تنشغل الطبيبة السورية “أم عبدو” بإنقاذ من يمكن إنقاذه من ضحايا القصف اليومي العنيف على مدينة حلب شمال سوريا، حيث تزحف من كارثة إلى أخرى رغم الدمار، ومن بين ركام المنازل، حاملة معها معدات الإسعافات الأولية لتقديم العلاج الممكن لمن يحتاجونه بعد كل عملية قصف، فيما تطلق أم عبدو صرخة استغاثة من قبل المدينة المدمرة مفادها أن “الجحيم ليس بعيداً عن هنا”.

وفقدت أم عبدو زوجها وابنها في القصف اليومي، الذي يقوم به النظام على مدينة حلب بالبراميل المتفجرة، لتتعهد بعد ذلك بالعمل على مدار الساعة لإنقاذ المدنيين من النساء والأطفال والرجال الذين تصيبهم الغارات اليومية وتأتي على منازلهم.

وتؤكد الطبيبة أن المستشفيات ذاتها لم تعد آمنة في مدينة حلب بعد أن طالت البراميل المتفجرة ذات النصف طن من المتفجرات كل المباني في المدينة، مشيرة إلى سوء الأوضاع التي تعاني منها المدينة.

بدورها رصدت جريدة “الغارديان” الطبيبة أم عبدو وهي تزحف على الأرض وترتدي ملابسها السوداء إلى جانب ثلاثة من عمال الإغاثة المنهكين الذين كانوا يرتدون الملابس الخضراء، محاولين جميعاً تقديم المعونات الطبية والعلاج اللازم لضحايا قصف النظام على البلدة القديمة في حلب.

وتعتبر أم عبدو، التي تبلغ من العمر 40 عاماً، أن كل شخص في النصف الشرقي للمدينة المقسمة أصبح يحمل قصة حزن وخسارة وحرمان، فيما استطاع كل واحد من هؤلاء أن يجد طريقه للتمسك بالحياة على أرض خربة مقفرة توقفت عليها كل أنواع الحياة.

وتتابع أم عبدو قائلة: حملتُ السلاح واستخدمته هنا، ثم حملت أدوات الإسعاف وقمت بعلاج الجرحى والمصابين.

أما جريدة “الغارديان” فتصف في تقريرها الحال في مدينة حلب بالقول إن “كل أشكال التناقض تتجه إلى الاختفاء في هذا الصراع بسوريا، بعد أن أصبح الموت يأتي من السماء، حيث لا يمكن للبراميل المتفجرة أن تميز بين الضحايا”.

وتحمل الطبيبة السورية في ذاكرتها قصة بالغة الحزن، فابنها يوسف قضى في قصف بالبراميل المتفجرة التي ألقى بها النظام على المدينة قبل ثلاثة أشهر فقط، بينما كان يوسف يستقل حافلة عمومية صغيرة وهو في طريقه إلى أحد المستشفيات في الشطر الشرقي للمدينة، حيث انتهى الهجوم بمقتل 35 شخصاً بينهم يوسف الذي لم يعد ممكناً العثور على جثمانه بعد أن تسببت البراميل بحفرة عميقة في الأرض.

وتقول أم عبدو وهي تجلس في زاوية غرفة مظلمة بمنزلها في حلب: كان ذلك اليوم هو الأسوأ في حياتي. ويجلس إلى جانبها ابنها عبدالله، الذي نجا من الهجوم ذاته، قائلاً: كنا نتشارك نفس السرير أنا ويوسف طيلة 17 عاماً، فعلنا كل شيء معاً، كنا نلعب، ونحلم، وكبرنا معاً.. أما هو فذهب الآن، ماذا أستطيع أن أقول أنا؟

وتصف جريدة “الغارديان” غرفة نوم أم عبدو بالإشارة إلى أنها تضع ثلاثة دمى على وسادة نومها لتستأنس بهم مع من تبقى لها من أطفالها في شقة صغيرة. وتضع على سريرها سلاحاً تدافع به عن نفسها، إضافة إلى معدات وأدوات طبية لتقديم العلاج لمن يحتاجه من الضحايا.

يشار إلى أن التقديرات تتحدث عن سقوط أكثر من 200 ألف قتيل حتى الآن في الثورة السورية التي بدأت شرارتها في مارس من العام 2011، بينما يتوقع أن يعاني ملايين اللاجئين السوريين من أوضاع إنسانية صعبة جداً، بعد أن أعلنت الأمم المتحدة أنها ستوقف معوناتها لأكثر من 1.7 مليون لاجئ سوري.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *