تعالوا لأفسد احلامكم !..

هذا المقال رغبة مني في إزعاجكم ، محاولة لتعرية أسلاك كهربائية ، ورش بعض المياه عليها
من باب أن “رش الميه عداوة” ..
وأنا ما زلت أكتب ، لأن الكلام ما زال مجانياً
كما الحلم ، والموت ، هي أشياء لا تشترى ..
ولكنها تباع بثمن بخس لدى (الأعراب) ، وأنا منهم ..

لم يعد هنالك شيء يُغري بالكتابة ،
أو على الأقل : ليس ثمة ما يُمكن الكتابة عنه ،
نحن في زمن الأفعال
وأولئك الذين ما زالوا يؤمنون أن القلم يصنع شيئاً .. قد ماتوا
ماتوا ، عندما ظنوا أن أقلامهم تحميهم ..
وأنها قد تصنع لهم مظلة من مطر ، على الورق !
تبعث في القتلى حياةً .. من كلامْ ،
وترسم أحلاماً .. ليس ثمة أضغاثٍ فيها .
فجميعهم ماتوا .
وأنا قليل الحيلة بإيمان لأعرف ماذا كتبوا على شواهد قبورهم ، لكني أؤمن أن الذين يموتون لأجل أقلامهم .. سيحيوْن ..
وأن مرتزقة الكلمة قيمتهم أرخص من “ورق الجرائد”
وأن الحروف لوحدها لا تجلب حقاً ..
وأؤمن -أيضاً- أني أحب الحياة ، وليس بي قوةٌ لأموت من أجل “قلم” ، وأني حين أموت ، سأكتب على شاهد قبري :
هنا يرقد رجل/شاب ، لم يكن يعلم أن هذا العالم حقيرُ جداً .. جداً .

هنا أشياء لن تعجبكم ،
أعلم هذا
وأعلم ايضاً أن الحقيقة نسبية
ليس ثمة حقيقة مطلقة ،
وأنها في كل الأحوال لا تُعجب أحداً ..
هنا بعضٌ من كلام ..
وبعضٌ من أسئلة
وعلامات استفهام ؟!
ليست الحياة إلا علامة استفهام كبيرة ،
يموت الكثيرون ولم يحاولوا معرفة السؤال أصلاً !
وأن سألتني : ماذا تفعل ؟
سأجيب – لم أفعل شيئاً
إنني أقول فقط ما يشبه الحقيقة
تلك التي تؤلم ،
ولا يحبها الناس !
..

ذات يوم طلب معلماً من تلاميذه كتابة ما يتمّنونه في المُستقبل كموضوع في مادة التّعبير ،
فشرَعَ الطّلاب يكتبون أمنياتهم ، وكانت أُمنياتهم صغيرة وبسيطة ، إلا طالِباً واحِداً فقد ملئ الورقة بأمنيات عظيمة . فقد تمنى أن يمتلك أكبر قصر ، وأجمل مزرعة ، وأفخم سيارة ، وأجمل زوجة ،
وعند تصحيح الأوراق أعطى المُعلم هذا الطّالب درجة (0) .. مُبرّراً بعدم واقعيّة الأمنيات واستحالتها ..
فكيف بكل هذه الأماني لصغير لا يجد قوت يومه أن تتحقق ؟!
وقرر المُعلّم رأفة بهذا الصّغير أن يُعيد إليه الورقة شرط أن يكتُب أُمنيات تُناسبه حتّى يُعطيه درجة أكبر ،
فردّ الصّغير و بكل ثِقة وقوّة احتفظ بالدّرجة التي منحتها لي ، وسأحتفظ أنا بأحلامي !!!
سارقو الأحلام ومحطّمو الطّموح موجودون في حياتنا ، قد يسخرون منّا ، وقد يبذل أحدهم الجهد العظيم لبناء الحواجز أمامنا و لكن علينا ان لا ندعهم يقفون بوجهنا فكم عدد الذين قالوا ان كل ما نفعله عبثي لا طائل منه جميعهم رحلوا وبقينا نحن ؟..

..

لدي قناعة بأننا وصلنا من قسوة ما نقرأ ونشاهد أن الأمور عندنا أصبحت بالغة التعقيد ، إن قُدم أليك طعام داهمتك حسابات الصحة والكوليسترول ، إن ذهبت إلى مكان قفز الى ذهنك معايير الجودة والخدمة ، وإن أردت شيء من الترفيه بمتابعة مقطع تلفزيوني سيطرت عليك نزعة تصنيف ألإعلامي ، بل حتى لو أردت أن تريح نفسك بسماع تلاوة من القرآن سارعت لعقلك محاكمة مستعجلة لذلك القارئ ومواقفه السياسية المختلفة ، وعلى سيرة السياسة تصبح أمورك بالغة التعقيد وأنت تبحث عن مصادر مستقلة تستقي منها الأخبار بموضوعية ..!
بل إن تركت ذلك كله وانصرفت لتشجيع منتخب كروي عالمي هاجمك البعض بناء على التاريخ السياسي والعسكري للفريق الذي اخترت تشجيعه !..

أحيانا ترغب أن تكون معرفتك بكل شيء أقل من السطحية ، لماذا لا أكون مثل كثير من الناس يعيشون حياتهم بأي طريقة وكيفما اتفق ، يتجنبون السياسة ومشاكلها ، يرضون بما يحدث لهم باعتباره ضرباً من الرضا والقضاء والقدر ، يحمدون الله أن بلادهم أفضل من كثير من دول أخرى مزقتها الحروب والدماء ، وهم عموماً قليلو الثقافة والاطلاع بما يحيط بهم ، وإن أعجبتهم حكمة نشروها ورددوها حتى لو كان قائلها أفخاي أدرعي “متحدث الجيش الإسرائيلي” !..
أصلا هم لا يعرفون من يكون وغير مستعدين لبذل أي جهد لمعرفة ذلك تجنبا لوجع الرأس .

هم من النوع الذي يستمع لذلك الداعية أو المقرئ ويتابع تلك القناة ويأكل ذلك الطعام ويجلس في تلك الجهة دون أفكار مسبقة تعطل عليهم ـ حسب رأيهم ـ نشوة الاستمتاع باللحظة القائمة .

ماذا سيحدث للعالم ولي إن تجاهلتُ ما يدور حولي وعشت يومي آكل وأشرب وأنام؟ وفِي النهاية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها !..
وعليه لابد أن أقنع نفسي أن هذا هو وسعي وهذه هي استطاعتي خصوصاً أن لي ظروفا مختلفة عن غيري ، يمكن بسهولة أن يجد أي منا قائمة طويلة من الاستثناءات التي لا تنتهي لظروفه وبيئته وبلده وطبيعة حياته وعائلته .. الخ.

ولكن تعود فتستيقظ على حقيقة كونك إنساناً من لحم ودم ينبغي أن تشعر بأخيك الإنسان ، وتميز بين الحق والباطل وترفض المنافقين والدجالين وتسعى للجودة والتحسين وتدافع بكل ما أوتيت من قوة عن ذلك ، “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ” .

الفساد الحقيقي في الأرض في تسيد الباطل وما يرافقه من جهل وسطحية وسذاجة وإمعية ونفاق للظالم ، ولكن هذا لا يعني المبالغة في تصنيف الناس ورفض ما لديهم جملة واحدة بسبب موقف هنا أو تصريح هناك ، ففصل الملفات مسألة ضرورية والبحث عن القاسم المشترك بيننا مسألة أكثر إلحاحا في ظل ما تعانيه أمتنا .

نعيش حياتنا ونفرح لما يفرح له الناس ونحزن لما يحزنهم ونبحث عن الخير في نفوسهم ، ولكن نكون على درجة عالية من الحذر بنفس الوقت من أن يكون أي منا ذلك الهامش الطارئ على مجتمعه ، الذي لا ترى له أثراً إن مر ، وحياته غرائزية بل أمرّ ، إن عاش لم يؤثر بأحد وإن مات لا يتأثر لموته أحد يذكر .

وإن سألني احدهم سؤالاً
سأجيب على الفور : لستُ من أهل مكة
وأهل مكة أدرى بفسادها ! ،
وهم جاهزون لفتح نيران ألسنتهم -وربما أيديهم- لمن يُحاول أن يقول شيئاً ، يهمسون وهم يتحدثون عن الأخطاء المرحلية الحالية ..
ويحاولون تصحيح شيء ، أي شيء
والحجّة جاهزة : مش وقته !..

لا أعرف أحداً من أهل مكة أستطاع أن يجيب على سؤال : وماذا بعد؟
عملنا أناشيد ، فيديو كليب ، صوتنا بـ”لا” ..
، عملنا لايكات على الفيس ، وغرّدنا بصوت مبحوح أتبهدلنا ، زدنا فقراً ، حجبوا عنا البحر !
-طيب وبعدين؟
-شكلك كده مش بتحب الرئيس !..
أو أنك لا تؤمن بوعد الله ..
أو أنكَ من منافقي المدينة الذين قالوا : ما وعدنا الله ورسوله .
هكذا وبكل بساطة ، كانت إتهامتهم سابقة التجهيز لإي وكل شيء ، أقسمت لهم مراراً بأن لي قالب ولهم قالبهم ، ولكن أزعموا بأن هذا القالب يليق بك ..
نظرت الى السماء فلا أمتلك غير الدعاء ، وخمسة أصابع ..
..

الأن اصبح لدي هاجس من كل شيء ، اصبحت أخاف اكثر من ذي قبل ،
كل شيء يرعبني
اعواد الثقاب ، غيمة تفكر في البكاء ، وطرق ألباب ..

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *