(CNN) — في الأيّام الأخيرة في شهر رمضان، ومنذ فترة الإفطار، وحتى فجر اليوم التالي، يمكن تمييز رائحة “معمول العيد” بوضوح تتسرب من البيوت الدمشقية،  وخصوصاً في الأحياء الشعبية، ويمكن أن تسمع أصواتاً متباعدة على عجل (غير أصوات القذائف)، تكسر سكون الهزيع الأخير من الليل؛ هذه الأصوات قد تكون لعائلةٍ صغيرة، تحمل أوعية “المعمول”، في طريق عودتها من “بيت العيلة”، حيث ما زال طقس صناعة حلويات العيد، طقساً تعاونياً، بين ربّات منازل العائلة الواحدة، تفتقده الكثير من العائلات التي فرقتها الحرب.
وفي دمشق، ورغم ضغط الوضع الاقتصادي، تحرص الكثير من العائلات في دمشق، على صناعة “معمول العيد” في المنزل، بحشواته التقليدية الأربع: الفستق، الجوز، مربى النارنج، والتمر.
أما تأمين مستلزمات المعمول، فعادةً ما يكون من محلٍ واحد، يسمى عادةً بالـ”بزورية،” حيث تباع المكسّرات، والحشوات، وطحين السميد، والطحين الأبيض، و”المحلب” (مادة منكّهة خاصّة بالمعمول)، والزبدة، وماء الزهر والورد، والسمن بنوعيه الحيواني أو النباتي.
لكنّ المتعة الأكبر أن تقتني كل تلك المكونّات من سوق “البزورية” الرئيسي، في دمشق القديمة، والذي يقع بين الجامع الأموي الكبير، وسوق “مدحت باشا” أو “السوق الطويل.” وفي هذا المكان بالذات تتركز كل روائح العالم، وأطايبها، ومنها الجوز بأنواعه (البلدي وهو الأغلى ثمناً، والأوزبكي، والأوكراني…)، ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد حوالي (18 دولار)، لكن الفستق أياً كان مصدره؛ يبقى اسمه الفستق الحلبي، ويناهز ثمن الكيلوغرام الواحد منه حوالي (30 دولار)، وبهذا تكون المكسرات هي أغلى مكونّات المعمول ثمناً، يليها السمن الحيواني الذي تضاعف سعره، بسبب صعوبة توفره من مصدريه الأساسيين، ريف حماة، ودير الزور، (وكلاهما من المناطق الساخنة جداً)، لكنّ هذا لا يعني عدم توفر صفائح السمن الحموي في دمشق، في الوقت الذي تبدو فيه أسعار المكونّات الأخرى للمعمول عاديّة.
وفي رحلة تأمين مستلزمات المعمول، وبعد شراء الكميّات اللازمة من المكسرات، وحشوتي النارنج، والتمر الجاهزتين؛ قد يحلو للأشخاص نزولاً عند رغبة ربّة البيت، أن يقطعوا سوق “البزورية”، باتجاه الباب الشرقي في دمشق، من أجل تحديث قائمة مقتنياتها من قوالب المعمول الخشبية تحديداً، حيث تصنعها الورشات بكثافة هنا، وعلى مدار العام، وبنقشاتٍ خاصّة، فلكل نوع من المعمول نقشته الخاصّة. هذا ما يوضحه أحد الباعة لـ CNN بالعربية، مميزاً بين حاجتك لقالبٍ منزلي، أو صناعي، يستخدم في ورشات الحلويات الصغيرة، حيث يكون الأخير (أكثر سماكة، ومتانةً، ونوعية الخشب أفضل)، ما يعني تضاعف سعره.
وبعد اكتمال مستلزمات المعمول، تأتي مرحلة العجن، والتخمير (كلٌ حسب طريقته)، وإعداد الحشوات، ثم البدء بالتحضير، وهنا تكون المرحلة الأكثر صخباً، حيث يتعين على الأشخاص احتمال صوت طرق القالب الخشبي، على أطراف صينية الخبز، أو وعاء العجين، حتى يخرج المعمول بشكله النهائي جاهزاً للشوي في الفرن، ولكن بات يتوجب على ربّات المنازل في دمشق هذا العام، دراسة وقت صناعة معمولهم جيداً، بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في العاصمة السوريّة، في أوقاتٍ غير منتظمة غالباً، ولأوقاتٍ غير محدودة.
وإذا كان الوضع المادي ملائماً، يمكنك الاستغناء عن هذا الطقس المنزلي لتبدأ رحلة البحث عن الحلويات الجاهزة، وبالسعر الأنسب. وستكون وجهتك في هذه الحالة سوق الميدان- “الجزماتية،” أي التجمع الأكبر لصنّاع الحلوى الدمشقية، والتي تحولّت بعض ورشاتهم إلى مصانع كبيرة، كانت تصّدر الحلويات الشرقية، إلى الخليج العربي خاصّةً، وأماكن أخرى في العالم، قبل دخول سوريا في دوّامة الحرب.
وفي سوق “الجزماتية” تتسع قائمة الخيارات، من حلويات العيد الشاميّة، لتشمل بشكلٍ أساسي ما يصنع من الكنافة مثل (البلوريّة، والمبرومة،…)، أو رقائق البقلاوة مثل (الآسية أي المقطعّة على شكل أوراق الآس، والصرر أو البقج، والأصابع، والكول وشكور)، وتحشى كل هذه الأنواع عادةً بشتى أنواع المسكرّات لكن أفخرها يكون محشواً بالفستق الحلبي، والصنوبر، إلى جانب المعمول بحشواته التقليدية، والمبتكرة، والتي أصبح من بينها، أوراق الورد الشامي، والراحة (راحة الحلقوم)،…. إلخ.
لكن حلوى العيد الشاميّة الأكثر خصوصية، تتمثل بـ”السمبوسك”، وهي عبارة عن رقائق من العجين الطري الذي يتم صبّه على (صاج دائري) خاص، ويتم تشكيل الرقائق بمهارة خاصة، على شكل مثلثات، تحشى بالجوز والقرفة، وجوز الهند، ثم تقلى بالزيت، ويتم تغطيسها بالقطر، لتؤكلَ باردة.
وتأتي “برازق الشام” الشهيرة، والغرّيبة، لتكمل مائدة حلويات العيد، تلك المائدة التي يتحكم غناها بالأًصناف اليوم، المقدرة الماديّة للعائلة، حيث تتراوح أسعار أي صنف من أصناف الحلوى التي ذكرناها، بين الستة، والخمسة وعشرين دولاراً، أما التفاوت في الأسعار، فسببه بحسب ما يشرح أحد الباعة لـ CNN بالعربية، أنواع الحشوة المختلفة “وفقاً لنوع الحشوة من المكسرات على اختلاف أنواعها، وكثافتها، ونوع السمن المستخدم.”
ومع الحلويات الشامية، أو من دونها، ثمّة مفردات أخرى لضيافة العيد في الشام، إلى جانب فنجان القهوة، وهي الشوكولا، والسكاكر بأنواعها، وملبس (اللوز أو الشوكولا)، وربما يضاف إليها، “النوغة”، والراحة الدمشقية المحشية بـ(الفستق، أو الورد…)، والمن والسلوى.
وبعد رصد قائمة حلويات العيد في الشام، نستذكر بيتاً من الشعر قاله  أبو الطيب المتنبي: “عيدٌ بأيّة حالٍ عدت يا عيد… بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد”، هذا البيت… التساؤل؛ يتردد أصداؤه في كل بيتٍ من البيوت السورية، وربما على امتداد العالم العربي في قلوب الكثير  من الناس، ممن باعدت الحرب، والأوضاع المتأزمة بينهم، وبين أحبتهم، أو أفقدتهم (الأب، الأم، الولد، الأخ، الأخت، أوالحبيب)، خصوصاً عندما تكون العادة الأكثر رسوخاً في سوريا، صبيحة أول أيام العيد، هي زيارة قبور الأحبّة، وزرع الورود، أو عروق الآس على قبورهم.
أما الأشخاص الأكثر حزناً، فهم من لا يعرفون لأحبتهم قبراً، يزورونه. أما الأشخاص المفقودين، والمهجّرين، فيسكن قلوبهم، وقلوب ذويهم على السواء حزنٌ من نوعٍ آخر، وشوقٌ ما زال في اتقّاد، ويزيد من حرقته التمسك بخيط أمل.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *