درجت العادة، في الصباح، أن أول كلمة نقولها عند الاستيقاظ “وين القهوة”، وبعد الفنجان الأول، مع انتهاء السيجارة الأولى، ترتاح الوجوه قليلاً، يظهر طيف ابتسامة، وبطبيعة الحال صوت فيروز هو المشترك الأكبر بين صباحات السوريين، بعكس أيامنا هذه التي يبدأ فيها الصباح في ما قبل الصباح للتوجه إلى الأفران لحجز دور.
تغيّرت صباحاتنا منذ أن قرر شبيحة بشار الأسد أن يضيفوا الطحين والمازوت لمشاريعهم التجارية الرائجة، وهم، والحق يقال، أثبتوا مدى وفائهم للأسد الأب، من خلال اجتراح نفس العقلية التجارية – اللصوصية، فاخترعوا سوق الأدوات المنزلية المسروقة، وتسليم الشبيحة بيع المواد الأساسية بأضعاف سعرها الحقيقي، للرد على العقوبات الاقتصادية. فإن منع عنهم المتآمرون الكونيون استمرار سرقة البلد عن طريق السمسرة والسلبطة وتغيير تواريخ الصلاحية، التي برعوا فيها، في ما قبل الثورة، فإنهم ردوا على هذه العقوبات بالعودة إلى أصلهم، وأصل زعيمهم، في السرقة والسطو وابتزاز السوريين، ومن شابه زعيمه فما ظلم.

بكروش
لايكات مباركة
وفي مكان آخر، لكن بنفس الزمان، يستيقظ (أبو الهمم) يفتح عينيه بتكاسل تبدو على وجهه مظاهر الارتياح يقلب نظره في أرجاء الغرفة ليبتسم برضى: أخيراً! شيء من التقدير لتاريخه في النضال ضد الديكتاتورية، أخيراً بعد الاعتقال والهرب من سوريا، يحصل على هذه الشقة الفخمة.. (حسناً لم يكن هروباً حقيقياً فقد غادر أبوالهمم من المطار بشكل عادي ولم يتم تأخيره لحظة، بعكس بعض الآخرين المعمّمة أسماؤهم على كل حاجز في سوريا، والذين اضطروا إلى المسير لما يزيد على 10 ساعات، بين القذائف وخطر الموت، للوصول إلى الحدود)، أبوالهمم يضع فنجان النسكافيه على الطاولة ويقوم بتشغيل اللاب توب بعد أن يتمطى، يتبرم قليلاً، زوجته تنظر إليه تبتسم بشفقة: يي الله يعطيك العافية رح تبلش شغل، لسا بكير صحتك بالدنيا..
أبوالهمم يبدأ بصفحة الميل، ينظر إلى الميل المليء بإشعارات الفيسبوك يقوم بمحيها دون أن يكلف نفسه قراءة المحتوى، بعض الإيميلات من أعضاء آخرين في المعارضة السورية المرتاحة (م.س.م)، لا يهتم، يمحوها مع الباقي، يتوقف عند ميل باللغة الإنكليزية، يفتحه بسرعة ليضيء وجهه بابتسامة عريضة، فالميل من إحدى المنظمات وتدعوه إلى مؤتمر، لا يهتم أبوالهمم باسم المؤتمر أو برعاية من وما هدفه، يبحث بعينيه النهمتين عن مكان الانعقاد واسم الفندق، بعد الانتهاء من فحص الإيميل وبسبب الجهد الذي بذله أبوالهمم يغيّر من قعدته، يسأل زوجته عن الفطور، (10 دقايق بس)، يعود أبوالهمم إلى عمله، يفتح صفحته على الفيسبوك يمر بعينيه سريعاً على بعض الأخبار وأعداد الشهداء، تلفت نظره إحدى الصفحات وهي تتساءل عن (م.س.م) وقصص الفنادق، فيبتسم ويذيل البوست بلايك كبيرة، وأخرى تحكي عن مشكلة الطحين والوقود، فيكتب تعليقاً يشتم فيه النظام الفاجر الحرامي، ويدعو أهلنا في سوريا إلى الصمود، ويعيد تأكيد إيمانه بانتصار الثورة، مهما بلغت التضحيات، مذكراً بمعاناته أيام نضاله في سوريا… إلخ.
ما يثير غضب أبوالهمم هو بعض أولئك الشبان الذين لم يفقسوا من البيضة، ويتكلمون بوقاحة عن (م.س.م) متجاهلين تعبهم وتاريخهم النضالي الكبير، ويعلق عادة على مثل هذا الكلام الفارغ كما يراه (يعني أنو مفكرين حالون طلعو بكم مظاهرة وأكلو كم كف صارو بيفهمو… ولك نحنا عم نفني حالنا من مؤتمر لمؤتمر… العما على قلة الأدب أساساً هدول اللي بينتقدونا أكيد مدسوسين من النظام).
ينتهي أبوالهمم من اطلاعه اليومي على الفيس، يترك بعض اللايكات المباركة في الصفحات الأكثر شهرة، ومن ثم يكتب بوسته اليومي دونما عناء (تابعوني اليوم في القناة الفضائية، سأتكلم عن المتاجرين بالثورة، وسأؤكد من جديد أن مرجعيتنا الوحيدة هي الشعب السوري).
صباح الخبز البارد
وبالعودة لصباحات الخبز الباردة جداً والمعتمة جداً، حيث تبدأ من الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، إلى ما تشاء كمية الطحين والمازوت الموجودة!
بعد الانتهاء من كمية المسبات والشتائم لبشار ووالده، يبدأ الكلام وتتشكل حلقات النقاش لاسيما حول (التنكة – الموقد)، وشيئاً فشيئاً ومع كأس شاي ساخنة (عالحطب) يزداد الحماس، وكالعادة تتمحور الأحاديث حول الثورة، وآخر الأخبار والإشاعات، وبين ارتفاع وتيرة النقاش والصياح، يرمي أحدهم نكتة مضحكة (اضحكوا، اضحكوا ولك عمي، ما في شي بيستاهل).
النهر البشري الهائل يتحرك ببطء شديد، الفران المسكين لا يكل ولا يمل من تكرار الحلفان، أنه لا يخفي أي كمية من الخبز، وأنه سيعمل حتى نفاد الكمية كلها. صوت القذائف مع خيوط الضوء الأولى، صوت طائرة من بعيد، الصمت يخيم فجأة على المكان، الجميع ينظر باتجاه السماء، صوت الطائرة اللعينة مازال يدوي.. قد تحمل هذه الطائرة، أو تلك القذيفة، الموت للجميع، لكن (البيت ما فيه ولا كسرة خبز لا ترجع بلا الخبزات) المعادلة صعبة ولعينة، لكن القرار عبقري ويستعصي على الفهم (اللي الله كاتبو، بدو يصير).. ويستمر انتظار الخبز بين همين: هم مجرمي بشار، وهم نفاد كمية الخبز.
أبوالهمم يجلس على مائدة الإفطار، يضع اللقمة في حلقه وقبل أن يبتلعها يمسك ما تبقى من رغيف الخبز ويقول بحزن: “بتعرفي انو بسوريا، المشحرين ما عم يلاقو لقمة الخبز”، يخرج صوته ثقيلاً، مليئاً برذاذ الخبز المتطاير من فمه، وزوجته التي تحاول عبثاً مسح الدم الذي يقطر من فمه، تبتعد برأسها متفادية قدر الإمكان رائحة أنفاسه الكريهة!

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫4 تعليقات

  1. الله يفرجها على عباده الصابرين في سوريا
    الله يكون معهم و يخفف عنهم
    بيكفي هالقد

  2. يارب تفرج همكم وتزيح هالغمة عن سوريا وشعبها وتنصرهم على هالطاغية وتريحهم يارب
    معقول كل هالشي يصير ببلادنا الغالية ولا حدا يهتم ولا يتحرك كرمال شعبنا
    كل هالقتل والترويع والتجويع والبطش والعرب والمسلمين في سبات ما تحرك حدا فيهم
    لكن إلكم الله يا سوريين هو أرحم فيكم من الجميع وهو اللي قادر يخلصكم من هالمحنة وينصركم
    قولوا بس يارب

    1. اللهم امين الكم والنا الله ياختي نور والحكام العرب معا الاسف مابيهم اللي يملك الشجاعة علمود يتحرك لان قتلهم الجبن

      1. شكراً أخ الزيدي ….ربنا يفرجها علينا وعليكم لأنه متل ما قلت حكامنا العرب مفقود الأمل منهم وأملنا بالله وبس

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *