إن كل من سمع بقصة حياة بول ألكساندر وطريقة عيشه، يتفق على كونه رجل يعيش في خضم المآسي والمعاناة، فهو لا يستطيع التنفس بمفرده ، بحيث أنه عاش مشلول الرقبة والجسم لمدة سبعة عقود، أي منذ طفولته.

رغم ذلك يدع بول ألكساندر شلل الأطفال أو رئته الحديدية يعيقانه أو يعرقلان سير حياته.

وللإشارة فالرئة الحديدية هي عبارة عن جهاز تنفس ميكانيكي يغطي كامل الجسم ويشبه الكبسولة، حيث ينوب عن الرئتين ويقوم بعملية التنفس بسبب عدم قدرة الشخص المصاب على استنشاق الأكسجين بشكل طبيعي.

تبدأ قصة بول ألكساندر  في احد ايام شهر يوليو في تكساس عام 1952. حيث تم إغلاق المسابح ، وكذلك دور السينما وكل مرفق آخر تقريبًا، وذلك في ظل تفشي جائحة شلل الأطفال، الذي جعل الكل يحتمون في منازلهم خائفين من المرض الجديد الذي لم يظهر له علاج بعد. في تلك الفترة شعر بول الكساندر بالمرض فجأة ودخل المنزل، فعرفت والدته أنه مصاب لانه لقد بدا بالفعل وكأنه يحتضر، فاتصلت بالمستشفى ، وأخبرها العاملون أنه لا يوجد مكان يمكنه احتضان الطفل المريض، لذا كان من الأفضل أن يظل ويجرب التعافي في المنزل ، لكن بعد خمسة أيام ، فقد كل والكساندر وظائفه الحركية، وكانت قدرته على التنفس تتناقص ببطء أيضًا. فنقلته والدته إلى غرفة الطوارئ.

بعد نقله للطوارئ، لم يكن في وسع الأطباء فعل أي شيء، فوضعوه على نقالة وتركوه في الردهة، لكن أحد الأطباء سارع برؤيته – ظنًا أن الصبي ربما لا تزال لديه فرصة – فنقل بول ألكسندر ليخضع لعملية جراحية على القصبة الهوائية. بعدها استيقظ في رئة حديدية ، محاطًا بعدد كبير من الأطفال الآخرين الذين تمت تغطيتهم أيضا بأجهزة التنفس العملاقة.

لم يستطع الكساندر التحدث بسبب الجراحة في بداية الأمر، ومع مرور الأشهر ، حاول التواصل مع الأطفال الآخرين عبر تعابير الوجه ولكن في كل مرة كان يقوم فيها بتكوين صداقات ، كانوا يلقون حتفهم بعد فترة، واحدا تلو الآخر، لكنه لم يمت. إلى أن أرسله الأطباء إلى المنزل برئته الحديدية معتقدين أنه سيموت هناك. لكن الغريب في الأمر هو ازدياد وزن الصبي. وبدأ يتمرن على قضاء ساعة من الزمن خارج الرئة الحديدية ، ثم ساعتين. وبمساعدة من مدربته الطبية، مارس الإسكندر حبس الهواء في تجويف حلقه وحاول تدريب عضلاته على دفع الهواء إلى أسفل عبر الحبال الصوتية وصولاً إلى الرئتين. وكلما تمكن من القيام بذلك لمدة ثلاث دقائق ،

مرت الأيام والشهور والسنوات، وتخرج بول ألكساندر من المدرسة الثانوية بحصوله على درجة A، أما الأصدقاء الذين كانوا يرافقونه في الحي، أصبحوا يأخذونه إلى المطاعم والحانات والسينما. بل وتقدم بطلب للدراسة في جامعة Southern Methodist ، لكنهم رفضوه فقط بسبب إعاقته. ولكن مع إصراره وإيمانه بنفسه، أقنعهم أخيرًا بالسماح له بالحضور ، لكنهما وضعا شرطين أساسيين، أولا حصوله على لقاح شلل الأطفال المطور حديثًا، ثم الاستعانة بمساعدته للوصول إلى الفصل.

بعد سنوات من العيش بنفس المنزل، انتقل بول ألكسندر إلى جامعة تكساس في أوستن ، ليستقر بمسكن ويستعين بمشرف لمساعدته في المهام البدنية والنظافة. فتخرج في عام 1978 وحصل على دبلوم الدراسات العليا في عام 1984. ليس هذا فقط ولكن حصل أيضا على وظيفة في تدريس المصطلحات القانونية في مدرسة تجارية أثناء دراسته لامتحانات المحاماة. وعمل بعدها كمحامٍ في المحكمة وهو يجلس على كرسيه المتحرك، المعدّل ليدعم جسده المشلول. بالإضافة إلى ممارسة تمارين التنفس التي تسمح له بالخروج من الرئة الحديدية.

يعتمد بول ألكساندر حاليا وهو يبلغ من العمر 76 سنة بشكل شبه دائم على رئته الحديدية للتنفس، بسبب إرهاقه وعيائه، خصوصا وأنه طالما اعتقد أن شلل الأطفال سيعود ، بالإضافة إلى جائحة كورونا التي هددت مصدر رزقه، فإصابته بـ COVID-19 ، هي بمثابة نهاية حزينة لرجل تمكن من التغلب على العديد من العقبات سابقا.


ألف ألكساندر كتابًا تحت عنوان “حياتي في رئة حديدية”، التي يحكي فيها عن معاناته وحياته المليئة بالتحديات وكيف تمكن من اجتيازها كلها، وقد استغرق منه الأمر أكثر من ثماني سنوات لكتابتها ، باستخدام أداة القلم الخاصة به للكتابة على لوحة المفاتيح أو أحيانًا إملاءها على صديق. وهو الآن يعمل على كتاب ثان ويواصل الاستمتاع بالحياة: القراءة والكتابة وتناول الأطعمة المفضلة لديه: السوشي والدجاج المقلي.

شلل الاطفال يعود ويثير الرعب

يعد القضاء شبه التام على شلل الأطفال أحد إنجازات المنظومة الصحية في العالم، خلال القرن الماضي، ولهذا السبب، فإن رصد حالات جديدة من المرض في العاصمة البريطانية لندن، خلال الاشهرالأخيرة، قد أثار قلقا وسط الأطباء.

وكانت السلطات الصحية ببريطانيا قد رصدت في يونيو الماضي فيروس شلل الأطفال بمجاري المياه، في حالات هي الأولى من نوعها منذ سنة 1984.

وخلال الأعوام العشرين الماضية، لم تُسجل سوى أربع حالات ناجمة عن الفيروس الميت أو الضعيف في اللقاح، اثنتان منها في أوكرانيا، وثالثة في طاجيكستان، ورابعة في إسرائيل.

ويقول خبراء الصحة إنه عندما يكون مستوى التطعيم ضعيفا في مكان ما، فإن الفيروس الذي جرى إضعافه بوسعه أن يعيش لمدة طويلة وربما يتحور وينتقل إلى صيغة أشد فتكا.

ويؤدي الفيروس إلى إصابة 1 من بين كل 200 طفل مصاب بشلل غير قابل للشفاء، بينما يموت ما بين 5 و10 في المئة منهم إذا امتد المرض للجهاز التنفسي.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *