لا أعرف متى يقوم الرجل الهمام «تركي آل الشيخ» بمهامه الوظيفية، كمستشار في الديوان الملكي السعودي، وكوزير للشباب، ورئيس هيئة الرياضة في بلاده، ومؤلف أغانى وهو يقضي «داومه الكامل» في مصر، كصاحب ناد، ومالك محطة تلفزيونية، وهو مشتبك مع الجميع، وقائم بدور المندوب السامي السعودي، في دولة بحجم مصر، صغرت على يد العسكر، حتى صارت واحدة من مقاطعات آل سعود، فيتصرف فيها المذكور تصرف المالك في ما يملك!
علاقات التبعية، بدأت في عهد مبارك، وصارت أكثر خضوعاً في عهد الانقلاب العسكري، فأثرياء المنطقة، لم يجيدوا التعامل سوى مع شريحة من الفنانات، ومع الحاكم العسكري، لذا فقد قامت قيامتهم بمجرد أن حكم مصر حاكم مدني، رغم أن الرئيس محمد مرسي، كان يخطب ودهم، لكن، وكما قال الشاعر: وليس كل من تهواه/ يهواك قلبه.

وكما قال شاعر آخر: جننا بليلى وليلى جنت بغيرنا/ وغير ليلى بنا مجنونة، لكن لا نريدها.

وإيران هي «غير ليلى»، وقد بذل أهل الحكم فيها جهوداً مضنية من أجل التقارب مع مصر، باءت جميعها بالفشل!

كان النفوذ السعودي قوياً في القاهرة في عهد مبارك، وإزداد قوة في عهد السيسي، وفي عهد الثاني فإن مندوب ولي العهدالسعودى ، هو فوق القانون، إلى درجة أنه يطلق فضائية ويخالف القانون، دون أن يجد من ينتقده على هذه المخالفة، فوزير الإعلام الأسبق (اختيار العسكر) والنائب الحالي (اختيار العسكر أيضا) أسامة هيكل، أعلن أن قناة «بيراميدز» تبث بالمخالفة للقانون، وقبل أن ينتهي من نطق هذه العبارة استدرك حالاً، وكأنه تذكر نفوذ المذكور فجأة فقال «ولا ذنب على تركي آل الشيخ»!«أسامة هيكل» هو اختيار عسكري منذ النشأة والتكوين، ومنذ أن كُلف بإدارة ندوة في الأوبرا في عهد النظام البائد، وبراتب عظيم نتيجة هذه المهمة المضنية، ومع ذلك ارتج عليه وهو يذكر اسم «تركي آل الشيخ» فتراجع سريعاً، عندما قال إن «بيراميدز تبث بالمخالفة للقانون»، بيد أن آل الشيخ لا ذنب عليه. فماذا يمكن لأسامة أن يفعل وهو يرى سلطة قائمة تعامل الفتى على أنه مندوب سامي، فيهين الجميع دون أن يقول له أحد: عيب، فالبلاد لها أصحاب!

فى خدمة الوافد

عندما أعلن «تركي المذكور» عن بث قناته «بيراميدز»، نسبة إلى إسم النادي الذي اشتراه، أدهشتني السرعة التي حصل بها على «الترخيص القانوني»، وكأن الأمر لم يكلفه سوى أن يرفع سماعة الهاتف لرئيس المجلس الأعلى الإعلام، لتصله الموافقة بالفاكس في التو واللحظة، أو قل عبر بريده الإلكتروني،!
وتبدو السلطة المصرية من أكبر رأس، إلى أصغر رأس، في خدمة «الوافد السعودي»، وفي حالة انبطاح كامل له، فهو لا يمثل نفسه، ولكنه يمثل سيده ولي العهد صاحب النفوذ الطاغي في القاهرة، حيث لا ينافسه في ذلك سوى «محمد بن زايد». ويتصرف ولي العهد السعودي على أنه ولي أمر السيسي، فيستغل بسطته في الجسم، ويحيطه بذراعه، في تصرف يفتقر للدبلوماسية وللياقة، لكن من يقف بجانبه يسمح بالتصوير، وكأنه لا يدرك ما في هذا التصرف من افتقاد للذوق، واساءة لا تجوز!
« اسامه هيكل »، وهو يقترب من «الرحاب الطاهرة»، كان يرد على سؤال في مقابلة صحافية، وبصفته رئيس مدينة الانتاج الإعلامي، وهو المنصب الذي شغله بصفته وزيراً للإعلام في عهد المجلس العسكري، وكان وضعه في مجلس إدارة المدينة ممثلاً للوزارة، وقد كان وزير الإعلام يرشح من يمثل الوزارة في عهده، وأظن أن «أنس الفقي» التزم هذه السياسة، لكن «أسامة» دفع باسمه هو، وعندما وقع الانقلاب كانت المفاجأة أنه استمر في موقعه في العهد الإخواني، مع أنهم عينوا وزيراً غيره، ولا نعرف إن كان استمراره في مدينة الانتاج الإعلامي، تم بطلب من العسكر، أو بمحبة خالصة من قبل وزير الإعلام بعد ذلك، وليس للاخوان فضل في الإطاحة به من منصبه الوزاري، فالمجلس العسكري هو من أقاله بعد مذبحة ماسبيرو، إذ انطلقت مذيعة التلفزيون المصري في عهده، تطالب المسلمين بالتصدي لحصار المتظاهرين المسيحيين للتلفزيون، وقد غضبت الكنيسة، وكان واضحاً أنه لم يرضيها وقف المذيعة عن العمل، واعتذار «أسامة» في اليوم التالي للبابا وجهاً لوجه فأقيل الوزير. وقد عادت المذيعة الآن، كما عاد الوزير المعزول للمشهد، وصارت الكنيسة نفسها جزءاً من بنية الانقلاب والاطاحة بالرئيس المدني المنتخب!

مرحلة صالح كامل

المخالفة القانونية، التي رصدها رئيس مدينة الانتاج الإعلامي لقناة تركي آل الشيخ «بيراميدز»، تتمثل في أنها تبث من خارج مدينة الانتاج الإعلامي، وهي تدخل في إطار المناطق الإعلامية الحرة، وقد نص القانون على أن القنوات المملوكة للأفراد لا بد أن تبث من المدينة، لكن صاحب القناة، استأجر استوديوهات الشيخ صالح كامل زوج الممثله صفاء ابو السعود صاحب «إيه. آر. تي» في منطقة الأهرامات، وهذه الأستوديوهات شاهدة على عدم احترام القوانين!
ففي الحقيقة أن استوديوهات صالح كامل كانت موجودة في مصر قبل القانون الذي ينظم عملية البث من مدينة الانتاج الإعلامي، وفي وقت كانت القوانين تمنع ذلك، لكن لأن «صالح كامل» سعودي، فمن حقه أن يخالف القوانين، وأن يضرب بها عرض الحائط وطوله!
وفي مذكراته يروي الإعلامي حمدي قنديل، شفاه الله وعفاه، أن صفوت الشريف كان يكره صالح كامل. لكن من الواضح أن نفوذ رجل الأعمال السعودي كان يستمده من مبارك ذاته، لهذا فلم تكن كراهية الشريف لها تأثير عليه، وإن كان «صفوت» أوقف في ذات يوم بث الـ «إيه. آر تي» من القاهرة، وأعلن أنها تبث من خارج مدينة الانتاج الإعلامي،!
وبعد عدة أيام من عملية الإغلاق عاودت شبكة «إيه. آر. تي» البث، ولم يعد أحد يتحدث عن القوانين، التي عاد أسامة هيكل فذكرنا بها، وإن نفى سريعاً أي ذنب لتركي آل الشيخ، لعدم علمه بالقوانين!
منذ القدم، ثار جدل حول «العلم بالقانون»، وهل يعفي الجهل به المتهم من العقوبة، لينتهي هذا الجدل إلى أن العلم بالقوانين مفترض في الناس، وإلا فسدت الأرض عندما يدعي أي متهم عدم العلم.
ومما يؤسف أن تصبح الأمور «سداحاً مداحاً» في مصر، فيأتي إليها أي «وافد» فيطبق قانونه هو. لا بأس، فتركي آل الشيخ ظن ولجنسيته السعودية أنه فوق القوانين المصرية، فلم يسأل عنها، وبالتالي هو يجهلها، فأين هي الجهات المختصة بوقف الخروج على القانون؟ ولماذا لم تقدم مدينة الانتاج الإعلامي بلاغاً ضد مخالفته قانون البلاد، فتوجه له جهات الاختصاص انذارا لتوفيق الأوضاع إن تعذر تطبيق القانون في التو واللحظة، لولا أنها تعلم أن العين لا تعلو على الحاجب، وأن المندوب السامي السعودي هو فوق القوانين المصرية، بل وفوق الروتين المتوارث، فيحصل على الترخيص القانوني بين غمضة عين وانتباهتها!

من الدار للنار

فأين وزارة الداخلية، وجهاز الرقابة على المصنفات؟ وأين محافظ الجيزة ومدير الأمن حيث تقع الأستوديوهات ضمن الحيز العمراني للمحافظة؟!
لقد تم أخذ الصحافي المصري «عادل صبري» من الدار إلى النار، لأنه يطلق موقعاً إلكترونياً بدون ترخيص، هو «مصر العربية»، مع أن القانون الذي يلزم المواقع الإلكترونية بالحصول على الرخصة القانونية لم يصدر بعد، ولا تجريم إلا بنص، والمقر الذي يقع فيه موقعه يقع أيضاً في محافظة الجيزة، التي تحركت أجهزتها وأجهزة وزارة الداخلية لتحرر محضراً ضد «صبري» وتقوم باعتقاله، ولا يزال معتقلاً إلى الآن!
أعلم أنه من العبث أن نتكلم في مصر عن القوانين، لكن السماح بمخالفتها، إنما يؤكد هذا النفوذ السعودي العابر للحدود المصرية، والذي جعل تركي آل الشيخ يهين رموز الرياضة في البلاد، ويجري التعامل معه على أنه «مولانا ولي النعم»، فيمنح ويمنع، ويهين ويصفح، فيبلع الجميع اهانتهم، حيث تقع الإهانة على رئيس النادي الأهلي «محمود الخطيب»، وعندما يكرمه الله وينطق فإنه يعلن عن رفضه الاشتراك في بطولة كروية، لأنها ستجرى في قطر.. «خيبك الله» بصوت الشيخ كشك!
لقد اعتدنا على هذا النفوذ السعودي، وشاهدنا كيف كان حرس الأمير تركي بن عبد العزيز، وحرس السيدة زوجته الأمريكيين (رحمة الله على الجميع)،بعهد حسنى مبارك أهانوا المصريين، في رعاية الدولة المصرية، وهو الذي طرده الرئيس التونسي «الحبيب بورقيبة» من تونس، لإهانته خادماً تونسياً، وأبلغته السلطات التونسية أن عليه أن يغادر حالاً باعتباره شخصاً غير مرغوباً فيه، فجاء إلى مصر حيث «السداح مداح»، وحيث الحكم، الذي يرى أن مصر تابعة للمملكة، وقد أذل الرز أعناق الحاكم العسكري!
بواسطة «بيراميدز»، فإن المندوب السامي السعودي يبيع ويشتري في الرياضيين والإعلاميين، وهو أمر لا يمكن له أن يفعله ولو في البحرين، وبشكل مثل فضيحة، أخشى التهوين منها بحكم الاعتياد عليها!
ولماذا لا يجعل السيسى تركى أل الشيخ نائبه الشخصى ، لنحكم حكماً سعودياً مباشراً، بدلاً نظام «كفيل ومكفول وبينهما تركي»؟!
أرحنا بها يا سيسى .

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *