جهاد الزين – النهار اللبنانية

بين النصوص الجادة العديدة التي قدّمها مشاركون في مؤتمر”من أجل سوريا ديموقراطية ودولة مدنية” الذي انعقد الأسبوع المنصرم في جنيف لفت نظري نصّان من “لَوْنَيْنِ” ثقافيّين سوريّيْن مختلفيْن بل من حساسيّتيْن مختلفتين في الثقافة السياسية جديريْن برصدٍ بل باهتمامٍ خاص.

الأول هو الخطاب الذي ألقاه الشاعر أدونيس والثاني ورقة الشيخ رياض درار.
في الحقيقة خطاب أدونيس بل جملةٌ واحدةٌ فيه هي التي تستوقف لأنها كفيلةٌ بأن تفتحَ على مدىً جديدٍ في النظرة إلى إحدى الموضوعات الكبيرة في تاريخ الثقافة السياسية العربية والمسْلمة!
هذه الجُملة هي التالية: … الدولة العربية الأولى في دمشق التي أنشأها معاوية وحملت البذورَ الأولى للثقافة المدنية وكانت النواةَ الأولى للفصل بين الدين والدولة، أو لإعطاء “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”…
كلام لافتٌ جدا على المستوى الثقافي حين يصدر عن شخص من وزن أدونيس في السجال المعاصر حول الثقافة العربية وتحديدا الدينية.
فلو حمَلْنا هذه الجملة كعنوان لَصَلُحَتْ لنقاش غير مألوف بين المفكّرين العرب (وليس المستشرقين؟) من شأنه أن يعيد النظرَ في الكثير من المسلّمات حول الدولة الأموية التي هي تقليديا موضع إهمال وتشكيك من الفكر السلفي السني الذي يحصر الشرعية الدينية والسياسية والأخلاقية بـ”الخلفاء الراشدين” في صدر الإسلام ومن الفكر الشيعي التقليدي الذي بالإضافة إلى اتفاقه مع “المذاهب الأربعة” السنيّة على عقيدة “الخلافة الراشدة” يرفض أصلا أي شرعية للدولة الأموية. لهذا ينمُّ هذا التقييمُ الأدونيسيُّ عن شجاعة متعددة المستويات في إطار الحساسيات الدينية العربية والإسلامية من جهة، ويحرّض في الأوساط العلمانية على تفكير تجديدي في النظرة إلى المفاهيم والتراتبيات التي فرضَتْها الثقافة السياسية الشائعة من جهةٍ ثانية.
كل هذا في جُملةٍ واحدة بل في جزءٍ من جملةٍ أطول(¶)!
يرى إذن صاحب “الثابت والمتحول” و”الكتاب” (الذي هو تأريخٌ شِعريٌّ لـ”الفتنة” الاسلامية الاسلامية أو كما يقول هو فيه: “آهِ من ذلك اليومِ الْذي أصبحَ تاريخَنا كلَّهُ”)… يرى أن معاوية من دمشق هو أول مؤسّسٍ لدولة فصل الدين عن الدولة في الإسلام… وبهذا المعنى فإن دمشق هي مهد أول فصل للدين عن الدولة في التاريخ الإسلامي وأن معاوية هو رائد هذا التحول… ويختار، ليقول ذلك، مؤتمراً في قلب الصراع الضاري الدائر حاليا في كل سوريا كجزء من حرصه على تقديم نفسه في الإطار الثقافي للهموم السورية والعربية وليس في محض السياسة حتى لو كان في لُجّتها.
لسنا هنا في مجال موافقة أو معارضة مقولة أدونيس الأُمَوية ولكننا نسجّل أهميّتَها ونفكّر فيها في الآن معا.
النص الثاني في مؤتمر جنيف المشار إليه والذي يستحق التوقف هو ورقة الشيخ رياض درار الذي لم أستفد فقط من الاستماع إليه بل سُعدتُ أيضاً بالتعرّف عليه. أما هو فإمام مسجدٍ سابقٌ في دير الزور وسجينٌ سابق في سجون النظام لبضع سنوات ولم يكن يوما عضوا أو مؤيدا لـ”الإخوان المسلمين”. وأما نصّهُ فهو مرافعة من شيخ مُسْلمٍ (سنّي طبعاً) ضد “الفكر التكفيري” وضد فكر سيد قطب تحديدا الذي يقول الشيخ درار عنه في نصّه:”سيد قطب لم يكن فقيها ولا رجل عِلْمٍ في الدين إنما هو رجُلُ أدبٍ وبلاغةٍ تناولَ النصَّ الدينيَّ وفق رؤيةٍ سياسية… وربما هذا هو منبعُ الإعجاب الذي قاد إلى تَمَحْوُرِ الكثيرين حول كتابه “في ظلال القرآن” وبيانه الساحر…”.
والشيخ درار إذْ يكشف “الميثاق”الذي “تعاهد” عليه “الكثير من الكتائب المسلّحة” وأسماءَ قادتِها والمتضمّنَ السعيَ لإسقاط مشروع الدولة المدنية الديموقراطية وإقامة “خلافة إسلامية” يكتب أن “الناشطين الإسلاميين في سوريا بتشدُّدِهم ضد الحل الديموقراطي يساهمون في تأخُّرِ الإسلام ودخولِه العصر” إلى أن يُنهي ورقتَهُ بالتالي:”إن مراجعة الإرث التاريخي الفقهي ضرورةٌ هامةٌ للخروج من هالة القدسية التي رُسِمتْ للرجال على حساب النص وضرورة إعمال العقل والنقاش المفتوح بدلاً من تكريس ثقافة الأمر الواقع وثقافة الإقصاء والاستبعاد فلا بد من حسم القضايا المتعلّقة بالمرأة والرق والإماء والزواج من القاصرات وتعدّدِ الزوجات وقضية الجزية وحكم المرتد والعلاقات مع الأديان الأخرى والتعدّد المذهبي…”.
إذا كانت كل هذه القضايا التي يعدِّدُها شيخُنا هي التي تشكِّل الشُغلَ الشاغل للسلفيين الجهاديين والسلفيين في كل المذاهب ً… فلنتصوّرْ أين نحن جميعا وفي أي جحيم؟
ما يمكن أن يُضاف في هذه العجالة على إشارة أدونيس أن هذه الرؤية للدولة الأموية تسمح، إذا صحّتْ، بما يمكن أن يُصبح أساساً سياسياً مبكراً لمفهوم فصل الدين عن الدولة في المجتمع الديني – كما هي في عصرِنا الدولةُ “المؤمنة” دينياً في الولايات المتحدة الأميركية التي تفصل الدين عن الدولة تبعاً لمصطلح “السيكولارية” الذي هو اشتقاق أنغلوساكسوني لمعنى الفصل مُتمايزٌ عن اصطلاح “العلمانية” الفرنسي الحامل لمعنى أكثر تناقضا بين قطبيْ ذلك الفصل.
هذا تحت “قبعة” أدونيس أما تحت “عمامة” رياض درار فموقفٌ مع الدولة المدنية يعيد الاعتبار لنمط من رجال الدين “غير الدينيين” في النظرة السياسية وهو نمط كان هو السائد والأقوى في مصر وبلاد الشام والمغرب في الزمن الذهبي لليبرالية العربية في النصف الأول من القرن العشرين وعقد أو عقدين تَلَيَاهُ قبل أن يبدأ النمط الديني الأصولي بالسيطرة على الموقف الديني في العقود الأخيرة. ولا يمكن تصوّر بناء دول ديموقراطية مدنية في بلداننا بدون إعادة الاعتبار له.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫5 تعليقات

  1. ههههههههه
    لايمكن مقارنة الطلقاء بالسابقين الاوائل فيكفي عليا عليه السلام فخرا انه قاتل اخ معاوية وخاله وجده نصرا لدين الله … بينما معاوية بماذا يفخر لاشيء الا قول رسول الله صلى الله عليه واله له لامثاله اذهبوا فانتم الطلقاء اي كان بامكانه ابقائهم عبيدا له ولاله عليهم السلام

  2. وهذه قصيدة تقارن مابين معاوية وعلي عليه السلام لاحد شعراء الشام من خلال مخاطبته لمعاوية , فعلي سهم من مرامي الله على اعدائه …..كلما مرت الاعوام مجده يعلوا ومزاره يعمر اما معاوية فما قبره الا خربة وما بقى من قصوره شيء … استمعوا معي لابيات شاعرنا الشامي وهو محمد مجذوب السوري

    أين القصور أبا يزيد ولهوها *** والصافنات وزهوها والسؤددُ
    اين الدهاء نحرت عزته على *** أعتاب دنـــيا زهوهــــا لا ينفدُ
    آثرت فانيها على الــحق الذي *** هو لو علمت على الزمان مخلدُ
    تلك البهارج قد مضت لسبيلها *** وبقيت وحــــدك عبرة تتجــــددُ
    هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه *** لا سال مدمعك المصير الأسودُ
    كتل من الترب المهين بخربــــةٍٍ *** سكـــر الذباب بها فراح يعربدُ
    خفيت معالمـــــها على زوارهــا *** فكـــأنها في مجهــل لا يقصــدُ
    والقبة الشمــــاء نكـــس طرفهــا *** فبكــــل جزء للــــفناء بهـــا يدُ
    تهمي السحائب من خلال شقوقها *** والريح فـــي جنـــباتها تــترددُ
    وكذا المصلى مظـــــلم فكــــــأنه *** مــــذ كان لم يجـــتز به متعـــبدُ
    أأبا يزيد وتلك حكـــــمة خاــــلق *** تــــجلى على قلب الحكيم فيرشدُ
    أرأيت عاقبة الجــــــموح ونزوة *** أودى بـــلبك غّــــيها الترصــــدُ
    تعدوا بها ظلما على من حــــــبه *** ديــــن وبغضتــه الشقاء السرمدُ
    ورثت شمائـــــله بـــــراءة أحمد *** فـــيكاد من بريــــده يشرق احمدُ
    وغلــــوت حتى قد جعلت زمامها *** ارثــــا لكــــــل مـــدمم لا يحمدُ
    هتك المحــــارم واستباح خدورها *** ومضى بـــغير هــــواه لا يتقيدُ
    فأعادها بعد الــــهدى عصــــــبية *** جــــهلاء تـــلتهم النفوس وتفسدُ
    فكأنـــما الأســـلام ســــلعة تــاجر *** وكــــــأن أمــــته لآلــــك أعـــبدُ
    فاســــأل مرابض كربلاء ويثرب *** عن تــــلكم الــــنار التي لا تخمدُ
    أرسلت مارجـــــها فـــــماج بحره *** أمـــــس الجـــدود ولن يجّنبها غدُ
    والزاكـــيات من الدمــــــاء يريقها *** بــــــاغ على حرم الــــنبوة مفسدُ
    والطاهرات فديــــــتهن حواســـرا *** تـــنــثال من عـــبراتهن الأكـــبدُ
    والطــــيـبـيـن من الصغار كـــأنهم *** بـــيض الزنابق ذيد عنها الموردُ
    تشـــــكو الظــــــما والظــــــالمون *** أصمهم حقد أناخ على الجوانح موقدُ
    والذائــــــدين تبعـــثرت اشـــلاؤهم *** بــــــدوا فثمة معصــــــم وهنا يدُ
    تطأ السنابـــــــك بالظــــــغاة أديمها *** مثــــل الكتاب مشى عليه الملحدُ
    فعلــــــى الرمــال من الأباة مضرج *** وعلى النــــياق من الهداة مصفدُ
    وعلى الرماح بقّـــــية من عابـــــــد *** كالشمس ضاء به الصفا والمسجدُ
    ان يجهــــــش الأثــماء موضع قدره *** فـــلقــد دراه الراكـــــعون السّجدُ
    أأبا يزيد وســـــــــاء ذلك عـــــــثرة *** ماذا أقول وباب سمعــــك موصدُ
    قم وارمق النجف الشريــــف بنظرة *** يرتد طرفك وهو بـــــــــاك أرمدُ
    تلك العظــــــــام أعز ربك قــــدرها *** فتـــــكاد لولا خــــــوف ربك تعبدُ
    ابدا تباركــــــــها الوفــــــود يحثــها *** من كــــــــل حدب شوقها المتوقدُ
    نازعـــــتها الدنـــيا فـــفزت بوردها *** ثم انقــــضى كالحــــلم ذاك الموردُ
    وسعت الى الأخــــــرى فخلد ذكرها *** في الخالديــــن وعطف ربك أخلدُ
    أأبا يزيد لتـــــلك آهــــــــــــة موجع *** أفــــــــــضى اليك بها فؤاد مُقصدُ
    أنا لســـــــــت بالقالي ولا أنا شـامت *** قـــــــلب الكريم عن الشتامة أبعدُ
    هي مـــــــــــهجة حرى اذاب شفافها *** حــــــزن على الاسلام لم يك يهمدُ
    ذكرتـــــــــــــها الماضي فهاج دفينها *** شمل لشعب المصــــــــطفى متبددُ
    فبعـــثته عتـــــبا وان يـــــك قاســـيا *** هــــــــو في ضلــوعي زفرة يترددُ
    لم اســـــتطع صـــــبرا على غلوائها *** أي الضلـــــوع على اللضى تتجلدُ

  3. الرأيين جيدين مادام فيهما خيرالبلد وهو لا يصدر الا عن العقلاء

  4. ان الذين ينادون بدولة ديمقراطية مدنية او علمانية والذين يقولون اعط مالقيصر لقيصر واعط مالله لله , والذين يدعون الانفتاح والعقلانية وان الدين لله والوطن للجميع . انما هم في ضلال مبين , كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا . هؤلاء ليس من همهم شيئ الا جلب المديح لانفسهم والشهرة السريعة واثارة الجدل . بينما تطرف اعينهم ونظرهم مائل لاستعطاف الغرب واستمالته يرجون مقعدا في المقدمة على مائدة اللؤماء . نسوا الله فانساهم انفسهم .
    في ظل الدين الاسلامي لا يوجد منطق ابدا يقول الدين لله والوطن للجميع . ولا يصح ولايصلح ان تقوم دولة مدنيات وعلمنة واهلها مسلمون . الدولة التي تقوم على هذا الاساس يجب ان يكون اهلها بلا دين ولا عقيدة ولا شرع ولاحاكمية لله .
    فالمسلمون لا ينضوون تحت شعارات العلمانية والمدنية انما يحكمهم شرع الله ويقودهم الايمان بالله . في ظل الاسلام وفي ظل الحاكمية لله توجد ديمقراطية معتدلة متوازنة ويوجد اخاء وتكافل اجتماعي وحريات مقبولة وحقوق محفوظة , الدين لله والوطن لله والله رب العباد اجمعين .
    في القرن الفائت لم يستطع احد ان يعبر على الوجه الامثل عن صراع الحضارات وتداعي سائر الامم على الامة الاسلامية وافراد الحكم المطلق لله كما عبرعنه سيد قطب وحسن البنا رحمهما الله , ولم يجار احد سيد قطب في تبيانه لحقيقة الايمان والربوبية والعبودية . انما كان يدعو لنعيش في ظلال القرآن .

  5. يكفيكم كلاماً :

    خبطة قدمكن عالأرض هدارة
    إنتوا الأحبا وإلكن الصدارة
    خبطة قدمكن عالأرض مسموعة
    خطوة العز وجبهة المرفوعة
    ويا حلوة اللي عالحلى عم توعى
    عنقك العقد وإيدك الإسوارة

    المناضل®…المغترب! سابقاً

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *