يبدو أن اللغط الجاري حول قرار الفنانة المصرية حلا شيحة خلع الحجاب يتجاوزها في حدّ ذاتها، ليمثل انعكاساً واضحاً لما يمكن تسميته بالتوظيف السياسي لـ “شكل” المرأة المصرية، وكيف تحولت رؤوس النساء وأجسادهن إلى ساحة نزال. نظرياً يدور الحديث حول حجاب المرأة وتحررها، وعملياً تدور المعركة حول التمدد وإثبات الوجود للفرق السياسية المتناحرة.

كان البرقع (النقاب) طاغياً على الشارع المصري حتى مطلع القرن العشرين، ومع بداية الانفتاح الثقافي وازدهار الحركات الوطنية الراغبة في الخلاص من التبعية العثمانية والحماية البريطانية بدأت إرهاصات التوظيف السياسي المباشر لـ”شكل المرأة” المصرية تلوح في الأفق. ويمكن القول إن سعد باشا زغلول كان من أوائل الذين ناوروا بتلك الورقة حين شجع النساء اللواتي يحضرن خطبه على إزاحة البرقع (النقاب) عن وجوههن، في إشارة للتحرر والاستقلالية.

وأتت مجلة “السفور” الصادرة عام 1915، والتي ضمّت كتاباً بحجم الدكتور طه حسين والشيخ علي عبد الرازق، معبّرة عن التوجه العام لذلك التيار المدني الصاعد بقوة، ويوماً بعد يوم تزايدت أعداد الكاشفات عن وجوههن في الشوارع في دلالة لا تخطئها عين على تزايد وزنهن النسبي. ورغم أن التيار الجديد، ربما قد يكون وظف ذلك الملف سياسياً بمعنى من المعاني، إلا أن ذلك لا ينفي أن النساء بدأن فعلاً في الحصول على بعض من حقوقهن المسلوبة.

وعلى الطرف الآخر من الصورة، ظهرت “جماعة الإخوان المسلمين” كردّ فعل مضاد على انهيار الخلافة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية، وبدأ الفصيل الجديد – الطامح لشغل مساحات أوسع – يقدم خطاباً مغايراً للسائد، تحدث حسن البنا فيه عن الدين وعالميته، مذكراً أنه “لا وطن إلا الإسلام” ولا خلاص إلا بالعودة للقرآن.

كان البنا مثله مثل أي سياسي يسعى للوصول للحكم (وهذا حق مشروع)، لكنه اختار أن يتم ذلك عبر أسلمة المجتمع أولاً ثم حكمه ثانياً، موقناً أن تلك العملية لن تتم بسلاسة وهدوء إلا عبر “أسلمه النساء”، وقد ذكر ذلك شخصياً بوضوح في مقال نُشر له في مجلة “المنار” عام 1939 قال فيه “لا حاجة للمرأة أن تدرس العلوم المختلفة، المرأة للمنزل، علموها ما هي بحاجة إليه”. كان الرجل يريدهن في مهمة حصريّة محددة: تنشئة الأبناء وإعداد الكوادر المؤمنة بأن الإسلام هو الحل.

تحركت جماعة “الإخوان” أكثر في الشارع واستحوذت على مساحات لا يُستهان بها، وعاد الزي الذي يمكن وصفه مجازاً بالإسلامي يطل من جديد، لكن في عام 1948 – وقبل أن تستوي الجماعة على عرش قوتها – تلقت ضربة قاسمة على يد النقراشي باشا، رئيس الوزراء حينها، الذي قرّر حلّ التنظيم المتهم بممارسة العنف، وهو ما دفع الإخوان لاغتياله لاحقاً، ومن ثم تراجعت الجماعة وتراجع معها الحجاب.

لكن الضربة الأقوى التي تلقاها الإثنان (الإخوان كتنظيم والحجاب كرمز) كانت على يد الرئيس جمال عبد ناصر. لم يدم شهر العسل الذي جمع بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين طويلاً، فسرعان ما أطاح عبد الناصر بالهضيبي (المرشد العام) ونكّل بجماعته.

وقرّر الزعيم الجديد أن تتبنى الدولة خطاباً “شعوبياً” مغايراً للخطاب الديني الذي توهم الإخوان أنهم قادرون على إنفاذه عبر الضابط الشاب، وباتت مفردات “التحرر- العدالة الاجتماعية – العدالة الوطنية” هي النغمة السائدة، لتنزوي الشعارات الدينية ثم تختفي من الشارع، ويختفي معها الحجاب لسنوات.

استفادت المرأة من هذا التوجه السياسي الجديد، فعام 1956 مثلاً قرّر عبد الناصر – في إطار سعيه لتعزيز مكانته الشعبية – منح النساء حق الانتخاب والترشح للبرلمان ضارباً عرض الحائط بفتوى الأزهر بشأن تحريم مشاركة النساء في الانتخابات البرلمانية الصادرة عام 1952.

ولم يعترض الأزهر على توجهات ناصر الجديدة، بل على العكس رحب الشيوخ بقرار الرجل، تماماً كما رحبوا بالتقاط صور لهم مع فتيات سافرات.

وكما اختفى الحجاب من الشارع المصري لعقود بقرار من الدولة ولأسباب سياسية، عاد الحجاب من جديد في عهد السادات وأيضاً بقرار من الدولة ولأسباب سياسية.

وصل السادات إلى الحكم بأجندة مختلفة وتوجهات مناقضة لسلفه، تلك التوجهات التي خلقت بينه وبين اليسار المصري (القوي في ذلك الوقت) صداماً فكرياً، دفعته للبحث عن خصم يواجههم به. وقد وجد ضالته في جماعات “الإسلام السياسي” ففُتحت لهذه الجماعات الأبواب وسُمح لها بالتحرك بل ودعمتها الدولة بشكل غير مباشر حين وصف الرئيس نفسه بأنه “رئيس مسلم لدولة مسلمة” متبنياً خطاباً دينياً مغايراً تماماً للخطاب “الشعوبي” الناصري. وهيمن الوعظ على المشهد.

تزامن ذلك مع ظهور الثروة النفطية في الخليج، وما صاحبها من رغبة عارمة لدى حكامه في بسط هيمنتهم وثقافتهم على الإقليم، وفي قلبه مصر بالقطع، وتمّ بالفعل ضخ أموال طائلة لسنوات متتالية في سبيل ذلك. وهكذا توافقت الظروف وتقاطعت الأهداف، وبدأ الحجاب بالانتشار من جديد في مصر.

وللقيادي الإخواني البارز عصام العريان لقاء مصور يتحدث فيه عن الحجاب وكيف انتشر في مصر، ويذكر فيه أنه التحق بالجامعة عام 1971 ولم تكن هناك سوى زميلة واحدة محجبة بالكلية على حد تعبيره، وفي ظرف خمس أو ست سنوات من العمل الدعوي وتوزيع الكتيبات وبفضل الله، “انتشر الحجاب بين (نصف أو ثلث) فتيات الكلية دون إكراه”.

فيديو العريان يشير بوضوح كيف أُدير الملف في مصر: 1- سلطة تفتح مساحات لتيار الإسلام السياسي لتوظفه لصالحها، فتسمح لهذه التيارات بتوزيع الكتب والمنشورات بحرية تامة، ليس هذا فحسب بل تغض الطرف عن “البيزنيس” الوليد. 2- تيار عائد من غيابات السجون يحاول أن يكسب مساحات جديدة على حساب اليسار. 3 – خليج يدعم ويغدق الأموال. وهكذا، كانت رؤوس النساء وأجسادهن أرض المعركة، وقد انتصر التحالف غير المعلن… وانتشر الحجاب.

هذا الوضع حافظ عليه حسني مبارك، الذي لم يكن له توجه واضح فعلياً، فلا هو “الزعيم الملهم” ولا هو “كبير العائلة”. على العكس، كان الرجل موظفاً ليس إلا وحكم بعقلية الموظف، وقد حافظ على بقاء الحال على ما هو عليه لثلاثين عاماً، نجح خلالها الإسلام السياسي (إخوان – سلفيون) في كسب أرض جديدة كل يوم، وكلما زادت رقعة الحجاب زادت قوة الإسلاميين. كان انتشار الحجاب واللحى وحفّ الشوارب والسواك، مظاهر قوة أحسن البعض استغلالها سياسياً فضلا عن استغلالها المادي.

وفي الثمانينات التقت المصالح. ثروة خليجيه طائلة حريصة على فرض “نموذجها” الثقافي على الإقليم، حركات وتنظيمات سياسية دينية تسعى لإثبات قوتها وشعبيتها كل يوم، ونظام حكم وظيفي بلا توجه واضح أو أيديولوجية محددة. النتيجة كانت انتصاراً كاسحاً للثقافة والسياسة الخليجية المتسقة مع طموح “الإخوان المسلمين” السياسي في ظلّ غياب أي فصيل مدني مضاد، وحيثما تولي وجهك ستجد جملة “سينتهي الغلاء حين تتحجب النساء”.

لكن… إذا كانت اللعبة جرت دوماً برعاية الدولة، فنحن نمر الآن بطور جديد فيها. الملاحظ أن هناك تزايداً في أعداد من يخلعن الحجاب في مصر. صحيح أن الأغلبية ما زالت محجبة، لكن أعداد غير المحجبات تزداد يوماً بعد يوم، وقد أصبح من المعتاد أن ترى فتيات ونساء مسلمات غير محجبات في الشارع المصري بعد عقود من اقتصار ذلك على الأقباط، حتى بات من البديهي أن يعتقد الشارع أن غير المحجبة هي بالقطع غير مسلمة.

الملفت للنظر أكثر اليوم، هو أن التغيير الحثيث يتم بعيداً عن الدولة التي كانت تدير على الدوام ملف الحجاب، بدءاً من اهتزازه على يد “الوفد”، ثم اختفائه على يد عبد الناصر، مروراً بعودته على يد السادات، وأخيراً هيمنته على يد مبارك. ولعلّ ذلك يفسر تلك الحالة العصبية إزاء قصة حجاب شيحة وخلعه، فلأول مرة منذ عقود يشعر “الإسلاميون” بخطر (ولو طفيف) من انتشار أفكار مغايرة، حيث ظنوا لسنوات أنه لا يوجد وزن نسبي لها في الشارع المصري، إذ كان الدليل دوماً: انتشار الحجاب.

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

  1. لانه المراة العربية مشوهة العقل , وثقافتها النكاحية ضحلة وجهلها بالتعامل مع الرجل , فهي اما خانعة او متمردة او متجبجبة , ما تقدر ان تمارس ادوار متعددة في وقت واحد بحيث تكون الزميلة مرة والاخت مرة ثانية والحبيبة ثالثة , والام مرة رابعة , وكلها ادوار المراة العربية ما تجيدها , فهي بمجرد الالتقاء برجل تحس انو اله لنزع بكارتها هههههههههههه فلهذا الثقافة النكاحية محتاجتها المراة العربية بشدة ولا تتحاول تتصنع وتفهم انه ليس كل رجل ثور او الة لنزع غشاء البكارة بل قد يكون مواطن يحتاج ارشاد , فلا يجب ان تستحي معه رغم انها محجبة وملتزمة , لكن الحجاب عند المراة العربية ثقيل ما تعرف انه بحد ذاته سلاح فعال قادرة من خلاله ان تناقش بدون ما تموع , ومن خلاله قادرة ان تقاتل دفاعا عن افكارها او حتى استعمالو في حبها وغرامها , نحن محتاجين ان نعلم المرة كيف تستلذ بالحجاب رغم انفتاحها على الثقافات العميقة والمحرمة وطبيعي في مقدمتها الثقافة النكاحية هههههههههههههههههههههههه هذا خلوه الي وانا راح اكون جيل من النكاحيات العفيفات وخادمات للمجتمع بحيث تصير المتنقبة احلى من عفيفة اسكندر ههههههههههههههه اقصد مارلين مورلو , وبنفس الجرأة , وما ولدتو امو بعد الي يقدر يخدعها بلايك صغير على الفيسبوك ليهين كرامتها هههههههههههههههههه الشغلة شغلة عزيمة وارادة لازم نزرعها في البنت العربية لتكون واضحة وحراقة مثل الشمس . فحجابك يا ستي ما يضر ينفع وما يثقل انما تتلذذين فيه لكن اعرفي تستعمليه وبعقلك توازن بين ثقافة النكاح والامومة والاخوة والمواطنة الصلبة واكيد الحبيبة العاشقة بالحلال , ولا تخلين وحدة تغلب على الثانية التوازن مطلوب حتى ما تقعين ويحتقرك زوجك وابنك وشعبك ويسخط عليكي ربك .

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *