كتبت صحيفة “القدس العربي”:

جثث في الشوارع، قنّاصون يصطادون المدنيين، اتهامات روسية للغرب بدعم ‘الإرهاب’، الجيش يهدد باستخدام السلاح ضد ‘المتشددين والمتطرفين’، عقوبات غربية على مسؤولين… كل هذه العناوين التي قرأناها مع بدء الثورة السورية قبل ثلاث سنوات تتكرّر اليوم ولكن هذه المرة في اوكرانيا.

بكشفها للتشابهات الكبيرة بين سوريا واوكرانيا تفضح المعركة الدامية الجارية في البلدين عن مجرى الصراع المستعرّ في العالم، وتدخل شعبي البلدين في مأزق كيانيّ ووجوديّ متشابه ومأساوي.
فمقابل اتجاه القيادة الروسيّة العنيف في ظل فلاديمير بوتين وأركان حكمه لاستعادة وزنها المتراجع بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ولو استأدى ذلك الوقوف في وجه الشعوب الراغبة في الحرية والديمقراطية والتضحية بها على مذبح المصالح الروسية الاقتصادية والسياسية، نجد المواقف المخزية لأوروبا المحكومة ببراغماتية الاقتصاد، والمهتمة باستمرار امدادات الغاز الروسي لتدفئة بيوتها المترفة، دون استعداد حقيقي لدفع أكلاف الدفاع عن رغبة الأوكرانيين (أو السوريين) في التخلّص من ربقة الاستبداد المدعوم روسيّا.

كما يستدعي ذلك قراءة التشابهات المباشرة لمواقف إدارة اوباما الأمريكية من الأزمة الأوكرانية فبعد التصريحات الواضحة من هذه الادارة الموجهة للأوكرانيين من قبيل قول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ان ‘الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقفان مع شعب اوكرانيا’، وأن مستقبل الأوكرانيين لا يكون ‘بالاكراه’، وما تبع ذلك من لقاء كيري للمعارضة الأوكرانية في المانيا ومن ‘عقوبات’ ضد بعض المسؤولين الأوكرانيين، لا نلبث أن نستعيد التراجع والرخاوة التي خبرها السوريون مع سياسة اوباما الخارجية من خلال تصريحاته الداعية الى ‘هدنة’ والتحذير من ‘تداعيات الأزمة’!

قد يعزّي السوريين (ولا عزاء كافياً لهم بعد ما حلّ بهم) تشاركهم مع الشعب الأوكراني علائم التخاذل الأوروبي والأمريكي في نصرة قضيتهم، كما سيعزّي إسلاميّيهم تشاركهم مع المسيحيين الأوكرانيين تهم ‘الارهاب’ و’التشدد’ و’التطرّف’، بحيث يخفّ الاحتقان الناتج عن إحساسهم بالاستهداف كشعب مضطهد وكدين مستهدف من الغرب ومن النظام، فالأوكرانيون بأغلبيتهم الكبرى مسيحيون أرثوذكس مثلهم مثل الروس (رغم أنهم ينقسمون الى ثلاث كنائس تتبع إحداها بطريرك موسكو) وهو إن حماهم من تهم ‘التكفير’ و’الوهابية’ فهو لم يحمهم من التهم الأخرى التي في جعبة القيادة الروسية.

الدخول في تجريم للثورة في سوريا دخل، منذ فترة طويلة، سياقاً تهريجياً مؤسفاً، وهو ما جعل الصين، مثلاً، تتهم المعارضة السورية بتنظيم مظاهرات في إقليم شينجيانغ، ووحّد اليسار الستاليني الغربي مع يمينه الفاشي في دعم النظام السوري، ومع دخولنا المرحلة الأوكرانية السورية في التصدّي للعالم التقط السوريون بذكاء التشابهات والمفارقات وبدأوا بتوجيه نصائحهم وابداء تعاطفهم مع ‘ثوار أوكرانيا’ وتحويلها الى سخرية هجاء للعالم.

أحد ناشطي الإنترنت قال للأوكرانيين: ‘اذا أردتم اللجوء فتجنبوا الأردن ولبنان’، فيما نصح ناشط آخر الأوكرانيين بشراء مولدات كهربائية وتخزين المازوت تجهزاً لحصار مناطقهم.

أما الموقف من العالم فعبّر عنه ناشط آخر بالقول: ‘احذروا من شعور بان كي مون (الأمين العام للأمم المتحدة) بالقلق، لأنكم ستلعنون الساعة التي تظاهرتم فيها’.

تحدث باراك اوباما أمس عن الترابط بين اوكرانيا وسوريا قائلاً أنهما ليستا رقعة شطرنج للحرب الباردة، وهو قول صحيح لكنه يصف سلوك الولايات المتحدة الأمريكية لا سلوك روسيا.

غير أن أهم ما كشفت عنه أحداث أوكرانيا وسوريا فهو الرابط الإنساني العميق الذي يربط الشعوب ويوحدها ضد الاستبداد، وضد التخاذل الدولي والتلاعب بمصائر الشعوب.

اضافة الى كشفها أن الربيع العربيّ ليس إلا جزءاً من حراك شعوب العالم، وأن الثورات يمكن التلاعب بها لفترة لكنها تعود للاندلاع اذا لم تتغيّر أسباب حصولها.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫5 تعليقات

  1. للتشابهات الكبيرة بين سوريا واوكرانيا
    =============================
    هذه التشابهات قائمة على أن قبضة روسية القذرة و أسلوبها القمعي المخابراتي هو عينه في كلا البلدين في مواجهة أزمة شعب يبحث عن حقه في تقرير مصيره

  2. ما يحدث في اوكرانيا من تحت الحلف الغربي يحاولون خنق روسيا و نقل المعركة لاراضيها (سواء ساندت روسيا لسوريا ام لا ,,, الغرب مخطط لهاذ الشي من زمان فهاته حروب استراتيجية لا تحدث بين عشية و ضحاها)
    حتى فنزويلا يحاولون زعزعتها
    ايضا المتابع للسياسة اليابانية مؤخرا (يعلم ان امريكا وراء تحريض اليابان ,,, لكنهم لن يقدرو على التنين الصيني)

  3. كما سيعزّي إسلاميّيهم تشاركهم مع المسيحيين الأوكرانيين تهم ‘الارهاب’ و’التشدد’ و’التطرّف’،
    *****
    وليس غريباً أن نرى جبهة نصرة أوكرانية .. وداعش بنسخة اوكرانية أيضأ .. وتكفيريون أوكرانيون ..
    وسنسمع مقولات مثل : يريدون القضاء على النظام الاوكراني الممانع .. ومصادرة القرار الاوكراني الحر .. واسرائيل تريد أن تتخلص من الجيش الاوكراني المقاوم ..وامريكا تريد .. و المريخ يرغب .. وعطارد يسعى .. وووو ..بل قد سمعنا وانتهى الأمر ..

  4. يا اوكرانيا حنا معاك للموت
    يجب القضاء على علويي سوريا ….. وعلويي اوكرانيا ايضا !!!!

  5. اتفق مع طرح noha و asma مع التاكيد ان الامريكان يحاولون ليس فقط خنق الروس بهذه القضيه ولكنهم ايضا يخنقون اوربا اذ ان خروج اوكرانيا من تحت المظله الروسيه باقتصادها المنهار اليوم وما سيتضاعف منه خلال الفوضى التي سترافق عملية الانقلاب سيرمي بثقله على اوربا خاصة والاوربيين منقسمين ويشعرون بان فقدان اوكرانيا للمليارات التي وعدت بها موسكو ستحولهم الى متعهدين بالضروره لتوفيرها

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *