أعلن الملقّب بـ”المجاهد” والقريب من رئيس النظام السوري، العميد محمد جابر، قائد ما يعرف بميليشيا صقور الصحراء، أن جماعته “عَلَويّة الهوى مهدويّة الولاء”. كاشفاً في ذلك، ومجددا، عمق النفوذ الإيراني في مسقط رأس الأسد، وكاشفاً في الوقت نفسه، زيف خطاب الأسد المتواصل عن حقيقة ما يجري في سوريا.

ويأتي لقب “المجاهد” ليمنَح لقائد ميليشيا مشهورة بصلتها بإيران، في الوقت الذي حمل فيه بعض من آل الأسد لذلك اللقب، إلا أنه سقط عنهم بعد الإعلان عن مقتلهم.

فلم يبق بين آل الأسد، عائلة رئيس النظام السوري، في الوقت الحالي، أي شخص يحمل لقب “المجاهد” الذي كان يمنح لبعض من أفراد تلك العائلة، لقاء بعض النشاطات التي يقوم بها هنا أو هناك، علماً أن جميع من حملها من تلك العائلة كان معروفاً بأعمال الفساد والقتل والتهريب وتجارة السلاح والمخدرات واستغلال النفوذ.

فقد قتل كل من حمل لقب مجاهد من عائلة الأسد، وآخرهم كان قائد ميليشيا الدفاع الوطني في اللاذقية هلال الأسد، ويلقب بـ”الهمام” من أبناء عمومة رئيس النظام السوري، والذي أعلن عن مقتله في عام 2014 على يد المعارضة السورية.

ثم تلاه “مجاهد” آخر من آل الأسد، واسمه محمد توفيق الأسد، والملقب بشيخ الجبل، والذي قتل أيضا عام 2015. بعدها لم يحمل لقب “المجاهد” أي أحد من آل الأسد.

وكان حافظ الأسد، والد رئيس النظام الحالي، قد سبق وحمِّل لقب المجاهد، خصوصا بعد وفاته، حيث كثر ذكر اسمه مقروناً بـ”المجاهد” تأثراً بالخطاب الإعلامي الإيراني الذي بدأ يتغلغل في سوريا، مع السنوات الأولى لعهده، ولم يكن لقبه الرسمي “الرفيق المناضل” يتماشى مع العقيدة الإيرانية التي يجتذبها لقب “المجاهد” أكثر من لقب “الرفيق” الذي يتناقض معها عقائدياً.
وبعد مقتل حاملي لقب المجاهد لدى عائلة الأسد، منِح إلى أناس آخرين، ويحمله الآن “المجاهد محمد جابر” ويعرف بقائد صقور الصحراء، وهي ميليشيا طائفية تابعة لنظام الأسد، تدعمها إيران بالسلاح والمال وترفدها بالرجال، كما أنها تشرف مباشرة على خطابها التعبوي الطائفي، ويظهر ذلك جلياً في تصريحات قائدها “المجاهد” والذي أعلن أخيراً أنه “علويّ الهوى جعفري المنهج”. وذلك في تصريح له يعود إلى التاسع من الجاري، كشف فيه المستور من الحرب السورية، بعد سعي النظام لمنح تلك الحرب عناوين “وطنية” زائفة.

وكانت الصفحة الرسمية لميليشيا صقور الصحراء، على فيسبوك، نشرت بياناً رسمياً مزوداً بصورة لقائدها “المجاهد” محمد جابر، تقول فيها إنها من أمة “محمدية الإسلام، وعلوية الهوى، وحسينية البقاء، جعفرية النهج، مهدوية الولاء” في تعبير صريح منها، هو الأكثر جهراً، لارتباطها العقائدي بإيران، خصوصاً أن المذهب العلوي، في الأصل، لا يعترف بحقيقة مقتل الحسين، ولا يقيم للواقعة وزناً، وذلك كما أورد أبي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي، شيخ الطائفة العلوية الأشهر، في كتابه “الراسباشية” أو ما يسمّى في أدبيات الطائفة بـ”مصحف التوحيد”.

ظهور مصطلحات التشيّع لدى “مجاهدي” الطائفة العلوية، بدأ مع تغلغل النفوذ الإيراني في منطقة اللاذقية، من أيام حكم حافظ الأسد، إلا أنه اشتد أكثر مع ابنه بشار، وازداد ضراوة بعد اندلاع الثورة السورية على نظام الأسد، فتم منح اللقب لابن عمه هلال، فقتل عام 2014، وحمله قريبه الآخر، محمد توفيق الأسد، فقتل أيضا، والآن يحمله محمد جابر، إنما على خلفية النفوذ الإيراني الأوسع الذي ضرب مسقط رأس النظام السوري في اللاذقية وريفها.

فقد تمّ السماح، رسميا، بإقامة مدارس لنشر التشيّع في قرى وبلدات الساحل السوري، ومنحت تراخيص من وزارة أوقاف النظام السوري، فشهدت القرى الأكثر فقرا في ريف جبلة وريف القرداحة إنشاء مدارس “الرسول الأعظم” التي يديرها رجل دين درس في “قم” الإيرانية اسمه أيمن زيتون، وتعود جذوره إلى “الفوعة” السورية في محافظة إدلب. كما أنه أشرف شخصيا على مراسم تشييع قائد ميليشيا الدفاع الوطني “المجاهد” هلال الأسد، وصلى هلى جثمانه.
ولمدارس “الرسول الأعظم” انتشار مكثف في الريف الجنوبي لمحافظة اللاذقية، أي مدينة جبلة وجوارها من قرى وبلدات، فشهدت قرى مثل “عين شقاق” و”راس العين” إنشاء بعض من تلك المدارس التي ترفع، رسمياً، شعار “نشر العلوم الشرعية على مذهب آل البيت” كما يرد في موقعها الرسمي على فيسبوك.
مجاهد الحرس الثوري الإيراني يقطع الشك باليقين
وفي تلك البيئة المشار إليها من النفوذ الإيراني الملحوظ في مسقط رأس الأسد، تم منح لقب “المجاهد” لقائد ميليشيا صقور الصحراء، ولم يتأخر الرجل كثيراً بالإعلان عن الخطاب الطائفي الذي عملت عليه إيران كثيراً، فأعلنها صراحة في البيان الفيسبوكي الذي يعود إلى التاسع من الجاري بأنه ينتمي لجماعة “علوية الهوى مهدوية الولاء” في الوقت الذي لايزال يظن فيه فريق من السوريين أن تلك الميليشيات تقاتل لأسباب “وطنية” أو “قومية”. إلا أن المجاهد محمد جابر، قطع الشك باليقين، وقال ما قاله رسمياً.

يشار إلى أن أول من اكتسب لقب “المجاهد” في الطائفة العلوية، هو الشيخ صالح العلي الذي قاتل الاحتلال الفرنسي. إلا أن آل الأسد، أُغرموا بجاذبية ذلك اللقب، فمنحوه أولا لحافظ الأسد بعد وفاته، ثم منحوه بالتوالي لبعض من أفراد عائلته الذين قتلوا جميعاً، فتم نقل اللقب إلى آخرين في مسقط رأس الأسد على صلة مباشرة بالجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني، وهو العميد محمد جابر الذي تعمل إيران على جعل الميليشيا التي يقودها “نقطة ارتكاز” عسكرية ضاربة في الساحل السوري، تؤمّن لها نفوذا أكبر وتدخلا أشد في التفاصيل الداخلية السورية، ولعل أشهرها هو التحريض الطائفي العلني المكشوف على بقية المجتمع السوري، وفي بيان “صقور الصحراء” المشار إليه إشارة دقيقة وعلنية عن ذلك.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *