مرسلة من صديق نورت مأمون

بسم الله الرحمن الرحيم ..
إن كل مُسلم على ظهر الأرض عندما يأتي موسم الحج أو يُذكر الحج امامه . يفيض قلبه شوقاً ولهفة الى ذلك المكان الطاهر .. ويُسافر إلى هناك بروحه قبل جسده .. وهذا شان المسلمين جميعاً .. ولكن أريد من خلال هذا الموضوع سرد مُشاهدات بعض المستشرقين غير المسلمين في الحج .. وما هو الأثر الذي تركه الحج في نفوسهم ..!!

جوزيف بيتس

1091هـ= 1680م
مما ذكره جوزيف بيتس في مذكراته وَصْفُ صعود الحجاج على جبل عرفات، قال: «كان مشهداً يخلِبُ اللُّبّ حقاً أن ترى هذه الآلاف المؤلفة في لباس التواضع والتجرّد من ملذات الدنيا برؤوسهم العارية وقد بلّلت الدموع وَجَناتهم، وأن تسمع تضرُّعاتهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة». وها هو يتحدث عن مقابلته لأحد الإيرلنديين الذي اعتنق الإسلام ورفض الارتداد عنه رغم الـمُغرِيات التي وُضعت أمامه: «وقال إن الله قد منّ عليّ بالإسلام والجنة بدلاً من جهنم أوروبا»!!

ريتشارد بيرتون

1269 هـ= 1853م
بيرتون: مستكشف ومستشرق وعسكري ومترجم إنجليزي ولد عام 1821م، حَظِيَ بتكليف الـجمعية الجغرافية الملكية بلندن في عام 1852م للقيام برحلة لاستكشاف وسط وشرق الجزيرة العربية. فقام برحلته منطلقاً من مصر إلى بلاد الحجاز، لم ينس التوقف أمام شعائر الحج في مكة المكرمة قائلاً: «لقد رأيت شعائر دينية في بقاع كثيرة من الأرض، لكنني لم أر أبداً ما هو أكثر وقاراً وتأثيراً مما رأيته هنا».

رحلة دومنجكو باديا ليبليج

1807م

في عام 1807م وصل الحجاز رجل إسباني الأصل يُدعى دومنيكو باديا ليبليج، قد انتحل اسماً ونسباً عربياً (علي بك العبّاسي). وقد تضاربت الآراء في حقيقة هذا الرجل، فمنهم من قال إنه كان عميلاً للفرنسيين أو البرتغاليين أو الإنجليز، ومنهم من قال إنه من أحفاد المسلمين الذين نجَوا بدينهم من التعصُّب النصراني الأعمى، ومن محاكم التفتيش في إسبانيا.
مما كتبه في مذكراته: «إنَّ الإنسان لا يستطيع أن يكوِّن فكرة عن ذلك المنظر المهيب الذي يبدو في مناسك الحجِّ بصورة عامَّة إلا بعد الوقوف على جبل عرفات؛ فهناك حشد من الرجال الذين لا يُحصى لهم عدد، وهم من جميع الأمم، ومن جميع الألوان، وقد أتَوْا من أركان المعمورة على الرغْم من المخاطر والأهوال لعبادة الله، فالقفقاسي يمد يده للحبشي أو الإفريقي أو الهندي أو العجمي، ويشعر بشعور الأخوة مع الرجال من البرابرة من سواحل مراكش، وكلهم يعُدُّون أنفسهم إخواناً أو أعضاء في أسرة واحدة».

رحلة غيل غرفيه كورتلمون

1894 م
جاء الفنان التصويري كورتلمون تحت غطاء اسم مستعار هو «عبد الله بن البشير»، في مهمة يرى البعض أنه قد تم تكليفه بها من قِبَل الحكومة الفرنسية، وتتعلق بدراسة الأثر الروحي الذي يُحدثه الحج في نفوس الحجاج المغاربة القادمين من مناطق السيطرة الفرنسية.
بدأت رحلة كورتلمون بعد أن تعرف على رجل جزائري اسمه (الحاج آكلي) اصطحبه في الرحلة وذلك عام 1894م. يقول في كتابه (رحلتي إلى مكة) واصفاً صلاة المغرب بالحرم: «عشرون ألف مؤمن يتراصّون في صفوف منتظمة، يقفون في ثبات وسكون: «بسم الله…» فعمّ الحرم الشريف صمت مطبق، وامتلأت القلوب بالإيمان في صمت، «الله أكبر…» فيرد الجميع بصوت واحد، وبصوت خافت: الله أكبر! إلا أنّ عدد المصلين كبير جداً، لدرجة أنّ ترديد الأصوات، وإنْ بصوت خافت، يجعلها تتجمع في صوت هائل مفعم بالإيمان، مُحدِثاً جلجلة تستمر مدة طويلة مع انحناء المصلين للركوع. تستمر الصلاة، ومعها تستمر جباه المصلين في ملامسة الأرض مرتين، عبادةً لله تعالى وخضوعاً له، ثم تتوالى الركعات في حركات هادئة مملوءة بالإجلال، فتزيدهم وقاراً… وهكذا إلى أن تنتهي الفريضة بالسلام».

توم رادل

«مكة، هي مدينة الفرح والمتعة الروحية والإشباع النفسي، فهي مدينة مشرعة الأبواب في كل الاتجاهات، لا يحتاج دخولها إلى بطاقات خاصة، ولا إلى مكانة اجتماعية مرموقة. يدخلها الصغير والكبير، والغني والفقير، والقائد والتابع، فالمواطنة فيها هدية من الخالق، تُمنح لكل من يريد أن يعيش بهدوء وسكينة، ومع ذلك لا ينتمي إليها إلاّ قلة من الناس، أولئك الذين أدركوا المعنى الحقيقي للسعادة والمصدر الحقيقي للقوة».
قد تعجب إذا علمت أن الأوصاف السابقة قالها رجل غير مسلم، وقد تعجب أكثر إذا علمت أن هذه التعابير لم تَرِدْ في سياق موعظة دينية، ولا توصيفاً لرحلة جغرافية استكشافية، وإنما جاءت تدعيماً لنظرية في إدارة الذات!
قدّم توم رادل، وهو كاتب إداري شهير في أمريكا، في كتابه الذي ألفه عام 1997 باسم (مكة كونها مؤثِّراً: خمسة متطلبات للنجاح العملي والشخصي) طريقة مبتكرة في إدارة الذات سمّاها (مكة)، مصرِّحاً في مطلع كتابه، أنه استنبط فكرة (مكة) من أحد الأديان العظيمة، واخترع الكاتب مصطلحات إدارية جديدة مرتبطة باسم مكة مثل (معامل مكة) و(مصفوفة مكة) و(معادلة مكة) و(نظام مكة) و(فريق التمكين المكي) و(الشخصية المكية) و(عملية التأسيس المكية) وغيرها، ويقول – بحسب خلاصة كتابه الذي نشرته الشركة العربية للإعلام العلمي (شعاع) -: «وهذا الاستنباط يعني أنه يمكن استلهام تعاليم ومعاني هذه الرسالة السماوية لانتشال الناس، من كل العقائد والأجناس، من غفلتهم، لا سيما أولئك الذين يجاهدون في سبيل البحث عن بُعد روحي يرتكزون إليه فتطمئن قلوبهم عبر رحلتهم في هذا العالم…». ويقال إنه اعتنق الإسلام.
* * *
إن قائمة الأوروبيين الذين زاروا مكة المكرمة طويلة، وملاحظات هؤلاء اختلفت بمرور الزمن. فقد كان الأوائل منهم أكثر اهتماماً بشرح تفاصيل الدين ومناسك الحج. كما أن بعضهم ركّزوا على دحض الأخطاء والخرافات الرائجة في أوروبا عن الدين الإسلامي ومقدساته؛ أما المتأخرون منهم، فقد ذهبوا إلى وصف أدقّ لحال سكان مكة والمدينة، والحجاج وأحوالهم، كما استغل رحالة كل بلد أوروبي فرصة الحج للتجسّس على حجاج مستعمرات بلده.
وقد كانت هناك بضعة عوامل مشتركة بين هؤلاء الرحالة، الأوائل منهم أو المتأخرين؛ فجميعهم تعلّم اللغة العربية وأجادها واستعدّ للرحلة وتعلم الدروس ممن سبقوه إليها بفطنة شديدة.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫12 تعليق

  1. لذلك يبقى الحج اعظم ركن من اركان الإسلام.
    الحمد لله على نعمة الإسلام
    شكرا اخي مأمون

  2. بارك الله فيك يا مأمون.
    موضوعك ذكرني بقصة المذيعة البريطانية التي تعمل لقناة BBC والتي تأثرت ونزل الدمع من عيناها فقط لمجرد سماع الآذان ,عندما كانت في مدينة جدة.
    http://www.youtube.com/watch?v=_iMknxZFL0A&feature=related
    فما بالك عندما يروا هذا المنظر الهائل في الحج, وكأنه موقف من مواقف يوم القيامة!!

  3. بارك الله فيكما يا نوارة نورت مامون وجنتل واثقل من ميزان حسناتكما
    ————
    ———–اللهم لا تحرمنا طاعتك …… ولاتؤاخذنا لتقصرينا
    الاصدق قول الحق ” الابذكر الله تطمئن القلوب “

  4. وكأنه موقف من مواقف القيامه!! هو كذلك جنتل يأتي الأنسان ربه طائعا ويعود كما ولدته امه من جديد ,,وكأنه دخل الجنه.
    مشكوور مأمون جعلك الله من حجاج بيته السنه المقبله والجميع,,هالسنه راحت عليك.

  5. السلام عليكم ..
    أشكركم جميعاً .. أختي حنان الله يبارك فيكي .. جنتل مشكور على الاضافة الرائعة … هنا الله يسلمك ويحفظك وشكرأ لكلامك الطيّب .. إلين مشكورة والله يستجيب دعائك ونحج أنا وانتِ بسنة وحدة ..

    من عظمة دين الاسلام .. أن يجمع بين المادة والروح وهذا لا يوجد في غيره .. فهو لا يُغرق في المادة فيصبح ديناً جافاً لا روح فيه .. ولا يُغرق في الروحانيات ويُهمل تنظيم الناس ومعالجة مشاكلهم الدنيوية ….!!
    والحج من أبرز تلك الروحانيات .. وشعور الحاج وهو يرى الكعبة كما يصف ذلك كل الذين زاروها شعور لا يمكن وصف حلاوته وجلاله …
    أسأل الله أن يمنّ علينا بان نقف في ذلك الموقف .. وأن نتلذذ بتلك المشاعر الرائعة .. اللهم آمين .

  6. وتتعلق بدراسة الأثر الروحي الذي يُحدثه الحج في نفوس الحجاج
    ==========
    لقد تنبهوا إلى أن التغيير الذي يطرأ على الحجاج سينعكس على سلوكهم برفضهم الظلم والإستعمار، فهل نعي نحن قيمة هذا المؤتمر السنوي ونحقق توصياته؟
    أخ مأمون، سعيدة جدا أنكم شاركتموني موضوع الحج من زوايا مختلفة(أنت والأخ سراج) بارك الله فيك

  7. مرحبا الاخ مأمون
    بارك الله فيك..
    مع تقديري لتفكيرك في اطلاعنا على تجربة غير المسلمين عندما تواجدوا في هذا الحفل الكبير ومدى شعورهم واحساسهم الذي لم يتوقعوه ….

    حفظك الله وأكثر من أمثالك الطيبين الواعين بفكرهم لخدمة الدين

  8. أختي نور وأخي سراج .. أشكركما على المرور الطيب ..
    لكما مني كل الود …!!

  9. «وقال إن الله قد منّ عليّ بالإسلام والجنة بدلاً من جهنم أوروبا»!!
    ………………………….
    ليت الذين يسبحون بحمد الغرب لانهم يقتاتون من فتات موائده…بستفيدون من كلام هذا المسلم الغربي!!!!!!!!
    شكرا مامونّّ!!

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *