شكسبير الذي تمر 400 سنة على وفاته بعد شهر، ويقيمون للمناسبة ذكرى كبيرة في بريطانيا، تأتي بآلاف الزوار والمعجبين والباحثين من العالم، هو شاعر الإنجليزية الأكبر والأهم، وشهير بما لا يعرفه كثيرون عن بيتي شعر محفورين على قبره، يحذر فيهما من نبشه، ويلعن من يحرك عظامه. إلا أن رياح التكنولوجيا هبت على عكس ما اشتهت السفينة الشكسبيرية طوال قرون، وحملت عبر مسح إشعاعي بالرادارات مفاجأة في اليومين الماضيين، ملخصها أن هناك من نبش قبره وعبث برفاته وحرّك عظامه، بل وسرق جمجمته أيضا.

القبر هو في “كنيسة الثالوث الأقدس” بمسقط رأسه في بلدة Stratford-upon-Avon التي يختصرون اسمها الى “ستراتفورد” البعيدة في جنوب مقاطعة “وركشير” بوسط انجلترا 162 كيلومترا عن لندن، الضريح الذي يزوره 200 ألف بالعام، وشاهده المرمري مسطح بمستوى الأرض، مع لوحة عليه يقرأ الزائر فيها بيتي الشعر، فيدرك من الأول أن الشاعر يرجوه “باسم يسوع” الامتناع عن نبش قبره ونقل رفاته.

أما في البيت الثاني فيجد الزائر ما قد ترتعد فرائصه مما يقرأه فيه بإنجليزية ذلك الزمان من وعيد تاريخي وتهديد شكسبيري الطراز، نراه في الصورة أدناه للبيتين المحفورين في لوحة موضوعة على القبر الشهير، حيث يقول البيت الثاني: “لتحل البركة على من لا يمس هذه الحجارة (بسوء) واللعنة على من يحرك عظامي” وربما لهذا السبب بقي القبر بمنأى عن الأذى 4 قرون، كان نبش القبور في معظمها شائعا، خصوصا بعصره، لأغراض دينية أو بحثية، أو لإزالة الرفات وإفساح الطريق أمام جديدة تحل مكانها، ثم طحن القديمة لجعلها أسمدة للزرع، أو لرميها كيفما كان، وعشوائيا حتى مع النفايات.

بيتان من الشعر كتبهما شكسبير، وهما على قبره منذ دفنه، وفي الثاني يبشّر من يحرك عظامه بلعنة
بيتان من الشعر كتبهما شكسبير، وهما على قبره منذ دفنه، وفي الثاني يبشّر من يحرك عظامه بلعنة

شكسبير مدفون تحت أقل من متر أسفل أرضية الكنيسة

والجديد عن الشاعر، هو ما وجده معدو فيلم وثائقي عن ضريحه في “ستراتفورد” حيث ولد في 1564 وكان زوجا طوال 34 سنة لمن تكبره بأكثر من 8 أعوام، وهي آن هاثاواي، الأم منه لابنتين: سوزانا وجوديث، ولابن وحيد سماه هامنت، ممن قبور بعضهم الى يمين ضريحه، وزوجته الى يساره. وكان هامنت أولهم وفاة بعمر 11 سنة في 1596 بالطاعون، وبعده والده في 1616 ثم الأم بعد 7 سنوات، تلتها في 1649 الابنة الكبرى سوزانا، ثم الأخيرة جوديث في 1662 بعمر 77 سنة، ومن وقتها والقبور على حالها، إلا من ترميمات، آخرها في 2008 من دون لمس الرفات.

ولكي يحترم معدو الفيلم طلب وليام شكسبير بعدم نبش قبره ليروا ما فيه، فقد قاموا بمسح راداري شامل من فوقه وأسفله، وفقا لما استنتجت “العربية.نت” من مراجعتها لتفاصيل الفيلم الذي أنتجته “قناة 4” التلفزيونية البريطانية، وهو بعنوان Secret History: Shakespeare’s Tomb وتبثه هذا السبت، وسط جدل حول ما كشفه المسح الذي رصد أشياء أخرى في القبر. كما اكتشف أن دفن شكسبير وزوجته وأولاده “تم عند عمق أقل من متر تحت أرضية الكنيسة” وهو ما نقلته صحيفة “ديلي تلغراف” الأربعاء، عن عالم الآثار Kevin Colls من جامعة “ستراتفورد” ورئيس الفريق المعد للفيلم الوثائقي.

اللوحة الأدق تصويرا لشكسبير وكيف كان، ثم القبر الذي يضم رفاته في ستراتفورد
اللوحة الأدق تصويرا لشكسبير وكيف كان، ثم القبر الذي يضم رفاته في ستراتفورد

مما أوجزه Colls عن نتائج المسح الراداري، أن “تدخلا” أحدث نوعا من البعثرة الغريبة داخل القبر من جهة الرأس، أي عند موقع الجمجمة من الرفات “وفي وقت لدينا رواية تتحدث بأن أحدهم قام في فترة ما بأخذ جمجمة شكسبير من قبره (..) لذلك فأنا مقتنع جدا جدا بأنها ليست في كنيسة الثالوث المقدس” في إشارة بطعم التأكيد، بأن هيكل شكسبير العظمي خال من جمجمته في قبره.

ما سيقوله عالم الآثار في الفيلم الوثائقي أيضا، أن المسح الراداري كشف بأن شكسبير وزوجته وأولاده تم لفهم بأكفان من قماش ودفنهم في التربة مباشرة، لا في توابيت كما العادة في بريطانيا منذ عصره للآن “لأنه لم تظهر أي آثار تدل على وجود أجسام معدنية في القبر، كالمسامير الموجودة عادة في التوابيت” كما قال.
وانتزع الجمجمة لقاء 300 استرليني

وسيذكر عالم الآثار في الفيلم الوثائقي، ما تتحدث عنه رواية قديمة بأن شكسبير طلب أن تدفن معه أعمال غير منشورة له، وهو ما سينفيه الفيلم الوثائقي أو يؤكده، ولكن بدليل دامغ ينهي غموضا من الأكبر عن شكسبير الذي عاش من 1564 حتى وفاته في 23 أبريل 1616 بستراتفورد، وألف 38 مسرحية و154 قصيدة من 14 بيتا، يسمون الواحدة منها Sonnet واشتهرت عربيا باسم “سوناتات شكسبير” لدراسي إنتاجه الأدبي.

مولع بوليام شكسبير، جثا عند قبره يبكيه
مولع بوليام شكسبير، جثا عند قبره يبكيه

أماعن عن وجود “رواية قديمة” عن أحدهم “أخذ” جمجمة شكسبير من قبره، فأساسها يعود الى يوم عثروا في 1879 على جمجمة بكنيسة بلدة Beoley القريبة 24 كيلومترا من “ستراتفورد” وسرت أنباء وقتها بأنها لوليام شكسبير، وأن أحدهم سرقها من قبره، ليفوز برهان قيمته ذلك العام 300 استرليني، وهو مبلغ كبير عرضه السير روبرت وولبول لمن يأتيه بالجمجمة من القبر، فتحرك للمهمة الدكتور فرانك تشايمبرز، ونبشه وسرقها “ولأنه أخفق بإقناع وولبول بأنها لشكسبير، أعادها الى القبر ثانية” إلا أن هناك من أكد بأنه أبقاها معه سرا، ونقلها فيما بعد الى Beoley وأودعها في كنيستها، وهو ما كتبه راعي الكنيسة نفسها في موضوعين عن الجمجمة تم نشرهما عام العثور عليها بإحدى المجلات، قائلا إنه أدخلها الى سرداب أودعها فيه.

السرداب “مغلق للآن” على حد ما سيرد في الفيلم الوثائقي يوم السبت المقبل، وفيه سيرد أيضا أن “كنيسة إنجلترا” رفضت إجراء فحص الحمض النووي على الجمجمة، للتأكد مما إذا كانت لشكسبير أو لغيره، بذريعة “عدم وجود أدلة علمية تدعم أي سند للقصة، وليس هناك ما يربطها بوليام شكسبير” وفق اعتقاد محامي “كنيسة انجلترا” ومستشارها.

ورد الأب ريتشارد كلارك، عميد القساومة بكنيسة “الثالوث المقدس” حيث القبر، الشاملة برعويتها Beoley أيضا، فعبّر عن خيبة أمله من القرار، بتقرير “الديلي تلغراف” أنه من دون تحقيق لا يمكن دحض النظرية القائلة بأن الجمجمة لشكسبير، وقال: “لدينا جمجمة بمفردها، ونحن نرغب بمعرفة هويتها، وأفضل وسيلة هي اختبار الحمض النووي” وأعلن أنه يتفهم الاعتراض على تنظيم فرق لنبش القبور “لكن المشكلة أن عدم التحقق سيزيد من التكهنات، والتحقيق سيحسم القضية الى الأبد” ويعيد جمجمة شكسبير إلى هيكله العظمي أيضا.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *