فى المواصلات عموما و إتوبيسات النقل العام خصوصا ضاعت ساعات طويلة من أعمارنا ، قضينا أوقاتاً لو جمعت لصارت شهوراً طوال ، بعضنا لو جمعت تلك الأوقات له لصارت سنوات من عمره مقسمة بين وسائل المواصلات بأنواعها المختلفة ، وبالرغم من تعدد وسائل الركوب ، إلا أن الاتوبيس يبقى صاحب النصيب الأكبر من الذكريات والأحداث وهذا يرجع إلى إحتلاله النصيب الأكبر من وقت السفر فى حياة الكثيرين ، فحتى وان لم تكن أحد ركابه فهو يشعرك بمكانته كونه أحد أهم ملامح الشارع المصرى ، كما أن حجمه الكبير يخفظ له هيبته بين وسائل النقل الأخرى كالميكروباص و التاكسيات والملاكى ، إذا إنطلق فإنه يخرج من شكمانه دخاناً يعمى كل من حوله ، هو أشبه ما يكون بأخطبوط يفرز مادته الحبرية السوداء فى مياه المحيط هربا من أعدائه ، أما إذا هدأ وتوقف فإن طابوراً طويلاً يتكون بسرعة خلفه .

من وجهة نظرى فإن سائقى الاتوبيس هم الأفضل ، فكون الاتوبيس عهدة يجعل سائقه حذراً باستمرار ويقظ طوال الوقت ، بعضهم يمتاز بروح الجرأة فتجده يرواغ بالاتوبيس ويتنقل من حارة إلى أخرى ، صحيح أنه يحدث موجة من الاضطراب فى السيارات من خلفه ، إلا ان الأسوأ هى موجة الاضطراب التى تحدث بين “ركاب الطرقة” الواقفين بين صفى المقاعد !

إتوبيس النقل العام هو صورة مصغرة للوطن ، يحوى أفراداً من كل الطبقات الاجتماعية تقريباً ، الوضع مضطرب طوال الوقت ، يشبهه البعض بالحياة عموماً ، كون الناس ينزلون ويركبون فى صورة مستمرة لا تتوقف ، انها متلازمة الميلاد والوفاة .. وان كان سائقى الاتوبيس يمتازون بالمهارة والقدرة على المراوغة ، فإن ركاب الاتوبيس لا يقلون عنهم مهارة وبراعة فريدة سواء فى الركوب أو النزول .. أما الركوب فهو أمر سهل ــ حتى وان كان الاتوبيس ممتلئ عن آخره ــ فإن ثمة من سيجذبك بمجرد دنوك من الباب ، المشكلة تكمن فى حالة الاضطرار إلى الركض بجوار الاتوبيس إذا كان قد تحرك بالفعل ، فى بعض الحالات يكون الركض جماعى وكأنهم فى مارثون للجرى من أجل يوم البيئة العالمى ! ، وفى احيان أخرى قد يصل الراكض إلى مبتغاه دون الركوب و هو ما يعنى ممارسة الرياضة و توفير النقود التى كان سيدفعها نظير ركوبه !

بعد أن تتم عملية الصعود على متن الاتوبيس تكون مخير بين أمرين ، إما أن تكون جزء من “علبة السلامون” الموجودة فى الطرقة فى إنتظار أن يأتى الوقت الذى سينزل فيه أحد الجالسين تاركاً مكانه ليفوز به أحد الواقفين ، أو ان تبقى على الباب .. مع تلك الفئة التى سخر أصحابها أنفسهم لجذب كل من يحاول الركوب ، وفى الواقع الركوب على الباب له مزايا أخرى ، منها: سهولة النزول ، مشاهدة معالم الطريق عن قرب وكأنك تركب إتوبيساً سياحياً ــ تحديداً الدور الثانى المكشوف ــ كما فى الدول الاوربية ، وكذا مشاهدة كل ما تحتويه السيارات من حولك للدرجة التى يشعر بها سائقو السيارات الأخرى بأنك تجلس معهم فى سياراتهم ، هذا بخلاف امكانية الاعفاء من دفع ثمن تذكرة الركوب ، إذ يصعب فى بعض الأحيان وصول الكمسرى إلى تلك البقعة المميزة شديدة الازدحام و المسماه ” ع الباب ” !

إذا كنت فى أفضل أوقات خظك وإستطعت الحصول على مقعد للجلوس ، فإعلم أنك معرض للقيام منه فى أى لحظة ..فقط بمجرد ركوب رجل عجوز أو سيدة طاعنة فى العمر ، إذ أن أخلاقيات الاتوبيس المتوارثة عبر الأجيال تقتضى ترك مقعدك فى هذه الحالة (هذا بالاضافة الى ما يأمرنا به الدين الحنيف من توقير الكبير ومساعدته) ، كونك فى الداخل بشكل عام يعنى إنغماسك فى حوارات ونقاشات ساخنة يتشارك فيها معظم الركاب ، جزء كبير منها يكون حول المشكلات اليومية و وضع البلد وما يحدث بها ، وليس مستبعداً أبداً ان تسمع سباباً وشتائم على بعض المسئولين وأصحاب المناصب العليا ، لكن الغريب حقاً .. هو ذلك الشعور الاإرادى بالسعادة عندما تشاهد الاتوبيس عن بعد و تزداد تلك السعادة عندما تتمكن من الركوب ، لكن الأغرب فى الواقع هو تواصل هذا الشعور عند النزول ، إذ أن فترة الركوب تشكل للبعض كابوساً سرعان ما تخلص منه !

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

  1. هل المترو منتشر كما يجب في القاهرة
    يعني يغطي كل مناطقها !!
    لأنني أتصور ان المترو هو الكفيل بمفرده حل مشكلة المواصلات إلا إذا كان من المقصود إلهاء الشعب بهذه المشاكل اليومية لإحكام السيطرة على البلد
    لديك الخبر اليقين أخبرنا إذا سمحت مع الشكر أخ أحمد

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *