لم يحظى رئيس في أي دولة في العالم بتأييد مطلق من أبناء دولته ، ولا إجماع على قرارته او القبول به.
وتزيد دائرة المعارضة أو تقل بحسب سياسات الحكم ومدى تعبيرها عن رغبات وأمنيات وطموحات الشعب ،
ومظاهر الاعتراض تعتمد قوتها وضعفها بحسب القبضة الامنية التى تتعامل مع الشعب .
وعلى ذلك , ومن الطبيعى وجود معارضيين للرئيس عبد الفتاح السيسى , برغم الشعبية الجارفة التى نالها بعدما ظهر على المسرح السياسى المصرى , محققا لرغبات المصريين فى الأطاحة بحكم الاخوان واستعادة الدولة المصرية بثقلها وماكنتها الحضارية والفكرية .
عليك هنا ان تخرج الاخوان وحلفائهم ذوات الجماعات ألاصولية الراديكالية مثل انصار بيت المقدس وغيرها الكثير من التنظيمات التى تمارس ارهاب ضمن معادلة المعارضة , وتلك الجماعات تعارض أي حاكم لا ينتمى اليها , ولا يكتفى اعضائها بأنتقاد الحاكم أو كشف اخطائها , بل تتحول بحكم افكارها وولائها الى معارضة المجتمع كله , وخصوصا اذا كانت غالبية الشعب من مؤيدى الحكم او من الساكتين عليه .
ولأنها تستخدم الدين ستار لرغباتها , فألياتها فى المعارضة تتخطى ادوات السياسة المعروفة الى أدوات الترهيب والرعب والتفجير والتفخيخ وأحلال ذلك .
وحديثنا هنا عن الشعب الذى ينقسم بدوره الى فئات عمرية وفكرية واجتماعية وحضارية , ويتأثر بما يمر به من أحداث وحروب وأنتصارات ومحن وهزائم وانكسارات , فتصقلة وتزيد من قدرتة على التحمل والجلد والصبر , أو تهزمة وتسحقة وتفتنه وتسرطن خلاياه وتزيد عوامل الفرقة والأنهيار .
ولكن كعادة الشعب المصرى حافظ خلالها على الحد ألادنى من التماسك والوحدة والتجانس , برغم المعاناة طوال عقود من مؤامرات خارجية ودسائس داخلية وأنتهازية من نخب سياسية , وتدنى مستوى المعيشة والخدمات , وفساد تحول الى ثقافة يومية واسلوب حياة , ولكنه فى كل المواجهات نجح فيها وتخطى أختبارها ,
وأستثمر تاريخة ومكانته وأرتباطة بأرضه , فتولدت دائما لديه العزيمة ليخرج منتصرا , حتى أن كان جريحا .
رغم كثر التحديات الخطيرة التى مر بها الشعب المصرى على مدى عقود , تأتى 25 يناير 2011 بأعتبارها أكبر التحديات , ربما أقل أو أو أخطرها , ليس فقط لآن الأخوان قفزوا خلالها على السلطة , وعاشت خلالها البلاد تجربة مريرة , ولكنها أبرزت سلبيات عديدة للشعب المصرى طافت الى السطح بعدما ظلت مخفية خلف ستار التحديات الخارجية ومعاناة داخلية .
لنترك ما حدث من (الخناقة) وحول وصفنا لها (ثورة أو نكسة) , فالأختلاف من طبائع الامور , لكن علينا أن نركز فى غالبية الاطراف الفاعلة فى التحول السياسى التى خلعت عن نفسها ثوب الحياء والخجل , بل صارت تفتخر بممارسة (قلة أدبها) .
اختلفت المعايير، ولذلك كانت واقعة الشابين اللذين صنعا شريط فيديو يسخران فيه من جنود الشرطة بطريقة مقززة عرضاً لمرض موجود بالفعل .
كانت الأعراض طفت على السطح عبر تصرفات غيرهما من المنتسبين إلى النخبة السياسية والإعلامية، لكن المعايير المزدوجة والتقديرات النسبية لكل تصرف مسيء أو خارج على الأخلاق كان يُفسّر بحسب الزاوية التي ينظر منها كل طرف إلى الموقف المخجل.
ما جرى يدخل في باب (قلة الأدب) وزاد من تأثيره خروج بعض المعارضين لحكم السيسي، أو قل الكارهين للشرطة، للدفاع عن الشابين لمجرد أن الفعل المشين كان موجهاً للشرطة .
هؤلاء أنفسهم ستتغير مواقفهم من الترحيب والتهليل والإعجاب بالتصرف المخزي إلى النقيض إذا ما كانا استهدفا الدكتور محمد مرسى مثلا ، أو قيادي بارز في جماعة (الإخوان المسلمين)!
المعايير المزدوجة هي التي جعلت بعضهم يصمت وغيرهم يشيدون بشتائم الثوار ضد رموز عصر مبارك من دون أن يتعففوا عن لغة الشتائم والألفاظ الخارجة ، وهي التي شجعت معارضي (الأخوان) على الاحتفاء بألفاظ خارجة وجهت إلى مرسي أو مرشد (الأخوان) أو رموز الجماعة ، ولم يعتبروها خروج عن الأخلاق وإنما موقف وطني ، وهي نفسها التي حولت إعلاميين إلى ناشطين سياسيين يلقون ترحيباً وإشادة واحتفاء إذا ما تطاولوا علناً وجهراً وعلى الملأ في حق مسؤول حالي أو سابق .
لم تعد (قلة الأدب) مرفوضة ، بل صارت محلاً للضجر من بعضهم بحسب الجهة أو الجهات أو الشخص أو الأشخاص الذين توجه إليهم .
تصرف الشابين مخز ، لكنه ليس الأول ، فكثير من الخزي مر من دون أن يتنبه له أحد ، أو انتبه بعضهم له ومنح أصحابه جائزة التفوق !
المعايير المزدوجة
هذا تعبير بسيط لكنه مؤذي و منتشر أكثر مما نتصور كل منا مرت به مواقف حياتية لجأ إليه للخلاص من مأزق ما لكنك تقصد هنا المعايير السياسية المزدوجة بالطبع
شكراً لمقالك اعجبني جداً