… ولا شيء سوى زعيق.

الزعيق يختصر المشهد السياسي اللبناني: سعد الحريري بصدد إقامة علاقة سويّة بين الدولتين اللبنانية والسورية فيما السفير السوري علي عبد الكريم علي يقول من بيت وليد جنبلاط في كليمنصو إن المذكرات التي صدرت بحق من يدعي عليهم اللواء جميل السيد هي “جانب قضائي صرف، وبالتالي فإن هذا الأمر ليس مرتبطا بالعلاقة الثنائية بين دولة الرئيس الحريري وسوريا”.

قد لا يختلف إثنان على أن المذكرات الصادرة عن القضاء السوري هي شأن قضائي بغض النظر عن تضارب المواقف حيال الصلاحيات القضائية. ولكن الملفت والمخيف والذي لا يقبله منطق سياسي-علمي-سيادي هو أن يتحدث السفير السوري عن “علاقات ثنائية” بين الحريري وسوريا.

لماذا؟
لأن “العلاقات الثنائية” في علم السياسة تقوم بين دولتين، لا بين دولة وشخص في دولة أخرى، بغض النظر عن هوية وحيثية الشخص.

العلاقات الثنائية بين سوريا وشخصيات لبنانية هي بالتحديد ما كان لبنان يشكو منه في العهد البائد ما قبل انسحاب الجيش السوري في نيسان العام 2005، وهي بالتحديد ما لا يرغب لبنان بالعودة إليه. ما يريده رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري هو علاقة حسن جوار مميزة ومتمايزة بالمعنى القانوني-السياسي-الدبلوماسي بين الدولة اللبنانية والدولة السورية بعد نجاح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان بتأسيس العلاقات الدبوماسية بين الدولتين للمرة الأولى في التاريخ.

قد يرغب الحريري، سواء أكان رئيسا للحكومة أم لا، بعلاقة شخصية مع الرئيس السوري بشار الأسد. فهذا حقه. وقد يرغب الرئيس سليمان أيضا بمثلها، وهذا حقه أيضا.

ولكن العلاقات الشخصية ليست هي، بأي شكل من الأشكال، العلاقات الثنائية بين دولتين، أي دولتين في العالم.

أما أن يذهب السفير السوري، وهو الدبلوماسي المحترف، بالعلاقة بين الحريري وسوريا إلى مستوى “الثنائية” بما تعنيه قانونا وعرفا، فهذا ليس خطأ، ولا هفوة. فهل هو تظهير متعمد من قبل دمشق لما تريده من الحريري؟
الزعيق اللبناني ابتلع أهم وأخطر عنوان سياسي صدر رسميا عن الدوولة السورية على لسان سفيرها، وليس عن حلفائها، حيال العلاقة الجديدة مع لبنان.

كان قد صدر قبلها تعريف، ولكن ليس عن دمشق، بل عن جنبلاط الذي وضع قاعدة الخط البياني للعلاقة مع سوريا منطلقا من “المقاومة”، بما لا يتناسب مع أي علاقة سوية بين دولتين، كون “المقاومة” هذه تعمل موضوعيا وعضويا على الأراضي اللبنانية، لا السورية.

الزعيق السياسي اللبناني ابتلع تعريف جنبلاط الخطير جدا للعلاقة الثنائية بين لبنان وسوريا، كما وازنه التعريف المظهّر لاحقا للعلاقة بين دروز لبنان ودروز إسرائيل، الذي لا يتناقض مع أي علاقة بين طائفتي حكم ذاتي، أو طائفة حكم ذاتي في أكثر من دولة، ولكنه يتناقض جذريا مع التعريف العلمي للعلاقات الثنائية بين دولتين.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المفهوم المتجدد للعلاقة بين سوريا و “أشخاص” أو قوى في لبنان، كما ورد رسميا للمرة الأولى على لسان السفير السوري، لا يتعدى مستوى الزعيق في فضاء الحرب الكبرى التي تجري في المنطقة منذ العام 2003، بعد الغزو الأميركي للعراق ما أسفر عن إسقاط نظامه ودولته معا.

بإسقاط الدولة العراقية، فتح الأميركيون بوابة عرضها 1,281 كيلومترا أمام إيران للولوج إلى أرض العرب. أليس كذلك؟ هذا ما قاله كثر من المنظرين والمحللين. لم نكتشف البارود بهذا الاستنتاج “السخيف” بل المغالي في الغباء، ويعتنقه بعض الأغبياء كما أهل الرياء من العروبيين والإسلاميين.

الاستنتاج الواقعي لمغزى ما جرى في العراق هو أن فتح بوابة صدام كشف عن مشهد أكثر عمقا، وأكثر خطورة من مشهد الدمى المتحركة العروبية والإسلاموية.

صدام كان يصف بوابته بـ”البوابة الشرقية للعالم العربي”. ذلك كان صحيحا يوم كان العرب حيثية واقعية.

ولكن عندما أسقط الغزو الأميركي بوابة صدام، فإنه أدخل امبراطورية فارس المأمولة أو المتجددة إلى إمبراطورية إسرائيل المزعومة.

إسرائيل، العدو التاريخي والأزلي، تقول إن أرضها تمتد من الفرات إلى النيل.

وفارس، العائدة على صهوة حصان “الحرس الثوري الإيراني” بعدما أسقطت المؤسسة الدينية الإيرانية في الثالث من آب العام 2005 بفوز محمود أحمدي نجاد على هاشمي رفسنجاني، تحلم بحكم شواطئ المتوسط التي سيطر عليها مؤسسها الأول قورش في القرن السادس قبل المسيح، ولم يتمكن خليفته كسرى من العودة إليها لأن سعد ابن أبي وقاص هزمه عند “بوابة صدام” في القادسية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

هذا الصراع بين امبراطوريتي فارس وإسرائيل يدور على أراضي العرب، فيما … العرب، شعوبا ودولا، يزعقون.

من لا يصدق الرواية التاريخية عن أرض إسرائيل المزعومة من الفرات إلى النيل أحيله إلى الحاضر، الذي يثبت النظرية بما لا يقبل الشك ولا الجدل:
بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر، كان على إسرائيل أن تفتتح لها سفارة في الدولة العربية. فماذا فعلت؟

تجاوزت إسرائيل القاهرة، وهي العاصمة التي تستضيف كل البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية في مصر، وتوجهت إلى محافظة الجيزة، حيث أقامت سفارتها.

هل تعلمون لماذا؟

لأن إسرائيل أرادت تجاوز مجرى نهر النيل فلا تقيم لها سفارة على “أرضها” بل خارج “أرضها” … أي ما بعد النيل.

أما قورش أحمدي نجاد، فلم يتورع قائده، أي قائد الحرس الثوري، عن إعلان لبنان والعراق وفلسطين خط المواجهة الأول لإيران مع أعدائها، وهو يستعد لزيارة “محافظة، أو قضاء لبنان” كي يخاطب الأمة الفارسية من على شواطئ المتوسط ليقول: “ها قد عدنا”… ليقيم توازن رعب مع خصمه الإسرائيلي يفتح لهما الباب على أحد احتمالين: إما الشراكة في ثروات المزعّقين … أو إبادة أحدهما للآخر.

بعيدا عن الزعيق والضجيج، يحاول خادم الحرمين الشريفين إنجاز مصالحة عربية كي لا ينتهي العرب خدما عند أحفاد قورش … أو صهيون. وتحاول مصر أن تلفت إلى أن “لبنان على مرمى حجر” من أرضها، واستقراره مرتبط باستقرارها … وسوريا تريد علاقة “ثنائية” مع … الحريري … وغير الحريري … وليس مع لبنان.

وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة لحقيقة الصراع، يستمر بعض العرب … بالزعيق، إما غباء أو دهاء، … لكنهم في الحالتين يزعقون.

لا يستطيع أي عربي أن يأخذ موقف المتحالف مع إحدى الإمبراطوريتين. إسرائيل … عدو دائم.

لكن فارس، وهي الأدهى، تجد من يلتحق بذيلها، ربما لأنه لم يقرأ الصورة الحقيقية لأهدافها، أو لأنه لم يقرأ الصورة الحقيقية لمفاعيل إسقاط نظام الأقلية السنية في العراق. أو، وهذا الأدهى، لأنه يقرأ جيدا ولكنه … يحلم بحصاد في موسم كساد.

من يلتحق بإسرائيل، هو حتما عميل، وهو حتما من بيئة حاضنة للعمالة لدولة إسرائيل.

ومن يلتحق بفارس هو، أيضا عميل، وهو حتما صنيعة بيئة حاضنة للعمالة لقورش بغض النظر عن الغلاف الذي يتغطى به، دينيا كان أم عقائديا … أم مقاوماتيا ممانعتيا أو ما شابه ذلك من مفردات ترن كالطبل الأجوف، تصم الآذان ولا تطعم الجوعان. لا يشبع منها … إلا الشبعان.

أي لبنان يبقى مع إمبراطورية قورش أحمدي نجاد؟ لبنان اللبناني يسقط. لبنان العربي أيضا يسقط. لبنان الفينيقي يختفي حتى من كتب التاريخ. لبنان المناصفة، هذا يتحول إلى إحدى طرف جحا السخيفة.

أي سوريا تبقى مع إمبراطورية قورش أحمدي نجاد؟ سوريا السورية تختفي. سوريا الأمة العربية الواحدة تزول. “سوراقيا” أنطون سعادة يتقاسم هلالها الخصيب اليهود والآريون. أي سوريا من السوريات المتعددة تعريفا تصبح عرضة للتمزيق الإسلاموي بشقيه، إن لم تتم التضحية بنظامها واستقرارها وخريطتها على مذبح مؤامرة التعويض عن سقوط نظام الأقلية البعثية السنية في العراق.

عن أي فلسطين نتحدث وبأي توطين نهوّل على الناس؟ بيهودا والسامرة أم بيوم القدس التي لا أقصى في أدبياتها ولا فلسطين؟
عن أي مجلس تعاون لدول خليج “عربية” نبحث؟ عن مجلس حبيب أو زبيب أو حوث ابن فوث. أم ترى عن خليج عبد الله بن سبأ؟
عن أي عراق عربي نفتش؟ عن عراق رئيسه كردي يدير دولته الخاصة في الشمال، أم عن عراق فارسي قتل السيد عبد المجيد الخوئي في الصحن الحيدري في النجف فقط لأنه غير فارسي؟ أين كوفة الإمام علي حيث كان يدرّس في مسجده-مسجدها؟ بل، ومن دون وقاحة، أين عليّ في عراق جيش المهدي، وفرق الموت، والصحوات، وقاعدة الزرقاوي، وما بعد الزرقاوي؟

إسرائيل عدو مطلق. هذا نفهمه ونعرفه ونعتنقه. تعلمناه، ونعلمه.

ولكن، أتباع قورش أحمدي نجاد، من كل العقائد والمذاهب والأديان والشرائح، أليسوا هم أيضا أعداء؟

ونزعق، ونزعق، ونزعق. تارة باسم “شهود زور” وتارة باسم استنابات، وطورا بأسماء “مقاومة” وعلاقات نديّة –نخففها إلى سويّة- وسلاح عدائي، نسميه استراتيجية دفاعية، واشتباكات دموية نتيجة “حادث فردي” واحتلال لمطار هو تعبير عن “رفض” … ثم نستعد لاستقبال قورش أحمدي نجاد على أرضنا، ونختلف على ما إذا كنا “سنسمح له” بإلقاء حجر على إسرائيل.

نستقبله في مطار وكيله، نعزف له نشيد فارس، ويسمح لنا هو بأن نعزف نشيد “المحافظة” اللبنانية ترحيبا بحضوره الوقور، لا أدري ما إذا كان يقبل بأن نستضيفه في “قصره” ببعبدا كي نحظى بشرف خدمته، ثم نعتذر عن عدم مرافقته في جولته على “أرضه” الجنوبية سواء ألقى حجرا على إسرائيل… أو “دبشة” … علينا.

مذكرات قضائية سورية لها مفاعيل سياسية! ليس لها مفاعيل سياسية! لها مفاعيل قضائية! ليس لها مفاعيل قضائية! المذكرات تفرض على الحريري التخلي عن فريقه! لا بل تقوي علاقة فريقه به، أوعلاقته بفريقه! وقورش أحمدي نجاد تسبقه فرقتا حماية إلى لبنان … ولا يعلم بهما لبناني!!!

زعيق، زعيق، زعيق، والأعداء جاثمون على أرض الوطن … تنظيمات “قومية” وإسلاموية تتسلم أسلحتها من وكلاء قورش للسيطرة على الأرض تحت شعارات “منع الفتنة” و “الحفاظ على الاستقرار”، وتتناسى حقيقة أنها كلفت بمهمة “ديك يصيح على مزبلة”.

الحرب مستعرة بين فارس وإسرائيل على أرضنا … وميشال عون يشتم فرع المعلومات. حزب فارس يتخلى عن الدعوة لإعدام العملاء، ويحضّر “لإفادة” نافذة تعطي أحد المتهمين “شرف العمالة المزدوجة” … لإسرائيل … كما لفارس.

وماذا يبقى؟
يبقى أن نتبع مثال صيدا العظيمة. كانت مملكتها الوحيدة التي ثارت على قورش، قاتلته، ولو من خارج أي توازن عددي أو تسليحي. حاصرها، قاتلها … فأحرقت نفسها في القرن الرابع قبل الميلاد، ولم تمنحه شرف هزيمتها وإخضاعها … ثم جاء الإسكندر … وهزم فارس، وبعدها ذهب الإسكندر كما ذهب غيره من بعده، ومنهم شارون ومن جاء قبله ومن جاء بعده.

الحريق أشرف من الزعيق. الحريق يبقى وساما يسجله التاريخ، وإرث الزعيق يسقط في رجع الصدى خلف نوافذ المواخير.

لهيب أسوار صيدا سيمتد حتما هذه المرة … ففي زمن قورش الأول لم يكن بحرنا “ملوثا” بنعمة … النفط والغاز.

أليست جهنم في العز أفضل منزل؟ أم ترى هو شعر نظمه رجل يوما … وما عاد الشعر صناعة الرجال؟!

محمد سلام – لبنان الأن

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫10 تعليقات

  1. لو تعمل سوريا ولبنان وحدة …ويضمو الدولتين …احسن الحلول …بس بدك مين يتنازل ؟؟!!

  2. بعيدا عن الزعيق والضجيج ؟
    يحاول خادم الحرمين الشريفين إنجاز مصالحة عربية كي لا ينتهي العرب خدما عند أحفاد قورش … أو صهيون !!!!!!!!
    كاتب منافق ومأجور !!!! وتزعق للى يدفع أكثر !
    زعق ! زعق ! زعق

  3. زعيق.. زعيق.. زعيقinsha2allah 3ala jamil asdi kabih alsayed w saydo w sayed saydo w sayed sayed saydo amiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiin ya rab l3alamin trayehna min kel l asyad

  4. يسلمووو هالأيااااادي ……. تحليل صحيح و واقعي دليل على معرفة واسعة بالسياسة و بالأحدات الشرق الأوسطية ……..
    شكرا لك…
    أهدي هده الفقرة ل (……سييدني )
    ومن يلتحق بفارس هو، أيضا عميل، وهو حتما صنيعة بيئة حاضنة للعمالة لقورش بغض النظر عن الغلاف الذي يتغطى به، دينيا كان أم عقائديا … أم مقاوماتيا ممانعتيا أو ما شابه ذلك من مفردات ترن كالطبل الأجوف، تصم الآذان ولا تطعم الجوعان. لا يشبع منها … إلا الشبعان.

  5. يسلمووو هالأيااااادي ……. تحليل صحيح و واقعي دليل على معرفة واسعة بالسياسة و بالأحدات الشرق الأوسطية ……..
    شكرا لك…
    أهدي هده الفقرة ل (……سييدني )
    ومن يلتحق بفارس هو، أيضا عميل، وهو حتما صنيعة بيئة حاضنة للعمالة لقورش بغض النظر عن الغلاف الذي يتغطى به، دينيا كان أم عقائديا … أم مقاوماتيا ممانعتيا أو ما شابه ذلك من مفردات ترن كالطبل الأجوف، تصم الآذان ولا تطعم الجوعان. لا يشبع منها … إلا الشبعان.

  6. جوليا
    اكرر
    لا الفاره طاهره ولا دوعيها مستجابه
    هههههههه استمري خلي الحقد والغيره تعمي قلبك

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *