«سمع الحماصنة أن شتاءً قويا سيحلّ على حمص، فكتبوا لافتة كبيرة، ووضعوها على مدخل حمص، تقول: هنا حلب». لا يبدو أن هذه «النكتة»، التي أطلقها أحد سكان حمص عندما سئل عن ردة فعله في حال لم تدفع له الحكومة ثمن المازوت، ستشفع له حيال برد الشتاء القارس، الذي حلّ ضيفاً مبكراً هذا العام على غير عادته.
في شوارع حمص تصادف معن، شاب عشرينيّ، دهان في الصيف، وسائق تكسي في الشتاء. وما بين الصيف والشتاء أيام كثيرة بلا عمل.
أيام البطالة تلك، يعلّق عليها معن بنكتة تنمّ عن سرعة بديهة: «صحفيّ سأل حمصيا كم نسبة البطالة في المدينة؟ فأجاب: «والله حمص كلها أبطال».
إلا أن المازوت تصدر حالياً أولويات معن، فيما تراجعت البطالة إلى مرتبة أخرى في «قائمة الهموم» كما يصفها، إذ لا يكاد يمرّ يوم إلا ويتساءل عن هذه المادة. فباله مشغول على مدى الأربع والعشرين ساعة بالمازوت الذي «ستعيد الحكومة توزيعه على مستحقيه». ومصطلح «مستحقيه» هذا، يفسرّه معن بمفردات فصيحة ممزوجة ببعض السخرية، على أنه «المواطن الذي فتك به الفقر فتكاً».
أما مصطلح إعادة التوزيع، فيعني ـ حسب الحكومة ـ تقديم بدل نقدي للمواطن قيمته 10 آلاف ليرة سورية (كل 5 آلاف ليرة تساوي 100 دولار تقريباً)، وبالتقسيط على دفعتين، يستطيع بهما شراء برميلين ونصف برميل من المازوت، يكفيان لتدفئة عائلة متوسطة لمدّة شهرين في أحسن الأحوال.
قبل أن يحصل معن على هذه الشيكات، سيضطر إلى توقيع استمارة يتعهد فيها بأن راتب أسرته، بالكامل، لا يتجاوز 400 ألف ليرة سورية سنوياً، وأنه لا يمتلك سيّارة سياحية، أو منزلاً آخر يدرّ عليه بعض الربح في حال أجّره، وأن لا تتجاوز قيمة فواتير الهاتف والكهرباء التي يدفعها 5000 آلاف ليرة، وأن لا يمتلك سجلاً تجارياً أو صناعياً أو سياحياً.
يصف معن هذه الشروط، التي يفضل أن يسميها «شروط مسابقة من سيربح المازوت» بالتعجيزية، مضيفاً إليها على سبيل النكتة: «لازم يكون موبايلي موديل قديم، وعندي شهادة حسن سلوك موقعة من مختار الحارة، وما بدخن، وتكون أجدد كندرة (حذاء) عندي عمرها شي 4 سنين»، ثم يتابع مقهقها: «منيح ما حطوا شرط إنو لازم نستخدم المازوت لأهداف وطنية».
لكن معن سيوقع مضطراً على هذه الشروط: «ولك بدي وقع على بياض… بس وينها الاستمارة، متنا من البرد، عيّدنا وما عطونا المازوت، وهني ضلوا شي سنة عم يبحثوا الموضوع بمجلس الشعب، يا أخي والله ما بدها كل هالصفنة… وغيرنا صافن كيف بدو يعمل القمر محطة وقود لرحلات الفضاء».
خاب أمل معن عندما علم بأن الحكومة قرّرت توزيع الدعم على «المواطن المفتوك»، بعد عيد الميلاد. وعندما تسأل معن عن علاقة المازوت بالعيد، يتضح لك أنه استدان مالاً قيمته أكبر من قيمة «منحة» المازوت كما يسميها، لكسوة عياله، على أمل وفاء بعض دينه من «مصريات المازوت».. ومن ثم «بدبرها الله».
فكر معن باستخدام «صوبيا الحطب»، بعد أن شاع استخدامها في إدلب، في الشمال السوري، لكنه تراجع عن الفكرة عندما وجد أن أسعار الحطب ارتفعت لتساوي سعر المازوت. كما أنه سرعان ما تراجع عن فكرة استخدام مدفأة الكهرباء، بعد أن سمع وزيرها يبشر بعودة التقنين إلى البلاد، إضافة إلى الفواتير التي «لا تطاق».
في لحظة من اللحظات، تكتشف أن معن اختزل كل مشاكله وهمومه، وحتى طموحه، بالمازوت. تراه لا يبالي بكل ما يحدث خارج إطار المازوت، وهو الذي كان بالأمس مولعا بقناتي الجزيرة والعربية، ولا تغيب صغيرة أو كبيرة عن اهتماماته السياسية.
اليوم لا تعنيه كل هذه الأمور، لا قمة المناخ ولا قمة العشرين، ولا حتى زيارة سعد الحريري إلى سوريا، «شو جاييني من الزيارة أنا»، ثم يسترسل بدون تفكير: «دخلك معقولة يوزعوا المازوت هاد الأسبوع».
إذاً، بدأت الدائرة تضيق حول معن. يبدو محاصراً، وكأنه يمرّ بمنعطف تاريخي هام. كل شيء جاء دفعة واحدة: «المازوت، المولود الجديد، العيد، ومونة البيت..». تفاصيل حياتية بدت وكأنها تقتل حلمه «البسيط» في إكمال تعليمه يوماً بعد يوم.
تستفسر من معن عن سر تلك «الابتسامة اللعينة» على وجهه، كما يسميها، فيجيبك بأن «الحماصنة»، إذا لم يستقبلوا همومهم بالنكتة «لكانوا فقعوا من زمان».
ربما ـ كما يقول «الحماصنة» ـ لأن حمص قلب سوريا، والأكثر التصاقا بالجار لبنان، اجتماعياً واقتصادياً، ولأنها كانت يوما ما ـ حسب ادعاء البعض ـ سبباً في رفع سعر مادة المازوت، المادة الأكثر ربحاً لرجال التهريب على الحدود اللبنانية السورية، وربما لأنها «أم الفقير» كما يصفها الغير، ولأنها ولأنها.. فسيبقى مكتوباً عليها أن تواجه القدر بالنكتة.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫224 تعليق

  1. ياما هددتنوا بس ما طلع بديكم شئ , ههههههههه مين الي ربط زيدان وكسر رونالدوا وحطم قلعة ستام ودمر مهارات رفالدوا وحلق لايون وخربط حسابات بيكام وصد صاروخية دونكا ؟؟ طبعا طبعا البرصى الكاتلوني برشلوووووووووووونة وبس

  2. لااااااااااااااااااااااااااااااا خلوووووووووووووووووس انا رايحة نام وراجعة ليه عم تفاول علي
    ميمو اي ساعة بتصحى,,,؟؟ أنا بصحى عا الساعة 6 الصبح

  3. خلص تصبحوا على خير بس أنا راجعة من الصبح بتلاقوني هون قبل الشحادة وبنتها

  4. أصبح بتصحي قبلي بساعة ،،،، روحي نامي لكان ، تصبحي على خيييييييييييييييييييييير ..

  5. لا يا أخيليس ،، سوزي ظروفها مؤقته ،، وقاسيون ما راح ،، وهلق هو شاف تعليقي ،،،وانا بعرف ليش قرر ما يكتب ،،، وبقلك أنت غلطاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااان ،،، واجهني لشوف ( وجه متحدي )

  6. ALaa östtreich
    Ich habe verstanden, was du gesagst hast, jdoch frage ich mich weswegen du dies geschrieben hast. Es wäre durchaus hilfreich, wenn du auf Arabisch schreiben würdest damit dich die anderen auch verstehen .

  7. شكله اخيلس داخ يا جماعة …لازملو ترييحة دماغ …انا رايحة سلامي للحنيين سلام كبير هلبة..هلبة..اوتشنني ماوا…باي ..ديسفيدانيا..

  8. انا قبل النوم اسلم على الموشين ونضربله تحيات ونقوله شرفتنا ..ياكبير..مع السلامة للكل..

  9. يا جماعة انا ما حكيت شي بزعّل…..حكيت الواقع و بشكل عام…..
    اما اللي بيدعي على اهلنا بفلسطين واللي مسمّي حالو اخيليس،متل هيك دعوة بتبيّن الحقد اللي فيك …ويا خبير اللغات انا ما كتبت (نتخوث) انا كتبت (نتخوّت)….
    بس واحد متلك مو غريب يطلع منو هيك حكي…..
    يا خسارة شعب سورية فيك….
    ومتل ما قالت نور بزمناتها(احنا هيك العرب كلمة الحق بتزعل)

  10. الاخ اخيليس والاخ قاسيون والاخت نور
    انتم مثال مشرف للسوري الوطني الاصيل و بترفعوا الراس
    الله يحميكم

  11. شكرا أخ فريد بارك الله بك
    أما أنت يامهم شكلك من الجماعة يلي جايين يرموا بلا أشكالك هي يلي خلت أصدقاء رائعين يتركوا ها الموقع وجهودكم الجبارة بعمل الفتن عم تنجح ومتل ماقال الأخ قاسيون أنت وهم تميزتم بالمثل السئ
    قبل ماروح حابة ألفت نظر الجميع لنقطة مهمة وهي أن سورية هي الدولة الوحيدة بكل الوطن العربي يلي سمحت وبتسمح للكتاب الروائيين أو كتاب الدراما بالنقد نقد الحكومة,,,!! بعمرك شفت عمل درامي عربي غير سوري بينتقد الحكومة,,,؟؟ وهذه الأعمال تنتج داخل سورية وعلى سبيل المثال بقعة ضوء لو كانت سورية دولة دكتاتورية ليه سمحت لهيك أعمال برؤية الضوء ومنفذيها ومنتجيها ومخرجيها مشهورين ومحبوبين وكمان عم يحصلوا على جوائز
    بس الظاهر ماراح تحلوا عن ها الموقع إلا لحتى تخلوها من الناس الشرفاء

  12. هلا صرت تحكي على سورية بعد فتحت لكم ابوابها فعلن اتقوا شرا من احسنت اليهم… اذكرك بي المخيمات بسورية ولانسيتوها اكيد رح تنسوها لاننا اعتبرناكم مننا وفينا..للاسف بس

  13. اخ فريد قرنقاوي .. نشكرك لهذه الالتفاته …
    قد يكون من الخطأ نشر الموضوع بهذا الشكل ، اريد منه ان تكون طرفه
    لكنها حملت هموم المواطن في سوريا ، وهذا صحيح ، لكن ليس هنا يجب نشرها .. كان ممكن في جريدة محليه داخلية ليتم دراسة هذه الهموم والمساهمة في حلها , وليس نشرها في جريدة عالمية مثل نورت لتوخذ مأخذا علي سوريا . نعم سوريا اجتماعيا واقتصاديا ليست المثلا ، لكنها تسير بخطا جادة نحو التغيير للأفضل .
    اما ذاك الصغير العزيز ميمو …
    قاسيون جبل عالي للعلالي بوجه العدو
    وتراب حنه وسهول حانية ضهورها
    للصديق المحب الخيال

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *