في أحد مقاهي بيروت يجلس “ع. سباعنة” مع صديقه أُبي يتابعان التطورات في سوريا لحظة بلحظة. يرصدان مع أصدقاء لهما ما يجري تحديداً في مخيم اليرموك، حيث تشرد اللاجئ الفلسطيني مرة أخرى، يبحث عن ملاذ آمن، أو فارا من ملاحقة نظام لا يفرق بين سوري وفلسطيني. يقر سباعنة بصوته الرخيم: “وضعنا صعب، ونحن اليوم مشردون من جديد، لكننا مع الثورة ونريد الحرية لنا ولشعبنا في سوريا”.
فرّ سباعنة من مخيم اليرموك مع أُبي مؤخراً “بالتهريب” برفقة عدد من زملائهما بعد أن أصبحت “رأساهما” مطلوبتين للنظام.
يقدر سباعنة أن أكثر من 10 آلاف فلسطيني هربوا من جحيم يلاحق اللاجئين في المخيم صوب لبنان بحثاً عن الأمان. يقول “كان صعباً علينا أن نبقى حيث يريدون قتلنا، هناك لا يفرقون بين طفل وشيخ وامرأة، يقتلون لمجرد القتل”.

اليرموك
وعن حكاية مخيم اليرموك وكيف تم زجه في دوامة العنف في سوريا، يقول سباعنة: “أنا شاهد من سكان المخيم على ما حصل، حين بدأت الثورة السورية، قلوبنا نحن سكان اليرموك كانت مع شعب سوريا ومطالبه العادلة، لكننا لم نتدخل في التحركات الجارية هناك، ومع الوقت أصبح بعض الأصدقاء من الثوار السلميين يلجأون إلينا للاختباء وكنا نقدم لهم الملاذ والطعام، لأنهم كانوا استضافوا أهلنا في اليرموك منذ تشردوا في النكبة”.
ويشير سباعنة إلى أن الجبهة الشعبية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل – هي التي أدخلت أهل اليرموك في جحيم العنف السوري الحالي من خلال “تحايلها” على العديد من شبان المخيم. يقول “جماعة جبريل بدأوا بتسليح مئات الشبان في المخيم بداعي تشكيل جبهة داخلية لحمايته من أي عنف أو هجمات، ومع الوقت بدأت هذه المجموعات تتحول إلى عصابات مسلحة يريد منها جبريل أن تحارب إلى جانب النظام”.
ويقول إن أهل المخيم مع الوقت بدأوا يدركون لعبة النظام السوري من خلال جبريل، وسرعان ما غير العديد من الشبان مواقفهم بعد أن أدركوا أنهم سيصبحون أدوات قتل ضد شعب يريد الحرية والعيش بكرامة. كما أن أبناء المخيم بشكل عام ليس لديهم أي ولاء لجبريل الذي كان زج بأبناء المخيم في أحداث النكبة حين زحف العشرات من أبناء المخيمات الفلسطينية تجاه الحدود مع إسرائيل.
وأضاف: “اتصلت عناصر من الجيش الحر بالعديد من العناصر التي كانت مسلحة لكنها غير مقتنعة بجبريل، وقام هؤلاء بمنح الجيش الحر ممراً آمناً لدخول المخيم، وفور ذلك غيّر المئات من العناصر التي جندها جبريل آراءهم وانضموا إلى جانب الجيش الحر وهاجموا مقرات جبريل، الذي كان يتعمد إثارة الفتنة بين السوريين والفلسطينين”.
بعيدا عن ذلك، كان الفتى “م.م” يهم بالعودة إلى سوريا، حيث وصل لتوه إلى بيروت في زيارة خاصة، والتقى العديد من أصدقائه الذين فروا من المخيم. يقول لـ”العربية.نت”: “أنا عائد إلى مكان الوضع فيه خطير. لكني لن أعيش مشرداً من جديد. أفضل الموت هناك على البقاء بعيداً عن بيتي وأهلي”.
يقول الفتى وفي عينيه دموع لا تريد أن تنهمر: “ليتنا نعود إلى فلسطين، ونعيش في منازلنا، بدل أن نعود إلى مكان ضمنا لسنوات، لكن لا نرى أن معركتنا فيه، فموتنا يجب أن يكون لأجل فلسطين وليس سواها”. وختم ساخرا: “بدل أن يوجه نظام الأسد نيرانه تجاه المخيم وشعبه الأعزل، كان حرياً به أن يوجهها نحو العدو الإسرائيلي”.
ومن جهتها، كانت الشابة “س. أ” لا ترغب بالحديث عما يجري في اليرموك. فهي تعتقد أن معركة الفلسطينيين ليست هناك. تعلق: “لكن قلوبنا مع أهلنا في سوريا، نحن لا يمكن أن نرى أطفالا ونساء يقتلون دون سبب، ونقف صامتين، علينا أن نقف إلى جانبهم لو بأقل القليل، لكن ليس بالسلاح”.
تقول الشابة “صحيح أن هناك بعض المسلحين في المخيم، لكنهم أقلية والأغلبية مدنيون مسالمون، كما هي حال الشعب السوري، والكل هناك يريد العيش بكرامة وحرية”. وتختم قائلة “أنا عائدة الآن إلى المخيم، لكن لا أعرف متى ستباغتني رصاصة أو قذيفة”.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *