قصة قصيرة
بقلم : أميرة الوصيف _ مصر
___________________

يفرز الليل ما فى جوفه من ظلام ويُحَلق الوجع على رؤوس النائمين فى كَنف إشارات المرور .

اثنتا عشرة فتاة وصبي ؛ تَجهَر القسوة بحدتها بوضعهم مُكَومين على قارعة الطريق .

أجزاء مشوهة من سيارة قديمة أكلها حادث سير ؛ هى وسادات أبدية لمُشردي الليل الصغار .

لا يتسع صدر الشتاء لإنزال معاطف و أحذية مع المطر !

والرحمة تنتظر مزيداً من الحُقب ؛ كى تغطى قلوب المشاه المهرولين هنا وهناك .

والصبي تتقدم تجاعيده فى الظهور دون أن يغار العمر منها وينطلق

نائماً يتشبث بذراع احدى الفتايات ؛ يتنفس فى قربه منها حنان أم لم يراها !

لم تكن النومة مُريحة للبدن

؛ هى أشبه بتابوت موتى لا غطاء له

ربما التابوت أكثر دفئاً من أجزاء سيارة حديدية حادة الملمس لها درجة حرارة الصقيع الجاحد .

لا موقع لخيال الورود والخطابات المُلَونة بأذهان الصغار , احدى الفتيات ممصوصات العود و الوجه قالت لرفقائها بالأمس أن كل ماتتمناه أن يتحول يقيناً هو غرفة دافئة وفراش مزود بغطاء “ثقيل” !

وهذا ما ناقض كلياً ما سمعته من طفل أحد الوزراء بوسيلة إتصال بلدتنا أن كل أمنيته الآن هى التزلج على الجليد فى موسكو !

لمشردى الليل الصغار صديق من جنس لا آدمى , قط رمادي ؛ يعانى تخمة تناول مهملات القمامة عن كَثَب .

يبدو أنه لم يعرف معنى النظافة يوماً , وما ان مر وقت إلا وشعر بحاجته المُلِحة إلى الطعام .

هو جائع دائماً لذلك هو صديقهم دائماً , رغم ما يلقاه قاطنو الأرصفة من موت إلا أنهم يجدون فى إطعامهم لهذا القط “حياة ” .

وجوه الفتيات تزداد قتامة كل يوم , وأما الصبي فلم يلحظ عليه رفاقه أية تغيير إلا بروز تجاعيد وجهه ؛ التى بدت غير مألوفة لطفل صغير .

بالنسبة لهم لم يكن النهار أكثر من قطعة شمس حارقة ؛ تصب جم غضبها على رأس الصبي بائع المناديل , والفتيات اللواتى يتسولن , والأخريات يمسحن عرق الشمس المُعانق لزجاج السيارات فى غزل صريح لا يروق لأصحابها .

وأما الليل فهو قطعة جليد مُوحشة الأجواء , ليست كهذة المنطقة الجليدية ؛ التى يرغب طفل الوزير فى التزلج بها بالطبع !

وجه الرصيف كالح كمن يدقونه بخطواتهم الناقمة .

وعذابات الروح تغتال بريقها , وتمحق النفس , وتدمى الجسد , ومابال الجسد لو كان لفقراء العمر والبنية ؟!

لازال رنين صوت الصبي المُتشَرد يبيت بأذنى عندما يتحدث لتلك الفتاة التى تشاركه نومته وجلسته وبيعه المتجول لأشياء لا يرغب فيها الماره فى أحيان كثيرة

حينما قال لها وحنينه ؛ يكاد أن يقفز من قميصة المشقوق من المُنتَصف

– ألا تعرفين علاج لما أعانيه ليلاً ؟

– مما تعانى ؟

– لا أعرف كيف أصد الدمعات !

لا يمكننى اخفاء حقدي النَهم ؛ الذى تملكنى حينها , عندما تجسدت أمامى صورة موكب الوزير الأشهر , وسيارته الفارهة , وهذا المراسل الذى يلهث خلف ذاته , ويمسك بالميكرفون كمن يقبض على فريسة واضعاً اياه أسفل شفتى الطفل المراد بالفخامة والإهتمام سائلة عن أمنيته الحالية , فأجاب الأخير التزلج على الجليد فى موسكو .

أشكو حقدى للمدينة الفاضلة أين أنا من التوضأ بالمُثل العليا ؟ لا أعرف !

و أين هذا الوزير وطفله من مُشردى الليل الصغار ؟ لا أعرف !

لا أرغب فى جلد نفسي ولا حرقها

فهذا السعال الجارح ؛ الذى يؤديه الصغار الآن فى ثلث ليلهم الأخير من أثر الرجم بالبرد و بالثلوج كاف لتبرير وضع المقاصل للرقاب الظالمة .

ونحيبهم القادر على قلب أنفاسنا “نواح ” !

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *