مرسلة من صديق نورت vip

بعد هلاك قبيلة عاد ( قوم هود ) لم توجد قبيلة مثلها قوية غنية ، إلى أن ظهرت قبيلة ثمود فى شمالىَ بلاد العرب فى جهةٍ تُسمى الحِجْر ، وهى بين المدينة المنورة والشاَم .
هذه القبيلة كانت تعيش فى وادٍ خصيب تنْبتُ فيه الحدائق المُثمرة اللطيفة ، والمزارع الخضر الواسعة ، وبساتين النخيل التى تمتد مسافات كبيرة وتطرح بلحاً وتمراً لذيذاً حلواً سريع الهضم .
وقد بنوا القصور فى أرض الوادى ، ونحتوا فى الصحراء فى الجبال المُحيطة به بيوتاً كاملة ، كُل حوائطها وسقوفها وأراضيها صخْر متين ، لا يتهدّم ولا يتحطّم .
وعاشوا عيشة ناعمة فى رغدٍ وهناءةٍ فترةً طويلة حتى نسوا الله الذى أعطاهم كل هذه النعم ، ونحتوا من السخور أصناماً وعبدوها ، وأعتقدوا أنه ليس هناك آخرة ، ولا ثواب ولا عقاب ، وأفسدوا فى الأرض وضلّوا .
عند ذلك أرسل الله إليهم رجلاً منه إسمة صالح . وكان رجلاً طيباً عاقلاً وكلهم يعرفونه وذلك ليُرشدهم إلى عمل الخير وترك الظُلم والفساد ، وعبادة الله وحده ، وترك عبادة الآلهة الكاذبة التى يعبدونها من دون الله ، لأن الله هو الذى اعطاهم كُل هذه النعم وجعلهم أقوى قبيلةٍ أغناها بعد عادٍ قوم هود ، الذين هلكوا عند ما عصوا الله وكفروا بنعمته .
جمع صالح قومة وقال لهم : يا قوم أعبدوا الله مالكم من إله غيره ، وأذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم فى الأرض ( أى أعطاكم الأرض ) تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون من الجبال بيوتاً . فذكروا آلاء الله عليكم ( أى نعمم الله عليكم ) ولا تعثوا فى الأرض مُفدين ( أى لا تفسدوا فى الأرض ) .
قالوا : يا صالح أتامُرنا أن نترك عبادة الآلهة التى وجدنا آباءنا يعبدونها ؟
قال لهم : إن هذه الآلهة لا تعطيكم شيئاً ، ولا تاخذ منكم شيئاً ، فكيف تعبدونها هى لا تنفعكم ولا تضركم ؟ آلا تُفكرون بعقولكم قبل ان تعبدوا ما كان يعبد أباؤكم ؟
عند ذلك آمن به جماعة من قومة ، وهم من الناس الفقراء الطيبين الذين لا يتكبرون ولا يعاندون ، أما الأغنياء الظلمة فقد قالوا : لقد كُنا نحترمك قبل أن تقول هذا الكلام وتترك منّا أن نترك آلهتنا وآلهة آباءنا ، ولكن خاب ظنّنا فيك ، ولابد أنك أصبت بالجنون .
قال : يا قوم أننى لست مجنوناً ، ولا أريد إلا هدايتكم فأتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر، إن أجرى إلا على الله رب العالمين ، ولقد آمن الناس الطيبون فلماذا لا تؤمنون ؟
قال الملأُ الذين أستكبروا من قومه للذين إستضعفوا لمن آمن منهم : أتعلمون ان صالحا مُرسل من ربّه ؟
قالوا : إنَا بما أرسل به مؤمنون .
قال الذين أستكبروا : إنا بالذى أمنتم به لكافرون .
ولم يسكت صالح ، فكان كلّما قابل واحداً أو جماعة من قومة يُرشدهم وينصحهم ، فبعضهم يؤمن وبعضهم يكفر .
وكان الكفار يقولون للمؤمنين : هل تظنون أن الكلام الذى يقوله صالح صحيح ؟ وأن هناك إلهاً يحينا يوم القيامة بعد أن نموت ويحاسبنا على أعمالنا فى الدُنيا ؟ لا … لا تصدقوا ، فإننا لا نعيش إلا مرةً واحدة فى هذه الأرض ، فغذا مُتنا فلن نحيا مرة أخرى .
كذلك كانوا يقولون لهم : لا تصدقوا صالحا فقد كان رجلاً عاقلاً ولكنه أصيب بالسحر وأصبح مجنوناً يقول كلاماً غير صحيح ، فلا تصدقوة .
أما صالح فكان يقول للناس : لا تطيعوا الأغنياء المفسدين المتكبرين ، وتعالوا معى ليرضى الله عنكم ، ويترك لكم النعم التى أعطاها لكم ، نعم الحدائق والزروع والبيوت والقصور .
ولما كثر الكلام بينهم وبين صالح قالوا له : إذا أردْت أن نؤمن بربِك ، فأظهر لنا معجزة ، تدل على أنك رسولُ من عند الله ، فكل الأنبياء الذين قبلك جاءوا للناس بمعجزة تدل على صدقهم فيما يقولون .
دعا صالح ربه أن يعطيه معجزة ، تدل على أنه نبى ورسول ، فقال : ياربِ إن قومى كذَبونى ولن يؤمن بى منهم إلا القليل ، أما الآخرون فقد سمعوا كلام الأغنياء المُستكبرين ، فأعطينى معجزةً يصدق بها الجميع .
قال له ربّه : قل لقومك يجتمعوا عند الصخرة العظيمة خارج المدينة ، وهناك ستظهر لهم المعجزة وستكون ناقة ضحمة جداً ، لم يروا مثلها ناقة من قبل ضرعها ملئ باللبن الذى لا ينتهى أبداً مهما حلبوا منه .
ولكن إشترط عليهم شرطين إثنين : أن يتركوا لها الماء كله يوماً وأن يشربوا منه يوماً ، فهذه الناقة ستشرب من الماء قدر ما يشربون جميعاً .
فعاد صالح لقومه فأخبرهم ودعاهم أن يخرجوا إلى الجبل وينتظروا ظهور المعجزة هناك ، على الشروط التى شرطها الله عليهم .
فأما المؤمنون من قومه فقد فرحوا لهذا الخبر وقالوا : إن الله سيظهر الحق ويؤيّد نبينا صالحاً والذين آمنوا معه .
وأما المُستكبرين الكفار فقد قالوا : كلام فارغ وجنون كامل ، فهل يُمكن ان تكون هناك ناقة تشرب هذا المقدار العظيم من الماء ، وضرعها لا يجف من اللبن ؟ ألم نقُل لكم : أنه مجنون ؟
وأما بقية الناس فقد قالوا : هيّا بنا إلى الجبل لنرى صدق صالح من كذبه ، ونتاكد إن كان نبيّاً مٌرسلاً أم رجلاً مجنوناً .
وخرج الجميع إلى الصخرة ووقفوا ينتظرون .
ونظر الجميع فإذا بالناقة تخرج عليهم وهى تُحدثُ رُغاءً عالياً وتسير أمامهم وقد إصطفّوا صفاً طويلاً ، وهم ينظرون إليها فى دهشة وإستغراب ويرون ضرعها مليئاً باللبن .
وكانت النساء قد أحضرت القُدور لحلب اللبن ، فتقدَمت واحده حتى يمتلئ إناؤها والضرَع ملئُ باللبن كما كان .
ثم قصدت الناقة إلى الماء الذين يشربون منه ، فلم ترفع رأسها حتى شربت أخر نقطةٍ منه ، وهم ينظرون ويتعجبون .
عندئذٍ صاح الناس : صدق صالح ، صدق صالح إنه رسول من عند الله ، وهذه ناقة الله .
وأما المتكبرون من الكفار فقد إغتاظوا غيظاً شديداً ولم يتكلموا بكلمةٍ واحدة ، وأزرقت وجوههم من الكمد والألم ، وإنصرفوا .
عاشت الناقة العجيبة بين قوم صالح ، تأخذ منهم الماء يوماً وتتركه يوماً ، وفى نظير ذلك تعطيهم اللبن الذى يريدونه لهم ولأطفالهم ، ولا يجف ضرعها من اللبن أبداً .
وصالح مسرور يقول للناس : هذه ناقة الله ، لكم آية ، فذروها تأكل من أرض الله ولا تمسّوها بسوءٍ ، فيأخذكم عذاب يومٍ أليم .
وكان فى المدينة تسعة من المُفسدين يعملون أعمالاً رديئة ، يفسدون فى الأرض ويشربون الخمر ولا يؤمنون بالله .
وفى ليلةٍ إجتمعوا وسكروا وقالوا : لا يجوز أن نترك صالحاً وناقتة هكذا ، فهذه الناقة تضايقنا وتأخذ منّا الماء ، وتحرمنا نصفة دائماً فتعالوا نقتُلها ونقْتُلْ صالح وأهل بيته لنستريح منهم جميعاً .
فقال أحدهم : هناك حيلة أرشدكم إليها ، نقتل الناقة ونقتل صالحاً وأهل بيته فى ظلام الليل ، فلا يرونا ولا نراهم بسبب الظلام ، فإذا سالنا أحد من أقاربائه قلنا : نحن لم نُبصرْه ولم نُبْصرْ أحداً من أهل بيته ، ونحن صادقون لأننا لم نُبصرهم فى الظلام وأقرباؤه لم يعرفوا من الذى قتله .
وقبل الفجر ذهب أحدهم فرمى الناقة بسهم ، فصرخت صرخة عظيمة ، فسمعها صالح فقام من نومه مفزوعاً ، وجاء معه الناس اللذين سمعوا صرخة الناقة ، فهرب التسعة المُفسدين .
ووجد صالح ناقتة مقتولة ، فحزن حزناً شديداً ، وعرف أن الله سيُعاقب ثمود على فعلتها ، فقد أوحى الله إليه أن يأخذ المؤمنين معه ويبعد عن المدينة ، لأن الله سيهلك من فيها بعد ثلاثة أيام .
فقال لقومة : لقد غضب الله عليكم ، وبعد ثلاثة أيام يحل عليكم العذاب .
ولمّا إنقضت الثلاثة أيام ، سمع الناس صرخة عظيمة هائلة مخيفة ، فأرتجفوا وخافوا ، حتى إن قلوبهم تقطعت وسقطت من الرعب ، وإنحنوا على ركبهم من شدّة الألم ، وماتو وهم على هذه الصورة .
وبقيت منازلهم المنحوتة فى الصخور شاهدةً عليهم ، وعلى ظلمهم وكفرهم ، والعذاب الأليم الذى حلَ بهم .

عبد الحميد جودة السحّار

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫13 تعليق

  1. شكرا اخي vip على هذه القصة المسلية ، ولكنني بصراحة لا احب الخوض في امور ذكرت في القرآن الكريم بتفاصيل لم يأتي بها الله سبحانه وتعالى في القرأن لحكمة هو يعلمها فهو سبحانه كان يستطيع ان يذكر لنا التفاصيل تلك جميعا لو فيها فائدة لنا ، حتى ولديّ آدم لم يذكر لنا اسماءهم !!!

  2. لم يأتي بها الله سبحانه وتعالى في القرأن….او الرسول صلى الله عليه وسلم
    باحاديث صحيحة…لان الرسول يقول اوتيت القرآن ومثله معه!!!

  3. موضوعات متعلقة: عبد الحميد جودة السحّار, قصص الأنبياء
    هاها 🙂 عسل يانورت والله ، لحقتى عملتيلهم فولدرين فى أرشيفك !

    شكراً على مروركم جميعاً ،
    وأتمنى أن يكون هناك إفادة للبعض ولو القليل من قراءة هذه القصص …

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *