احتشدت العشرات من العوائل الكردية عند بوابة بلدة حلبجة (81 كلم جنوب شرقي السليمانية) في إقليم كردستان العراق، لاستقبال الشاب الكردي علي الذي فقده أهله قبل 21 عاما إثر تعرض البلدة للقصف بالأسلحة الكيماوية من قبل طائرات النظام العراقي السابق في 16 من مارس (آذار) عام 1988، إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية.
وقد اصطحبت العوائل صورا لعدد من أبنائها الذين فقدوا أثناء الكارثة علهم يتعرفون من خلالها على الشاب الذي ظهر في حياتهم فجأة لينكأ جروحهم التي لم يعالجها الزمن، مقرونة بباقات الورود ترحيبا بمقدم الشاب عليّ الذي تولت وزارة شؤون الشهداء في حكومة إقليم كردستان إعادته إلى الإقليم من مدينة مشهد الإيرانية التي عاش فيها كل تلك الفترة في كنف أسرة إيرانية

الشاب الكردي علي يتسلم باقة زهور من سيدة لدى وصوله إلى بلدة حلبجة في كردستان العراق

ali_receive_roses_from_kurdish_lady_in_halabja_1410009

وقد امتزجت مشاعر الفرحة الجياشة بالدموع وحنين الأسر المفجوعة إلى أبنائها المفقودين، وسط ذهول علي الذي يجهل لغة بني جلدته ولا يجيد سوى الفارسية مثلما لا يعرف أي شيء عن أسرته أو حتى أقربائه أو نسبه الحقيقي.

وقالت فريحة صالح محمد (38 عاما) من أهالي بلدة بيارة المجاورة لحلبجة إنها تشعر بأن علي هو شقيقها الذي فقد أثناء الكارثة وهو في الأشهر الستة الأولى من عمره لأنه يشبه إلى حد التطابق ابنها البكر الذي اصطحبته معها، وأضافت فريحة أن أسرتها نزحت إلى إيران بعد وقوع الفاجعة واستقرت في مدينة كرماشان (كرمنشاه) الكردية. وذات يوم اصطحبت والدتها شقيقها الرضيع إلى حمام المدينة للاستحمام وفي تلك الأثناء شنت الطائرات العراقية غارات مكثفة على المدينة ما أحدث فزعا وهلعا في صفوف سكانها فاضطرت والدتها للفرار من الموقع الذي كانت فيه، وضاع منها ابنها الرضيع وسط فزع وفوضى نزلاء الحمام. وتابعت تقول: «بذلنا بعد أن هدأت الأمور جهودا مضنية للعثور على شقيقي الرضيع ولكن من دون جدوى، وقد مات والدي ووالدتي قهرا وحسرة على شقيقي المفقود، ولطالما تمنيا أن يرياه ولو مرة واحدة قبل أن يغادرا إلى العالم الآخر، لذا أتمنى أن يكون هذا الشاب هو شقيقي ويراودني أمل كبير في ذلك».

ونظمت إدارة بلدة حلبجة مراسم استقبال خاصة للشاب علي مجهول النسب، الذي روى باختصار شديد قصة حياته في إيران للعوائل التي جاءت لتتعرف عليه وقال: «لست أتذكر كيف أصبحت في كنف تلك الأسرة التي أحاطتني برعايتها الكريمة وغمرتني بحنانها، ولكني فتحت عيني لأجد نفسي في حضن سيدة عجوز وحنونة كانت تدعى كبرى حميد بور من أهالي بلدة عبادان التي قالت لي عندما بلغت السادسة من عمري إنها عثرت علي في أحد مستشفيات مدينة مشهد التابعة لمحافظة خراسان والقريبة من الحدود الأفغانية، وأنا طفل رضيع لم أكمل أربعين يوما من عمري، وذلك بحكم عملها في إحدى رياض الأطفال الخاصة بالأيتام، بعد نقلي مع المئات من المصابين في كارثة حلبجة من مدينة كرماشان، وكانت تلك السيدة أصلا من النازحين الذين دمر النظام العراقي السابق بلدتهم عبادان فاضطروا للنزوح نحو كرماشان ثم مشهد، وقد أحاطتني برعايتها وحنانها الذي لن أنساه أبدا».

وأضاف علي والدموع تنساب من عينيه بغزارة: «قالت لي الأم التي رعتني إنني كنت أحمل تحت إبطي الأيسر علامة فارقة كانت عبارة عن كتلة لحم زائدة وراثية وقد تم استئصالها بعملية جراحية، وأكدت لي أنني من أهالي بلدة حلبجة في كردستان العراق وأن أهلي قضوا نحبهم جميعا إثر ضرب البلدة بالسلاح الكيماوي، وعندما بلغت الثامنة عشرة من العمر توفيت تلك السيدة أيضا إثر حادث سير مع كامل أفراد أسرتها وبقيت وحيدا في حياتي، فاتجهت إلى فرع منظمة رعاية شؤون ضحايا كارثة حلبجة في إيران ورويت للمسؤولين هناك قصتي بالتفصيل، وتم إجراء الاتصالات بالمعنيين في حكومة إقليم كردستان، فتولت وزيرة شؤون الشهداء في الإقليم مشكورة إجراءات نقلي إلى مسقط رأسي في حلبجة».

و قال علي: «لقد تبددت أحزاني عندما رأيت كل هذه الأسر المفجوعة وهي تبحث عن أبنائها المفقودين، وسواء وجدت أسرتي الحقيقية أم لم أجدها، فإنني أعتبر كل أهالي حلبجة إخوتي وأشقائي وأسرتي».

وبخصوص القرار الذي سيتخذه إذا لم يجد أسرته الحقيقية في حلبجة، قال: «لم أتخذ قرارا نهائيا بهذا الشأن، ولكنني أحب كردستان كثيرا وسأكمل بقية حياتي فيها، لا سيما أنني لا أملك حتى الآن الجنسية الإيرانية، وسأواصل دراستي الجامعية في كردستان، ولكنني لم أقرر في أي مدينة سأقيم».

وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت حكومة الإقليم قد قررت منحه الجنسية فيما لو قرر العيش في الإقليم، قال: «لم نخض في هذه الأمور لأنني وصلت الإقليم قبل يومين فقط».

وقد ادعت عدة عوائل انتماء علي إليها بالاعتماد فقط على الشعور الذاتي وبعض التشابه في ملامحه مع ملامح أبناء تلك العوائل، لذلك قررت إدارة المدينة إحالة قضية هذا الشاب مجهول النسب الذي يمثل عينة مؤلمة من بين عشرات الحالات المأساوية المماثلة التي خلفها النظام السابق في العراق، إلى القضاء في حلبجة ليقول كلمته فيها بعد أن أجريت للشاب فحوصات الحمض النووي صباح أمس في أحد مستشفيات السليمانية، تمهيدا للبحث عن أسرته الحقيقية.

من جانبه، قال لقمان عبد القادر مسؤول جمعية الدفاع عن حقوق ضحايا كارثة حلبجة إن «هذه الحالة هي السادسة من نوعها في حلبجة، إذ سبق أن تم العثور على مفقودين آخرين بشكل انفرادي أو ثنائي من خلال اتصالات جمعيتنا مع الجهات المعنية في إيران عبر القنوات الرسمية لحكومة الإقليم، وقد تعرفت أسر الضحايا على أبنائها من خلال الوثائق والمستمسكات التي كانت بحوزتها ومن خلال فحوصات الحمض النووي التي أجريت لهم، ولكن حالة الشاب علي عويصة ولا تشبه الحالات السابقة، لأن أيّا من أفراد أسرته لم يظهر حتى الآن، ويرجح أنهم قضوا جميعا أثناء الكارثة، لذا فمن الصعب التعرف عليهم». ودعا عبد القادر، وهو أحد المصابين في عينيه جراء الأسلحة الكيماوية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجهات المعنية في حكومة الإقليم إلى إقامة مركز للبحوث والفحوصات المختبرية يتولى إجراء البحوث والدراسات عن الأسر التي فقدت أبناءها أثناء كارثة حلبجة، وقال: «لدينا حتى الآن 25 أسرة تدعي فقدان أبناء لها أثناء الكارثة، ولكن ليست هناك جهة رسمية وعلمية تتولى الخوض في هذه القضية للبحث عن المفقودين والتعرف عليهم لاحقا».

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫11 تعليق

  1. والله قهرتنى قصتك ..
    إن شاء الله بتلاقى حدا من أسرتك والله بيداوى جروحكم كلكم ..
    وياما فيه بالدنيا ناس مثلك وناس فقدت كل أحبابهم وأطفال اتيتمت ونسوان اترملت وأوطان ادمرت ,, وهاى الحرب ما بتيجى على البشر غير بالذل والخراب..

  2. الله يجمع شمله باهله حتى يستطيع ان يعيش
    لان الحياة بدون اهل لا طعم لها و لا جدوى منها

  3. والله احنه العراقيين حياتنه كلها مأسات في مأسات وغيرنه متمتعين بالحياة الله يجازي الذي كان سبب في غربتنه وحياتنه المعذبه والله ينتقم من كل واحد حاقد على العراقيين ولا تشكو للناس جرحا أنت صاحبه لايئلم الجرح الأ من به الألم
    نهى الخزرجي مغتربه في الولايات المتحده

  4. الله يكون بعون كل واحد يا نهى و الغربة صعبة و مرة و ما يحس بها الا من عاشها او يعيش فيها و الله يجازي كل من كان السبب.

ماذا تقول أنت؟
اترك رداً على baghdad إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *