في الوقت الذي لم يستجب فيه الدعم الدولي والعربي للحد الأدنى من حجم المعاناة الإنسانية التي أفرزها الصراع الدائر في سوريا، برزت جهود حثيثة لمنظمات أهلية سورية، كان لها أثر كبير في تقديم يد العون لآلاف من المصابين والنازحين السوريين، خاصة أولئك الذين لا تشير إليهم القوائم التركية، بسبب دخولهم إلى تركيا بطريقة غير شرعية بعد هجرهم مدنهم وقراهم جراء القصف، وكذلك من تعرضوا لإصابات خطيرة تستدعي العلاج الفوري.

فخارج المخيمات التي أقامتها السلطات التركية لإيواء اللاجئين السوريين، أوى إلى بلدة الريحانية التابعة لإقليم “هاتاي” التركي وبعض القرى المجاورة لها أكثر من 46 ألف نازح سوري، بحسب الهيئة العامة للثورة السورية، يعيشون ظروفاً صعبة حيث يتوزعون في بيوت قاموا باستئجارها بما تيسر لبعضهم من إمكانيات أو بمساعدة من جهات إغاثية سورية تنشط في هذه المنطقة الحدودية مع سوريا، فضلاً عن عدد كبير من الجرحى ذوي الإصابات الخطيرة، الذين احتضنتهم دور الاستشفاء التي أنشأتها المنظمات الإغاثية السورية.
جهود سورية

بعد تفاقم الأوضاع الإنسانية على الحدود السورية-التركية جراء التدفق الكبير للنازحين السوريين من مدن أمعن النظام السوري في قصفها، كحمص وإدلب وحلب بينهم الكثير من المصابين، عملت مجموعة من المنظمات الأهلية السورية على إنشاء دور للاستشفاء وعيادات علاجية في بلدة الريحانية الحدودية لسد النقص الحاصل في المساعدات الطبية التي يحتاج إليها النازحون، في ظل عدم توفر المخيمات التركية إلا على عيادات صغيرة لعلاج الحالات المرضية البسيطة، واكتظاظ مستشفيات إقليم هاتاي بذوي الإصابات الحرجة الذين ينقلون إليها من المعابر الحدودية عبر سيارات الهلال الأحمر التركي.

فقبل تواجد الهيئات الإغاثية السورية كان العديد من الجرحى الذين استطاعوا عبور الحدود يتركون لساعات طويلة في ميادين البلدات التركية الحدودية في انتظار قبول إحدى المستشفيات التركية استقبالهم.

وتعمل هيئات سورية عديدة ليلاً ونهاراً رغم ثقل العبء وضعف الإمكانيات على توفير المساعدات الطبية اللازمة للجرحى السوريين من خلال جلب التبرعات والدعم، كالمكتب الطبي والإغاثي التابع للهيئة العامة للثورة السورية، الذي أنشأ عيادات تخصصية في الريحانية تقدم العلاج لما يصل إلى 250 نازحاً سورياً في اليوم الواحد، فضلاً عن اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية الذي يضم الرابطة الطبية للمغتربين السوريين، وجمعية رعاية ضحايا سوريا، بالإضافة إلى هيئة الإغاثة السورية واتحاد أطباء سوريا الذين يشرفون على بعض دور الاستشفاء، كما ينتشر عدد من الجمعيات المتواضعة التي قامت بجهد فردي.
تقاسم الأعباء

ويتسم عمل هذه المنظمات الأهلية بالتنسيق الدائم فيما بينها على الرغم من أنها تعتبر مستقلة عن بعضها من حيث مصادر التمويل. ويقول مدين ميزنازي، المسؤول التنفيذي عن المشاريع الطبية في الهيئة العامة للثورة السورية: “إن نشاط الهيئة بدأ في الريحانية منذ ثمانية أشهر عبر إنشاء مكتب لها، لكنها تنشط أيضا في المخيمات التي توجد داخل الأراضي السورية القريبة من تركيا كمخيم “القطمة” ومخيم “قاح” عبر نصب الخيام وتقديم المواد الغذائية والدواء لما يزيد عن ثلاثين نازحاً داخل هذين المخيمين السوريين بالتعاون مع جهات سورية أخرى”.

ويضيف ميزنازي: “لقد أسسنا مركز العيادات في الريحانية لتوفير العلاج للمصابين السوريين في مختلف التخصصات، بعدما أدركنا الصعوبات التي يواجهونها في المستشفيات التركية كعائق اللغة، حيث يتم تشخيص إصاباتهم كما تقدم لهم الوصفات الطبية باللغة التركية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية وعجزهم عن شرائها، نظراً لظروفهم الصعبة، ونحن نسعى حالياً إلى الحصول على ترخيص من الجهات التركية من أجل توفير اللقاحات للأطفال غير المسجلين لدى الأتراك بعدما حرموا منها سنتين”.

ويتابع :”تتكفل الهيئة العامة بنصف الأعباء العلاجية تقريباً حيث تعمل على توفير خدمات طبية متكاملة للنازحين، فضلاً عن الدواء المجاني مع ترجمة الوصفة والتركيبة الدوائية للغة العربية، فيما تتحمل بقية جهات الإغاثة السورية النصف الآخر من الأعباء”.
نازحون منسيون

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات التركية في إغاثة اللاجئين السوريين فإنه من الملاحظ تركيز الجمعيات والمنظمات التركية في دعمها على اللاجئين المسجلين لديها فقط، ما يلقي بعبء إغاثة بقية النازحين غير النظاميين على كاهل المنظمات السورية، خاصة من تعذر عليهم جلب أوراقهم الثبوتية لدى مغادرتهم لسوريا.

من ناحية أخرى، تكتفي المستشفيات التركية بإجراء العمليات الجراحية التي تتطلبها حالة الجريح السوري فيما لا تتكفل بإقامته وإيوائه بل يتم إرساله بعد ذلك إلى المخيمات أو إعادته إلى سوريا. معظم أولئك المصابين يكونون بحاجة إلى متابعة طبية ومعالجة فيزيائية وأدوية لفترات قد تدوم عدة أشهر، لذلك عملت المنظمات السورية على إنشاء دور للاستشفاء تقوم بإيواء الجرحى وتوفر لهم مراكز للعلاج الفيزيائي باعتبار أن المخيمات غير صالحة لاستقبال هذه النوعية من الحالات.
إصابات خطيرة
ويعاني معظم الجرحى، الذين ينجح الناشطون أو ذويهم في نقلهم إلى الأراضي التركية من إصابات خطيرة كتمزق الأعصاب وتهشم العظام نتيجة القصف العشوائي الذي استهدف منازلهم، وجزء كبير منهم مصاب بالشلل النصفي أو الرباعي جراء حدوث تشوهات في النخاع الشوكي أو إصابات في الدماغ، وهي حالات تعد تكلفة علاجها مرتفعة جداً.

كما أن بعض تلك الاختصاصات غير متوفر في تركيا كاختصاص الأعصاب وترميم النخاع الشوكي وزرع الخلايا، مما يستدعي في بعض الأحيان إرسال الجريح للعلاج في الخارج من خلال جمع التبرعات. وقد نجح بعض الأطباء السوريين المقيمين في الخارج في إجراء مثل تلك العمليات الدقيقة في مستشفيين على الأراضي السورية تابعين لاتحاد الأطباء السوريين الذي يقدم العون للجرحى داخل سوريا.

بعض الهيئات السورية كالهيئة العامة للثورة تنشط كذلك في إخراج المصابين من المناطق المحاصرة، مثل حمص وإيصالهم إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج، غير أن هذه العملية الصعبة قد تستغرق أحياناً بضعة أيام بسبب كثرة الحواجز الأمنية للجيش السوري النظامي أو اعتراض قرى ذات غالبية علوية لطريقهم، مما يضطرهم حينها إلى نقل الجريح على الدراجة النارية عبر طرق بديلة وشاقة.

ويوضح مدين ميزنازي أن “هذا الأمر يزيد من تفاقم حالة المصاب بسبب صعوبة الطريق، وتعرض إصابته للشمس أو البرد وللنزيف والتعفن، فمثل هذه الظروف أفقدت العديد من الجرحى إحدى أطرافهم بعد إصابتها بالغرغرينا على الرغم من أنه كان من الممكن تفادي ذلك لو تلقوا العلاج في الوقت المناسب”.

ومع استمرار تدفق المصابين شرع المكتب الطبي التابع للهيئة العامة للثورة السورية في توثيق الحالات، كما يعكفون في الوقت الراهن على إعداد خطة للتدخل الإغاثي في المناطق المحررة عبر دراسة احتياجات تلك المناطق، حيث افتتحت الهيئة مكتباً إغاثياً في إدلب وفي طريقها إلى افتتاح مكتب آخر في حلب.

وقد رأت هيئة إغاثية جديدة النور قبل أسابيع قليلة بأيد سورية هي منظمة “إنماء” التي بدأت في التحضير لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وذلك من خلال تقديم مجموعة من البرامج والمشاريع الإغاثية والتنموية التي تتصف بالاستدامة, حيث أشار محمود الجمعة، المدير العام للمنظمة، إلى أن “إنشاء إنماء جاء استجابة للتحديات التي ستخلقها مرحلة ما بعد سقوط النظام كإعادة الاستقرار للمناطق المنكوبة، وإعادة تأهيلها، وتنمية الموارد المتاحة عبر تطوير أداء العمل الإنساني والتنموي في سوريا”.

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليقان

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *