حفلت بداية السنة الجديدة، في الإعلام السوري الرسمي، بتغييرات “جذرية” طالت شكل المذيعات اللواتي يظهرن على شاشة الأخبار، تحديداً، أو البرامج الترفيهية أو الثقافية الأخرى. وقد عرف في هذا المجال، أن وزير الإعلام أشرف شخصياً على تحديد مواصفات المذيعة المقبولة ومواصفات المذيعة المرفوضة.
ولعل أهم إجراء في هذا المجال كان بتحديد وزن المذيعة الذي لا يجب أن يتجاوز الـ 60 كيلوغراماً! ومع أن وزارة الإعلام السورية لم تضع ميزاناً لدى لجنة الفحص والاختبار، لتحديد الوزن الدقيق للمذيعة، فإنها – أي الوزارة- اكتفت بتصريح المذيعة وإقرارها بوزنها الحقيقي. هذا فضلاً عن أن الميزان ذاته قد يخطئ أو يصيب، فيكون حظا عامرا لمذيعة ما، وفألا سيئا لأخرى.
بعض المذيعات اللواتي يزيد وزنهن عن الستين كيلوغراما، تحايلن على المواصفات، وعلى المشاهد بطبيعة الحال، عبر لبس بناطيل الجينز السوداء، لضغط الجسم وشدّه وإعطاء انطباع بضآلته ورشاقته، حتى إن بعضهن كن يلهثن وهنّ يقرأن النص، بسبب ضيق البنطلون الشديد على منطقة الحجاب الحاجز، فأفرز هذا الشدّ والتضييق زفرةً في النفس وتهدجاً في الصوت وتقطعاً في اللفظ وظهوراً بارزا للنفَس من الأنف.
مذيعات يعلنّ وفاة الكرة الأرضية
تعود قصة تحديد الوزن، إلى سنوات سابقة حدّد فيها الدكتور فايز الصايغ الرقم الدقيق للوزن على ألا يتجاوز الرقمين الأولين من الطول، بمعنى أن المذيعة التي طولها 170 سنتيمترا، يجب أن ألا يزيد وزنها عن السبعين كيلوغراما، وهكذا. إلا أن قصة شد البطن وارتداء الضيّق الغامق من الألبسة، تحايلَ على الميزان وأظهر البدينة نحيلةً، واستمرت الأوزان الكبيرة بالعمل، ولم يتغير شيء سوى اللون والتصميم.
أما الآن، وفي فترة وزير الإعلام الجديد، فقد تم تشكيل لجنة متنوعة تأخذ بالاعتبار الوزن وكشف تحايل المذيعات اللواتي أوصلهن شد البطن إلى درجة النفخ عوض القراءة، وظهور النفَس من الأنف أكثر من ظهور الكلمات من الفم. كما أن ارتداء المذيعات للألبسة التي تخفي زيادة الوزن، جعلهن كما لو أنهن في دار عزاء، حيث كل ألوانهن سوداء وكل أنفاسهن تتقطع وتتهدج كما لو أنهن يقرأن نشرةً يُعلنّ فيها وفاة الكرة الأرضية!
مسلسل الأخبار وفيلم الإعلام
اللجنة الجديدة التي شكلها وزير الإعلام الجديد، في نهاية 2014 لم تتوقف عند أعضاء إعلاميين وصحافيين، وحسب، بل اشترك فيها أحد المخرجين، ليمنحها مزيدا من السينمائية، ومزيدا من الفانتازيا التي اشتهر بها، ليكون ظهور المذيعة السورية، على يده، راجعا إلى القرن الرابع قبل الميلاد، مثلا، أو إلى زمن شجرة الدر، براعة منه باستخدام الفانتازيا التاريخية التي ألبس فيها أبطاله القادمين من قبل التاريخ، ألوانَ الأزرق والأحمر والبرتقالي، على أرض تحدها المياه والرمال، في لحظة واحدة، وأزياء منشّاة ومكوية كما لو أنها خارجة من فنادق النجوم السبع.
وجود هذا المخرج المشهور، في اللجنة، سيمكّن المذيعات البدينات من إخفاء بدانتهن بسبب احترافه للاّمعقول والفانتازيا وما فوق الواقع والوزن.. فلقد وصل حال الإعلام الرسمي السوري، إلى الحد الذي يحتاج فيه إلى مخرج أفلام وسيناريست، كما لو أن نشرة الأخبار هي قصة الزير سالم أو أي بطل مفبرك قادم من أرض الأيديولوجيا التي لم يعد يطأها أحد. حتى بدا الأمر كما لو أنه تمثيل بتمثيل، هو الآخر، فتكون نشرة الأخبار مسلسلا، أو فيلما معدا مسبقا، وكل ما يراه المشاهد السوري في نشرة الأخبار الرسمية، هو عبارة عن مسلسل أعدَّ بعناية لإقناعه بأن هذا الشَّحم ورمٌ كما أحب المتنبي أن يقول!
ميزانان لأميركا وواحد للسوريين
تركيز اللجنة الجديدة على النحول ربما جاء تأثراً بالمذيعات اللبنانيات اللواتي دوّخن زملاءهن في المهنة، شرقا وغربا، إلا أن لجنة وزارة الإعلام المكلفة بتحسين واقع الشاشة الرسمية، أخذت من اللبنانيات نحولهنّ، وحسب، ولم تأخذ منهن مهنيّتهن وعملهن الدؤوب على تحسين وتطوير مستواهن. وقد تكون وزارة الإعلام السورية قد ظنت أن تفوق الإعلام اللبناني كان بسبب نحول المذيعات، فقط، ولم يدر بخلدها أن هذا لو كان السبب، لكانت البلدان التي تضربها المجاعة ونقص الغطاء النباتي، أرضا خصبة لتوفير مذيعات وتصديرهن إلى مختلف أنحاء العالم، بصفتهن نحيلات جاهزات لإنقاذ الإعلام الرسمي، من بدانته التحريرية، لا الفيزيائية، وحسب!
سابقا كان المتنبي يشتكي من نحوله “كفى بجسمي نحولاً” إلا أن هذا لا ينطبق بالضرورة على المرأة، ولا نذكر بيتا شعريا واحدا تشتكي فيه امرأة من نحولها، إلا من باب الشكوى والتألم وتصوير حجم الفاجعة. لكن إحضار ميزان الخضار والفاكهة واللحوم والأسماك، ووضعه في صميم لجنة تحسين واقع الإعلام، لتحديد وزن المذيعات وإيقافهن عند حدهن من البدانة، لهو من قبيل الفانتازيا التاريخية الفعلية التي لا سابق لها كإجراء إسعافي يخرج الزير من البئر، ويجعل النشرة الرسمية تتفوق على مثيلاتها، لا بالنص، لا بالتحرير، لا بالمهنة، بل بالوزن، الوزن وحسب.
مجرد ميزان، إذن، كم بخسناه حقه وما قدرناه حق قدره. كنا نظنه مخصصا فقط للكيل والوزن، ليظهر من مصباح علاء الدين منقذا للنشرة من بَدانتها الداخلية، ومحولا الانتباه عن المقبرة التي باتت تغطي سوريا من الشرق والغرب والجنوب والشمال. ولعل هذا هو سبب ورود عبارة: “سياسة الكيل بمكيالين”، في الإعلام السوري الرسمي، والقصد منها الطعن في سياسة الإدارة الأميركية – على طول الخط – فقد تبيّن الآن سبب تكرار هذه العبارة والنفخ فيها ليل نهار، أنهم كانوا يظنون أن الإدارة الأميركية ليس لديها ميزان واحد، مثلهم، بل لديها ميزانان اثنان.. وما حدا أحسن من حدا!

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليقان

  1. أي معهم حق لانه عيون العالم كلها متجهة لإعلام ال ك لب بشارون حتى يشوفوا مذيعاته ورشاقتهم .. اعلام كذاب وضلالي وما حدا بيشوفه الا شبيحة بشارون ….لك العين تطرقكم ولا كأنكم بحرب عايشيين بعالم تاني !

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *