مرسلة من صديقة نورت Arij

من قال إن شبابنا العربي شباب مائع لا بل شديد الميوعة، لا همّ له سوى اللهاث وراء المطربين والمطربات والسخفاء والسخيفات؟ لا أبدا، فهذا الشباب مليء بالحيوية والعنفوان وحتى العنف الجارف أحيانا، ومستعد أن يزلزل الأرض وما عليها. لكنه بحاجة لمن يوجه طاقاته الكامنة في الاتجاه الصحيح.

لقد شاهدنا كيف يتصرف الشبان العرب أثناء المباريات. فهم أسود لا يشق لهم غبار، فهم قادرون على التمثيل ببعضهم البعض شر تمثيل بسواعدهم المفتولة وسكاكينهم المطوية، فيـُقــتل من يقــتُل ويُجرح من يُجرح، ويُشوه من يُشوه. كل ذلك دفاعا عن شرف “الفوط بول”، فلا بأس أن يضحي شبابنا بأرواحهم ومستقبلهم من أجل الذود عن حياض كرة تتقاذفها الأرجل. ولا بأس أن تتجند وسائل الإعلام في دولنا لشحن الشباب ليدخلوا في حروب ضروس لا تقل وطأة وشدة عن حروب داحس والغبراء.

لماذا تستنفر كل وسائل إعلامنا ومؤسسات الهاتف الثابت والمحمول في العالم العربي لتشجيع مطربة أو مطرب يشارك في مسابقة غنائية في برنامج تلفزيوني من طينة “سوبر ستار”، أو “ستار أكاديمي”، وكأن الفائز سيصون الشرف الوطني “الرفيع” من الأذى، وينقذ البلاد من ويلاتها، بينما تصمت وسائل إعلامنا صمت القبور على محنة الأقصى؟ ألم تثر ثائرة العالم كله بمن فيه العرب عندما حاولت حركة طالبان الأفغانية هدم بعض التماثيل البوذية في البلاد، مع العلم أن تلك التماثيل لم تكن مقدسة بأي حال من الأحوال؟ مع ذلك حتى حكامنا ورجال ديننا وقتها تجندوا في خدمة اليونسكو لإثناء طالبان عن نيتها هدم التماثيل البوذية. ولم تمر نشرة أخبار في أي وسيلة إعلام عربية وقتها إلا واستهلت أخبارها بتحركات طالبان لتدمير التماثيل المذكورة، وكأنها نهاية الكون؟

والسؤال إذن لماذا لا يتم توجيه إعلامنا وإعلاميينا “الفطاحل” وشيوخنا ومفتينا “الأفاضل” وشبابنا “البواسل” المستعدين لحرق الأخضر واليابس والنابس والهامس للدفاع عن قضايا أهم وأشرف بكثير من الدفاع عن كرة تتقاذفها الأحذية، أو لتشجيع مطربة أجرت عمليات أكثر من كل جيوشنا العربية الغراء؟ أليس الذي يستطيع أن يدفع الإعلام والشيوخ والشباب للتحرك بسرعة البرق ليملؤوا الدنيا ضجيجا وعنفا ودماء قادرا أيضا على تحريك الفئات ذاتها للدفاع عن المقدسات؟ لقد كان الفنان المصري محمد صبحي محقا تماما عندما غمز من قناة الحكومات ووسائل الإعلام والشباب العربي قائلا: “إن الشباب الغاضبين في مصر يمكنهم حماية الأقصى”. وأضاف بأن “الشواهد الموجودة على الساحة، والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة تؤكد أن المسجد الأقصى سوف يُهدم هذا العام، مشددا على أن الجماهير الغاضبة في مصر التي نزلت إلى الشوارع لتعلن غضبها بعد أزمة مباراة الكرة بين منتخبي البلدين كفيلة بأن تحمي المسجد الأقصى، وأن تدافع عنه”. بعبارة أخرى، إن المستعدين لخوض غمار المواجهة من أجل الكرة لقادرون أيضا على فعل أشياء تنفع الأمة وتحمي شرفها، لو أرادوا.

لكن هل يريد العرب فعلا تحرير أرضهم والدفاع عن شرفهم ومقدساتهم؟ أم إن كل الكلام الذي نسمعه في وسائل الإعلام العربية عن الانتهاكات الإسرائيلية والغضب العربي منها ليس إلا لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون، والويل كل الويل لمن يفكر جديا بتحرير المقدسات من ربقة الصهاينة وأحذيتهم الثقيلة؟ هل يغار العرب والمسلمون فعلا على مقدساتهم، كما يتشدقون دائما، أم إنهم لا يعيرونها أي اهتمام يذكر عندما يجدّ الجد؟ لقد شاهدنا كيف دنـّس ودمر الأمريكيون مئات المساجد في العراق، لا بل داسوا على القرآن، وتغوطوا، وتبولوا عليه في غوانتانانو وغيره، ولم نسمع صوتاً هاتفاً لا في السحر ولا في الفجر.

صحيح أن معظم الأنظمة العربية تشجع جيوشها على الانحلال والترهل والغرق في الملذات كسياسة عامة مدروسة بالتعاون مع أمريكا، بدليل أن بعض جيوشنا لم تصمد مؤخرا في وجه جماعات محلية بسيطة كبدت ألويتنا الجرارة مئات القتلى والجرحى والأسرى. وصحيح أيضا أن أنظمتنا تدفع الشيوخ باتجاه الحيض والنفاس واللحية وشعر الرأس وفتاوى البول والرضاعة. وصحيح أيضا أنها تدفع الشباب باتجاه الغناء واللهو والمجون والمسابقات والرياضة. لكن متى يثأر شيوخنا وشبابنا لشرفهم ليوجهوا طاقاتهم وحيويتهم باتجاه آخر يسجله التاريخ بحروف من ذهب لا بحروف من خشب؟ هل فكر شبابنا يوما بتسخير جزء من عنفوانهم للقضايا الكبرى بدل الانغماس تماما في العبث واللهو والمسابقات والرياضة؟

أكاد أجزم بأن دموعنا على المقدسات ليست أكثر من دموع تماسيح، بدليل أن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين على وشك الانهيار. وما الاحتفال بكنيس الخراب إلا مقدمة لتخريب الأقصى. وبدل أن يتنطع بعض الشيوخ للإفتاء بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه لمنع الاختلاط بين الجنسين، كنا نتوقع فتوى لتحريض شباب الأمة للنفير من أجل المسجد الأقصى الذي يتعرض للهدم الفعلي بين ليلة وضحاها. أيهما أهم، بركم، منع الاختلاط في المسجد الحرام، أم منع انهيار المسجد الأقصى؟ أخشى أن تكون الفتوى بهدم المسجد الحرام مجرد مقبلات تساعد العرب والمسلمين على هضم الوجبة التالية المتمثلة بتسوية الأقصى بالأرض، وكأن السيد المفتي يقول لنا بطريقة غير مباشرة: لا ضير في هدم المساجد حتى عن عمد، تعيشون وتأكلون غيرها. يا أمة ضحكت من نفاقها وعفنها وبلادتها وهزلها وخيانتها الأممُ!

مقال للدكتور فيصل القاسم

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫11 تعليق

  1. سأل الصبي اباه … يا والدي علمني ( الهيافة ) !!! قال له والده كلما لاايت شيئا تافها فتصدى له وشارك به ،،، شبابنا يحب ان يتصدر الهيافة ، ولكن الامور الجادة فهو يتركها لاحفاده من بعده ….

  2. الامر لله من قبل ومن بعد …وان بعد العسر يسرا..وبعد الليل فجرا……….!!!
    ياArij !!!!اختيارموفق-تشكرين عليه كثيرا وجعله الله في ميزان حسناتك – وما لم يقله الدكتور فيصل القاسم…اي الاجابات على الاسئلة المطروحة..فيمكن تلخيصه بالتالي:
    ان الدول التي وجدت على الارض انما قامت على عقود مكتوبة او شفوية تنص على ان واجب الحاكم هو رعاية الامة او الشعب” انما الامام جنة”…وله مقابل ذلك حق الطاعة” واطيعوا الله وطيعوا الرسول واولي الامر منكم “.
    لكن الدول المسماة عربية واسلامية- والعروبة والاسلام منها براء-لم تقم على العقد المدكور … وتفصيل ذلك..ان هده الكيانات او الاتظمة نشأت بعد تمزيق الدولة الاسلامية على اثر سيطرة الغرب عليها بمعونة الخونة من المحسوبين على الاسلام عربا واتراكا وعلى راسهم الماسوني اليهودي الدونمي السكير العربيد اتاتورك…فبعد ان انتصر الحلفاء في الحرب وورثوا ما كان يسمى دولة الخلافة الاسلامية …قسموا ولايات الدولة الاسلامية بينهم في ما سمي باتفاقية سايكس بيكو… وكان ان قرروا انشاء كيان لليهود ودويلات لحراسة كيان اليهود ولتنفيذ المخططات والاوامر التي تصدرها بريطانيا وفرنسا لترسيخ ذلك التقسيم…. فكان ان اسست حارات على راس كل منها ناطور يسمى ملك او امير او رئيس الى اخر تلك المسميات التي كلما ذكرت تذكرنا قول الشاعر:
    ما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمد فيها ومعتضد
    ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
    وكان لابد من الحرص على ترسيخ الاختلاف للحيلولة دون اي نوع من الوحدة بين هذه الكيانات المصطنعة ،ليظل الضعف مهينماعليها لاجبارها على الاستمرار في الخضوع والانصياع لاوامر اولياء النعمة…وما الحروب التي تقوم بين هذه الدويلات في بعض الاحيان الا تنفيذ عملي للسياسة المقصودة …ومنها تدخل عبد الناصر في اليمن الذي انهك الجيش المصري وسهل هزيمته في حرب 67. واشهرها الحرب العراقية الايرانية – التي قصد بها تدمير القوتين -مما انهك العراق وسهل سقوطها بايدي الامريكان . وما حصل مع صدام الذي – لو هداه الله ولم ينسحب من الكويت والحق بها الدول المجاورة التي كانت فيما بعد اللمر الى الى حصار واحتلال العراق لغير وجه التاريخ ولكنه كغيره من الحكام خرص على الحياة اي حياة فاضاع فرصة تاريخية قل ان يجود بها الزمان وصدام هذا . يبدو انه تاب في اخر عمره – والله اعلم- وفكر بالتمرد على اسياده السابقين –فعلقوه على المشنقة يوم العيد دليل واضح على ما نقول ….هذا حقيقة الدول المسماة عربية واسلامية ….فهل يرجى من امثال هذه الدول اي خير للامة……………..!!!!
    وبناء على ما سبق اقول انه يستحيل ان تحقق الامة اي نهوض يكون سببا لاستثمار طاقات الشباب الهائلة وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي يرضاها الله ورسوله وتعيد العزة المفقودة والكرامة الضائعة للامة التي كانت خير امة اخرجت للناس …الا بازالة هذه الكيانات المصطنعة -التي رسمها سليكس وبيكو ويرسخها بادن وهيلاري وامثالهم- وايجاد الدولة الاسلامية القوية العزيزة التي يكون على راسها الحاكم الذي يخشى ان يحاسبه الله لان شاة عثرث على شاطي الفرات…. ناهيك عن الملايين التي تقتل في بلاد الفرات وكل ارض يذكر فيها اسم الله….. الحل هو فعل ما فعله يوسف ين تاشفين في الاندلس التي كانت شر سلف-حكام الطوائف عملاء الاسبان- لشر خلف حكام الدويلات العربية والاسلامية الحاليين – الاسود على الامة والارانب على اعدائها- فما كان من اين تاشفين الا ان ازالهم … وحافظ على بقاء المسلمين هناك لعدة قرون.
    او فعل ما فعله صلاح الدين الذي ازال الكيانات الهشة العميلة للصليبيين والتتار ووحد الامة في دولة قوية استطاعت دحر الصليبيين ومن بهدهم المغول والتتار -اسرائيل وامريكا ذلك الزمان-…. هذا هو الحل الوحيد ولا حل سواه …سيقال انه حل وصعب وبعيد المنال ..نعم هو كذلك … ولكن متى كانت الحلول الجذرية سهلة وقريبة المنال …واريد ان تطمئن الامة الى هناك رجالا رجالا من المؤمنين الصادقين الذين يعملون بكل همة للوصول الى هذا الهدف..واذا كان الكثير من ابناء الامة الذين نجح حكام السوء بالهائهم عبر اللهاث وراء كرة القدم واجساد هيفاء ونانسى وامثالهما من العبث الذي يكرههه الله ورسوله وصالح المؤمنين ويقصد به تدمير الامة وضياع شبابها وترسيخ الفرقة بينها… فان بوش واوباما ومخابرات واستخبارات اواشنطن وكل دول الغرب وعملاءهم في بلاد اذلالستان يعملون ليل نهار للحيلولة دون الشباب الذبن لاهم لهم في الحياة الا تخليص الامة من السرطان – الحكام الخونة- الذي يفتك بها…..والامر لله من قبل ومن بعد. والنصر ات باذن الله متى تحققت شروطه. …ويسالونك متى هو قل عسى ان يكون قريبا…. ومن لم يقاوم حكام الاجرام او يفكر بمقاومتهم فقد مات على شعبة من شعب النفاق …لعن الله من يساعد الحكام الظلمة ولو بشطر كلمة ولعن الله من لم اعان على العاملين لتغيير واقع الامة الى الافضل ولو بشطر كلمة….ولينصرن الله من ينصره ان الله قوي عزيز.

  3. صحيح تماما للاسف…حقا من مذلة الحمار صنع الحصان مجده ومن مذلتنا ونفاقنا صنعت اسرائيل كيانها!!!!! مشكورة Arij

  4. صارلنا عشرات السنين ونحن نبكي ونتوسل الشعوب والحكومات العربية بالتوحد للكلمة ولوووو فيا اخت اريج كلامك جميل ولطيف بس يا هل ترى هل من يقرأ او يستمع او يؤيد او يناصر ليس بالقول لان شبعنا اقوال نريد افعال وليس وليس وليس اللهم اهدي ووحد العرب

  5. اختي ZAIN …..
    اخوك معلم …يشرح الدرس مرارا… ويجد البعض لم يسوعب الدرس … فان كنت ممن يفهمها وهي طائرة- زاظنك كذلك- … فلا تظلمي الاخرين… اشكرك على الرد واعدك انني ساحاول- لا سافعل – لانني غبر متاكد من قدرتي على ذلك بحكم الطبع والعادة….اشكرك ثانية وتحملي اخاك.

  6. لسبب بسيط يا إخت أريج
    لأننا شعوب مسيره كالغنم أجل الله القراء !
    حكامنا وجهونا لنحارب بعضنا من أجل الكره فأصبحنا نطبل ونتوعد بعض من أجل كره المفروض إنها ( رياضه ) والرياضه فن ( وأخلاق ) بغض النظر عن الفوز والخساره !
    وهم نفسهم أحبطوا معنوياتنا ووجهونا للخنوع والذل لأنهم لا يريدون أن يحاربو أصدقائهم وأعدائنا بنفس الوقت ؟

  7. وتسلمو على هذا التحليل الرائع الدقيق ومشكورة ,أفدتوني كثير.

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *