عبدالباري عطوان – القدس العربي

بالأمس أخبرنا سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا الاسبق بأن فرنسا ارسلت طائراتها لقصف مواقع في ليبيا قبل صدور قرار مجلس الأمن الدولي، وبالغت في تضخيم نزاع محلي لتبرير تدخلها هذا، واليوم تقول لنا وكالات الانباء العالمية ان الطائرات الفرنسية تقصف ولليوم الثالث على التوالي مواقع لمتمردين اسلاميين في مالي، وارسلت المزيد من القوات الى العاصمة باماكو في انتظار وصول قوة من دول غرب افريقيا لطرد المتمردين المرتبطين بتنظيم ‘القاعدة’ في شمالي البلاد.
تدخلوا في افغانستان فمزّقوها جغرافيا وديموغرافيا، وقتلوا الآلاف من اهلها، وغزوا العراق واحتلوه وادخلوه في صراع طائفي، وشتتوا الملايين من ابنائه، وهجّروا طبقته الوسطى، وحوّلوه الى اكثر بلدان العالم فسادا، ثم اكملوا مخططهم بقصف ليبيا واليمن، ويدعمون بقوة الانتفاضة في سورية.
قالوا لنا ان تدخل حلف الناتو عسكريا في ليبيا جاء لمنع مجزرة، واطاحة طاغية، وترسيخ الاستقرار، وبناء دولة حديثة وقطع دابر الفساد، نقول لهم هذا كلام باطل، فالطاغية كان صديقكم، والفساد كان وسيظل طريقكم لنهب ثرواتنا الطبيعية والمالية، فليس صدفة ان الدول التي تدخلتم فيها، وهي العراق وافغانستان والصومال وليبيا، تحتل المراتب الاولى على قائمة الشفافية الدولية المتعلقة بمعدلات الفساد في العالم.
‘ ‘ ‘
التدخل في افغانستان جاء لمحاربة تنظيم ‘القاعدة’ واقتلاع جذوره، فازداد التنظيم قوة وترسخا بغزو العراق، وفتح القصف الجوي لليبيا واطاحة النظام فيها الباب على مصراعيه للتنظيم الجهادي للتربع على ترسانة اسلحة من كل الأنواع والأحجام، والسيطرة على منطقة الصحراء الافريقية، واستيلاء انصاره على شمالي مالي واقامة دولة ‘ازوادستان’ فيها، بدعم من الجماعة الجزائرية للدعوة والجهاد، احد فروع القاعدة في المغرب الاسلامي.
اليس غريبا ان جميع هذه التدخلات والغزوات العسكرية لدول حلف الناتو تتم في دول اسلامية وتستهدف شعوبا اسلامية بالقتل والتشريد والفقر والمجاعة، ابتداء من الصومال ومرورا بأفغانستان والعراق وانتهاء بدولة مالي؟
يبررون هذا التدخل العسكري الدموي في مالي بأنه جاء من اجل مقاومة تنظيم ‘القاعدة’.. تنظيم ‘القاعدة’ لم يكن موجودا في ليبيا ولا العراق قبل غزو البلدين، بل ما حدث هو العكس تماما، اي ان التنظيم وتفرعاته المختلفة جاء الى البلدين وعزز وجوده بعد هذا التدخل.
ما نريد ان نقوله ان ما يجري حاليا هو عودة للاستعمار القديم تحت عناوين ومسميات مختلفة، تارة لتغيير انظمة ديكتاتورية، وتارة اخرى لفرض قيم العدالة والحرية وحقوق الانسان.
السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية ذهبت الى الجزائر على امل اقناع حكومتها بالتدخل عسكريا لإنهاء الوجود الاسلامي الجهادي في مالي، اي اغراقها في حرب استنزاف دموية ومالية لسنوات قادمة، ولكنها رفضت القيام بهذه المهمة المشبوهة، ولا نستغرب ان تتعرض لعقاب مدمّر جراء هذا الرفض.
النفط هو عنوان كل التدخلات العسكرية الغربية في دول العالم الاسلامي، والتدخل في مالي لن يكون استثناء، صحيح ان مالي فقيرة في النفط، ولكنها مجاورة لأكبر حقول النفط والغاز في افريقيا، اي في الجزائر ونيجيريا، مضافا الى ذلك احتواء اراضيها على مخزون كبير من اليورانيوم والمعادن الاخرى الثمينة، ماليا واستراتيجيا.
فشلوا في تفجير ثورة في الجزائر، ليس لان نظامها نموذج في الديمقراطية والعدالة، وانما لان الشعب الجزائري خسر مئتي الف انسان في حرب اهلية استمرت قرابة العشر سنوات، ولم يعد يحتمل حربا اهلية اخرى يتخلى عنه فيها الغرب ويتركه لمصيره، مثلما حدث في الحرب الاولى ولمصالحه ايضا.
الجزائريون كانوا حكماء، ولكنها حكمه تواجه اختبارا عسيرا ومصيريا، فالتدخل يأتي حاليا من الباب الخلفي الجنوبي، المكان الذي لم يتوقعوه مطلقا.
امريكا التي تتنافس بشراسة مع الصين للسيطرة على افريقيا، واقامة قيادة عسكرية خاصة لإدارة الصراع عليها تحت اسم ‘افريكوم’ سارعت لتأييد التدخل العسكري الفرنسي في مالي ودعمه، وعلينا ان نتوقع افواجا جديدة من طائرات بدون طيار (درونز) لتقوم باصطياد الاسلاميين المقاتلين وغير المقاتلين، تماما مثلما يحدث في افغانستان واليمن.
‘ ‘ ‘
فرنسا ستواجه المصير نفسه الذي واجهته امريكا في العراق وافغانستان، ولا نستبعد نتائج اسوأ، لان التدخلات العسكرية الغربية في القرن الواحد والعشرين لم تعد سهلة وميسّرة وغير محفوفة المخاطر على غرار مثيلاتها في مدخل القرن العشرين.
منطقة الساحل الافريقي ستتحول الى منطقة فوضى دموية، لان الجماعات الجهادية التي تنتقل في ثنايا صحاريها مسلحة حتى النخاع، بفضل ‘الذكاء’ الغربي المتمثل في التدخل عسكريا في ليبيا حيث خرجت هذه التنظيمات الرابح الاكبر منه، وحصلت على اسلحة لم تحلم في حياتها بالحصول عليها، بحيث بات سعر البندقية الآلية من طراز كلاشينكوف لا يزيد عن عشرين دولارا في افضل الاحوال.
فرنسا ذهبت الى مالي تحت ذريعة القضاء على تنظيم القاعدة ومنعه من اقامة قاعدة له قريبة من سواحلها، ولكن هذا التدخل قد يحقق للتنظيم الجهادي ما لا تريده فرنسا وتحاول منعه، والاخطر من ذلك ‘تثوير’ بعض الخلايا النائمة له داخل فرنسا نفسها والاقدام على عمليات ‘ارهابية’ على غرار عملية محمد مراح في مدرسة تولوز الفرنسية اليهودية.
السؤال هو: متى سيظل العرب والمسلمون ارضا مشاعا للتدخلات العسكرية الغربية للهيمنة على ثرواتهم تحت اعذار ومسميات عديدة؟!
اليوم يخوضون حربا ضد التنظيمات الجهادية في مالي واقليم الصحراء، فهل يتكرر السيناريو نفسه في سورية قريبا تحت عنوان محاربة جبهة النصرة الجهادية والجماعات الاخرى المشابهة لها؟ تذكروا هذا الكلام جيدا!
Twitter:@abdelbariatwan

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫17 تعليق

  1. مش قادرة افهم شو سبب الهجمة القوية و المنظمة على البلدان العربية و الإسلامية بنفس التوقيت تقريباً
    هل السبب ازمات امريكا المالية و أزمة اليورو عند الأوروبيين ؟
    لكن هيدا كلام عام
    بتمنى لو حدا عندو تحليل منطقي لما يحصل هناك بدون الشعارات الطنانة الرنانة وقائع بس

  2. السبب الوحيد أختي هو محاولة نهب ما تبقى من خيرات على هذه الأرض فمن قبل أخدوها عن طيب خاطر مستعملين أسلوب الإغراء مع دول الخليج و غيرها إلى أن اكتشفت قيمة هذه التروات استبدلوا أسلوبهم بخلق ثغرات للوصول إلى مبتغاهم فكان اختلاق أزمة العراق بداية نهب جديدة تحت شعار لا للأسلحة النووية فكل ما يحصل الآن في المنطقة غلاف لما يحصل في الخفاء فالأرهاب هم من اخترعوه ونشروه في المناطق المستهدفة ليدخلوا اليها ويحكموا سيطرتهم عليها و بالتالي ينهبوا خيراتها فكل شيء عندهم مدروس منذ عقود

  3. Areej12
    شكراً على ردك لكن كنت اتمنى الحصول على معلومات اكثر خصوصاً اني قرأت تحليل يقول ان هذه الحرب ستكون طويلة الأمد و هي ستتعب الجزائر !!!!
    من الصعب ان افهم حتى الآن ماذا يدور هناك

  4. المخزون المالي الذي تمتلكه الجزائر أصبح يسيل لعاب الدول الامبريالية التي تتخبط في الأزمات الاقتصادية تارة البنك الدولي يطلب قرضا من الجزائر و تارة فرنسا التي كانت ترفض الاعتراف بجرائمها ترسل رئيسها للتودد للجزائر و منذ أيام رئيس الوزراء الاسباني اليميني المتطرف يأتي للجزائر و يخطب ودها بل أرسلوا حتى برميل قطر للوساطة و لكن هيهات ، بعد أن فشلوا في اثارة نزاع أهلي في الجزائر تحت غطاء الربيع العربي هاهم يحاصرون الجزائر عبر جيرانها ، لا تقتربوا من الجزائر لأن شعبها سيمزقكم انتقاما لما فعلتموه بأجدادنا

    1. كنت أعتقد مثلك يا أمين انهم اتوا للتودد لكن اتضح انهم اتوا لممارسة ضغط الله يعلم بأي شيء المهم في النهاية أن هذه السلطة ضربت بمشاعرنا وآرائنا كشعب بل بوجودنا كله عرض الحائط وسمحت لطائرات فرنسا التي حلقت ذات يوم في سمائنا وضربت اجدادنا واحدثت مجازر سمحت لها بالتحليق عابرة نحو أخوتنا في مالي لقتلهم ،هذه السلطة التي مازال كثيرون يشيدون بحكمتها المزعومة ضربت عرض الحائط وجود الدبلوماسيين الجزائريين لدى حركة أنصار الدين ضربت عرض الحائط التهديد الذي لن يصيب فرنسا بالتفجيرات بل سيصيبنا نحن في عقر دارنا كخطوة انتقامية والاهم من هذا ضربت عرض الحائط موقفها في الماضي القريب من ثورة ليبيا بحجة انها ترفض تدخلا اجنبيا في المنطقة في حين سمحت اليوم بأن يستعمل مجالها الجوي معبرا لضرب الشعب المالي الليبيون قرروا من تلقاء انفسهم ادخال العدو لكن بأي حق تسمح الجزائر لهم بدخول ارض الجيران؟؟؟؟؟؟
      بالفعل حسرة كبيرة في داخلي وشيء صادم سندفع ثمنه جميعا لم أتوقع أبدا ان تقوم الجزائر بخطوة كهذه وسيكتب التاريخ ان هذا البلد الذي كتب رفضه وغضبه في وجه المحتل الاجنبي الفرنسي هو الذي سمح بانتهاك اراضي الجيرة منتهى العار والله

      1. بالفعل لبنى أنا لعد كتابتي للتعليق انتبهت الى خبر آخر يفيد بأن الطائرات الفرنسية سمح لها بعبور المجال الجزائري فتمنين لو أنني لم أكتبه ، للأسف يا لبنى النظام الجزائري ليس سوى عميل لفرنسا أو على الأقل جبان يخاف أن تفعل به الدول الغربية ما فعلت بجيرانه ، سمعتي التالية قالك بوتفليقة غادي يمدد العهدة الرئاسية حتى 2016 ؟؟!! تقولي الجزاير كتبهاله بووه و لا مكانش غيره فالبلاد

  5. بالنسبة لعطوان ..الحرب في مالي صحيح والجزائر مستهدفة صحيح لكن من سمح بذلك للاسف هي الجزائر والله ان المساهمة ولو بتصريح عبور مقاتلات جويا هو جريمة في حق الشعب المالي الذي تقدمه القوى المتناحرة قربانا هذا الشعب تمزقه انياب سلطته الجبانة والجماعات الانفصالية التي تختلف في توجهاتها و اطماعها وبين الدول الغربية ودول الجوار التي آثرت السلامة الفردية على السير في خط جماعي جنبا الى جنب وان كان الملام الاول هو الحكومة في مالي التي اقل ما يقال عنها انها حكومة وحوش بامتياز .كان الله في عونهم ونسأل الله ان يغفر لنا تخاذلنا في نصرتهم ولو برفض قرارات جائرة في حقهم ولو بمجرد تعبير.

    1. الجزائر ملغمة من كل الجوانب ليبيا النيجر و زادت مالي يعني أن تجارة السلاح و المخدرات و الشبكات الارهابية ستنشط بقوة في الحدود الجزائرية و قد تنتقل الى الولايات الداخلية

    2. ما‮ ‬هي‮ ‬تداعيات‮ ‬هذه‮ ‬الحرب‮ ‬على‮ ‬الجزائر؟

      تداعيات الحرب على الجزائر ستكون متعددة الأشكال، أولها الجانب الانساني: ففي حالة الزحف المرتقب للمدنيين نحو الجزائر بحكم القرابة بين الأزواد والتوراق، والجزائر البلد الوحيد القادر على توفير الحماية الأمنية والتغطية الصحية والتكفل بالحاجيات الغذائية، فقد تواجه الجزائر كذلك توغل بعض الجماعات المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة التي تسربت من ليبيا، وأخيرا وهو في اعتقادي من اخطر التداعيات فهي الحرب الاستنزافية المفروضة على الجيش الوطني، حيث خلقت ضغطا مستمرا عليه في جميع حدودنا وهي تقارب 7000 كلم.. لم نعرف هذا الوضع منذ 50‮ ‬سنة،‮ ‬ولا‮ ‬اعتقد‮ ‬أن‮ ‬الطبقة‮ ‬السياسية‮ ‬واعية‮ ‬بهذه‮ ‬المخاطر،‮ ‬ما‮ ‬يضاعف‮ ‬من‮ ‬حدّة‮ ‬هذه‮ ‬التداعيات،‮ ‬فالجبهة‮ ‬الداخلية‮ ‬لو‮ ‬استمرت‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الخمود‮ ‬زادت‮ ‬حدّة‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬التداعيات‮ ‬السلبية‮.‬
      الدبلوماسي‮ ‬السابق‮ ‬عبد‮ ‬العزيز‮ ‬رحابي‮ ‬

  6. السلام عليكم
    رأيي مطابق تماما لرأي لبنى، أكيد ليس للجزائر أي قوة أو سلطة للضغط على فرنسا ، ولكن ليس لها أيضا أن تفتح مجالها الجوي لأحد، وليتها بقيت على الحياد كما كانت دوما

    نهى إقرئي هذا المقال
    صراع الأيدلوجيات والمصالح في مالي/ شريف عبد العزيز

  7. فرنسا سارعت الى التدخل العسكرى في مالى لتحمى شركاتها التى تسرق الثروات المعدنية لمالى ولا يهمها لا الشعب المالى ولا الدولة المالية والجزائر سمحت لفرنسا بالعبور في أجوائها نزولا عند طلب رئيس الوزراء المالى الذى زار الجزائر في الايام السابقة ولان قوانين الامم المتحدة تطالب اى دولة منتمية اليها ان تساعد اى دولة تقوم بنتفيذ قرار من الامم المتحدة بأى طريقة كانت حتى لو كانت فرنسا الاستعمارية استبقت قرارات الامم المتحدة لكنها اكيد قامت بعمل مبارك منها …………………الجزائر

  8. شكراً يا نور السلام قرأت المقالة التى نصحتني بقراءتها و لو في العجل لكنها وضّحت لي بعض الأمور

  9. حتى الان لم تعلموا ما تريد فرنسا من هذه الدول او امريكا اولا انهم يحاربون الاسلام وثانيا يريدون اعادة سرقة المواد الاولية البترول والمعادن في هذه البلاد كما قلنا افغانستان والعراق واليمن وليبيا والان مالي ولا ننس ساحل العاح 0واما الحزاءر فبدلا من توزيع الاموال على الدول الاخرى فمواطنيها الذين بعضهم يعيش بحالة فقر وكثير لا يملكون بيتا يسكنون فيه والارياف بحاحة الى طرقات وبنى تحتية فهذا افضل للحكام واداء الامانة 0

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *