في غرفة مظلمة رطبة ، خالية إلا من أجساد وأنفاس عشرات الرجال .. كان أبو طوطح يقف وسط ذلك الزحام يفكر في السبب الذي أتى به إلى هنا .. ولكنه تفكيره البسيط لم يقده إلى نتيجة ، فكل ما يعرفه أنه كان عائداً إلى بيته من السوق في الوقت الذي انطلقت فيه مظاهرة بنفس الحي .. ولم يشعر إلا وبضع رجال يحيطون به وينهالون عليه ضرباً بهرواتاهم ويحشروه في السيارة … ليجد نفسه في هذا المكان وبين هؤلاء الناس ..!!
لم يطل التفكير بأبو طوطح كثيراً .. إذ سُرعان ما سمع صوتاً يٌنادي باسمه ويأمره بالدخول إلى غرفة مجاورة …
دخل أبو طوطح إلى الغرفة .. ليجد فيها مُساعد يجلس على كرسي وأمامه مكتب صغير ..
المُساعد : أبو طوطح .
أبو طوطح : حاضر سيدي ..
المُساعد : شو عامل أنتَ ؟
أبو طوطح : والله يا سيدي مو عامل شي .. الله وكيلك
المُساعد : لشو جايبينك لهون لكان ؟ .. عم يتبلوا عليك يعني ؟؟
أبو طوطح :لا سيدي معاذ الله .. بس أكيد في سوء تفاهم … بتصير كتير .. ما حدا معصوم من الغلط سيدي
المُساعد : أي بلا أكل هوى .. وشلاح هدومك بسرعة يلا ..
انتفض أبو طوطح كمن لدغته أفعى
أبو طوطح : سيدي .. كلو إلا هاد .. أنا عشت عمري كلو وسمعتي متل الدهب وما حدا جاب سيرتي بكلمة ..
المُساعد : لعمى بعيونك ما أحيونك .. شلاح ولا …
شمخ أبو طوطح ببصره للأعلى .. وأبرز صدره .. وقطب جبينه ..
أبو طوطح : لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى … حتى يُراق على ج…
لم يكمل بيت الشعر حتى كانت صفعة المساعد تدوي على خده
أبو طوطح : أمركم سيدي … بشلح .
أخفض أبو طوطح بصره وشرع في خلع ملابسه حتى انتهى .. وهو لا يزال مطرقاً بالأرض ..
المُساعد : يلّا اعمل حركتين أمان بسرعة ..
بدت الحيرة على وجه أبو طوطح وظل جامداًُ في مكانه ..
المُساعد : لك اعمل حركتين أمان يا بهيم  ..
ازداد أبو طوطح ارتباكاً .. فهو لم يفهم مقصد المساعد .. وخاف أن يُراجعه فيتلقى صفعة أخرى ..
فما كان منه إلا أن أخذ يقلّد حركة الامان في البارودة في الهواء ..
المُساعد : لك أنت أجدب ولا عم تتجدبن ؟
أبو طوطح : سيدي والله بحياتي ما مسكت غير بارودة لما كنت بالجيش .. وما بعرف غير هالحركة الله وكيلك ..
المُساعد : لك يا غبي .. حركتين امان يعني قرفص وقوم مرتين .. يلا بسرعة .
نفّذ أبو طوطح ما طُلب منه .. وعندما انتهى أخذ يحرّك ذراعيه وكأنه يقوم بالإحماء ..
أبو طوطح : الله يعطيكم العافية سيدي … بالفعل حاسس بنشاط وحيوية .. الله يخليلنا ياكن ..
المُساعد : نشاط وحيوية !!!! … رح خليك تتنشط آخر نشاط ..
انهال المساعد على أبو طوطح صفعاً وركلاً ومسحاً بالأرض .. وأبو طوطح يتلوى من الألم .. وبعد أن أفرغ المساعد شحنته قام أبو طوطح مليئاً بالكدمات
أبو طوطح : يا سلآلآلآم .. غير شكل .. يا هيك الرياضة يا أما بلا .. مو حصص الرياضة اللي بالمدارس .
المُساعد : ألبس هدومك بسرعة يلا ..
ارتدى أبو طوطح ملابسه بصعوبة بسبب الكدمات والآلام .. ثم أدخله المساعد إلى غرفة التحقيق المجاورة ..!!
دخل أبو طوطح إلى غرفة التحقيق .. وفي وسطها مكتب يجلس خلفه رجل أنيق هو المحقق وأمامه على المكتب أوراق ينظر فيها ..
وقف أبو طوطح مقابل المكتب .. وسادت فترة صمت قطعها المحقق قائلاً :
المحقق : شلونك يا أبو طوطح ؟
أبو طوطح : الحمدلله سيدي .. الله يديمكن ويخليكن ..
المحقق : ليش عم تطلع بمظاهرات يا أبو طوطح ؟
أبو طوطح : الله وكيلك يا سيدي ما طلعت ولا دخلت .. سيدي أنا بكل حياتي ما مشيت مع أكثر من اثنين ..
المحقق : بس أنا اللي عندي غير هيك ..
أبو طوطح : شو اللي عندكم سيدي ؟
المحقق : أنت مبارح نزلت تشتري خضرة من الدكان اللي تحتكم ..وتذمّرت من غلاء الأسعار .. وقلت كل شي بهالبلد عم يغلا إلا المواطن عم يرخص ..
أبو طوطح : أعوذ بالله سيدي .. أنا أحكي هيك ؟!!!! .. مستحيل .. بعدين وين الغلا؟ .. مافي غلا ولا شي .. ما في إلا غلاوتكم علينا .. الله يديمكم ..
نادى المحقق بصوت عال
المحقق : مساعد ”   ” ..
فُتح الباب ودخل بائع الخضار وهو ينظر إلى أبو طوطح ويبتسم أبتسامة عريضة
أبو طوطح : هاد أنت ؟ .. سيدي والله ما كان قصدي شي .. آخر مرة .. ما بقى عيدها ..
المحق : أنت الأسبوع الماضي قلت للزبال اللي كان امام بيتك أنه يبطل يكنس الوسخ لأنه في شي أهم بالبلد لازمه كنس ..!!
أبو طوطح : كذب سيدي .. أصلاً من سنين ما شفنا زبال عنا بالحارة ..
ومرة أخرى ينادي المحقق : مساعد ”   “
ويدخل الزبال من الباب بنفس الابتسامة العريضة ..
أبو طوطح : سيدي السماح الله يخليكم … اذا بتحبوا رح اكنس كل المنطقة ..
المحقق : أنت الأسبوع الماضي تخانقت مع زوجتك وقلت لها .. لولا أنو البلد مشغولة بطرد اللي أهم منك كنت طردتك لبيت أهلك ..!!
شحب وجه أبو طوطح .. وارتعدت فرائصه .. ليس لأنه قال هذا الكلام فعلاً .. وإنما لأنه تخيل أن المحقق سيُنادي : مُساعدة أم طوطح .. لتدخل زوجته من الباب وهي تُقهقه ..
أبو طوطح : بعترف سيدي بعترف .. خلص التوبة .. والله ما بقى عيدها ..
المحقق : اسمع يا أبو طوطح .. أنت حظك حلو .. ولازم تشكر الله اولاً والقيادة ثانياً .. أو بالأول تشكر ….. ولا بلاها أحسن ما نسمع كلمتين من أبو المنذر ..
أنت يا أبو طوطح شملك العفو اللي منحتكم اياه القيادة اليوم .. وهلق رح يجي تلفزيون ” الحارة ” يصوّر عنا .. ورح يقابلوك حتى تشكر القيادة على المنحة والمكرمة اللي عطتكم ياها  حتى تطلع من هون .. ويا ويلك لو بتخربط بكلمة .. فهمان ؟؟
أبو طوطح : أمركم سيدي .. بطلع وبشكر وبهتف .. الله يخليلنا القيادة
وقف أبو طوطح أمام الكاميرا واستعد كأنه سيخطب ..
أبو طوطح : أشكر القيادة الكريمة على الكرم اللي غمرتنا فيه .. وبعاهدها أنو ما رح أرجع أغلط مرة تانية أبداً .. وبعاهدها انو ما اشتكي من غلاء الأسعار أبداً .. ولا أتذمر بحياتي .. وبعاهدها كمان أنو أكنس قدام بيتي كل يوم .. وأمام بيوت الجيران وكل بيوت المنطقة .. لأن النظافة من الايمان .. وبعاهدها أنو ما بقى خانق زوجتي أبداً ولا فكر مجرد تفكير أني اطردها .. بالعكس أنا بطلع وبنام على الدرج لحتى ترضى عني ..
المحقق : قسماً بالله انت طخّك حلال …!!!!!

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫26 تعليق

  1. هههههههههه والله هم يبكي و هم يضحك بس الي عجبني (. ولا بلاها أحسن ما نسمع كلمتين من أبو المنذر ..)هههههههههههههههههههههه
    شكرا خيو مامون

  2. ههههههههههههه القصة حلوة يا مأمون…ابو طوطح مسكين حظه مطوطح هههه انما قل لي مأمون هي زوجة أبو طوطح كمان كانت راح تشهد ضده؟؟ ((يا عيب الشوم عليها..وين الوفاء هههه))…و تحياااااتي لأبو طوطح…دير بالك مرة ثانية…

  3. ههههههه لاحول ولا قوة الا بالله، برغم ان القصة فيها لمحة سخرية، لكنه قلبى وجعنى على ابو طوطح وفكرت للحظة هاعمل أيه لو كنت مكانه… وأنا بقرأ اليومية تذكرت شعار الشرطة اللى من وقت ما وعيت على الدنيا وأنا بشوفه “الشرطة فى خدمة الشعب”، لكن الشرطة عندنا حبت تكون ايجابية أكتر فغيرت من كام سنة الشعار ليصبح “الشرطة والشعب فى خدمة الوطن”.
    أعتقد لو ماكنتش الثورة قامت فى مصر كانت الشرطة هاتغير الشعار ليصبح “الشعب والوطن فى خدمة الشرطة”.
    مشكور مأموووووون.

        1. فتفوته
          انا بخير والحمد لله .. وانت اليوم رايقه .. وانا معاكي صبغة الشعر اثرت على اللي ماتتسماش .

          1. رحمه
            ازيك؟ عساكي تكوني بخير
            لا اشلونك مو مصريه بس انا اعطي دروس باللهجه العراقيه لفاتي .

          2. 🙂 اه مصرية هاتلاقى الناس اللى فى شبرا بيقولوها خصوصا اللى ساكنين عند محلات ارزاق ههههه
            انا بقولها لناديه كل مرة لانها عراقية وهى بتدينى كورسات عراقى. مساء الخير عليكى.
            انا هالحق اجرى من الموضوع قبل ما مامون يجى يطردنا بسبب السلامات هههه

  4. المحقق : اسمع يا أبو طوطح .. أنت حظك حلو .. ولازم تشكر الله اولاً والقيادة ثانياً .. أو بالأول تشكر ….. ولا بلاها أحسن ما نسمع كلمتين من أبو المنذر ..
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ده على أساس أن أبو المنذر رئيس هيئة المصنفات الفنية والرقابة الأدبية 🙂

  5. خخخخخخخخخخخ حلووووه يامأمون والله دخلت جو مع الموضوع بس أبو طوطح دمه خفيف وزي العسل والله

  6. العبرة في القصة مولمة يا اخ مامون
    كم من ناس تبهدلت وتجرجرت وتعذبت وانقتلت بدون ان ليس لهم لاناقة ولاجمل
    الله يفرجها عليكم وعلى عبادة اجمعين

  7. هذه هي مأساة المواطن فالواعي والعارف بشؤون البلد يكون وعيه نقمة وقد يكون هذا مبررا لمن يقمعه لانه يهدده لكن المؤلم هو أن البسيط ايضا يعاني .باختصار انت مواطن اذا انت ممتهن حلك الوحيد ان تصمت وحسن النية او الغفلة لا تشفع لاحد.
    شكرا مامون الادب الساخر يشعرنا بمرارة اشد في وطأة القضايا من الجدية .

  8. طرح جيد اخي مامون رغم الواقع الحزين الذي سردته في هذه الاسطر لكن الطريقة الساخرة اضفت عليه جمالا و وقعا في النفس. شكرا و نطلب منك المزيد و الجديد.

  9. سلام عليكم ,

    أذكر حادثه حصلت في إحدى العواصم العربيه حيث كنا ننتظر الدخول للإستمتاع بالإستماع إلى حفل غنائي لجوليا بطرس ولكن كان هناك مشكله ما اضطررنا من أجلها الوقوف لوقت طويل. تجرأ أحد الحضور وتذمر من الإنتظار وفجأه هجم عليه عسكري بندقيته تجر على الأرض من قصر قامته وانهال عليه بالضرب. لم يشفع لذاك الشاب المسكين توسلات أمه ولا أبيه اللذان كانا لا يجرؤان على الإقتراب من ابنهما.

    شعرت كم الإنسان تحت ذلك النظام مستباح ومستباح.

    واقعٌ مضحكٌ مبكٍ نقلته لنا أخي مأمون.
    كان الله في عون طوطح وآلالاف الطوطحات اللذين لا يرجون سوى العيش بكرامه.

    مشكور خيا مأمون..

  10. هذا هو الإرهاب النفسي الذي يحول شاهد الإثبات إلى شاهد نفي و المدعي إلى المدعى عليه ، و يحول أباء طوطح إلى بني طحطح و شحطط لا يملكون إلا قول سمعنا و أطعنا و لم و لن نعصى أبدا ما حيينا….
    أسلوبك الساخر أضفى على القصة نكهة خاصة شكرا مأمون سلمت يداك….

  11. آه شو طول عمرك موطي ومطوطح يا أبو طوطح يا ترى كم أبو طوطح عنا بالبلد كتير أصلا حكامنا العرب بدهم شعوبهم كلها مطوطحة زي الأخ أبو طوطح
    بالفعل صرنا بوقت كل شي غالي إلا المواطن رخيص

  12. بالفعل صرنا بوقت كل شي غالي إلا المواطن رخيص!!!!!!!!!!!!!!!!!

  13. شر البلية ما يضحك
    قصة ابوطوطح يا ما حصل متلها كتير ببلادنا خاصة عندنا بسوريا
    كان النظام مخلي الشعب عندنا يتلفت حواليه من كتر الخوف من الامن ونظامه وجواسيسه
    لدرجة الواحد كان يخاف ينتقد أحوال البلد أو يعترض ولو بالحكي قدام أخوه او اقرب المقربين له من خوفه ليكون مخبر !!
    الله يخلصنا منهم عن قريب يا رب
    شكرا مأمون على القصة المعبرة صحيح مهضومة لكن بتوجع القلب ….بس حلوه بلاها احسن ما نسمع كلمتين من أبو المنذر هههههه
    شو ابو المنذر عاملك ارهاب فكري !!
    مع انه اغلب كلامه صحيح بس يمكن لأننا تعودنا نتساهل بديننا لهيك أحيانا في ناس بتتضايق من صراحته وجرأته

  14. السلام عليكم ..
    شكراً لكم جميعاً ..
    ما جرى مع أبو طوطح وسيجري مستقبلاً هو أمر واقع نعيشه وعشناه في بلدنا ..
    ومن خلال هذه اليوميات سترون معاناة المواطن العادي البسيط من كل الجهات ..!!

    أختي نور .. لست أنا الذي يخاف أن يسمع كلمتين من أبو المنذر فأنا أعلم أن أغلب كلامه صحيح .. ولكن الكلام كان للمحقق هههه
    فهو من يجب عليه أن يخاف من أبو المنذر … وتحياتي لكِ وللجميع ولأبو المنذر ..!!

  15. مأمون أنا كنت عم امزح معك بقولة ارهاب فكري
    وكلامي عن ابو المنذر ليس موجه لك لكن بصورة عامة للكل
    من كتر ما بشوفهم عم يهاجموه مع أنه كلامه صحيح
    تحياتي

  16. صحيح أختي نور ..
    كما يُقال كلمة الحق بتجرح هههه
    لأن أغلب من يهاجمه ( حتى لا أقع في التعميم) هم على شاكلة صاحبنا المحقق ..

  17. ذكّرتني بواحد إسمو أبو طوطح كان فلسطيني , بالله عليك مخيّماتهم مسكربة في لبنان و سوريا من ستّين سنة و آخرتها زيادة سكربة الله يعوضك أبو طوطح .
    بس ليش كلهم عداوة على أبو طوطح ؟ الظاهر في القصة إنو أبو طوطح دمّو خفيف و متعاون و رقيق المشاعر و منسجم كمان , لا يكونو كلهم في باب الحارة إلاّ الـــــــــــــــــزعــــــــــــــــــيـــم يحـــكي و بس ..
    أنا بشوف سوريا زي باب الحارة و بعدين عصبيّين شوي , عكس لبنان المليانة نواعم و دلع و حلوين .. بس قصة لمّا الواحد يقرأها بحس كنّو فعلاً عايش في سوريا …

  18. مأمون … ذكّرتني بواحد إسمو أبو طوطح كان فلسطيني , بالله عليك مخيّماتهم مسكربة في لبنان و سوريا من ستّين سنة و آخرتها زيادة سكربة .. الله يعوضك أبو طوطح .
    بس ليش كلهم عداوة على أبو طوطح ؟ الظاهر في القصة إنو أبو طوطح دمّو خفيف و متعاون و رقيق المشاعر و منسجم كمان , لا يكونو كلهم في باب الحارة إلاّ الـــــــــــــــــزعــــــــــــــــــيـــم يحـــكي و بس ..
    أنا بشوف سوريا زي باب الحارة و بعدين عصبيّين شوي , عكس لبنان المليانة نواعم و دلع و حلوين .. بس قصة لمّا الواحد يقرأها بحس كنّو فعلاً عايش في سوريا …

  19. ابو طوطح وأم طوطح لعد ابن طوطح وين ههههههههههههههههه (القصة مشوقة حسيت نفسي إشهاد مسلسل )

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *