هذا المقال بقلم إبراهيم عوض:
ربما كانت المعلومات عن تنظيم “الدولة الإسلامية”، الدارج عنه حتى الآن إسم “داعش”، كثيرة لدى أجهزة الاستخبارات العربية والأجنبية، ولكنها بقيت نادرة عند المحللين ومراكز البحث. الفرضيات عن التنظيم وعدد مقاتليه وسرعة تقدمه على الأرض في العراق وسوريا متعددة، تتفاوت البينات على مدى سلامة كل منها. يوجد شبه اتفاق على أن تفتيت المجتمع السياسي العراقي إلى مكوناته العرقية والطائفية والمذهبية، وتسريح الجيش العراقي، والسياسة التمييزية المتبعة في العقد الأخير كانت كلها عوامل ساعدت على ظهور “داعش” ونموها. ولكن ثمة سؤالا لم يلق ما يستحقه من الاهتمام في بلادنا العربية، ولقي الاهتمام لدى المتابعين في البلدان الأوروبية ولكن حيّرتهم الإجابة عليه. ما الذي يدفع الشباب إلى الانضمام إلى داعش؟ والمقصود بالشباب هنا ليس الذين أنشأوا التنظيم، وإنما أولئك الذين خفّوا إلى مواقع “الجهاد” من العراق وسوريا نفسهما، ومن بلدان عربية، من بينها مصر، ومن بلدان أوروبية عديدة.
لم تجر دراسات ولم توزع استبيانات للتعرف على الخصائص الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية للشباب المنضم إلى “داعش”، ولكن رشحت معلومات تمكننا من طرح فرضيات جادة بشأن هذا الانضمام. التنظيم يبدو أنه استفاد في فترة نشأته من تبرعات من أشخاص ميسورين في بعض بلدان الخليج، ولكنه صار تنظيما غنيّا باستغلال “نجاحاته” في الترويج لنفسه وفي حشد مزيد من التبرعات، ثم باستيلائه على حقول نفط وبفرض الرسوم على النشاط الاقتصادي في المناطق التي استولى عليها. موارد “داعش” مكّنته من أن يدفع بسخاء لشباب في العراق وسوريا محروم من فرص العمل ومن مصادر الدخل بفعل الصراع والمواجهات الدامية والتمييز في هذين البلدين المكلومين.
ولكن لماذا ينخرط الشباب من مصر أو من تونس أو من الجزائر في تنظيم بمثل دموية “داعش” وعدميته؟ البطالة والفقر والتهميش الاجتماعي، ولا شك في ذلك، أسباب للنقمة على المجتمع وللتطرف في اعتناق الأفكار التبسيطية والأيديولوجية لتفسير هذه الأسباب وغيرها، ولوصف أدوية العلاج منها. العاطل عن العمل، أو ذاك الذي يمارس عملا هامشيا، أو على مستوى وظيفي أقل من ذلك الذي أعدّه له تعليمه، لا ينتقل مباشرة إلى صفوف العنف والعدمية وإنما هو يمرّ عبر الأفكار المتطرفة والمطلقة المعروضة وحدها في سوق الفكر والممولة بسخاء منذ عشرات السنين. منذ سنوات عديدة وطويلة، يتواتر الحديث عن أن البطالة “قنبلة موقوتة”، وخاصة بطالة المتعلمين، والرجاء أن تكون قد اتضحت الآن صحة هذا الحديث.
غير أن البطالة والفقر وحدهما ليسا كافيين لتفسير انضمام الشباب “لداعش”. ثمة شباب من طبقات اجتماعية ميسورة، يتمتع بكل ما يتيحه العصر من مزايا التقدم العلمي والتكنولوجي، انضم أيضا إلى “داعش” وهو يحارب في صفوفها. الإنسان لا يبحث في الحياة عن الخبز وحده، وهو لا يكتفي به. الشباب، وغير الشباب، لا بد أن يشارك في تحديد وجهة المجتمع الذي يعيش فيه وفي إدارة شئونه. استبعاد الشباب من تحمل مسئولية مجتمعاتهم ومن المشاركة في توجيهها وفي إدارتها، هو تشجيع ضمني لهم على الخروج على هذه المجتمعات، بل وعلى محاربتها. بانضمامه “لداعش”، ولمثيلاتها، يشعر الشباب أنه يشترك في توجيه دفة المجتمعات إلى غير دففها الفاشلة الحالية. لا ينتبه الشباب إلى أن هذه وجهة لا تؤدي إلى أي مرفأ إنما إلى أعماق الأرض والفناء. ولكن كيف له أن ينتبه؟ القيود مفروضة على الأفكار عن الوجهات الأخرى، وعلى تطور هذه الأفكار، وعلى التنظيم الضروري لنموها وانتشارها.
***
في البلدان الأوروبية، ثار السؤال عن أسباب انضمام شباب ينحدر من الهجرة العربية والإسلامية، أو شباب من أصول أوروبية صرف تحوّل إلى الإسلام، أسباب انضمام هذا الشباب إلى “داعش” وسفره إلى العراق وسوريا “للجهاد” فيهما. هذا الشباب من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها. السؤال يزيد من أهميته التخوّف من أن يعود هذا الشباب الأوروبي بعد ذلك إلى بلاده ليكون “داعش” في كل منها، يمارس العنف ويحارب مجتمعاتها . مثلما هي الحال في البلدان العربية، العامل الاقتصادي هام ولكنه ليس كافيا للتفسير. القارة الأوروبية تمر بأزمة اقتصادية ممتدة لا ريب فيها. ولكن حدة هذه الأزمة تتراوح بين البلدان، وليس هناك ما يدلّ على أن عدد المنضمين إلى “داعش”، أو نسبتهم، أعلى في حالة البلدان الأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية أو حيث ترتفع نسبة البطالة ارتفاعا ملموسا.  الأزمة الاقتصادية من أسباب صعود قوى اليمين الأوروبي المتطرف بخطابه المتمحور حول كراهية الأجانب، ومعاداة الهجرة والمهاجرين، وإشاعة الخوف من الإسلام، وهي كلها مما يؤدي إلى تطرف مضاد للمقصودين بهذا الخطاب، إلى حدّ خروجهم من المجتمع الذي يعيشون فيه، وعليه. ولكن، ألا يمكن أن تكون الأزمة الاقتصادية قد كشفت، مجرد الكشف، عن علل أعمق ؟ هل تصل الأسباب إلى قصور النظام التعليمي والثقافي، والاجتماعي عامة، في البلدان الأوروبية عن استيعاب كامل الشباب المنحدر من أصول عربية وإسلامية، بل وبعض الشباب ذي الأصول الأوروبية البحتة؟ هل اهتزتّ قيم الأنظمة الاجتماعية والسياسية لهذه البلدان، ومثُلُها؟ هل أدّى تلاشي الأفكار والسياسات التي كانت تعرضها في الماضي الأحزاب الشيوعية والاشتراكية إلى توحد في الأفكار المعروضة، بحيث انتفت التعددية الفكرية الحقيقية وإن بقيت التعددية التنظيمية؟ هل كان من نتيجة ذلك بروز التمايزات العرقية والثقافية والعنصرية، وهي تمايزات مطلقة الطابع، بديلا عن التمايزات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أدّى بالضرورة إلى شعور بالغربة بين جانب من الأقليات؟
***
أسباب الانضمام إلى “داعش” ومثيلاتها من التنظيمات المتطرفة، ليست هي نفسها في البلدان العربية، من جانب، وفي البلدان الأوروبية، من جانب آخر، بل هي تتباين ما بين بلد عربي وآخر، ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى. ومع ذلك، فإنه فضلا عن المجال المفتوح منذ عقود لأفكار التطرف، ثمة خيطان يربطان بين هذه الأسباب، وهما انتفاء التعدد والأفكار المطلقة.
تعدد الأفكار وثراؤها وحرية تطويرها والتشديد على طابعها النسبي تخلق البيئة التي يغرق فيها التطرف ويذوب أثره العدمي.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫3 تعليقات

  1. كل الذي ذكر في المقال أسباب كلنا نتلمسها هذا التنظيم ورائه قوة دوليه هيا بريطانيا امريكا اسرائيل لديها كل الإمكانيات والأدوات لتخرج الف تنظيم مماثل هناك مشروع ظخم للمنطقه اعادة تقسيم جديد إعطاء دور لكل الأعراق والديانات والمذاهب على حساب العرب السنه ومن هذا يعمل العرب السنه بوعي أو دون وعي برد فعل عنيف ضد كل المكونات الغير عربيه سنيه فترا شبابهم من النساء والرجال يتدافعون للدخول في مثل هذي التنظيمات ظنن منهم حرب دفاع مقدسة ورد عن كرامتهم التي يعتقدون ثلمت على يد اليهود تارة ويد الأعراق والمذاهب تارة اخرى فهم يتخبطون ويعلنون عدائهم لحكامهم وشركائهم في الأوطان غير مبالين بالنتائج حتى اصبح هذا التنظيم قيادة امريكا وا وقدوة العرب السنه وشرة على كل من يعتقد يخالفه في شيء وقانا الله شرة

  2. الشاب المسلم ينضم لداعش لممارسه الجنس بجهاد النكاح مع المجاهدات في حياته ومع حور العين بعد مماته.

    1. جهاد النكاح تاليف واخراج قناه لبنانيه لمُذيع الجزيزه المطرود غسان بن جدو وما العن من هذه القنوات الا اصحابها .
      طيب يا سيد فهد واللي منظمين لداعش من الدول الاوروبيه ! هل هم لممارسه الجنس مع النساء ايضاً ؟؟
      والله يا فهد دير بالك لا يلقطك داعشي ويخليلك اياها ربابه 🙂

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *