أزمة حلب جعلت معالم الصراع الإيراني-الروسي على النفوذ جلياً أكثر من ذي قبل. خلافاً لإيران، الأهداف الروسية لم تكن ذات طابع أيديولوجي بالقدر الذي تتمحور حوله الأهداف الإيرانية، فروسيا أهدافها سياسية واقعية، تتمثل بمنطقة نفوذ في الساحل السوري.

مما لا شك فيه أصبح لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موطئ قدم في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة، حيث يعتقد أنها وفي ظل إدارة الرئيس باراك أوباما تخلت عن الدور الذي كانت تمارسه في المنطقة.

ورغم التحالف الروسي-الإيراني خاصة في الملف السوري، حيث أنقذ هذا التحالف نظام الأسد من السقوط حتى اليوم، لكن ما يجري على الأرض يبين أن من يصارع موسكو على مناطق النفوذ اليوم هي طهران ذات الأهداف الأيديولوجية.
إيران تعرقل اتفاق روسيا حول حلب

في الـ13 من ديسمبر، أبرمت روسيا اتفاقاً مع تركيا يقضي بإجلاء المقاتلين والمدنيين من مناطق محاصرة في شرق حلب، بعد التقدم الذي أحرزته قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها، المدعومة إيرانياً في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة منذ عام 2012.

وفيما كانت روسيا تحثّ النظام السوري على الدفع بمواكب الحافلات محملة بالمسلحين والمدنيين من مناطق حلب الشرقية إلى الريف الغربي للمحافظة، قامت إيران بعرقلة الاتفاق عبر ميليشياتها، حيث قامت بإيقاف القوافل ووضع شروط خاصة بها.
روسيا تحاول أن تكون صانع سلام.. ولكن!

بعد تدخلها العسكري الكبير والمؤثر من خلال قصف مناطق المعارضة خاصة في حلب، وصل التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى ذروته، وبعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حاولت موسكو أن تلعب دور صانع سلام، حيث تحدث الرئيس الروسي مباشرة بعد الاتفاق، عن ضرورة استئناف المفاوضات السورية-السورية.

ويبدو هذا ما كان يخطط له بوتين بعد أن قصفت طائراته قوات المعارضة على مدار 15 شهراً لإجبارهم على الاستسلام.

ولكن يظهر أن السماح للمدنيين والمسلحين بالخروج من حلب لم يكن ضمن مخططات إيران، لأنها مازالت تريد أن تلعب بورقة المحاصرين من أجل التوصل إلى مصالح أخرى.

وكانت ورقة السكان المحاصرين ورقة مفاوضات في الصراع السوري دائماً، حيث عبر هذه الورقة قام نظام الأسد بما يسمى “مصالحات محلية”، وأجلى الكثير من سكان ريف دمشق، واستبدلهم بسكان موالين له.
التغيير الديموغرافي المستمر في المناطق السورية

وتفاوض المسؤولون الإيرانيون مباشرة مع حركة “أحرار الشام” المعارضة حول مستقبل بلدة الزبداني الواقعة في الريف الغربي لدمشق العاصمة. وهذه البلدة المحاصرة الواقعة تحت سيطرة المعارضة دمرت بفعل القصف.

وحسب التقارير، اقترحت إيران إرسال سكان الزبداني السنة إلى محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة المحافظة واستبدالهم بسكان قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين.

وحول هذا الموضوع، قال مسؤول لبناني رفيع رفض الكشف عن اسمه لصحيفة غارديان البريطانية: “لا تريد إيران أي وجود للسنة بين دمشق والحدود اللبنانية. هناك خطة واضحة لتغيير التركيبة الطائفية للسكان على طول الحدود”.

وقبل هذا حصل اتفاق مشابه في ضاحية داريا بدمشق، حيث وافق المعارضون في أغسطس الماضي على إجلاء أهالي المنطقة من المسلحين والمدنيين إلى محافظة إدلب، وبعدها أتت إيران بحوالي 300 عائلة شيعية عراقية وأسكنتهم في البلدة.

وفي ضاحية السيدة زينب رعت إيران توافد أعداد كبيرة من العائلات الشيعية، وقامت باستثمارات عقارية ضخمة في المنطقة.
والآن حلب

تحالفت روسيا وإيران دفاعاً عن نظام الأسد، وشاركتا معاً في معركة حلب. قصفت روسيا بطائراتها المعارضة من السماء ودفعت إيران بميليشياتها على الأرض. والنصر في معركة حلب ذو أهمية للطرفين، ولكن بعد انتهاء المعركة أصبحت أهميته أكبر لإيران.

حلب ثاني أكبر مدن سوريا ومركزها الصناعي. إضافة إلى الأهمية الاقتصادية، تشكل المدينة نقطة محورية في المشروع الإيراني، حيث تعمل طهران على إنشاء ممر لها صوب الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

ولم تخفِ إيران أهمية حلب في مشروعها، فهي لم تخفِ مشاركة قواتها والميليشيات التابعة لها في معركة حلب. وكان اسم حلب والتأكيد على أهميتها وضرورة الفوز في معركتها يتكرر في القصائد التي يرددها المنشدون التابعون للنظام الإيراني من العرب والفرس.

ومن أجل هذا النفوذ تقوم إيران اليوم بمحاولة التغيير الديموغرافي في حلب الشرقية أيضا هي ومن خلال فرض شروطها على الاتفاق الروسي-التركي تحاول استقدام عوائل شيعية من كفريا والفوعة إلى منطقة شرق حلب، بعد ترحيل السكان الأصليين.
الخلافات العميقة

الخلافات الروسية-الإيرانية تعود إلى نظرة الدولتين إلى المنطقة أيضا. وحول هذه الخلافات تحدث “مارك كاتز” أستاذ العلوم السياسة في جامعة “جورج ميسن” الأميركية في مقابلة مع موقع “الدبلوماسية الإيرانية”.

وكان قد اعتبر “كاتز” أن “روسيا خلافاً لإيران لا تعتبر السعودية عدواً لها، وتنوي أن تبسط نفوذها في سوريا، حيث يصبح للعرب السنة المعارضين حصة في نظام الحكم بسوريا، وبهذا تحفظ علاقاتها مع الدول العربية وتركيا. لكن إيران تحاول جاهدة إضعاف مشاركة المعارضة السورية في الحكم”.

وأشار كاتز إلى الفترة القصيرة التي سمحت فيها إيران للمقاتلات الروسية استخدام قواعدها لقصف المعارضة السورية، وأرجع الأمر لاختلاف المصالح وعدم ثقة طهران بموسكو في الملف السوري.
سوريا إلى أين؟

بعد التحالف في الحرب، بدأت بوادر الخلاف الروسي-الإيراني حول من سيتولى زمام الأمور بعد الحرب. لم تعد القوة الجوية الروسية ذات أهمية كبيرة الآن في الحرب خاصة بعد معركة حلب، بينما ازدادت أهمية الدور الذي يلعبه الحرس الثوري الإيراني على الأرض.

سوريا “مفيدة” استراتيجياً لإيران ولروسيا، فهي تمتد من درعا قرب الأردن والجولان قرب إسرائيل جنوباً وتتمركز في العاصمة وتمر بحمص في الوسط قرب مناطق نفوذ “حزب الله” في لبنان، وصولاً إلى طرطوس واللاذقية في الساحل، حيث تملك روسيا موطئ قدم على البحر المتوسط.

روسيا قلقة من خسارة سوريا لمصلحة طهران، كما خسرت العراق. وهناك صراع روسي – إيراني على ما تبقى من “سوريا المفيدة”.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *