للكويت، حكايتها الخاصة، وسيرتها المتفرّدة في سعي الدول الصغيرة لإثبات الذات، والبحث عن الموقع الفاعل على الساحة العربية، سياسياً واجتماعياً وثقافياً. فكان لظروف ومراحل متعددة أن ساهمت في الحد من صعودها القوي، كدولة فاعلة ومؤثرة عربياً أكثر منها دولة محسنة ومتبرّعة. ليس أقلها تداعيات اجتياح عراق صدام حسين واحتلاله أراضيها قبل نحو عقدين، ومن ثم، بداية مرحلة صعبة، تمدّد الاسلاميون الراديكاليون خلالها، وتحكّموا في معظم الفضاء العام فيها، مستفيدين من أزمة الثقة التي خلقتها عند المواطن صدمة الاجتياح والتهديد بزوال البلاد. وهكذا، وصولاً الى أزمات الممارسة الديموقراطية، التي أساء استخدامها أصحاب رؤوس الأموال، وأصحاب الأفكار الأكبر من الوطن، من كلا الجانبين، حكومة ونواباًwomen.

الا أن هذا كله، لا يعفينا من النظر بتأمل لما حدث في هذه الإمارة الصغيرة، التي استضافت بقايا شتات صحافة وثقافة العالم العربي، منذ أواخر الستينات، والتي كانت في يوم من الأيام «لؤلؤة الخليج» بحق، عندما كان لا ينافسها في الخليج أحد، لا ازدهاراً ولا ثقافة ولا ديموقراطية. فهي أقدم ديموقراطيات الخليج العربي، وإحدى أعرق ديموقراطيات العرب النادرة الوجود.

فقد يبدو مفاجئاً للبعض الاعتراف بوجود حياة سياسية فاعلة ومؤثرة في الكويت. حيث تغلب على المشهد السياسي والاجتماعي اتجاهات وتيارات متعددة ومتشعبة تتنافس على البلاد: ليبرالية، اسلامية سلفيّة، اخوان مسلمون، شيعيّة وطنية وشيعية مقربة من أفكار الثورة الخمينية، وتكتلات برلمانية معارضة وموالية للحكومة. الأمر الذي جعل تلك الحياة السياسية غير الهادئة، حبلى بكثير من نقاط الخلاف والجدل، التي تتناول كبائرها وصغائرها. من حاجة البلاد الى وجود الأحزاب السياسية، وتجنيس وتنظيم أوضاع البدون (غير حاملي الجنسية)، والبحث في قانون الفصل الجنسي والاجهاز على التعليم المختلط… الى أيام العطلة الرسمية الأسبوعية، التي تغيرت من الخميس والجمعة الى الجمعة والسبت، دعماً لحركة التجارة والاستثمارات الوطنية وتواصلها وربطها بالاقتصاد العالمي، وكيف تعامل نواب وتيارات اسلامية متشددة مع الأمر على أنه توافق مع… اليهود، الذين يعطّلون يوم السبت أيضاً! فهذه الأمور، على اختلاف أهميتها، موجودة دائماً في العلن العام، حيث تناقش وتقرّ الحلول، بعكس كثير من دول مشرقنا العربي.

فالكويت، اذاً، وبوجود هذا النوع من الفعالية السياسية والاجتماعية، لم تكن في وارد إحداث ضجة أو مفاجأة أو إثارة ما، لأحد ما، يوم 16- 5 الماضي، عندما دخلت المرأة الى البرلمان للمرة الأولى، وعندما خسر نواب اسلاميون مقاعدهم وكثيراً من سطوتهم، ووصل 20 نائباً إلى المجلس للمرة الأولى في حياتهم (من أصل 50 هو عدد أعضاء المجلس).

فقد أحدثت الانتخابات الأخيرة، كما هو مأمول منها، تغييراً في الحياة الكويتية. فكان لافتاً انتشار واتساع ظاهرة الندوات الانتخابية التي أقامها المرشحون، الذين استطاعوا من خلالها أن يكونوا على تواصل حسيّ وملموس مع ناخبيهم. الا أن هذه الندوات، التي لم تكن لتشبه بأي شكل أو مضمون مضافات القهوة والاستقبالات في الدول ذات اللون الواحد، أو مهرجانات الخطابة والتجييش، والقبضات والزعيق في الدول الطوائفية الملوّنة، كانت قد تميزت باستقطاب لافت لطبقة الشبان والشابات، من طلبة وخريجين، والمنخرطين في شكل أو في آخر في الحراك الجمعيّاتي والمؤسساتي المدني. أي أنها، بمعنى أدق، استقطبت جمهور الطبقة الوسطى الواسعة.

وكان ظهور بعض الشخصيات الوطنية ذات الماضي العريق في العمل السياسي والبرلماني، هناك، في الندوات، وعلى مسرح المنافسة التمثيلية الشعبية، قد أعطاها رونقاً سياسياً ذا طعم خاص ومتفرد. هذا ما فعله، مثلاً، ظهور النائب السابق المعتكف سياسياً حمد الجوعان، في ندوة نظمتها جريدة «القبس» العريقة في 12-5، تحدث فيها عن مشاكل البلاد والحاجة الى التغيير. وندوة أخرى حاضر خلالها النائب السابق والرئيس السابق للبرلمان العربي محمد جاسم الصقر، صاحب التجربة الصحافية اللامعة عندما كان رئيساً لتحرير «القبس» في الثمانينات، والذي أعلن عزوفه عن الترشح، مؤكداً استمراره في العمل السياسي ودعم زملائه.

أما المرأة، فبقيت أحلى عناصر الحياة السياسية والاجتماعية، والحامل الأبرز لملامح التغيير. فهي، المتعلمة وسيدة الأعمال والموجودة في كل أجهزة الدولة الرسمية، والتي تستقبل القادمين الى مطار البلاد، خاتمة على جوازات سفرهم بخاتم الدخول اليها، لم يكن دخولها الى البرلمان للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ليمرّ هكذا، من دون احداث هزّة جديدة للوعي والوجدان الشعبي والمجتمعيّ. ولعلّ السيرة الذاتية لأسيل العوضي، الدكتورة والمحاضرة في جامعة الكويت، وإحدى الفائزات الأربع في الانتخابات، تفيدنا في ايجاز وفهم تلك الهزّة. فقد تعرضت العوضي وزميلاتها منذ اعلان ترشحهن، لحملة قوية وشرسة، نظمتها قوى وتيارات تعارض دخول المرأة العمل السياسي، إما من منظور دينيّ سلفيّ، أو تبعاً لمنطق ذكوريّ احتكاري فجّ. لكن الأمر كان قد تجاوز حدود المنطق والمسموح، بالنسبة الى أسيل العوضي في شكل خاص، التي تكثفت من حولها تلك الحملات التي أخذت طابع التكفير واستخدام الفتاوى، متخذة من تاريخها في العمل التطوعي الشبابي، واشتغالها في التعليم الجامعي، وسفورها، ذريعة لتلك الحملات التي أشعلت نيران الحراك الاجتماعي اثر قيام احدى طالبات العوضي بتسجيل مقطع لإحدى محاضراتها في الجامعة، تتحدث فيه عن قضية الحجاب بطريقة أكاديمية ومنهجية، ومن ثم نشر هذا المقطع المجتزأ على موقع «يوتيوب»، لتأخذ الحادثة، بمضامينها العميقة، شكل قضية رأي عام، شغلت البلاد وما زالت.

وفي النتائج، بيان أصدرته جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت، في أيار (مايو) الماضي قبل موعد الانتخابات، دان الحادثة ومثيلاتها، وانتقد عمل الجامعة التي «وبتقييدها للحريات الفكرية من خلال تحويل بعض الأساتذة الى النيابة العامة اثر نشر مقالات صحافية، قد فتحت الباب وروجت فكرة الرقابة والمراقبة والمتابعة بغير الطرق القانونية وبما يخالف الأخلاق الأكاديمية للفكر الحر المستنير». وبينما تزايد عدد رواد المواقع والمنتديات الكويتية، وبينهم من أخذ يدعو لأسيل ويناصرها وزميلاتها، وآخرون كثر تفنّنوا في تأليف الشتائم والأوصاف اللاأخلاقية بحقها، ظهر دور المثقفين من كتاب وصحافيين وفنانين، الذين أخذوا بالتحرك انتصاراً لأسيل العوضي ورولا دشتي وبقية المرشحات، كما فعل سعد الفرج، الممثل والمسرحي الكويتي القدير. فكان دور المثقف حاسماً في توعية الشارع، دفاعاً عن الحرية وعن «التغيير»، في مواجهة «مشروع المحافظين الجدد»، بحسب احدى التسميات الصحافية لممارسات التيارات الدينية المتشددة.

وهكذا، نجحت أسيل العوضي ورولا دشتي ومعصومة المبارك وسلوى الجسار، ودخلن قاعة عبدالله السالم في مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، برؤوس أكثر من مرفوعة، دخلنه وقد أحدثن في مجتمعهن كل ما تحلم به المجتمعات، وهو التغيير الذي خلق وعياً جديداً متطوراً. وهنّ اليوم، ما ان باشرن شغلهنّ في البرلمان، حتى انضمت احداهن، هي رولا دشتي، الى لجنة الظواهر السلبية البرلمانية «كاسرة رتابة المجلس»، بحسب أحمد العيسى في «الجريدة» في 10-6-2009 ، الذي رأى أن «الأهم من وصول الدكتورة رولا، أن منحنى معارضة التيارات السياسية الدينية داخل البرلمان آخذ بالتصاعد، وهو يدلل على حدوث تغير مهم في المجتمع الكويتي الذي لم يعد يجامل التيار الديني على حساب حريته، وهو ما لمسناه مع قراءة نتائج الانتخابات الأخيرة (…) وهو ما يجدر التنبيه إليه في هذا المقام كمؤشر على تنامي الصوت العقلاني المناصر للحريات داخل البرلمان».

خلاصة القول، إن الكويت، التي يراها كثيرون مجرد بلد خليجي غني ونفطي، يسكنه مجتمع محافظ وتقليدي، ما زالت تسير الى الأمام، على رغم كل الظروف، لتحتل مؤسسات المجتمع المدني والمرأة فيها عناوين السياسة والاجتماع. ويحدث هذا في وقت تعاني دول ذات تاريخ سياسي غني من استعصاءات واحباطات تغييرية، فلم تترشح للانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة امرأة واحدة من المستقلين أو الليبراليين غير المؤدلجين، وتتقدم مصر في عيوبها الاجتماعية لتحتل المرتبة الثانية عالمياً في التحرش بالنساء، أما سورية، فهي في صدد اقرار قانون جديد للأحوال الشخصية، يعيد المرأة والأقليات والتعددية الاجتماعية الى عصور ظلامية ما زالت تعيش في النفوس الخبيثة.

حسان القالش

المصدر: الحياة

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫14 تعليق

  1. من لم يعش في الكويت ويخالط شعبها العظيم فانه لا يعرفها ولن يعرفها ،،، الكويت تمتاز بثروة هائلة ،،، ليست هي النفط ما اقصد بالطبع ، الثروة هي الانسان ، ذكرا وانثى ،،، ومع تعدد الاصول التي قدمت الى الكويت واستقرت وعملت بها وتجنست بجنسيتها الا ان كل تلك الاصول والاعراق ذابت بسلاسة في بوتقة واحدة وهي ( الكويت )،،، الانسان الكويتي من اوائل الشعوب الخليجية ان لم يكن الاول الذي حصل على ثقافة عالية وساهم في بناء دول خليجية اخرى كانت قبل بضع سنين لا تعرف من الثقافة الا الاسم ،،، الثروة الحقيقية للكويت هي شعبها نساءا ورجالا ،،،

  2. صحيح المثل المصرى اللى قال الطيور على اشكالها تقع 🙂

    لا يختلف اتنين فى الوطن العربى كله ان اسوا شعب فى الخليج هو شعب الكويت و معظم الشباب الذى يسعى للعمل بالخارج يتجنب الكويت لسوء اخلاق اهلها و حماقتهم

  3. السلام عليكم…
    يا أخى محمد أنا كثيرا أتفقت معك لكن أسمح لى هذه المرة أن أعترض على تعليقك لأن كل مكان فى العالم به الصالح والطالح عندنا فى مصر وحتى فى السعودية تجد هذا وذاك فلا يصح لنا ان نسب شعبا كاملا مثلما فعلت أستغفر ربك يا أخى لأن لو كتب لك سيئة واحدة على كل واحد فى البلد دي تخيل كام عدد السيئات التى ستجنيها من سب شعب بالكامل…
    أنا عارف انك إنسان محترم ومش كنت تقصد لكن حبيت أوضح فقط مع كل أحترامى لك.

  4. ماشى اخى محمود
    اعتزر عن الجمع
    و اعدل تعليقى ليكون من السمة المنتشرة فى شعب الكويت المعاملة السيئة للعاملين المغتربين فى بلادهم و تكبرهم ليس الجميع ولكن هى من سمات الكثير من اهل الكويت و يصنفوا بذلك اول دول الخليج فى سوء معاملة المغتربين
    و انا من الناس الذين يرفضون اى عرض عمل فى الكويت لهذا السبب

    نعم كل شعب به الصالح و الطالح لكن احياينا يكون هناك ظاهرة معينه فى شعب
    مثل الالمان شعب عنيف و عدوانى
    الفرنسين شعب وحق و قليل الذوق

    عندنا حتى فى مصر فى بعض المحافظات لها سمات
    زى الشرقية الكرم
    الصعيد السذاجه
    المنوفية البخل

    هى من سمات الكتير من اهل البلد ليس من باب الحصر و انما سمة من سمات اهل البلد

  5. و إحقاقا للحق
    اود ايضا ان اذكر ان الإمارات من افضل دول الخليج فى معاملة المغتربين
    قانون عمل الإمارات يحافظ على حقوق العامل لاقصى حد

    جواز سفرك يكون معك ليس مع الكفيل ( إلا فى بعض المصالح) و إذا اردت الخروج من البلد لا تحتاج تاشيرة خروج او إذن من العمل ( لو عايز تنزل جمعه و سبت او فى العيد مثلا )

    لا يستطيع صاحب العمل ان يتجاهل حقوقك المادية و إذا فصلك او انهاء عقدك عليه ان يدفع جميع مستحقاتك و فى كتير من العقود تكون تذكرة الطيران للرجوع لبلدك على صاحب العمل

    و هنا يظهر الفرق بين الكويت و غيرها

  6. Although I don’t know why did the writer mention Lebanon,Egypt and Syria that way
    However the person that doesn’t see his home country as the best country in the world is not loyal or reliable

  7. I agree with you yasser .however , Egypt one of the middle east countries that gives women all of rights they do get in other arabic countries

  8. انا معك اختي دانا بالنسبة للحقوق يلي حاصلة عليها المرأة في مصر متل البقاء في البيت عند الطلاق عندما تكون حاضنة وقانون الخلع وهي المشاكل نعاني منها في سوريا بسبب قانون الأحوال الشخصية السوري يلي مابيعطي المرأة أي حقوق يعني ممكن تكون عايشة مع زوجها 40 سنة والبيت مبني من جهدها وتعبها ولما يطلقها زوجها بيرميها بالشارع حتى بدون شنطة تيابها ولما الزوج مابدو يطلق الزوجة بسبب الخلافات بينهم بتضل معلقة وعم يلعب بمصيرها لحتى تقدم كل التنازلات يلي بيطلبها منها بعدين بيقرر هو وبس ان يطلقها ولو بدي احكي عن هذا القانون منبقى للصبح ولاتقلي اي مواطنة سورية عكس هذا الشي لاني انا مواطنة سورية وبحب بلدي حب كبير بس هي الحقيقة يلي كتار نساء سوريات بيعانوا منها وبدل ماننكر الواقع خلينا نتساعد لنغيروا

  9. الى السادة المحترمين في ادارة نورت يلي كتبته حقيقة ومنحكي عنها بالدراما السورية دايما مافي شي بكلامي يمس المقدسات وليس في سب او شتائم انشروا يلي كتبته وعلى كفالتي

  10. if the women’s state is really bad like what you mentioned in Syria sister Maha
    What worse treatment will the new law bring
    ???
    Allah help all muslim people

  11. السلام عليكم اخي ياسر القانون الجديد يلي بيعفي الرجل من احكام التخفيف بالنسبة لجرائم الشرف بالنسبة للقانون الجديد مااعطى شئ للمرأة بس ماعاد اي واحد يقدر يقتل اخته او زوجته او اي امرأة من عيلته بحجة قتل بدافع الشرف صار في حكم عليه المعفي من الحكم بس يلي يتفاجأ بهذا الفعل كما ذكر بنص القانون اما المرأة اذا بتفاجئ زوجها بعمل الفاحشة وبتقتله او بتصيبه هو او الطرف الثاني يحكم عليها بالسجن كقاتلة وليس جريمة شرف يعني لا تستطيع ان تستفيد من حكم التخفيف لابعد القانون الجديد ولاقبله ونحن هذا الذي نريده ان تعطى للمرأة حقوق في قانون الأحوال الشخصية كالرجل بالنسبة للقانون المدني فالمرأة حاصلة على حقوق ولكننا لسنا معطلين عليها الرجل ببيع وبيشتري بالمرأة عنا بس لانه رجل وهذا الحكي بيوافقني عليه زوجي على الرغم ان قانون الأحوال الشخصية لصالح الرجل بس كمان الرجل له ام واخوات ولما يعانوا من هذا القانون وتسلطه راح بتنعكس هذه المعانات عليه كونه الأخ والأبن واسفة للاطالة

  12. So sister in contrast to the report the new low doesn’t make it worse
    it is already unfaire
    Allah keep all of you of such harm

ماذا تقول أنت؟
اترك رداً على محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *