مرسلة من صديق الموقع hassan

جزء من مقال للدكتور عادل محمد عبد العزيز الغرياني

مولده ونشأته و تعليمه:

ولد البطل عمر المختار بن عمر المنفي في منطقة البطنان من برقة عام (1277 هـ) 1858م، ويرجع نسبه إلى بيت فرحان من قبيلة المنفة. وكانت نشأته في بيت عز وكرم، تحيط به شهامة العرب وحرية البادية، طلب العلم في زاوية جنزور، ثم انتقل إلى زاوية الجغبوب التي كانت مركز قيادة الحركة السنوسية آنذاك، حيث أتيحت له الفرصة أن يتلقى العلم على يدي بعض المشايخ الذين كان لهم دور رئيسي في نشر الدعوة الإسلامية، أمثال: السيد الزروالي المغربي الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبد الله الظاهري المدني، وقد ظهرت عليه علامات النباهة ورجاحة العقل منذ الصغر، وظل محل إعجاب وثناء كل من عرفه، حتى لقي ربه -عز وجل- مقبلاً غير مدبر، فكان ذلك أكبر دليل على صدقه في التعامل مع الناس وفي إقباله على الله.

وظائفه:

بعد فترة قصيرة عينه السيد المهدي السنوسي شيخاً على زاوية القصور في الجبل الأخضر فـقـام بأعـباء المهمة خير قيام، من تعليم الناس أمور دينهم إلى فض المنازعات بين القبائل والسعي في مصالحهم وجمع كلمتهم، وسار في الناس سيرة غبطه عليها العقلاء وزادت من مهابته عند غيرهم، ومما تجدر الإشارة إليه هنا: أن اختياره للقيام على أمور هذه الزاوية كان مقصوداً من قبل المهدي السنوسي ، حيث إن هذه الزاوية كانت في أرض قبيلة العبيد التي عرفت بشدة الشكيمة وصعوبة المراس، فوفقه الله في سياسة هذه القبيلة، ونجح في ترويضها بما أودع فيه من صفات القيادة والحكمة.

جهاده:

بدأ المختار حركته الجهادية في واداي ( بتشاد )، فقارع الاستعمار الفرنسي الذي كان قد بدأ زحفه إلى وسط أفريقيا، فبذل الوسع حتى لفت الأنظار عزمه وحزمه وفراسته، قال عنه المهدي السنوسي: “لو كانت لدينا عشرة مثل المختار لاكتفينا” وبقي في واداي يعمل على نشر الإسلام ودعوة الناس وتربيتهم إلى جانب قتال الفرنسيين وحماية بلاد المسلمين، وكانت المناطق التي يتولى المختار قيادتها وحراستها أمنع من جبهة الأسد، ولا يخفى ما في ذلك من إدراك القيادي المسلم لواجبه تجاه دينه ووطنه.

وفي عام 1906م: رجع إلى الجبل الأخضر ليستأنف عمله في زاوية القصور، ولكن ذلك لم يكن يستمر طويلاً ، فقد كانت المعارك قد بدأت بين الحركة السنوسية والبريطانيين في منطقة البردي ومساعد والسلوم على الحدود الليبية المصرية، ولقد شهد عام 1908 أشد المعارك ضراوة والتي انتهت بضم منطقة السلوم إلى الأراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدولة العثمانية، وعاد الشيخ إلى زاوية القصور يدير شئونها مرة أخرى، حتى امتدت يد الفاشست الآثمة إلى التراب الليبي، وهب المختار كعادته ليكون في طليعة من لبى نداء الجهاد، وهب ليقود حركة وقفت في مواجهة الغزاة عشرين عاماً ، سطّر فيها المختار ومن معه من المجاهدين الأبطال ملاحم أسطورية تحدث عن عظمها وقوتها الأعداء قبل الأصدقاء؛ ولقد ذكر الجنرال رودلفو جراستياني في كتابه الذي سماه “برقة الهادئة” – يقصد أنها هادئة بعد إعدام المختار والقضاء على حركة الجهاد فيها:إنه نشبت بينه وبين المختار 263 معركة ومواجهة في مدة عشرين شهراً فقط ، فأعْظم به من بطل ، وأَكرم به من شهيد.

وفي عام 1923: أُسندت إليه النيابة العامة للحركة السنوسية وقيادة الجهاد في برقة، وعلى الرغم من الشدائد التي عاشتها البلاد قاطبة نتيجة لانتشار الطاعون والأوبئة ، وتمكن الإيطاليين من السيطرة على المناطق الغربية من ليبيا، وانقطاع الإمدادات على قلتها والتي كانت تأتي من مصر عن طريق زاوية الجغبوب. وعلى الرغم من أن مناطق المعارك لم تزد مساحتها على بضع عشرات من الأميال، ومن أن المختار جاوز الستين من عمره، على الرغم من هذا كله: كان على إيطاليا وجنرالاتها أن تخوض حرباً لا هوادة فيها لمدة ثمانية أعوام أخرى كانت أصب وأطول سني الحرب كلها، ولقد جردت إيطاليا كل ما لديها.. آلاف الجنود والمدافع والدبابات والطائرات والضباط والقادة الذين تخرجوا من الكليات العسكرية المتقدمة والتي كانت مصدراً يفخر به الغرب على المسلمين، لكن الذي لم يدركه الإيطاليون وأدركه المختار: أن المقاييس في مثل هذه الأحوال لا تخضع دائماً للتقديرات المادية ، فقوة الإيمان وعزائم الرجال وتجرُّدهم في سبيل الله يرجح الموازين ويخزي الظالمين.

ونستمع إلى كلمات المختار من وراء السنين ، تجلو الهمة والعزيمة والإصرار التي يتميز بها عندما دعي إلى التفاوض مع إيطاليا: “إنا حاربناكم ثمانية عشرة سنة، ولا نزال بعون الله نحاربكم، ولن تنالوا منا بالتهديد” إلى أن يقول:”لن أبرح الجبل الأخضر مدة حياتي ولن يستريح الطليان فيه حتى توارى لحيتي في التراب”.

إن أمة مثل هذه لا سبيل لقهرها إلا بالقضاء عليها، وما أحوج المسلمين اليوم لأن يدركوا مثل هذه العبرة، وأن يتعلموا مثل هذا الدرس.

ولم يبق أمام إيطاليا إلا خيار واحد، وهو: أن تقطع عن المجاهدين كل إمكانية للإمداد، فجمعوا كل الليبيين في برقة في معسكرات اعتقال جماعية مع ماشيتهم وأغنامهم، وأحرقوا بـعـد ذلك الأخـضر واليابس، ومدوا الأسلاك الشائكة على طول الحدود الليبية المصرية، لكن ذلك لم يكن ليفت في عضد المجاهدين الذين وطنوا أنفسهم على إحدى الحسنيين، فاستمروا في قتالهم شهوراً عديدة، حتى كان يوم الجمعة 28 ربيع الثاني 1351هـ (11سبتمبر 1931م)؛ إذ فاجأتهم كتيبة من الجيش الإيطالي في جنوب قرية سلنطة، ودارت بين الطرفين معركة سقط فيها أكثر المجاهدين وقتل جواد المختار فوقع به على الأرض جريحاً، وقاتل حتى نفذت ذخيرته، فأسره بعض الجنود الذين تعرفوا عليه.

وفاته:

وفي يوم الأربعاء الثاني من جمادى الأولى 1351هـ (16سبتمبر1931م) وفي مدينة سلوق: جئ بالمعتقلين وبجمع غفير من الناس ليشهدوا الإعدام، ووضع الجلاد الحبل حول عنقه وصعدت روحه الطيبة تشكو إلى ربها عنت الطواغيت وظلم الظالمين.- أسكنه الله فسيح جناته ، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء-.

لقد اعتلى البطل عمر المختار – وقد جاوز السبعين من عمره أعواد المشنقة بعد جهاد طويل دام قرابة الثلاثين عاماً، حارب فيها الفرنسيين في مملكة كانم و واداي في نيجيريا (السودان الأوسط )، وعمل على نشر الإسلام في تلك البلاد ما شاء الله له، ثم عاد ليحارب الإنجليز في مصر، وليقضي بقية عمره بعد ذلك في قتال الإيطاليين الذين جاءوا مستكبرين محتلين لبلاده ومغتصبين لأرضه، فكانت له وقائع مشهودة ومواقف محمودة، وأبلى في الجهاد بمن معه من المؤمنين الصادقين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله -جل وعلا-.

قالت عنه صحيفة التايمز البريطانية في مقال نشرته في اليوم التالي لإعدامه تحت عنوان “نصر إيطالي”: “حقق الإيطاليون انتصاراً خطيراً ونجاحاً حاسماً في حملتهم على المتمردين السنوسيين في برقة ، فقد أسروا وأعدموا الرجل الرهيب عمر المختار شيخ القبيلة العنيف الضاري…” ، ثم تستمر الصحيفة حتى تقول: “ومن المحتمل جداً أن مصيره سيشل مقاومة بقية الثوار ، والمختار الذي لم يقبل أي منحة مالية من إيطاليا ، وأنفق كل ما عنده في سبيل الجهاد وعاش على ما كان يقدمه له أتباعه ، واعتبر الاتفاقيات مع الكفار مجرد قصاصات ورق ، كان محل إعجاب لحماسته وإخلاصه الديني ، كما كان مرموقاً لشجاعته وإقدامه”.

خاتمة:

لقد كانت حياة المختار مكرسة كلها للعلم والدعوة والجهاد؛ طلب العلم في الزوايا التي أنشأتها الحركة السنوسية، ثم كان أحد روادها في الدعوة وتربية الناس، حتى نادى منادي الجهاد فقضى بقية عمره معتلياً صهوة جواده، ممسكاً بسلاحه، لم يهادن أبداً، ولم يستسلم لعدوه ، بل قارعه مقارعة الند للند، رغم قلة الإمكانات ورغم عدم التكافؤ في العدد والعدة، ولكنه استعلاء الإيمان وقوة اليقين، الذي ازداد صلابة وعمقاً في ميادين الجهاد وساحات المعارك، ومع جهاده المادي بقوة السلاح لم ينسى دوره الدعوي والإصلاحي فكان يقوم بالمهمتين معاً وذلك لإيمانه القوي بأن الجهاد المادي لابد أن يرافقه جهاد معنوي ونفسيي .

إن جهاد المختار سيظل معلماً بارزاً في تاريخ ليبيا وتاريخ الأمة الإسلامية كلها وسيظل دليلاً على أن الإسلام صنع – ولا يزال- نماذج عظيمة من البطولات على مر العصور، وعلى أن العطاء الحقيقي إنما هو عطاء الإيمان.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫18 تعليق

  1. بأحلم بشباب عربي من زمننا هذا يشرفنا مثلما فعل هذا البطل و أبطال غيره من جميع الدول العربية
    الاسلام و العروبة لن يعلو بين شعوب العالم بالكلام و الهتافات بين العرب بعضهم ببعض ولكن بالفعل؟؟؟؟؟؟؟؟

  2. نحن العرب نستهين بتاريخ مجاهدينا الذين كافحوا وافنوا زهرات شبابهم من اجل قضايا التحرير والحرية فى بلادهم
    انظروا الى صناع الحرية المجاهدين فى كل انحاء الوطن العربى الكبير

    منهم من هم على قيد الحياة مثل جميلة بو حيرد
    لهم موضع الاجلال والاكبار والعزة والتقدير وياريت تكون هناك برامج تبث على القنوات العربية للتعريف بهؤلاء المجاهدين

    الباقين والراحلين منهم حتى يعرف شبابنا المدلل فى هذه الايام ماذا كان يفعل هؤلاء المجاهدين فى شبابهم فى خدمة قضايا امته

  3. شكراً لكم اخواني وأخواتي على المرور. يسعدني أنه أعجبكم. أنا في الحقيقة كنت أعلم أنه كان كبير في السن حين أعدم ولكن لم أعلم أنه تخطى السبعين من عمره . رحمة الله عليه. سبحان الله، البعض يبقى على كرسي الحكم حتى آخر رمق، والبعض لا ينزل عن صهوة جواده إلا شهيد .
    أخ حنون كما قالت الأخت sherry أنا لبناني

  4. له نصب تدكاري في ليبيا في مدينة سلوق التي اشنق فيها رحمه الله
    وصوره علي العمله الليبيه ومن اكبر شوارع ليبيا مسميا باسمه

  5. له فيلم مشهور جدا اخرج المرحوم مصطفي العقاد وقام بدور الشهيد الفنان
    انتوني كوين اسم الفيلم (( عمر المختار ))

  6. بت فيلم عمر المختار في ايطاليا علي احدي القنوات الايطاليه

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *