بقلم حيدر محمد الوائلي

أقر البرلمان العراقي قانون حظر التدخين في المرفقات العامة ومؤسسات الدولة ويغرم من يخالف هذا القانون مبلغاً لا يقل عن (عشرة ألاف) دينار عراقي أي ما يعادل (ثمانية – تسعة) دولارات…
هذا هو القانون الذي صدر قبل أيام قليلة، ولا تسأل كيف ولماذا صدر من بين مئات القوانين المنتظرة والتي من شأنها أن تنصف الناس وتحييهم حياة طيبة هم بأمس الحاجة إليها أكثر من قانون سيكون أكثر الظن حبراً على ورق ومن الصعب تطبيقه بكل الأحوال خصوصاً لدى قناعة الشارع بصعوبة ملاحقة وتغريم مدخني سجائر…!!

الكثير من الناس لا ينظروا للدولة في العراق (من وجهة نظري لكي لا يتحمل وزرها غيري) بأنها دولة قائمة لخدمته، فلا يوجد ما يشجعه على احترام القانون سوى خشية العقوبة –إن طٌبّقت- وليس إيماناً منه بالقانون، وحتى لو طٌبِقت العقوبة فبتمييز وليس بالتساوي…

لقد ساهمت الحروب السابقة ومن ثم الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب دون السلطة الظالمة وكذلك قسوة الحكم السابق ومن ثم الإرهاب فيما بعد سقوط نظام ظلم صدام وكذلك الصراعات السياسية هي جميعاً وعوامل أخرى ساهمت بذلك…
لا يتصور المواطن العادي أن القوانين تسن لخدمته لأنه غير مؤمن بأن أولئك الذين واجبهم سن القوانين وغيرهم ممن واجبهم تطبيقها والالتزام بها قد جاءوا أصلاً لخدمته بل جاءوا لاستيفاء مصالحهم الشخصية والحزبية ومن ثم كتحصيل حاصل تأتي خدمة الناس…
مَن مِن القراء الكرام لم يسمع من الناس حديثاً بهذا الشأن وبفقدان الثقة بالمسؤولين والسياسيين والأحزاب بل وحتى رجال دين…؟!

لا يؤمن المواطن العادي وهم (أغلبية المواطنين) مثلاً بضرورة المحافظة على النظافة وعدم رمي النفايات في غير محلها، أو بضرورة الالتزام بخط السير، أو طابور الانتظار، ولا طالب المدرسة يحافظ على المدرسة ونظافتها لعدم وجود ما يشجع الطالب بضرورة أن هذه المدرسة بُنِيَت لخدمته فهو يتصورها مكان يدرس فيه ويخربه في نفس الوقت حيث لا يوجد لديه تأنيب ضمير بحيث يصبح فعله جريمة كبيرة بحق مؤسسة خدمية عامة…
المواطنين أنفسهم هم سبب تلك الوساخة وانتشار النفايات في الشوارع والمرفقات العامة فالناس يهتمون بالنظافة داخل بيوتهم ويرمون نفاياتهم في سلة مهملات البيت ولا يبصقون في غرفة المطبخ ولا يرمون علب فارغة في أرضية غرفة النوم ولا يكتبون على جدران غرفة الاستقبال ذكرياتهم ورسوماتهم…!!
كل شيء بمكانه ومنظم داخل البيت –على الأغلب-، ولكن ما إن يخرجوا للشارع حتى تراهم يخالفون ما هم ملتزمين به داخل بيوتهم ويخربون في كل مكان يمشون ويجلسون فيه…!!
ليتغير من نظيف إلى وسخ في غمضة عين…!!
فلا يوجد ما يشجعهم على النظافة فهو داخل بيته سيد نفسه ويحس بأن بيته ملكه وهو له ولكن لا الشارع ولا المدينة تهمه في شيء سوى السكن وتواجد الأصدقاء فيها…!!
مع ضعف دور البلدية في مشاريع النظافة والتنظيف أكيداً…

لقد ضعف الحس الوطني والضمير الغيور الذي ينظر مثلاً لمن يركن سيارته بمكان لا يصح فيه ركن السيارات بأنه عمل شنيع لأنه خالف قانون السير بل هو عند الكثيرين فعل عادي جداً في حياتنا اليومية…!!

ربما أبرز مظاهر الحس الوطني لدينا مباراة كرة قدم لمنتخبنا الوطني –إنشاء الله نتأهل لكأس العالم- أو لمطرب يغني حباً بحضارة وتراث قضى نحبه أو لمغترب يشتاق لأهله…!!
حتى راية العلم عندنا غير محترمة بالشكل الواجب أن تُحترم، فالكثير من مؤسسات الدولة يعلوها علم عراقي متهرئ أو ممزق أو وسخ…!!
ولدى الجاليات في خارج العراق أعلاماً متنوعة، فمنها بنجوم وشعار ومنها بنجوم فقط ومنها بشعار دون نجوم، ولعل نظرة لجمهور مباراة كرة قدم لجالية عراقية في الخليج توضح ذلك…!!
وأما في إقليم كردستان فهنالك علم خاص بهم وكثيراً ما يُرفع لوحده دون علم العراق الرسمي…!!

نفس هؤلاء الناس لو سافروا لبلد أجنبي مثلاً بريطانيا، فرنسا، أو السويد لتراه ملتزماً بالنظافة العامة ولا يرمي النفايات من نافذة سيارته كما يفعل في العراق، ولو كان ماشياً فلا يرميها إلا في محلها، حتى لو لم يكن هنالك رقيب عليه…!!
أتعرفون لماذا يفعل ذلك…؟!
لأنه سيكون شاذاً وغريباً ومنتقداً من قبل الناس هناك لو فعل ذلك، فضلاَ عن تجريم القانون لها ولكنه لا يفعلها لأنه سيكون مهان و(نشاز) بينهم، ولكن عندنا يكون (نشاز) من يتقيد بتلك الأفعال الحسنة…

كيف سيكون التدخين ممنوعاً في وسط شعبي يعتبر التدخين وسيلة للهرب من الواقع المزري من وضع معيشي سيء لوضع خدمي أسوأ فوضع سياسي أسوأ وأسوأ، لتزداد أزمة فقدان الثقة بين السياسيين أنفسهم وهي عامل تفرقة وسوء تصرف في العمل السياسي على الدوام، لينجر فقدان الثقة بين مكونات المجتمع نفسه وحتى فقدان الثقة داخل كل فرد بنفسه…!!
فكيف سيثق المواطن بضرورة تلك القوانين وبمن يشرعها…؟!
كتبت كتاباً قبل فترة عنوانه (فقدان الثقة) يتناول هذا الموضوع الخطير وشواهد وأسباب ونتائج وحلول أزمة فقدان الثقة في المجتمع العراقي.

الناس عموماً تضحك لتشريع هكذا قوانين لأنها تتصور أنه ليس في صالحها في شيء يذكر حيث همهم أن تتوفر لهم خدمات عامة ومرافق خدمية وطاقة كهربائية كافية تدفئهم في الشتاء وتبردهم في الصيف وتنير شوارعهم وبيوتهم وأجهزتهم في الفصلين معاً.

الناس عموماً لا تعر أي اهتمام لعبارة (شكراً لعدم التدخين) لأن بعض موظفي المؤسسة التي تعلق فيها تلك العبارة هم من المدخنين بل منهم من يدخن وخلفه معلقةً تلك اللافتة، وكأنه يقرأها بالمقلوب (شكراً للتدخين) فهي مجرد شكليات بنظرهم، وهي فعلاً كذلك، وشكراً للتدخين فأنت في العراق…!!

أكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الذي صدر عام (2011) ارتفاع عدد المدخنين في العراق إلى نحو (سبعة ملايين وخمسمائة ألف مدخن)، أي حوالي ثلث السكان، مشيرة إلى أن حجم الاستهلاك السنوي وصل إلى ما يقارب (مليار علبة) من السجائر، تبلغ حصة كل فرد منها سنوياً (1200) سيجارة…!!
أي بإسقاط الأطفال من مجموع السكان فيصبح أكثر من نصف من يحق لهم الانتخاب في العراق (18 سنة فأكثر) من المدخنين…!!
أي لو شكلوا تجمعاً انتخابياً أسموه (تجمع المدخنين) لفازوا بأغلبية أصوات الناخبين ولشكلوا حكومة أغلبية نيابية وينهون بذلك أزمة العراق السياسية التي من أسبابها وجود حكومة شراكة وطنية فكل من فاز يشترك بها ولم ينتهي لليوم الصراع السياسي الدائر حولها…!!

تنتظر الناس تفعيل دور الاستثمار أكثر والرقي في مجال الخدمات أكثر وتحسين معيشة ودخل الفرد العراقي أكثر، وإشاعة روح الثقة وحب الوطن واحترام الدولة والقانون وهذا كله دور الناس والسياسيين معاً فهم الداء والدواء، وليتركوا التدخين لمدخنيه ومتى ما جعل السياسيين من أنفسهم قدوة حسنة يُقتفى أثرها فستقلع كثير من الناس عن التدخين من دون الحاجة لقانون يجرّم ذلك.

وأنا عن نفسي أقلعت عن التدخين قبل أشهر كثيرة من إقرار هذا القانون، وأنظر لقانون الحظر أنه قانون جيد ولكن في غير وقته، فالناس بحاجة لقوانين كثيرة جداً أكثر جودة وضرورة، فقانون مثل هذا أشك في تطبيقه حيث صعوبة أن تعمل الناس به، فالناس بحاجة إلى قوانين أهم بكثير جداً من هذا القانون.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫21 تعليق

  1. اخ حيدر
    موضوع رائع .. لان النظافه من الايمان
    لاحكي لكم قصه قصيره حصلت معي عند زيارتي للعراق وكانت في العهد السابق..
    كنت امشي مع اختي في احدى شوارع بغداد الجميله .. وكان هنالك علب للنفايات معلقه على قطع خشبيه لوضع النفايات الصغيره فيها ..
    رايت شخص يحاول سرقة هذه العلبه بالقوه وقلعها من القطعه الخشبيه ههههههه تعجبت وقلت له باللهجه العراقيه .. انت شدتسوي ؟ قال ههه شداسوي ؟ قلت انت دتسرق العلبه .. قال اي ومنو داير بال ؟راح اخذها واستعملها في بيتي .. صدمت من جوابه وتصرفاته ..
    انا لا ابرر موقف هذا الشخص ولكن عندما يرى الشعب العراقي الغني بالنفط ومن المفروض ان يكون من احسن الشعوب وجميع الخدمات متوفره له محروم من ابسط حقوقه .. مثل الموبايلات والفضائيات والانترنت وغيرها .. ويرى بان كل حكومه تاتي فقط لسرقة هذه الخيرات واعطاء ذيول هذه الثروات الى الشعب بالتاكيد سيحاول عمل اي شيء للضرر بهذه الحكومه هو رد فعل ولكنه غلط.. خاصة عندما تقل بشكل كبير توفير سيارات لجمع النفايات وتبقى ايام واسابيع خارج الدار .. العراقيين حرموا من ابسط الاشياء ..
    والحكومه الحاليه وفرت الانترنت والموبايلات والفضائيات ولكن الكهرباء والماء وغيرها غير متوفره .. وهم وفروا جميع هذا ايضا للاستفاده وحصد المال بالتعاقد مع الشركات الاجنبيه ..
    وقانون حظر التدخين اسهل القوانين التي تستطيع بها الحكومه حصد اكبر كميه من المال .. لانهم يعلمون بان العراقيين مدخنين ولا يستغنون عن التدخين ..
    وانا لا اريد اطالة الموضوع اكثر ولكن .. الله يعين الشعب العراقي على ما حل به .

  2. انا اودخن ولاكن من جيبي هههههههه اما بخصوص العراق الفساد الحكومي هوا السبب!!!!!!!

  3. yarit ya brinda nimna3o fi boldana el 3arabia .el wahid 3ayiz yidakhan we yador sahito lih yidor el nas tania ma3ah

  4. ماألك أي حق, هو قانون جيد
    البعض يريدله عزة حتى يلطم بيه وشكراً

    1. بغداد؟ انت بغداد وهل خلق الله مثلك في الدنيا اجمعها صديقتنا القديمة الغايبة؟

      1. ياسمينه
        ياروحي تسلمين على شعورك نحو العراق .. يا بنت الاصول .
        رمضان كريم .. وسمعت انت اطيبي الاكلات الحلوه لرمضان .

        1. ندّوش يا باقة ورود
          لي مع العراق قصة عشق منذ سنين… لما درست كتب التاريخ انغرمت بالحضارات لي كانت هناك ولما رحت على الجامعة ودرست مادة الاثارات ازداد عشقي وصار حلمي اجي ازور بلاد الرافدين… بس الله ماكتّب ازورها لكن بعث لي منها احلى هدية …. وتستمر قصة عشق ياسمينا … 🙂

          1. ياسمينا
            انت طيبه وحبوبه وبنت حلال ..
            اي هديه من العراق اكيد راح اتكون حلوه .. ان شاءالله تكوني بقصة عشق دائما لان اجمل ما في الحياة عندما تعشق المراه .. وكذلك انا عندي كتب رائعه عن العراق ولوحات رسمتها انا .. وان اراد الله ستزوريها ولكن مع الاسف تغيرت ملامح وجهها كثيرا .

    1. بلاد الرافدين، بلاد ما بين النهرين، الحضارة، حدائق بابل المعلّقة، الدولة العباسية بعظمتها،… هذا ماضيا اما حاضرا فهو دولة تآمرت عليها مجموعة دول ودمّرها احتلال غاشم

  5. طبعا هالقرار حلو هواي لان دليل طبعا على النظافة وشي صحي اكيد
    بس نتمنى من الحكومة تصدر قرارات اهم من هيج بالاول
    يعني ايشوفون صرفة للكهرباء, المي , الخدمات ويرجعون عالتدخين بعدين

    تحياتي

  6. الله يلعن مين خلى العراق دولة ضعيفه و كل يوم إنفجار رغم إنها دولة غنية و قادرين أهلها يعيشوا احسن عالم

  7. يجب تنضيف العراق ممن تطاولو عليها الم تكن بغداد من انضف مدن العالم في يوم لم يكن يدكر لكثير من المدن اسما

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *