ما يحدث فى الوطن العربى منذ عام ٢٠١١ حتى اليوم هو أمر مربك ومحير ، بكل ما لهذه الكلمات من معانى حقيقية لم نختبرها بمثل هذا العمق من قبل .
لم نعد قادرين على التفريق بين (الربيع) والخريف ، ولا بين العدو والصديق ، ولا بين الإصلاح والتخريب ، ولا بين النقد والتحريض ، ولا بين الوطنى والمرتزق . اختلط كل شئ ، فلم نعد نميز بين من هو معنا ومن هو ضدنا .
كما أننا لم ننسى أن الأمة العربية مرت بفترات عصيبة إبان تكالب الدول الاستعمارية على تقاسم الكعكة العربية السايبة حينذاك ، ثم أيضا اثر دخولها فى حروب استنزافية مع القوى الغربية بسبب الاحتلال الإسرائيلى .
لكن الإنسان العربى كان يعرف حينها من هو عدوه الخارجى المشترك مهما تفاقم الخلاف الداخلى .
أما الآن، فإن اختلاط الأوراق والمفاهيم جعل النقاش والجدال مفتوحاً حول أيهما أشد عداء : إيران أم إسرائيل ، القوى الاستعمارية أم (الإخوان المسلمون) ، الأنظمة الديكتاتورية أم التنظيمات المتطرفة ؟!
مقارنات سياسية وأيديولوجية مربكة حقا .
لكن لا يمكن لأحد أن يزعم خلوها من الوجاهة أحيانا ومن السفاهة احيانا أخرى !
تلك هى أعراض (حروب الهويات الصغرى) التي اشتعلت فى ملابسنا بعد أن انشغلنا بها عن هوياتنا الكبرى التى عادتاً ما تبنى عليها الأمم والدول علاقاتها وتحالفاتها .
سأشير هنا إلى مظهر واحد أساسى من هذه التحولات، وهو المساعى (الحميدة) لتحويل إسرائيل من عدو متفق عليه طوال سبعين عاما ، إلى صديق مختلف عليه مثل اختلافنا على بقية الأصدقاء !
تتولى الحكومة الإسرائيلية استغلال الظرف العربى الحاضر لتقوم بحملة علاقات عامة لإقناع أعدائها العرب بإمكان تحويل العلاقة العدائية المزمنة إلى علاقة صداقة نسبية بالمقارنة مع العداوات الأخرى المحيطة .
قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو الشهر الماضى ، إن إسرائيل تكافح مع الدول العربية (المعتدلة) وغيرها من الدول الأخرى، لاستئصال (الإرهاب الإسلامى) .
هل كان يعقل أن نستقبل تصريحات مجرم حرب بإيجابية وقابلية ؟!
وهل كان يمكن أن تنطلى علينا فكرة أن دولة إرهابية يمكن أن تساندنا حقا فى مواجهة الإرهاب ؟!
برغم أننا مستعدون للتعاون حتى مع الشيطان من أجل القضاء على الإرهاب البغيض ، لكن هل الشيطان مستعد حقاً وبصدق للتعاون معنا؟!
أما انها حملة تجميلية لإسرائيل ، صاحبها ومديرها الضابط الإسرائيلى العربى أفيخاى أدرعى ، الذى لا يعمل مفوض لحقوق الإنسان فى إسرائيل ولا هو منسق حوار الأديان فى القدس ولا هو رئيس الكتلة العربية فى البرلمان الإسرائيلى بسبب أصوله العربية ، بل هو الناطق باسم الجيش الإسرائيلى . أرأيتم إلى أي درجة بلغ التفاؤل الإسرائيلى بتعطيل بوصلة العرب ؟! لم تجد إسرائيل، إمعانا فى السخرية من حالنا اليوم ، أفضل من أن تنتدب الناطق باسم الجيش الإسرائيلى السفاح ليقوم بدور المفوض لبناء الصداقة العربية الإسرائيلية !
يخرج علينا (الضابط الإسرائيلى) صباح كل يوم جمعة بتغريداتة على (تويتر) ليقول للعرب والمسلمين: (نور الله جمعتكم وزادكم عافية واطمئنان ووهبكم شفاعة حبيب الرحمن وألبسكم حلل الرضوان والغفران وأضاء قلوبكم بالتقوى والإيمان) .
وبعد ساعات من يوم الجمعة نفسه يكتب تغريدة أخرى (يبشرنا) فيها بخبر عن الجيش الإسرائيلى : (انضم إلينا فى هذا الأسبوع مقاتلون ومقاتلات جدد . أهلا وسهلا بأسود جيش الدفاع الجدد) .
أى أنه فى اليوم نفسه الذى يدعو فيه بكل رقة أن ينور الله جمعتنا ، يرحب بكل وحشية بإظلام جمعة شيوخ ونساء وأطفال فلسطين بأسود جيشه الجدد !
الضابط الإسرائيلى المخلص فى أداء دوره يوشك أن ينغمس في التقارب فيتحول إلى يهودى مسلم !،
إذ بات يفتتح صباحه بأدعية من المأثور الإسلامى ، كقوله فى إحدى تغريداته : (اللهم إنى أسألك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة … صباح الخير) .
ويقول فى أخرى: (اللهم إنى أسألك خير هذا اليوم فتحه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده) .
لم يبق أمام أفيخاى سوى تخصيص وقت من ظهوره فى (تويتر) لتفسير الأحلام وفتاوى الأسلام !
كنت سأقبل هذه التغريدات الإيمانية الرقيقة والمليئة بالتسامح الدينى لو أنها جاءت من يهودى ، لكن أن تأتى من شخص ليس إسرائيلياً محتلا فقط ، بل هو المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى ، فهذه بشاعة لا تفسير لها سوى المدى الذي وصلت إليه بشاعة وغموض ما يجرى فى عالمنا العربى الآن .
وأخيرا : أختيارى عنوان (أسرائيل ألاخوانية) لتجسيد فكرة فوضى الأفكار التى تنتاب عالمنا ، والخلط بين النقائض ، لكن هذا الخلط ليس عندى، بل عند من تنطلى عليهم براءة الثعلب ، وينخدعون بدموع التماسيح ، عافانا الله وأياكم منهم ..
إسماعيل إلسعيد .

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

  1. بعد إحتضان بعض العرب ل داعش رغم كل شيء نعرفه و إياكم عنهم ٠٠٠
    بعد تأييد المثقفين الشيعة ل حزب اللات رغم دمويته ووحشيته التي ساهمت في قتل و تهجير ملايين من السوريين
    أقول بعد هذا التأييد الطائفي الأرعن ٠٠٠ هناك علامات إستفهام كبيرة لدي كما لدى كاتب المقال بشكل عام

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *