معهد العربية للدراسات – تعد الإنترنت- بالنسبة للتنظيمات المتطرفة- منطقة تجنيد ومنصة إعلامية مفتوحة للتظيم يدير بها معركته وعبرها أحيانا، ومع الثورة التواصلية وظهور الجيل الثالث للمواقع التفاعلية( فيسبوك- تويتر- يوتيوب) وغيرها حدثت طفرة جديدة في أداء وممارسات القاعدة على المواقع التواصلية التي توجهت لها بقوة منذ العام 2008 وتحديدا شبكة اليوتيوب، واتسعت منصاتها فيسبوكيا وتويتريا بشكل ملحوظ خلال العامين الأخيرين 2011 و2012، ولكن قبل الولوج لقراءة هذا الموضوع نود أن نشير لبعض مشاكل الدراسات السابقة في نفس الموضوع، والأخطاء الشائعة في تناول علاقة القاعدة والتنظيمات المتطرفة عموما بشبكة الإنترنت، وهي الأخطاء التالية:t

1- عدم التفريق المنهجي والتصنيفي: بين المواقع الخاصة بأفراد والمواقع الاجتهادية لأعضاء أو أنصار والمواقع الرسمية للتنظيمات المتطرفة نفسها، وهو ما يجعل الحصر الشامل والكلي- القائم على التعميم- لهذه المواقع غير دقيق في أغلب الأحيان.

2- عدم التدقيق التاريخي والمرحلي: حيث تشير الكثير من الدراسات وتقارير لمراكز بحثية عربية أن علاقة القاعدة بالإنترنت بدأت بعد أحداث سبتمبر العام 2001 وهو ما نراه غير صحيح، فقد ظهر أول موقع رسمي لجماعة الجهاد عام 1997 والقاعدة عام 2000 على يد يوسف العييري مؤسس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. كما يعيب على الدراسات السابقة عدم قدرتها على رصد التطور الفكري والأدائي للقاعدة على الإنترنت، والتي بلغت ذروتها في المرحلة السابقة العام 2003 حيث حققت أوج نشاط القاعدة على الإنترنت وبرز فيها فرعا القاعدة في الجزيرة العربية وبلاد الرافدين، وصولا لمحطتها الأخيرة في مؤسسة الأندلس الذراع الإعلامي للقاعدة في المغرب العربي التي ظهرت في مارس هذا العام 2013، كما تشير هذه الدراسة لاستخدام القاعدة أول بريد إليكتروني العام 1996 حين كان استخدامه نادرا في أغلب الجهات.

وبينما تخطئ العديد من التقارير العربية التي تتناول نفس الموضوع في الكشف عن علاقة القاعدة والتنظيمات الملتحقة،والتي يتم توظيف المواقع التواصلية لتوسيع قواعد وأنصار هذه التنظيمات وإستقطاب كوادر وتجنيدها, على غرار ما أسفرت عنه التحقيقات فى تفجيرات ولاية بوسطن الامريكية العام 2013, حيث جرى تجنيد المشتبه بهم واجتذابهم لفكر القاعدة وتجنيدهم عبرالمواقع التواصلية ومواقع الإنترنت القريبة من القاعدة والناشطة في الترجمة للغة الإنجليزية واللغات الأخرى منذ العام 2006.
أولا: القاعدة والإنترنت.. محطات تاريخية:

1- سنة 1995 مـ أول استخدام جهادي للبريد الإليكتروني:

في حين لم يكن الإنترنت حاضرا في أدبيات واهتمامات وأساليب التنظيمات المتطرفة، نظرا لحداثته في العالم خاصة العالم الإسلامي، وعدم انتشاره ومع ذلك سجلت بعض الجماعات تعاملا إليكترونيا في هذه السنة وذلك عبر تسهيل التواصل بالبريد الإلكتروني البدائي، وهو ما كان يُعد استخداما متقدما جدا هذا الحين، وكان الاستخدام – رغم محدوديته – مقتصرا على النخبة التقنية في هذه التنظيمات، بغية تسهيل التواصل بين التنظيمات وفروعها. وفي هذه المحطة عام 1996 انطلقت أول رسالة بريد إليكتروني تحمل رسائل تنظيمية للجماعات المتطرفة وكان الهدف منها، الإعداد والتنسيق الفكري / التنظيمي لإنشاء الجبهة العالمية الإسلامية للجهاد ضد اليهود والصليبيين التي تأسست فيما بعد سنة 1998 مـ والتي عرفت إعلاميا باسم القاعدة.

2- عام 1997 ميلادية: انطلاق أول موقع جهادي:

في هذا العام ظهر أول موقع لجماعة متطرفة وكان موقعا لجماعة الجهاد المصرية التي اندمجت في القاعدة في أفغانستان، كما أطلق في العام ( 2000 مـ ) أطلق أول موقع رسمي لتنظيم القاعدة باسم ( معالم الجهاد )..

3- عام 2003 ذروة أداء القاعدة على الإنترنت:

تسارعت بعدها وتيرة استخدام الإنترنت لديهم فأنشأوا الشبكات الحوارية والمنصات الإعلامية ، وأصبح الإنترنت ضمن أدبيات خطابهم في الحث على الجهاد باسم ( الجهاد الإلكتروني ) ، بعد (2001 مـ ) نقلت القاعدة تجربتها الميدانية ( فكرية / عسكرية ) إلى عالم الإنترنت ، حتى أنهم نقلوا معسكرات تدريب كاملة من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي مثل معسكر البتّار ، وكانت سنة ( 2003مـ ) هي السنة الذهبية بالنسبة للقاعدة ولبعض التنظيمات المتطرفة العالمية حيث بلغت أوج انتشارها في الإنترنت وقمة تنفيذ مشروع نقل إنتاجهم ومشروعهم من أرض الواقع الملموس إلى عالم الإنترنت الإلكتروني .

وتجدر الإشارة هنا إلى واحدة من رسائل أبوت أباد التي نشرتها القوات الأمريكية بعد مقتل بن لادن بهذه المدينة الباكستانية، في 2 مايو سنة 2011 وهي رسالة بن لادن إلى الملا عمر سنة 2002 مـ، يخبره عن توجه التنظيم بنسبة 90 % إلى عالم الإعلام الذي يشمل الإنترنت بالدرجة الأولى : والتي يقول فيها:

“بات جلياً أنّ الحرب الإعلامية في هذا القرن تفرض نفسها كواحدة من أقوى الحروب وربما تشكّل 90 في المئة من نسبة الإعداد التام للمعارك”..

وفي الفترة السابقة بدأ تنظيم “القاعدة” في تأسيس “منصات” إعلامية عبر الفضاء الافتراضي أهمها مؤسسة “السحاب” الإعلامية التي كانت تبث بيانات قيادات التنظيم وتوجيهاته وتنقل رؤيته الفكرية والميدانية ، ومركز “الفرقان” التابع لتنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين”، ثم تأسيس منتديات تابعة لخلايا “القاعدة في الجزيرة العربية” ، والتركيز الأكبر كان في عملية الاختراق للمنتديات الجماهيرية وأهمها منتدى ( الساحات ) والذي حمل أقوى المواجهات الفكرية بين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والمخالفين لهم .

• عام 2006 منصات بلغات مختلفة ومواقع تفاعلية:

من الخطأ حين تناول علاقة التنظيمات الجهادية- وخصوصا القاعدة وفروعها- بالإنرنت تجاوز خبرة هذه التنظيمات في هذا المجال، وتجربتها الطويلة والمؤثرة فيه، والمهم هنا أن لديهم أرشيفا ضخما تم نقله إلى الإنترنت وهذا يوفر مادة متنوعة وثرية للتجنيد وتهيئة المتطرفين واستغلالهم والسيطرة عليهم فكريا، كما نشطوا بشكل كبير في عملية الترجمة إلى اللغات العالمية الحية فمنذ (2006مـ) ولديهم منصات متخصصة للترجمة والإعداد والإنتاج بلغات عالمية متنوعة والآن هي موجودة ومنشورة في شبكات التواصل الاجتماعي.

• دأبت القاعدة على بث حوار مفتوح مع أيمن الظواهري الزعيم الحالي لـ«القاعدة» عام 2008 عبر البريد الإلكتروني ومواقع تابعة للتنظيم عن العدو القريب والعدو البعيد، وأدبيات التنظيم، وخسائره من القادة والأفراد بعد هجمات سبتمبر (أيلول)، وقد أجاب عما يقرب من مئة سؤال طرحت عليه من طرف إعلاميين ومتابعين ونشطاء مهتمين بمناهج التنظيم وبعضهم موالي لهم ولفكرهم، وهذا الأسلوب ( الحوار المفتوح ) بين قادة التنظيم والأعضاء أو المتعاطفين الآن يمارسه بعض القيادات عبر شبكات التواصل الاجتماعي مما يعطيهم مساحة أكبر في التغطية الجغرافية وأسرع وأكثر دقة لأنها بدون وسائط إعلامية كما فعل فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مؤخرا عبر تويتر حيث نفذ أكبر عملية تواصل شعبي في تاريخ فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب مما أثر على واقع التنظيم بشكل كبير، ويجري الآن الاستعداد لتكرار التجربة من قبل أفرع أخرى للتنظيم، وجماعات متطرفة لا تنتمي للقاعدة، فتجربة قاعدة المغرب الإسلامي لفتت الانتباه إلى أهمية قطف ثمرات تراكم البنية الإلكترونية لدى القاعدة وأخواتها.

• هذه التنظيمات المتطرفة الإرهابية دخلت شبكات التواصل الاجتماعي، ومعها خبرة طويلة متراكمة على مدى سنوات ولديها مخزون معلوماتي ضخم ومتنوع مما يساعدها كثيرا في ( صناعة تيار فكري متطرف ) وهذا ما تسعى إليه هذه التنظيمات وهو العمل داخل شبكات التواصل الاجتماعي بشكل منهجي, يتطور تبعا للظروف ..يشكل أمواج فكرية متتابعة، بحيث يغطوا مساحة أكبر ويعوّضوا فقدهم للبنية الفكرية في مناطق مهمة من العالم.
ثانيا: القاعدة ومرحلة جديدة على تويتر:

التكتيك الفكري الموجود والتقني هو ذات التكتيك منذ 2000 مـ وما بعدها ونفس الخطوات لكنها بشكل ملائم لطبيعة التحرك في شبكات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى عنايتهم الخاصة بالترجمة ومدى تأيرها واستهدافهم اللغات الأوروبية المتنوعة والروسية بشكل أساس .
وهذه بعض النماذج للمنصات الإعلامي المختصة بالترجمة والنشر بلغات عالمية وهي تتخذ أسلوبا ممنهجا شبيها جدا بأساليب القاعدة في بدايات إنشاء المنصات الإعلامية في مواقع الإنترنت.

هذه المنصات فرسان البلاغة وأنصار المجاهدين، ومثلها منصّة القادسية وغيرها بدت تنتشر بشكل منظم ويتبعها عدد من المتعاطفين تقوم بمهمة صناعة وتطوير التيار الفكري وتوفير أدوات الأفكار المتطرفة بلغات متنوعة عالمية ويتضح استهدافهم المجتمعات الأوروبية بشكل أساس.

وعلى مستوى آخر هناك الجماعات والتنظيمات الميدانية التي اقتحمت بقوة شبكات التواصل الاجتماعي لما لها من تأثير، ولكثرة استعمالها بين الشباب وتركز بشكل كبير على توسيع قاعدة النشر والتجنيد.

في نهاية شهر مارس 2013 أعلنت «مؤسسة الأندلس»، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، عن فتحها الباب لتلقي أسئلة سواء من وسائل الإعلام أو من عامة الناس للرد عليها من خلال الحساب الجديد للتنظيم على “تويتر” التجربة الفريدة لتنظيم قاعدة المغرب الإسلامي والتي تعتبر نقطة انطلاق جديدة لدى التنظيمات المتطرفة في العالم الإلكتروني.

وقالت المؤسسة في إعلان نشرته على موقع التواصل الاجتماعي :” إن الأسئلة التي ستصل إليهم ستعرض على الشيخ أحمد أبي عبد الإله، رئيس الهيئة الإعلامية لـ(مؤسسة الأندلس) ليجيب عليها، وستكون الإجابات حال إتمامها مجتمعة في ملف واحد ليتم تحميلها من الجميع، وحددت الأندلس موعدا لاستقبال الأسئلة، اليوم، من الساعة 18 إلى الساعة 20 بتوقيت غرينتش”.

هذا الإعلان وصفته «القاعدة» بـ«الهام» ونشرته بعدة لغات على حسابها، من بينها العربية والإنجليزية والفرنسية، وغيرها.
وضمّ الحدث 70 سؤالا من ضمنها سؤال عن الهدف من فتح الباب للأسئلة, فردّ التنظيم بأنه يرغب في “تنوير الرأي العام العالمي الجاهل بعدد من الوقائع”، واستمر ” التغريد” ساعتين وتم باللغة الإنجليزية.

أيضا في حساب منسوب لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، على نفس الموقع السابق إلا أنه لم يتم التأكد من مدى صحته بعد – ويظهر أن الحساب ليس للظواهري ولا لأحد المقربين منه – لكن يجب أن يضع الباحث هذه الحسابات ضمن رؤيته ومتابعته فقد تنكشف بعض الحقائق غير المتوقعة، حيث قال في الشأن المصري: “نسعى بكل الطرق إلى وقف العنف الطائفي الذي يتم التحريض عليه في مصر، ونأمل أن يعود الشباب الثائر لرشدهم، ذلك هو الفوز المبين. وأضاف قائلا، “إذا استمر هذا التخاذل فسنجيش لهم الجيوش وسنعلن النفير العام في كافة أنحاء العالم وسنعلن الجهاد من أجل إخماد الفتنة في مصر والوطن العربي”.

• تعيد القاعدة والتنظيمات المتطرفة عبر تجربة كمؤسسة الأندلس زخمهم وصعودهم في عالم الإنترنت السابق ( 2003 مـ ) السنة الذهبية لهم في المنتديات والمواقع، هاهم يبنون منصات وشبكات وقواعد فكرية في عالم التواصل الاجتماعي ولكن الفارق الآن أن لديهم تجربة ناضجة ومخزون فكري ضخم في العمل المتطرف.

والآن بدأ سيل من الأتباع والمؤيدين والمتعاطفين بالتفاعل مع هذه المنصات مما يعطيهم انتشارا أكبر وأوسع: نموذج تويتر وفيسبوك
محاولات جديدة للقاعدة:

أخذ الإنتاج الفكري للقاعدة والتنظيمات المتطرفة على الإنترنت اتجاهين يمكن أن نحددها فيما يلي:

الاتجاه الأول: إعادة إصدار وترجمة: إعادة إصدار وتحديث وتطوير الإنتاج القديم (ليواكب العصر والظروف والأحداث الأخيرة بالوطن العرب)، سواء كانت مؤلفات مكتوبة أو سمعية أو بيانات أو تأصيلات علمية، وهذا أغلب ما لديهم، مع نشاطهم في مشروع الترجمة إلى اللغات العالمية .
الاتجاه الثاني: طرح أفكار واستثمار في الثورات:

من آن لآخر يظهر إنتاج فكري جديد لكنه غير ناضج بعد، فالجيل الحالي لا يمتلك القدرة العلمية والمنهجية التأًصيلية في تأسيس الأفكار والمسائل كما كان لدى الجيلين الأول والثاني في القاعدة، ويحاول بعض الرموز القديمة، خاصة الذين خرجوا من سجون دول الثورات إعادة صياغة مفاهيم الجماعات الجهادية المتطرفة بطريقة جديدة أقل حدة وأكثر تناغما مع الأجواء الشعبية والسياسية، تمكن ملاحظته في تغريداتهم ونشاطهم التواصلي.

ومن أخطر الأفكار الحالية التي يناقشوها على تويتر” حساب قضايا الأمة” وحساب” الجهاد في أوربا” وهي ما زالت تحت الدراسة والتطوير لدى جماعات العنف، وهو الملف العلمي الذي يتم دراسته على مستوى المنظمات القيادية ، طرحوا الآن قضية للتداول رغبة في تأسيس علمي لها وهي مسألة المشاركة في المظاهرات وأحداث الشغب في أوروبا وغيرها بنيّة الجهاد، يعني تحويل المشاركة في المظاهرات والاعتصامات إلى نوع من أنواع الجهاد، مما يعني تطبيق أحكام الجهاد وما يتعلق بها في عملية التظاهر ، وهــذا تأسيس خطير – إن نجحوا فيه – سيقلب الكثير من الموازين ويشعّب لدى المواجهين لهم فكريا مسائل جديدة للمواجهة والتحليل والرد .

وقد بدأوا فعلا في ترجمة هذه الفكرة ومداولاتها الفكرية إلى اللغة الألمانية والإنجليزية، وهي محاولة للاستفادة من موجة المظاهرات والثورات وتحويلها إلى فكرهم المؤدلج والمتطرف، وتحريف لمفهوم الجهاد الذي يبتعد عن مفهوم الفوضى ويسئ إليه التسييس.

ونرى أن الخطورة في موضوع ربط الجهاد بالمظاهرات وأحداث الشغب، أنهم يؤسسوا لمفردة جديدة في أدبياتهم إن تمّت سنعاني منها فكريا لسنوات طويلة، ونعتقد أننا بالحوار الشرعي والعلمي الوسطي التأصيلي نسهم في تأخير عملية النضوج لهذه الفكرة المتطرفة.

أعد هذا البحث الأستاذ عبد المنعم المشوح رئيس حملة السكينة في المملكة العربية لتعزيز الوسطية والتي تهدف لتصحيح افكار الجهاديين على الإنترنت..وهو باحث في العلوم الشرعية وخبير في الحركات الإسلامية.

تقرير أعده: عبدالمنعم المشوح

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *