كتبت نادين البدير في الرأي الكويتية:

نحن) الذين أزعجنا بني الإنسان وأقلقنا الحضارة.

(نحن) الذين نتفنن بإعادة بناء الخراب.

توقفت الحروب البدائية منذ ملايين السنين، انتهى صراع الإنسان مع الحيوان فلم يعد بحاجة لخنجر يحميه، طويت أسباب حرب الثلاثين الدينية في أوروبا لغير رجعة، خلفت الحروب الأهلية الأميركية اتحادا ووحدة وقطبية نادرة، أحرق المهرطقون وثار الأحرار فعلقت المقاصل ثم أغلقت الملفات وشيدت تماثيل لرسل الحضارات.

توقف كل ضجيج دموي، وحل السكون. لا تسمع هناك إلا أصوات المصانع ومراكز الأبحاث والنظريات والحب والمسرح والفنون وتداول قيم العطاء للأسرة والوطن والأرض.

أما (نحن) فنعيد أسفار الخلق والتكوين. نقتل، نتغذى بلحوم الآخرين، نقتحم القرى والمدن بلا قانون أو دستور يحمي حتى الذبابة. أراضٍ كانت مسرحا للعلم والفن والأساطير، هي إرث امتدادنا القديم، تحولت تحت رحمتنا لردم تفوح منه رائحة الدم وأرواح تتجول باحثة عن الثأر.

لا تتسع (بلاد العرب أوطاني) سوى للرعاع، فالمتفوق ليس المخترع أو رائد الفضاء أو الكاتب.

لا أيها العالم، أنتم لا تفهموننا، لذلك تحاربوننا.

المتفوق هنا من يزرع إكسير الموت بأدمغة الفحول الحالمين بالخطيئة. تأكيد وجود الجنس بعد الممات وحقيقة الحور العين ستمنحك المنابر والجوائز والبركات.

الموت هنا. التشريد هنا.

توجهون سهامكم نحو أنظمتنا السياسية التي صنعت التخلف، ولا أعلم إن كانت الجريمة جينات متأصلة بنا أم نتاج لأعمال استبدادية متوالية.

شعوب تكفر بنجيب محفوظ ونصر أبو زيد وعبدالله القصيمي وطه حسين. شعوب تقتل الأحلام.

بداية، أعتذر لمنطقة الشرق الأوسط التي قلبناها جحيما، ومحونا منها ماضي آلاف السنين من الامبراطوريات والفنون والأشعار والمنحوتات والتماثيل والكهوف والمعابد والقلاع.

سجل يا تاريخ أننا قتلنا تدمر.

وعذرا أيها العالم.

أعتذر عن ذبح مئات من المصلين في حادثة الحرم المكي عام 1979.

أعتذر عن تفجير مجمع الخبر السكني شرق السعودية عام 1996.

عذرا لكل شيعي قتل في مساجد الإحساء والقطيف.

عذرا لموت ما يقارب الثلاثمئة بالتفجير الانتحاري في السفارة الأميركية ببيروت عام 1983.

عذرا عن تشويه بالي، الجزيرة السياحية الوديعة، وعن قتل وجرح أكثر من أربعمئة مسالم فيها.

عذرا لأفريقيا القارة المنكوبة الفقيرة البائسة.

للفتك بالإنسان في الكاميرون والتشاد ونيجيريا وقائمة لا تنتهي.

عذرا لاختطاف 276 طالبة نيجيرية وتزويجهن قسرا ومعاملتهن كجوار وسبايا. لا مكان للأنوثة في أدبيات الإرهاب.

عذرا لمقتل 300 شخص بتفجير سفارتي الولايات المتحدة بنيروبي ودار السلام.

عذرا لأهالي 21 قبطيا مصريا تم ذبحهم في ليبيا.

عذرا لمقتل 60 مصليا في أحدث تفجير بباكستان.

سجل أيها الجمال أن كشمير الحسناء صارت حاضنة لكل قبح وإرهاب.

عذرا لفرنسا، فقد انتهكنا حرمة النور.

رحمة الله على أرواح فرنسية أزهقت في نوفمبر الماضي بين تفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن في باريس.

وكلنا شارلي إيبدو.

عذرا لمقتل 259 مسافرا في الطائرة الأميركية التي أسقطت فوق لوكيربي عام 1988.

عذرا أيها الأميركي لاصطدامنا بحضارتك. لم نفهمها فأحرقناها وقضينا على ثلاثة آلاف قتيل بأبراج التجارة العالمية عام 2001.

عذرا لأن 98 من حوادث الإرهاب المتنوعة، عانى منها المواطن والمقيم في السعودية على مدى سنوات متتالية.

عذرا لتفجير مجمع المحيا السكني في الرياض وموت وجرح مئات المدنيين دفعة واحدة.

عذرا لمقتل 39 سائحا على شواطئ تونس الجميلة سابقا.

عذرا لمقتل عشرات من المصلين في مسجد الصادق الكويتي ومحاولة تشويه معالم الكويت بلد السلام.

عذرا لأرواح راهبات قتلن في اليمن قبل أيام. ذنبهن أنهن كن يخدمن كبار السن، فأطلق الرصاص على رؤوسهن.

عذرا لروسيا وأدبها وفنها. فجرنا طائرة، ذنب ركابها البالغ عددهم 217 أنهم زاروا وكرنا، فأعدمناهم حرقا.

عذرا لمسرح موسكو، شهد مقتل وإصابة المئات في الهجوم الشيشاني عام 2002. من غيرنا يمزج بفداحة بين الثقافة والعداوة؟

عذرا لموت المئات عام 2004 في تفجيرات مدريد.

عذرا لتفجيرات ستوكهولم عام 2010.

أعتذر لكل من مات في تفجيرات لندن عام 2005.

أعتذر عن تفجيرات بلغاريا والقاهرة واسطنبول و…الخ

أعتذر لكل إنسان لبناني قتل على مدى عشرات السنين على يد أوهام السياسة والطائفية والتخلف.

أعتذر لكل سوري سقط شهيد الاستبداد والديكتاتورية والذبح بأيدي المخابرات، ودفنته براميل النظام حيّا وأحرقه كيماوي المقاومة والممانعة، ثم استشهد مجددا بسكاكين ارهاب فتحت جهات معروفة الباب لها من الرافدين الى حلب.

عذرا أيها الغرب، لقتلنا مصوريكم وصحافييكم ومستشرقيكم.

هل أكمل؟

أعتقد أني تخطيت الحد المسموح به من الكلمات في هذا العمود، وأن كتابا لن يكفي لحصر مجازرنا.

هذا ما فعله المسلمون بالعالم.

الطريق للجنة نهر من الدماء القانية. اطعن أخاك واغتصب جارتك لتستحق المتعة الأبدية.

ويعيدون على مسمعي اسطوانة الرد على الاستعمار.

لعل الغباء والانشغال بالرغبات قد أنساكم أن الاستعمار قد انتهى. إنكم تستعمرون بعضكم البعض.

إنكم القرصان الوحيد المتبقي.

كيف تنظرون لوجوهكم المصبوغة في المرايا ؟ توقفوا عن استيراد المرايا.

نادين البدير

كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *