كانت البداية بمشهد مؤثر للشيوخ والعجائز، الذين لم يجدوا ملجأ سوى دار المسنين، التي قرر أبناؤهم الزجّ بهم في غياهبها، وبقدر ما كان ذلك المشهد مؤلما بقدر ما كان دافعا للسيدة الجزائرية “سعاد شيخي” كي تتخلى عن وظيفتها والتفرغ لتأسيس الجمعية الوطنية للشيخوخة المسعفة “إحسان”، والتي تعد أكبر دار لرعاية المسنين في البلاد.

وتروي سعاد قصتها مع الجمعية بالقول: “بعد مرور ثلاثة أيام على وفاة جدتي، التي تعلقت بها منذ صغري،

ومثلما هو العُرف الجزائري، أقامت العائلة وليمةً كبيرة، وقررنا التصدق بطبق الكسكسي المعد لتلك المناسبة في المسجد، لكن أحد الأقارب أقنع العائلة بتقديم هذه الصدقة لفئةٍ وصفها بأنها في أمسِّ الحاجة إليها، لنجد أنفسنا بدار للمسنين”.

وعن المشهد هناك قالت سعاد: “كم كانت صورة أولئك الشيوخ والعجائز مؤثرة في نفسي، لما اكتشفت أن فلذات أكبادهم، الذين لطالما سهروا الليالي من أجلهم، ألقوا بهم في هذا المكان الموحش، في تلك اللحظة انتابني شعور غريب، وتساءلت في نفسي: كيف يحدث هذا في بلد مسلم؟ وهو ما جعلني أعقد العزم على مساعدة ورعاية هذه الفئة الضعيفة”.

ومنذ ذلك الحين وسعاد تتردد على عددٍ من دور المسنين لتقديم بعض الصدقات للمقيمين فيها، وجاءت حادثة اغتيال زوجها في عمل إرهابي، جعلها أكثر عزما على المضي قدما في مسيرتها الخيرية، التي كُللت عام 2002 بولادة جمعية إحسان، على يد سبعة أفراد من أهل الخير.

مزيد من الجهد

وبعد مرور سنوات أصبح حلم “سعاد” حقيقة، لتجد نفسها في مواجهة تحدٍّ من نوع آخر، يكمن في ضرورة بذل مزيدٍ من الجهد، للحفاظ على مسيرة التطور، التي عملت على تجسيدها منذ وضع اللبنة الأولى لجمعية “إحسان”، فما كان منها سوى التضحية بوظيفتها من أجل التفرغ للعمل التطوعي.

وعن هذه الخطوة قالت: “مع مرور الوقت أصبحت لا أستطيع التوفيق بين التزاماتي المهنية والعمل الخيري، فوجدت نفسي مرغمة على الاستغناء عن وظيفتي، للوفاء بذلك العهد، الذي قطعته مع الله -عز وجل- لخدمة المسنين، وتعويضهم ولو بجزء يسير بذلك الدفء العائلي الذي افتقدوه”.

ومنذ نشأتها سجلت الجمعية حضورا قويا في المناسبات الاجتماعية والدينية بالجزائر؛ حيث تقوم بتنظيم إفطارات جماعية للمقيمين بدور المسنين خلال شهر رمضان، علاوةً على نحر الأضاحي في عيد الأضحى، وتقديم بعض الهدايا في عيد الفطر عادةً ما تتمثل في ألبسة وحلويات، إضافةً إلى توفير تكاليف “العمرة” لبعض الشيوخ و العجائز.

كما حرص أعضاء الجمعية على استضافة عدد من المقيمين بالدور بشكل أسبوعي حتى ينعموا بالدفء العائلي، الذي طالما افتقدوه، فضلا عن توفير احتياجاتهم من فراش وأدوية، وضمان الرعاية الصحية.

عبر 24 ولاية

وبحسب سعاد فقد نجحت الجمعية منذ تأسيسها في تنظيم أكثر من 1200 نشاط بفضل “التجاوب الكبير لذوي البر والإحسان مع مختلف المبادرات التي تطلقها، بما فيها تلك التي لا تعني فئة المسنين، كتنظيم زواج جماعي للأيتام و المعاقين، وغيرها من النشاطات.

والآن تعدى عدد أعضاء الجمعية 120 عضوا بينهم مسئولون ومحامون ورجال إعلام وطلبة جامعيون، منتشرون عبر 24 ولاية من ولايات القطر الجزائري، والأمل يحذوهم في أن تمتد رقعة نشاطهم إلى باقي الأقاليم.

وتطمح الجمعية في مواصلة عملها لدفع السلطات إلى تبني مجموعة من المقترحات الخاصة بفئة المسنين، مثل إنشاء “صندوق اجتماعي للتضامن والشيخوخة”.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫10 تعليقات

  1. بارك الله للسيده سعاد الجزائريه
    و جعله الله في ميزان اعمالها الصالحه
    بعض الاعمال الخيريه الهادفه افضل من حج بعض الناس

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *