كتب – محمد عبد السيد

تتلفت حولها في ذعر ، أصوات لهاثها تشق السماء و تخبر أهلها أن هناك من تختبىء بين تلك الأشجار ، وضعت يديها فوق فمها لتسكت أنفاسها لكن يدا أخرى كانت أسبق منها
انتفضت في صرخة مكتومة أغلقت حلقها و استدارت لترى من عساه يكون بعد أن لمحت إشارة من يده أن تصمت ، عيناه تظهران من خلف قناع أحكمه بشدة حول رأسه لكن الظلام لا يدع لها فرصة رؤيتهما ، أشار لها لتمضي معه و اقتادتها خطواتها المتعثرة إلى طريق لا تعرف لأين سيودي بها و الخطوة الآن بلا تراجع فالجميع خلفها يبحثون وهذا الغريب أمامها يقتادها إلى مصير أشد ظلاما مما حولها
تسير بهدوء و حذر تدرك أنها تبتعد مسافات عنهم و تقترب بنفس القياس من هذا الغريب ، يمسك ذراعها بيده و بطنها الصغير المتكور أمامها يجعل خطواتها البطيئة ذات حمل و ثقل عليها و ضيق و أف لمن تتبعه ، يده الأخرى تزيح عن عتمة الطريق أغصان متشابكة خشنة الملامح يابسة الثمار كأنها لا ترضخ لمن يريد قطافها
تسمع زمجرات صوته تأتيها من بعيد كأنه من عالم آخر يحثها على المضي فالطريق لا يزال طويلا لكن صوتا آخر يقتنص أذنيها بصورة متكررة :
تعالي تعالي إلى أين تذهبين ؟ تحاول الهرب ، الصراخ ، الاستنجاد لكن يده تحيطها ، تخرس صوتها و تشل حركة ما تبقى من جسدها … تصرخ ، فينتبه الغريب و ينظر لها شزرا ، كأنه يقول اصمتي فهذه الصرخة ستكلفنا الكثير ، تنظر إليه لم تكن تصرخ له ، كانت تصرخ ضد الصوت الذي يملأ ذاكرتها و ضد اليد التي قيدتها في حركات متتالية لتصبح فريسة لا تملك غير الصراخ لكن جدران المكان الذي احتواها حينها على غير العادة أغلقت أذنيها فلم تعد تسمع صرخاتها المتتالية و لم ترى مجرى الأحمر بين ساقيها
حاولت المضي معه أسرع و عقلها يفكر لأين ستذهب مع من لا تعرفه و يجيبها عقلها و هل عرفتِ من ألبسك ثوب العار هذا ، من أطفأ أمل أبويكِ فيكِ و انتظار حصاد السنين يوم تكللين التعب بنجاحك، العار هي الكلمة الوحيدة التي لم تعد تسمع غيرها منذاك و ما عادت تملك غير وجه شاحب حزين و صمت يقابل نظرات التساؤل في عيني أبويها عمن يكون ؟ و كيف حدث ؟ و هي لا تملك من حروف الإجابة حرفا وحدا
انطلقت حين وجدت فرصة لخلو البيت أو هكذا ظنت لم تكن تعرف أن أهل البلدة يتبعونها الآن طلبا لها لغسل شواهد العار و محوه ، ضحكت و هي تتذكر من هؤلاء الذين خرجوا مطالبين بالشرف ؟ هؤلاء من كان يراودونها جيئة و ذهابا ؟و يد كل منهم كنت تمتد بالسوء نحوها لولا أنها كانت تردعهم حينا و ينقذها القدر حينا آخر ، أيكون هذ الماجن العاطل عن العمل باحثا عن الشرف و هو من يغوي من حوله من النساء ؟ أو ذلك اللص الذي لا يجد غضاضة أن يسرق ما يستطيع الوصول إليه ؟ أو أو جميعهم صبحوا باحثين عن الشرف
صمتت ضحكتها بعد أن غيرت الدموع مجراها لتهبط عند زاوية فمها فبدأت تمسح ما تبقى في عينيها و على وجهها و انطلق صوتها أخيرا في محاولة أن تفك ذراعها من يده المطبقة عليها .. من أنتَ ؟ و لأين تأخذني ؟ دعني لن استمر أكثر و أنا لا أعرفك ؟ ماذا تريد مني؟ ألا ترأف بحالي هذا ، بدأت الكلمات تقع من فمها و هو لا يتوقف و يستمر في المضي يجذبها بعنف أكثر فتتوقف عن المشي و تصرخ كفى ابتعد
يستدير نحوها و عيناه مليئتان بالشرر ، الآن والضوء الخافت للقمر تستطيع أن تميز عينيه ، يجذبها نحوه بعنف فتتسع عيناها و تدب فيهما برقة حياة بعد موت ، تتحشرج الكلمات في فمها و يفرض صوته نفسه على أذنيها : اصرخي ، اصرخي أكثر طالما شجاني صوت صراخك هذا و زاد من متعتي … تصمت للأبد حين تدرك صوته و وحشية عينيه

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *