مرسلة من صديق نورت مأمون

هذا الموضوع نُشر مسبقاً في نورت عن طريق الأخت نور الشامية ” الله يذكرها بالخير ” .. ولكنني أعيد نشره لجماله ولانني أراه يستحق

انها دمشق

( كما يوصفها الشاعر والاديب العراقي مظفر النواب )

شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة،

غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.‏‏‏‏‏

إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي

ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله خرافي لحضارات شنقت نفسها على

أبوابها.

‏‏‏‏‏
إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله،

شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.‏‏‏‏‏

من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،”أنى تهطلي خيرك لي ”

بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت

بلاطة في جبال البرينيه.‏‏‏‏‏

إنها دمشق التي تحملت الجميع، قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين

ومقيمين، مدمني عضها مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين

وشهوانيين….

رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة،

أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها،

ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها

ومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.‏‏‏‏‏

إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربة قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح

لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي

الدين بن عربي‏‏‏ ،هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته

حياً من أحيائها فغنى لها ” كل ما لا يؤنث لا يعول عليه”

‏‏‏‏‏
إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي

على شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ

ابن عساكر قليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في

المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها

دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.‏‏‏‏‏

(دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب

موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي

رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على

طريقة دمشق.)

‏‏
إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة تركت عشاقها

خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين

ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.‏‏‏‏‏

لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.‏‏‏‏‏

لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم.‏‏‏‏‏ من الأزرق ما يكفي لتغرق

القارات الخمس .

لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق الملائكة، ومن المداخن

ما يكفي “لتشحير” وجه الكون.‏‏‏‏‏

ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو

نحل الكون لرحيقها.‏‏‏‏‏

لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و”الشحاحيط ”

المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.‏‏‏‏‏

لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما

يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.‏‏‏‏‏

لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا

نكازاكي وهيروشيما‏‏‏‏‏

لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل

الحروب القادمة.

‏‏‏‏‏
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل

ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.‏‏‏‏‏

لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز،

الكل يلهثُ يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.‏‏‏‏‏

دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في

أرقى أحيائها تسمع وجع “الطبالة”، وفي ظلمة “حجرها الأسود” يتسلق كشاشي

الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من “المهاجرين”.‏‏‏‏‏

دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة

أهلي وزملكاوي ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثل لندن شرق وغرب

نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّان

فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ….‏‏‏‏‏

(دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية وإذا

أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة‏‏‏‏‏ وإن أضعت طريق الجامع الأموي ،

ستدلك عليه ” كنيسة السيدة ”)

لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها

ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو

تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو

متذكراً كل شيء دفعة واحدة.‏‏‏‏‏

فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة” الفرس”، وتقول

جملة واحدة للجميع (إنها دمشق )

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫23 تعليق

  1. انا لست من سوريا ولكني احب كل مدينة فيها ومايحدث في المدن السورية من ظلم للشعب السوري لايرضي اي عربي وانا بدعي علي بشار ليل نهار ولابد ان يتذكر ان الله يمهل ولايهمل

  2. قصيدة رائعة ووصف رائع قرأتها اكثر من مرة واستمتعت بكل كلمة مااجملك مااروعك ما احلاكِ انكِ دمشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــق الحبيبة الغالية
    شكرا اخ مأمون

  3. ستبقى دمشق تلك العنقاء التي تعيد نفسها كلما احترقت …
    كم هو مؤلم أن ينزف الناس دما في الشوارع وصرخة في غياهب الصمت وتتساقط الكلمات هنا وهناك صرعى حيرى تستل من فؤاد العشق نبضه ومن المآقي دموعا وبين التخبط والتخبط لا نقوى الا على كلمات نستردها من ماض ملكنا فيه القول والفعل في حاضر سلبنا فيها حتى حق تكرار الكلمات بحرية حين تجلدنا سياط تنهرنا عن اجترار أمجادنا فتتكدس المرارة أكواما.
    اللهم اجعل سوريا بلدا آمنا مطمئنا …اللهم احص كل من أراد بها شرا عددا واقتلهم بددا.
    شكرا مأمون على جرعة المرارة وحلاوة الكلمات .

  4. الله يذكر نور الشام و لولو الشام بألف خير كانو نعم الصديقات
    شكرا اخي مأمون قصيدة جميلة في حق احدى اقدم مدينة عرفتها البشرية

  5. شكرا مأمون خيي على هالقصيدة حلوة والصراحة اول مرة أقرأها
    وبهديك الك وللجميع قصيدة هذي دمشق لنزار قباني رغم ان الشام مهما وصفنا بها يبقى قليل ومن زارها او عاش فيها يعرف ذلك
    🙂 ………………………………….
    هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والرّاحُ إنّي أحبُّ… وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
    أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي لسـالَ منهُ عناقيـدٌ.. وتفـّاحُ
    و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
    زراعةُ القلبِ.. تشفي بعضَ من عشقوا وما لقلـبي –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
    مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني و للمـآذنِ.. كالأشجارِ.. أرواحُ
    للياسمـينِ حقـوقٌ في منازلنـا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
    طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
    هذا مكانُ “أبي المعتزِّ”.. منتظرٌ ووجهُ “فائزةٍ” حلوٌ و لمـاحُ
    هنا جذوري.. هنا قلبي… هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
    كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها حتّى أغازلها… والشعـرُ مفتـاحُ
    أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً فهل تسامحُ هيفاءٌ ..ووضّـاحُ؟
    خمسونَ عاماً.. وأجزائي مبعثرةٌ.. فوقَ المحيطِ.. وما في الأفقِ مصباحُ
    تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـافَ لها.. وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاحُ
    أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي حتى يفتّـحَ نوّارٌ… وقـدّاحُ
    ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟ أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
    والشعرُ.. ماذا سيبقى من أصالتهِ؟ إذا تولاهُ نصَّـابٌ … ومـدّاحُ؟
    وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟ وكلُّ ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاحُ؟
    حملت شعري على ظهري فأتعبني ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟

  6. يا الله يا مامون شو بحسك مجروح ……… الله يكفيك شر الحزن واللوعة ويطفي نار العداااااااا ويفرجها على المعمورة ويا هيك حب الوطن يا اما بلااااااااااااااااا.
    مشكور خي والله انك رجعت فينا الحنين لكل شي

  7. قصيدة جميلة في بلد اقل ما يقال عنها انها حــــبيبة العرب!
    سبحان الله, فمن العنوان عرفت انك صاحب الموضوع,
    في الإعادة إفادة… شكرا مأمون.

    لفت نظري هاذاك اليوم تعليقك مأمونووو!
    ■مـــــــأمون في تشرين أول 1, 2011 |
    جهاد الله يبارك فيك ويعلي مقامك يارب ….كلامك شوي خفف عني الاهانة اللي عم حس فيها بعد هالتعليقات اللي سبقتك ..

    =) على قول الإخوة المصريين, إرفع راسك فووووق يا مأمون فأنت من بلد يحبها و يحترمها الجميع, أنتم تمثلون ثقافة العرب اللي نفتخرفيها… و كما قلت بتلك الصفحة-الفساد موجود بكل مكان و لا يمثل البلد ككل.
    يكفي أن نقول “انها دمشق” الغنية عن كل تعريف!

  8. موضوع حلو كتير وقصيدة احلا
    ولو مكرر متل ما قالت الاخت DZ-FAY
    في الاعادة افادة
    بس لو بعتت الموضوع مع صورو كان بزيد جمال
    انا عندي الموضوع مع صور لدمشق
    الله يفرجا ع سوريا كلا ويرجع متل ما كان
    ونرجع نزورو كل اجازة متل قبل

  9. تسلم ايدك مأمون .. مغزى موضوعك واضح وبمكانه والحدق يفهم بقى ..
    انها دمـشق
    و انها سـوريتي (عميل حالك ماشفت ميمو ^ـ^) حبيبة قلـبي ..
    شــكراً لكل شخص كتب كلمة محترمة وحلوة بحق سوريتي واللي فيها

    شكراا مأمون
    مأمون شكراا

  10. فعلا انها دمشق … دمشق سوريا
    نحبها في الله … ان شاء الله سنفرح بها قريبا

  11. شكرا ميمو … ( دير بالك ع تلفونك )
    و تحية لنور الشامية حبيبة قلبي صاحبة السيارة الحمرا

  12. سوريا لؤلؤة الشرق الاوسط ما احلاك يا بلد اجدادي دمشق حلب ادلب حماه حمص طرطوس و عروسة الصحراء تدمر ان شاء الله ترجع احسن و ازورك و ارى قلعة سيف الدولة ان شاء الله

  13. ستعود دمشق وتعود كل الدول العربيه ومدنها التاريخيه لهيبتها وعزها ومجدها اذا عادت لكتاب الله وسنه رسوله ، دمشق الحضاره وأهل الشام الكرام الطيبين مشكور مأمون ما قصرت وسلامي لنور الشام الغائب الحاضر .

  14. عرووووب حسيت إنك زعلان على كلامي في صفحة الأمازيغ يا ريت تعتبر نفسك و كل القراء الطيبين إنك غير مقصود بذلك الكلام بلييييز. أعتذر لك…

  15. والله العظيم انا عنيا دمعت يا مأمون… اد ايه قصيدة اكتر من رائعه!!
    تسلم الايادى..
    انا بحب سوريا من غير ماروحها ومتأكده انها اجمل بقاع الارض
    يارب احفظ سوريا واهل سوريا
    سلامى للغائبه نور الشام

  16. دمشق تاريخ حضارة شعب يضحي بالغالي والرخيص فداء لترابها,,قلبنا مع سوريا وإنشاء لله منتصرة,,
    سلامي لك مأمون وأختنا نور الشام,,

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *