مرسلة من صديقة نورت غير دايز
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اليوم سأقدم لكم مدينة سلا
تقديم:
للمدينة تاريخ براق يرفل بحلته الزمنية، تقف شامخة بمجدها العريق، وحضارتها المشعة وأعلامها الأفذاذ. تقع على الضفة اليمنى لنهر أبي رقراق في مواجهة مدينة الرباط. سكنها القرطاجنيون والفينيقيون والرومان والوندال. وقد عثر أخيراً على سكة (نقود) من فضة عليها صورتين: صورة ملك روما في وصورة عامل بربري، كل منهما بزيه وشعاره المعروف، وبيد البربري سنابل من زرع قابضا عليها بأصابع إحدى يديه كناية عن عمله الذي يناط به.
دخلها الإسلام، واتخذها بنو يفرن عاصمة لملكهم، وفي العصر الموحدي اتسعت عمارتها وشيد بها الخليفة يعقوب المنصور مسجدها الأعظم، وسرعان ما تطورت إلى مركز اقتصادي وفكري وديني. وكان معظم سكانها من بربر (زناتة).
اكتسبت مبكراً شهرة كملاذ للمتدينين الأتقياء. يوجد بها عدد لا يحصى من الأولياء. يقول أهلها : “كل خطوة فيها بِوَلِيِّ” إذ لا يكاد يخلو زقاق من (ولي أو ولية).
مدينة أليفة، تشدك إليها ولو كنت مجرد عابر. وصفها لسان الدين ابن الخطيب قائلاً: “العقيلة المفضلة، والبطيحة المخضلة، والقاعدة المؤصلة، والسدرة المفصلة، ذات الوسامة والنضارة، والجامعة بين البداوة والحضارة، معدن القطن والكتان والمدرسة والمارستان، والزاوية كأنها البستان، والوادي المتعدد الأجفان، والقطر الآمن عن الرجفان، والعصير العظيم الشأن، والأسواق الممتازة حتى برقيق الحبشان… وساكنها غير ملوم، وفضلها معلوم، ودارها ليست بدار لوم”.
وقال العلامة الحسن بن مسعود اليوسي في مدحها:
سلا القلب في مرسى سلا وتجملت
وأطلع في النفس السرور شموسهم
بلاد، فكلتا ضفتيها فكأنها
ركائب هم كن خيمن في الصدرِ
بياض مبانيها وأمواجها الخضر
وشاحان أو جفن على ذلك النهر
الاسم والدلالة
يقول العلامة محمد بن علي الدكالي في كتابه “الإتحاف الوجيز: تاريخ العدوتين” إن سلا قد عرفت بهذا الاسم منذ أعصار. وذكر المؤرخ الناصري في (الاستقصا) أن اسم المدينة مذكور في تواريخ الروم بهذا الاسم. وكتبت في بعض كتب التاريخ العربي هكذا: سلى.
ونقل العلامة أبو العباس بن عاشر الحافي عن شيخه أحمد التستاوتي ما يفيد أنها سميت باسم بانيها وهو ملك اسمه (سلا) من ملوك العالم الأقدمين.
أما البكري في كتابه (المسالك والمماليك) عند تعرضه لذكر وادي سلا، حيث يقول: وهناك مدينة أولية آثارها قديمة تسمى: شلة. وقال في حقها صاحب كتاب (الاستبصار) “مدينة سلا اسمها بالعجمي (شلة) وهي مدينة أزلية فيها آثار للأوائل، وهي معروفة بضفة، متصلة بالعمارة التي أحدثها الخليفة أمير المؤمنين وآباؤه المكرمون (يعني الموحدين).
وقد سمى ابن حوقل نهر أبي رقراق بوادي سلا، والإدريسي بالنزهة المختصرة، والمراكشي بوادي الرمان، وابن عذاري ببحر سلا، ومنذ القرن العاشر الهجري تمخضت التسمية الحالية عند الحسن الوزان المعروف بليون الإفريقي.
وعلى العموم فقد اشتهرت مدينة سلا عبر تاريخها بعدة ألقاب منها: مدينة الأولياء، مدينة القراصنة، مدينة الزوايا الدينية لكثرتها بالمدينة! ولعل إقامة جسر يصل سلا بمدينة الرباط كان من أبرز التحديات التي عززت وحدة الحاضرتين وسهلت المبادلات بين الشمال والجنوب.
سلا الموحدية
كان من حسن طالع الموحدين أنهم تمكنوا في مدة قصيرة من وضع نهاية للمقامة المضادة في المغرب والشمال الإفريقي، فنعمت البلاد ولأمد طويل بالهدوء والاستقرار مما سمح بالتوسع في تنظيم الدولة سياسياً وإداريا وتزويدها بالقوة الحربية في البر والبحر.
خاض عبد المومن بن علي الموحدي معارك طاحنة من أجل توحيد شمال إفريقيا والأندلس. وكانت مدينة سلا من أهم الحصون التي فتحها سنة 540هـ، وذلك بعد حصار وامتناع من أهلها، وقد روى أحد المؤرخين قصة هذا الفتح فقال: “كان فتحها على يد رجل يسمى يبورك وابنيه محمد وعلي، وذلك أنهم أرسلوا إلى الموحدين فوصلوهم ليلاً وصنعوا السلاليم فصعدوا بها على السور، وقتلوا كل من وجدوه على السور، ودخلوا سلا، ووجدوا فيها أناساً، وهرب آخرون في حلق الوادي فرجع عليهم فغرقوا، فعيَّد فيها عبد المومن عيد الأضحى، وولى عليها عبد الواحد الشرقي، وأقامت سلا على طاعة الموحدين إلى أن ظهر الماسي المعروف بابن هود ببلاد السوس فقتل أهل سلا عاملهم وقدموا والده هوداً فبقي بها إلى أن قتل ابنه، ودخلت البلاد، وعادت إلى طاعة الموحدين إلى انقضاء دولتهم”. (البيان المغرب – 3/20).
اهتم الخليفة عبد المومن بالبحرية، لما لهذا الجانب من أهمية في الاستراتيجية الحربية، فعني بإنشاء الأساطيل حتى بلغ عددها أربعمائة قطعة، ويقرر ابن خلدون بأن أساطيل المسلمين وصلت في عهد هذا الأمير إلى ما لم تصل إليه من قبل ولا من بعد من ناحية العدد، ولا من ناحية جودة الصناعة وإتقان الحيل الهندسية والعلم بشؤون البحر.
وفي هذا العهد كانت المدن الواقعة على البحر في المغرب والأندلس والشمال الإفريقي تعج بالحركة والنشاط وكمثال على ذلك ما أورده المؤرخ الناصر في “الاستقصا”، ويخص ترسانة مدينة سلا، وهي دار الصناعة التي كانت تصنع بها الأساطيل البحرية والمراكب الجهادية، يجلب إليها العود من غابة المعمورة القريبة منها، فتصنع هناك ثم ترسل في الوادي، وكان ذلك من الأمر المهم في دولة الموحدين.
سلا المرينية
خلف بنو مرين الموحدين في الربوع الإفريقية، وخضعت العدوتان (سلا والرباط) لأبي يحيى بن عبد الحق المريني منذ 647هـ، ولكن حظ سلا فكان أحسن حيث أقبل المرينيون على توسيعها وتجميلها حتى صارت شيئا فشيئا مركزاً نشيطاً للتجارة والأعمال. ويشير مارمول في هذا الصدد: “أن مدينة سلا منذ القرن الثالث عشر كانت الميناء الأكثر غنىً ويسراً لمملكة فاس. فتجار مدن: بِيزَا وجِنْوة والبندقية كانوا يشترون من مدينة سلا الصوف والجلود والثياب والزرابي والعاج والشمع وعسل مكناس وبالمقابل يبيعون القماش والأشياء المصنوعة”.
ولم يخل هذا الازدهار من إثارة الأطماع نحو المدينة فقد تنازع الاستيلاء عليها المرينيون والمسيحيون. ففي سنة 659هـ/1260م بعث ملك قشتالة ألفونسو الحكيم سرية استولت على مدينة سلا في بحبوحة عيد الفطر فقتلت الرجال وسبت النساء والأطفال. فكانت أول مدينة مغربية تتعرض لهجوم الأوربيين، وهب السلطان أبو يوسف من تازة لفك الحصار الذي استمر أاربعة عشر يوما تحصن خلالها والي العدوتين يعقوب بن عبد الله في (رباط الفتح) فجلا الإسبان بعد أن نقلوا معهم أسراهم من السلاويين.
استولى السلطان أبو يوسف على المدينة فقام بسد الثغرة المفتوحة في السور الغربي والتي سمحت للعدو بالدخول إلى ساحة المدينة، وبنى بعد ذلك ورشة سفن حربية وكان مدخلها هو الباب الأثري المفتوح في الواجهة الشرقية للمدينة المسمى باب المريسة والذي يعرف اليوم بباب الملاح.
وذكر تيراس بأنه من باب المريسة كان المرينيون يعلنون الجهاد. وفي سنة 1279م، أعطى أبو يعقوب بن أبي يوسف أوامره بقصد الإغارة على الجزيرة الخضراء، بتجهيز سفن سلا والمدن الشاطئية الأخرى وجمعها في سبتة وطنجة وسلا، وأنه في سنة 1285م كانت مساهمة سلا وحدها في الأسطول تتمثل في ست وثلاثين سفينة حربية تحت أوامر أبي يعقوب.
سلا تستقبل الموريسكيين
منذ دخلت إمارة غرناطة تحت الحكم الإسباني سنة 898هـ/1492م انتهى الوجود العربي في الأندلس، وبدأت مطاردة المسلمين قتلاً وتشريداً، وتنصيراً، وكان الاضطهاد الكنسي موازياً لجميع الحملات المتربصة بهم في كل مكان، ففر من فر وهاجر من هاجر، وتقاطر الموريسكيون على الشمال الإفريقي، وخصوصاً النواحي الشمالية من المغرب وتونس، وقد تعرض كثير منهم للنهب وسبي بناتهم من طرف الأعراب، قبل أن يتمكنوا من الاستقرار نهائياً بالمراكز التي اختاروها. وكان من الموريسكيين الذي استقروا بمدينة سلا من أصل “الهورنتسوش” من إقليم إسْتِريمَدُورَا، وقد كون هؤلاء عشيرة ذات امتيازات خاصة بإسبانيا حيث كان لهم حق حمل السلاح باعتراف من الملك فليب الثاني مقابل أداء ثلاثين ألف دوقة. وبما أنهم محاربون ومهرة في استعمال الأسلحة النارية، فقد حملوا معهم إلى مقامهم الجديد غريزتهم في السيطرة وحب الاستقلال، ولذلك كان عليهم أن يلعبوا الدور الرئيسي في المدينة التي تبنوها، فقاموا بترميم الأسوار وتعزيز الأبراج وفتح منافذ لبطاريات المدافع في القصبة التي نقل السلطان زيدان السعدي إليها مختلف أفواج الموريسكيين المنبتة في بعض أقاليم المغرب، محاولاً تقوية مركزها الاقتصادي بالتنازل لها عن رسوم (ديوانة الميناء)؛ وبدأوا يباشرون القرصنة في المحيط الأطلسي، ويقدمون عشر مواردهم إلى السلطان زيدان الذي اعترف لهم بهذه الطريقة، ولكن عدم مساعدتهم له عسكريا، جعلته يلجأ إلى تسليط أبي عبد الله العياشي عليهم.
إن ثروات الهورنتسوش وروح المقاومة لديهم، والحماس والثبات العنيد للأندلسيين والاستعمال الحصيف للمنشقين وتشغيل الأساري المسيحيين بدون رحمة لمساعدة الأهالي المغاربة في حمل السلاح، كل ذلك سمح لهؤلاء الذي جمعهم التاريخ تحت اسم السلاويين أن ينجزوا تنظيماً حقيقيا للقرصنة ما لبثت أن كانت نتائجه مدوية. وكانت الضحايا الأولى هي السفن الإسبانية وتلتها فيما بعد السفن المسيحية والتي سارت فريسة سهلة أمام قراصنة مدينة سلا الأشداء.
سلا مدينة القراصنة
وبمرور الزمن اتضح وجود انقسامات عميقة بين السكان الأصليين في سلا والموريسكيين في الرباط، وكذلك بين الموريسكيين الواقعين تحت سيطرة “الهورنتسوش” في القصبة واللاجئين الآخرين الذين كان عددهم يتزايد يوماً عن يوم، وكانوا يتحملون على مضض سيطرة واستبداد مواطنيهم، ويتألمون من جراء إبعادهم عن الحكومة وبخاصة الإحباط الذي يشعرون به من حرمانهم من الأرباح التي تجنيها المدينة من مختلف الجبايات، وقد طالبوا بإلحاح بأخذ نصيبهم في الإدارة والاستفادة من مداخيل الجمرك، لكن الهورنتسوش رفضوا طلبهم.
وفي سنة 1629م أخذت شكواهم شكل حرب أهلية انتهت بعد أن توقف القنصل الإنجليزي جون هارسون في التوسط بينهم بمساعدة رئيس جماعة دينية محلية. وقد أدت هذه الحرب إلى انخفاض في نشاط القراصنة بسلا.
وهكذا عرفت مدينة سلا أحداثا سياسية خطيرة خلال العصر السعدي الثاني، فقامت فيها إمارة المجاهد العياشي تلميذ الولي عبد الله بن حسون أحد صلحاء سلا، الذي كاد يستولي على المغرب كله، وقويت في مرافئها حركة سفن الجهاد، الأمر الذي أدى إلى قيام جمهوريات مدن أبي رقراق (الرباط والقصبة وسلا) وسيطرة الدلائيين عليها جميعاً في الأخير. ويمكن أن نتصور – كما يقول العلامة محمد حجي – مدى الثراء الضخم في هذه المنطقة إذا عرفنا أن المجاهدين البحريين أو القراصنة السلويين كما يسميهم الأوربيون، غنموا في ظرف عامين فقط أربعين سفينة، واستولوا فيما بين 1618 – 1626م على ستة آلاف أسير من الإفرنج، وخمسة عشر مليون ليبرة. غير أن هذا الازدهار الاقتصادي الهائل لم يواكبه ازدهار علمي مناسب، وربما كان من أهم الأسباب تلك الاضطرابات والمشاكل الداخلية التي كان المغرب يتخبط فيها، وبخاصة احتلال الشواطئ الذي جعل السلويين ينصرفون إلى مقاومة العدو في المعمورة والجديدة فضلاً عن العمل في الجهاد البحري. وتجدر الإشارة إلى أن المؤلفات الأجنبية قدمت معلومات أوفر عن هذه الظاهرة غير أن ذلك لم يكن إلا ارتباطاً بالتاريخ السياسي والاقتصادي للدول الأوربية في علاقتها بالمغرب على المستوى التجاري والدبلوماسي، ومن منظور يتسم بالانحياز الشديد لطروحاتها المتأثرة بالانتماء الديني والسياسي ومعلوم أن الملوك العلويين تحكموا على العموم في حركة الجهاد البحري التي عرفت تراجعاً بطيئاً معهم، وأصبحت الميزة الأساسية لمصب أبي رقراق هي سيادة الهدوء في عهد السلطان إسماعيل الذي راقب مراقبة شديدة هذه المنطقة. وتتجلى مكانة سلا عند هذا الأخيـر بعد استرجاع مدينة المهدية من يـد الإسبان 1092هـ/1681م وقد شارك في هذا الفتح كثير من المجاهدين السلويين.
سلا في عهد العلويين
كانت الأساطيل القرصنية محط رعاية ملوك الدولة العلوية بمصب أبي رقراق (سلا والرباط) لأنها كانت تشكل حاجزاً دفاعياً ضد المغير الأوربي الذي بدأ يتعلل آنذاك بأبسط الأسباب للتدخل في المغرب، وكان هذا الأسطول يقض مضاجع الغربيين الذين انبثوا على الساحل، فالإنجليز في طنجة والبرتغاليون في البريجة (الجديدة) والإسبان في المعمورة (المهدية) وأصيلا والعرائش. بينما طفق الفرنسيون يمخرون بسفنهم الحربية على طول المراسي المغربية بين الريف ومصب الملوية عباب البحر الأبيض المتوسط حيث حصن السلطان مولاي رشيد مرسى الحسيمة وحجرة نكور.
وكان أهم شيء قام به السلطان مولاي إسماعيل في سلا هو التفاته إلى مسألة الماء الذي كان قليلاً بالمدينة أو نضب بسبب فساد أو تخريب الساقية الجارية فوق سور الأقواس، وتلاشي القنوات بالمسجد الأعظم لطول الزمن، فعمل على إصلاح ذلك، وأمر بتحبيس دخل حوت الشابل – المصطاد في نهر أبي رقراق – على إنجاز هذا المشروع الذي تم يوم الاثنين 16 ذي الحجة 1123هـ / 25 يناير 1712م. وبذلك وصل الماء الجاري إلى سلا وجرى بخصة الجامع الأعظم في هذا اليوم أعقبته مشاريع عمرانية أخرى سيكون لها تأثير على المجتمع السلاوي. وقد أمر هذا السلطان ببناء مسجد يعتبر من أهم مساجد المدينة وهو المعروف بمسجد سيدي أحمد حجي، يوجد بالسوق الكبير. وبعد وفاة هذا السلطان تغيرت الأمور بحيث لم تسلم المدينة – كسائر مناطق المغرب – من الهزات السياسية العنيفة التي عرفتها البلاد. ذلك أن عبيد قصبة أكنَاوَة ساموا أهل سلا بالذل والهوان، مما أدى إلى انتشار الفتن. وقد تمكن قائد سلا الجديد عبد الحق فنيش من طرد هؤلاء العبيد من القصبة المذكورة، ولكنه استبد بالأمر حيث عرف بلغظته وقساوته. ومما زاد من تفاقم الأوضاع أنه استقبل المستضيئ بن إسماعيل بمدينة سلا في رجب 1156هـ وبايعه ضداً على أخيه عبد الله، وانعكست هذه الأوضاع سلبا على النشاط التجاري بالمدينة، كما تعطلت حركة الأسطول للقرصنة السلوية مدة طويلة إلى أن اجتمعت الكلمة على السلطان محمد بن عبد الله عام 1171هـ/1757م الذي وضع الأسس لبناء أسطول وطني قوي، وكان للمغرب في عهده – حسب المؤرخ الناصري – خمسون سفينة بقيادة ستين رئيساً أو ضابطاً يشرفون على خمسة آلاف بحار وألفين من الرماة.
سلا تتعرض للقصف الفرنسي
كانت أوربا في غمرة من الاضطرابات زادها تأججاً انبثاق الاستعمار الناشئ والتسابق نحو غزو الشرق الأقصى وتعزيز الصناعة الأوربية بموارده الأولية، بينما كانت الامبراطورية العثمانية تسير في طريق الأفول تحت ضربات الأحلاف الأوربية – وخاصة منها الحلف المقدس عام 1815م – التي أدت إلى تجريد ملك المغرب سليمان بن محمد بن عبد الله (1206 – 1238هـ) من أسطوله بدعوى مساندته للقراصنة، وحاول نابليون آنذاك الضغط على المغرب للانضمام إلى كتلة الحصار القاري، وشعر المغرب بالدور الذي بدأت فرنسا تقوم به لاحتلال الشمال الإفريقي.
وفي سنة 1851م تعرضت مدينة سلا للقصف الفرنسي. قال جاك كاني في كتابه المعنون (شارل ياجرسميد) القائم بأشغال فرنسا بالمغرب “في يوم الثلاثاء فاتح أبريـل 1851م وصل مركب صغير إلى مصب أبي رقراق محملاً ببضائع مختلفة منها القمح، وكان قائدها هو القبطان (جوف) غير أنه حرن أمام ساحل سلا الحالي، فجرت للحين محاولة لانقاذه بتخفيف حمولته، فأرسل البعض إلى الرباط حيث بيع وأنزل طرف آخر بشط النهر، بينما بقيت كمية أخرى بقعر المركب لم يتيسر – لسقوط الظلام – تفريغها. وفي الليل جاء الوكيل الفرنسي الرباط (دوزان) وعد ما تبقى منها فكان 57 عدلاً من القمح.
وفي صباح يوم 2 أبريل، كانت مئات السكان بالمدينة وأحوازها، مجتمعة على الضفة اليمنى منتظرة الجزر لنهب الأكياس، وهو ما فعلوه قهراً مع الحراس القليلين، ولما سمع بذلك عامل سلا محمد زنيبر جاء على رأس مائتين من المخازنية، وشاهد ذلك، وقدرت الخسارة من الجانب الفرنسي بـ 11391 فرنكاً ذهبياً”
لقد طالب الجانب الفرنسي بتعويض عن تلك البضاعة المنهوبة، وجرت مفاوضات بين ممثل فرنسا ومحمد الخطيب نائب السلطان بطنجة لم تسفر عن أية نتيجة! وبعد بضعة أشهر ارتأت فرنسا اللجوء إلى الانتقام بالقوة، من أهل سلا.
وفي 16 نونبر 1851م عين وزير البحرية الفرنسية قائداً للحماية هو الكونطراميرال أوبورديوه وجعل تحت تصرفه أسطولا يتألف من خمسة قطع. وفي الساعة العاشرة من يوم 25 نونبر بدأ القصف! الذي ألحق أضراراً فادحة بأسوار المدينة، ومسجدها الأعظم وبمناره الذي أصيب بست قذائف، كما هدمت بعض المنازل، واشتعلت النيران في الأخرى. ونتج عن ذلك قطع العلاقات بين المغرب وفرنسا لعدة شهور.
وقد ترك هذا القصف أثرا بعيداً لدى السكان حتى ألف شيخ الملحون محمد بلحسن قصيدته المشهورة (الجهادية أو السلوانية) التي يقول في مطلعها:
أبن حسُّون أفـارسْ لعناية سلطان سـلاَ
أنت وسيدي بنعاشـرْ
حاشا والله بلادكم لا دخلوها كفًّارْ
وحدث أن زارت المدينة الكاتبة الإنجليزية فرنسيس مكتب سنة 1901م فوصفت حالتها قائلة: “لم تكن بالمدينة أية حركة للتصدير أو الاستيراد، ولا مصانع تستحق الذكر، ولم يكن يقيم بها أي أوربي، لأن إقامة الأجانب فيها ممنوع، ويلتزم اليهود حيهم (الملاح)، وشاهدت سوقاً للنخاسة قالت عنه أن العبيد كانوا يجلبون إليه من مختلف شواطئ البحر الأبيض المتوسط… وقالت إن رجال البادية يفضلون أن يستبضعون من سلا لأن الطابع الأوربي يضايقهم في الجارة الرباط”.
معالم سلا
من المآثر التاريخية الموجودة بسلا زاوية النساك الواقعة بطريق أبي العباس، وتعد من أقدم الزوايا بالمدينة إلى جانب مسجد “الشهباء” القريب من ضريح علي بن أيوب. ثم المسجد الأعظم بطالعتها ومدرسته الجوفية الذي بناه السلطان الموحدي يعقوب المنصور سنة 593هـ/1196م، وهو آية في الضخامة والعظمة، وقد حظي بعناية الملوك المتعاقبين على حكم المغرب. ومن آثار المرينيين بالمدينة نذكر المدرسة المرينية التي بناها أبو الحسن المريني قبالة المسجد الأعظم، وتعتبر من أحسن المدارس شكلاً ورونقاً، وأرفع المباني القديمة وأتقنها وضعاً وإحكاماً، وأودع الصناع في جوانبها من أنواع النقش وضروب التخريم، ما يعجز البصر، ويدهش الفكر، وقد ووقف عليها عدة أوقاف. وكانت تدرس بها سائر العلوم الشرعية وسواها، ما بين رسائل من علوم اللسان، ومقاصد من علوم الدين، وكماليات من علوم التصوف والفلسفة والصنائع. ثم المارستان أو المدرسة العلمية الطبية المعروفة بحومة باب حسين وقد بناها أبو عنان المريني، وعين لها أطباء مهرة. وقد تحولت اليوم إلى محكمة شرعية. إضافة إلى سور الماء الداخل إليها، والمعروف بسور الأقواس وقد شيده السلطان أبو الحسن المريني، ويدل على عظمة وفخامة الدولة وكمال قوتها كما يقول المؤرخ الناصري في “الاستقصا” وهو مسبوق من عين البركة خارج المدينة على أميال كثيرة منها، ممتداً من القبلة إلى الجوف على أضخم بناء وأحكمه.
كان لسلا خمسة أبواب دون باب دار الصناعة: اثنان في السور المريني الغربي، وواحد في السور القبلي، واثنان في السور الشمالي، وفي سنة 1243هـ فتح باب في السور المريني وسمي بالباب الجديد، وهو قريب من زاوية سيدي أحمد بن عبد القادر التستاوتي.
أما سور أشبار الحالي فقد بني في عهد الشرفاء العلويين، الذين خلدوا فيها آثاراً دينية وحصوناً حربية، وملاجئ طبية، وقصبة مهمة تسمى (الحريشة) والمعروفة “بقصبة كناوة” قرب ضريح الشيخ أبي عمران موسى الدكالي، وقد بناها السلطان إسماعيل العلوي، ثم الصقالة الكبرى على البحر المقابلة لرباط الفتح، والتي شيدها السلطان محمد بن عبد الله العلوي.
وتتخلل أسوار المدينة الأبراج المربعة والمثمنة الشكل، وأعظم هذه الأبراج وأحسنها شكلاً وضخامة وارتفاعاً واتساعاً “برج الدموع” بالسور المريني من الجهة الغربية بين ضريح ابن عاشر وابن المجراد. وكان هذا البرج يُعد من المنتزهات الجميلة لأهل سلا لكونه يقابل العدوتين والبحر والنهر والمروج، ويشاهد منه عند غروب الشمس الرونق الذي يكسو البحر من اصفرار الشمس، وقد وصفه أحد الشعراء الوافدين على المدينة قائلا:
سلا، بلدة بالغرب لم أر منظراً
ولاسيما برج الدموع الذي غدت
يشاكلها في الحسن والشمس إفلة
محاسنه كالفرض، والغير نافلة
أما خارج المدينة العتيقة، فتوجد هضاب (مطانة/بطانة) المشرفة على وادي أبي رقراق حيث شيدت المدينة الحديثة بشوارعها الواسعة وبناياتها المنسقة الجميلة ذات الجدران البيضاء، وحدائقها الرائعة؛ وبجانبها على ساحل المحيط يمتد شاطئ سيدي موسى الدكالي ذو المنظر العجيب.
باب المريسة
باب الملاح
الزاوية التيجانية
الجامع الكبير
سيدي بنعاشير
البرج
باب شعفة
باب سبتة
غار لالة عيشة
فلايك الصيادة
شاطئ سلا
موكب الشموع
تشهد مدينة سلا المغربية كل سنة مهرجانا فريدا من نوعه، يجوب الشوارع بشموعه المصممة بطريق جميلة ومختلفة، وسط طقوس احتفالية وحضور واسع للمتفرجين الذين يأتون من كل حدب وصوب لاقتناص هذه اللحظات النادرة.
وتشتهر المدينة بحيوية سكانها وكرمهم الحاتمي واستقبالهم الحار للضيوف، وحبهم وعشقهم للثقافة والفنون، ومهاراتهم الحرفية، وامتلاكهم لأصابع من ذهب تنتج كل يوم ما هو ساحر وجميل يخطف الإعجاب من العيون. وتعتبر «قرية الفنون» للخزف في «الولجة» أكبر دليل على حفاظهم على هذا الموروث الشعبي.
ومن هنا، فإن إجادتهم لصنع الشموع وسبكها في قوالب فنية مزركشة بالألوان، جزء من شخصيتهم. وليس ذلك بغريب عليهم، وهم الذين تركوا بصماتهم شاهدة على تفردهم بالإبداع، في المساجد والبيوت والمعالم الأثرية العمرانية التي يحفل بها تاريخ مدينتهم، من نقوش وفسيفساء وزخرفة مرمرية، مما جعلها تتطلع لأن تتصدر لائحة المدن والمواقع القديمة التي تصنفها منظمة اليونيسكو، ضمن التراث الإنساني العالمي للحفاظ عليه من الاندثار.
* قصة موسم الشموع
* و«موسم الشموع» تقليد ديني سنوي قديم يضرب بجذوره بعيدا في عمق تربة التاريخ الإسلامي. فقد كان أحد ملوك المغرب، وهو الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي في زيارة إلى اسطنبول، فأثار إعجابه ما كانت تشهده من أجواء احتفالية تتمثل باستعراض الشموع في مواكب شعبية. وبقيت الفكرة راسخة في ذهنه بعد عودته. وما إن وضعت معركة «وادي المخازن» الشهيرة أوزارها، حتى سعى إلى تنفيذ هذا الحلم الذي كان يراوده. وهكذا استدعى أمهر صناع الشموع في كل من مراكش وسلا وفاس من أجل هدف واحد، هو صناعة هياكل شمعية على غرار ما شاهده في تركيا. وجرى الاحتفال الاول عام 986هـ. ومنذ ذلك التاريخ ظلت مدينة سلا محافظة على هذا الموعد السنوي مع طقسها الثقافي والديني والشعبي الخاص. تتهيأ له جيدا، وكأنها عروس تستعد لاستقبال عريسها، بما يليق به من حفاوة وزينة وبهاء! وفي كل عام جرت العادة بأن تبدأ الاستعدادات على قدم وساق، لتنظيم موسم الشموع الذي يعتبر فرصة سانحة للصناع التقليديين للتباري فيما بينهم وإبراز مواهبهم في الخلق والابتكار. ثمة عائلات معروفة تتبنى هذا الفن التراثي والشعبي المتمثل في صناعة الشموع، وهي على التوالي عائلة بنشقرون، وعائلة حركات وعائلة بلكبير، شغلها الأساسي هو أن تظل شعلة الشموع مستمرة، حية في الذاكرة الشعبية، متشبثة على الدوام بإحياء الموسم السنوي بكل ما يقتضيه من أصالة وتقاليد عريقة، لا بد من الحفاظ عليها.
* موكب الشموع قبلة السياح
* يستقطب موكب الشموع أفواجا من السياح، يأتون إلى مدينة سلا لحضور فعالياته وأنشطته وفقراته الدينية والثقافية والفنية، ويقفون مندهشين أمام روعة تنظيمه. إن الشموع ليست هي الشموع العادية المخصصة للإنارة، فهي مختلفة عنها تماما بأشكالها، وأكبر منها بأحجامها. وقد يصل طولها إلى مترين أو أكثر، بينما يتراوح وزنها بين 15 و50 كيلوغراما. وغالبا ما يتم وضعها ضمن هياكل من خشب سميك، مغلف بالورق الأبيض، وملون بأزهار تتعدد ألوانها، في إطار هندسي مستوحى من لمسات الزخرفة الإسلامية، وتقتضي العادة أن تعطى انطلاقة الموسم بعد صلاة العصر يوم 11 ربيع الأول من كل عام، حيث يتشكل «موكب الشموع» في ساحة السوق الكبير بالقرب من دار صانع الشموع، ويتقدمه الشرفاء وأنصار الزاوية الحسونية.
ويرتدي المشاركون أزياءهم التقليدية، ثم يحملون الشموع فوق أكتافهم، ويرافق ذلك صوت قرع الطبول، والانغام التي تعزفها الفرق الموسيقية المتنقلة. ويمضي الموكب في طريقه، مخترقا أهم شوارع المدينة، ليتوقف في ساحة الشهداء أمام المنصة الرسمية للاحتفال، وفي هذا المكان تؤدى رقصات الشموع وسط تصفيق الحاضرين، وعدسات تصوير السياح، ثم يواصل الموكب سيره في اتجاه «دار الشرفاء» التي تشهد هي الأخرى حفلة تقليدية تساهم فيها النسوة والأطفال، في مناخ مشبع بالعطور والبخور والفرح. وتستمر الاحتفالات طيلة اليوم.
صناعة الخزف بالولجة
سلا مدينة الأصالة والمعاصرة
لم تعد سلا تلك المدينة التي كان “ريَالُ الْجَاوي يُبَخِّرْ سلا مجموعة” فقد أصبحت المدينة في السنين الأخيرة آهلة بالسكان بسبب النمو الديموغرافي والهجرة التي بدأت إليها منذ عهد الاستعمار فتضاعف سكانها عشر مرات. وكانت مساحتها الفلاحية أكثر من مساحتها المبنية منذ السبعينات من القرن 20م، حيث اندفعت في حركة حيوية متجاوزة أو متحدية أسوارها التاريخية، فاكتسحت الأسمنت والخرسانة المناطق الفلاحية المجاورة؛ وانطلقت المدينة متمردة على أسوارها في اتجاه مدينة مكناس، بل وتكاد تصافح مدينة القنيطرة التي كانت فيما مضى تبعد عنها بخمسة وثلاثين كيلومتر.
إن الزائر الذي يلج الأسوار السلاوية من باب بوحاجة يفتتن بأماكن مليئة بالكنوز الخالدة حيث تظهر براعة الصانع السلاوي في التحف الفنية المعروضة في الدكاكين المتناثرة، فيقف على ما تفرزه معامل الزرابي، ودار الدباغة، ودار الصناعة التقليدية للطرز، وما تبدعه يد الصانع السلاوي من أحذية للرجال والنساء البيضاء والصفراء، والطنافيس الجلدية الحمراء، أو التنوع الفني للحصائر المنسوجة من ألياف نباتية.
أما القيسرية فقد أصبحت ممراً ضرورياً وزقاقها الطويل
الصور جميله جدا وتاريخيه رائعه جدا .
شكرا على المجهود اختي غير دايز.
لكن اتمنى منك اختي غير دايز ان تلخصي المعلومات اكثر ..
المقاله جميله لكن حاولي تختصري شكرا لكي مرة ثانيه .
j’aime bien merci ma cherie
l’algerie et le maroc presque la même civilisation
شكرا لك اخي مصطفى و شكرا لملاحظتك في الحقيقة احاول دائما البحث عن الأشياء و المعلومات التي لا يعرفها الأغلب حتى المغاربة. و سأحاول تطبيق ملاحظتك في المرات المقبلة بعرف انك لا تحب القراءة كثيرا.
شكرا مونا و ام رانيا
شكرا حنان لهلا يخطيك علينا نشاط تبارك الله.
الله يبارك فيك اختي ام ريان
كتير حلوة الصور, المغرب بلد حلو
مرسي دايز
zien merci hbiba dayman ljadid .bz kbira twhchtatj fin hasna makatbanch salwa katslm alikm om rayan c va hbiba
العفو عائشة.
الزيونات ديالي حنون انا كان مصرفقني البرد او كني يلاه تنقدر نخدم مشفت حتى واحد انا نتصل بحسنا سلمي على سلوى بزاف
الله يخليك يا بلادي ديما عزيزة
شكرا لسفيرتنا حنان الله يحفظك
فكرتيني في ماكلة السمك المشوي في جنب بو رقراق امممممم
حفصة لاباس عليك فينا هي و احد حسناء مدة ما بانت؟
خصوصا السردين لديد احفوص
khouya bnisba l 3a2ila li kant tatssayeb dor chme3 machi benchekroun cette derniére eest une famille fassya au contraire enléve le ben c’est juste chakroun qui a donné a la famille bellekbir de suivre la démarche
Merci bien
انا سلاوي من السعودية وانشاء الله لي زيارة قريبة لديرتي ســــــــــلا ياسلامي على من تسلم
merci pour se site il trés trés intéressant j’ai habite à salé je vous remercier pour se sujet merci
merci pour se site il trés trés intéressant