كامل وفخور بعمله كمغسل لدرجة أنه طلب من أحد أولاده استكمال عمله فى الغسل إلا أنه رفض، وذلك لخوفه من استياء الناس منه أو رفض حبيبته وأهلها الزواج منه بعد عمله كمغسل فى المشرحة.

“أنا بحبهم وهما بيحبونى” هذا ما قاله مغسل مشرحة زينهم عن علاقته بالجثث والموتى، فحبهم له أمر منطقى، فهو يؤهلهم للقاء الله علي أفضل حال، فكيف لا يحبونه؟ ويقابل الشخص بعد عزرائيل مباشرة وطيلة عمله فى المشرحة قابل العديد من المواقف والأحداث التى لا تنسى، خاصة خلال الأربع سنوات الأخيرة، فأغلب الشهداء بداية من 25 يناير مروا عليه، لذلك استحق لقب “صديق الشهداء” بجدارة، سواء كانوا متظاهرين أو رجال شرطة أو جيش، مؤكدا أنه يفضل الجلوس مع الأموات بدلا من الأحياء لأنها تذكره بالآخرة.

“أنت إزاى بيجيلك نوم وأنت بتغسل الميتين فى المشرحة” هذه كانت أكثر ردود أفعال جيرانى وأصدقائى منذ بداية عملى بالمشرحة، وكنت أعانى من ذلك حتى أن “الناس لا تحب أن تسلم عليا كأنى أنا اللى بقتل الجثث اللى بأغسلهم” ولكن زوجتى ساعدتنى فى التغلب على هذه المشكلة، وكلام الناس أصبح لا يهمنى.

وروى “الشيخ سعيد المغسلاتى” أحد المواقف المثيرة التى حدثت له، “فى مرة كنت مستعجل وعاوز أروح البيت فخرجت من المشرحة ببدلة الغسل وركبت ميكروباص أول ما الركاب قروا الكلام اللى على بادج البدلة “مغسل مشرحة زينهم-النيابة العامة” فى منهم ناس خافت منى وطلبت من السواق يقف وينزلهم والباقى قعد يقولى ربنا يكفينا شرك..ساعتها من جوايا زعلت اوى وقولت شر ايه انا مبعملش حاجة وحشة لحد نفسى الناس تفهم ده”.

وروى”الشيخ سعيد” أحد المواقف التى هزت قلبه أثناء غسله لإحدى الجثث، أولها أثناء تشريحه لجثمان عجوز مجهول “لم يتم التعرف على هويته” اتفاجئت باستنشاق رائحة وشعرت وكأنها مسك فى جسده، حتى الآن لم أستنشق هذه الرائحة الطيبة، وكانت تبدو على وجهه الابتسامة وكأن شعاع نور يضى ء وجهه، فضلا عن أثناء تشريحى لرجل توفى فى حادث دخلت علي زوجته أكدت لى أن وصيته أن ولاده وزوجته يغسلوه بنفسهم على الرغم من صغر سن ولاده، لافتا إلى أنه كان ينهار من البكاء عن كمية الوفاء أثناء غسله خاصة أثناء تحسيس أولاده الذين لم يتعدوا الـ10 والـ15 عام من عمره على جسد أبيهم وشعره قائلا: “ولاده مهما كبروا عمرهم مهينسوا يوم زى ده”.

اللى بيقول ان فى قطط سوداء وفئران وحشرات ده غير صحيح أو من الممكن من سنوات قبل تولى الدكتور هشام عبد الحميد تولى مدير لدار التشريح والذى تولى رئيس المصلحة حاليا، مؤكدا أنه أول من سعى لنظافة المشرحة وتوحيد زى مخصص لجميع الفنيين والعاملين ومغسلى المشرحة واستخدام مساحيق معينه لمنع البكتيريا فى المشرحة وضرورة التنظيف فى بداية اليوم واخره.

ويستكمل “الشيخ سعيد المغسلاتى” : “بالنسبة للأصوات انا ياما سمعت أصوات كتير اللى بيناديلى باسمى، واللى يقولى تعالى عايزك.. بس أنا خلاص اتعودت مبحطش فى بالى، آخرهم من كام يوم وأنا بايت لوحدى فى المشرحة، وقاعد فى غرفة المبيت بتاعتى، لقيت حد بينده عليا وبيقولى “ياشيخ سعيد تعالى” أقوم افتح الباب ملاقيش حد، فأرد عليه أقوله: انت بتعاكسنى ماشى ياعم متشتغليش بقى وسبنى أنام، واخدها بضحك وأقعد وده دايما بيحصل لما ببات لوحدى”.

وعلى الرغم من ذلك، أكد مغسل مشرحة زينهم أنه فى أوقات معينه يشعر بالخوف، قائلا: “أنا مؤمن بربنا وبتكل على الله والأوقات اللى بحس فيها لما بكون لوحدى والنور قاطع، ساعتها بهتز وبشغل القرآن، وبحاول انام لكن الثلاجات بتكون شغالة عادى من مولد الكهرباء”.

وتابع حديثه: “كل أمنيتى فى الحياة أن أحج بيت الله، رغم أننى لست قادرا ماديا على ذلك، ولكن هذا ليس عيبا، ولكن بحاول أسعى فى أى برنامج أو أى جمعيات تعرف حالتى وتخلينى أحج عشان أزور بيت الله وأدعى لأولادى ربنا يكرمهم ويشتغلوا ويبقوا أحسن منى، وأدعى لمصر لأنى بجد حزين على شباب مصر الضحية لأنه هو الوحيد الذى يدفع الثمن”.

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *