سوسن الأبطح – الشرق الأوسط

طرابلس هي التحدي الأكبر الذي تواجهه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. المعارك الضارية التي دارت لمدة أسبوع في ضواحيها الشمالية لا تشبه سابقاتها. هذه المرة العاصمة اللبنانية الثانية تنزلق بقوة نحو الهاوية السورية. التصريحات السياسية على الرغم من مواربتها ونفاقها، تشي بأن السياسيين يدركون خطورة اللعبة ومدى كارثيتها. قذائف الهون دكت قلب المدينة وأحياءها الراقية، ليهب المجتمع المدني مهددا بعصيان مدني إن لم تعد طرابلس إلى الخارطة اللبنانية، رافضين أن يعاملوا كـ«أولاد جارية» في ما يعيش «أولاد الست» حياتهم الرغيدة، وأعيادهم المجيدة.

الخلافات والاشتباكات بين جبل محسن ذي الغالبية العلوية وباب التبانة السنية الطابع، تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، لكنها اليوم باتت موضع استغلال بشع من طرفي النزاع في سوريا، ولكل طرف أدواته اللبنانية وأسلحته وأكاذيبه.

ومع إحساس مقاتلي باب التبانة بأن النظام في سوريا صار آيلا إلى السقوط، وبعد تأجج الغضب من نصب كمين لعشرين شابا لبنانيا ذهبوا للقتال في سوريا، قضى غالبيتهم نحبه، اشتعلت المعارك الضارية في لبنان، وكأنما الانتقام من بشار الأسد ممكن في طرابلس عبر إخضاع حلفائه العلويين.

قرر مقاتلو باب التبانة، يساندهم إسلاميون متشددون جاءوا لنصرتهم من مناطق شمالية أخرى، ومعهم سوريون معارضون أيضا، اقتحام جبل محسن، حليف النظام السوري، وشنوا أكثر من هجوم، في حرب دامت عدة أيام، لتسجيل أول انتصار على حزب الله وحلفائه. لكنه أمر ممنوع في لبنان – بحسب أحد مشايخ باب التبانه – لأن أي مذبحة تطال أي أقلية، لا تسكت عليها الطوائف الأخرى. لم يكتم المقاتلون رغبتهم في دخول الجبل وإنهاء ما يسمونه «عصابة آل عيد» والانتهاء منهم إلى الأبد. وهو ما يعني على الأرض مجازر طائفية علوية – سنية، لا يمكن لأحد احتمال عواقبها. تصدى الجيش اللبناني للهجمات المتكررة، فاصلا بين الطرفين. في المقابل شن مقاتلو جبل محسن حربا بالصواريخ على طرابلس، لتطال قذائف الهون قلب المدينة وتقتل كل نبض فيها، كما استشرسوا في استخدام القنص لشل الحياة في أي حي تطاله بنادقهم.

التورط حتى النخاع في الحرب السورية جعل باب التبانة تنقسم على نفسها. اجتماع مقاتلين سلفيين في أحد مساجدها ومبايعة أمير عليهم معروف بسلوكه الجهادي، يتولى قيادتهم العسكرية، مع التعهد باقتلاع الحزب الذي يقود جبل محسن، ودخول المعارضة السورية على الخط، دفع ببعض المشايخ ومنهم سلفيون، إلى رفض المعارك ومطالبة الحكومة بحبل نجاة، في أسرع وقت.

على هؤلاء المشايخ، وبعد أن أنهكت الأطراف اقتتالا، اعتمدت الحكومة في تدابيرها الاستثنائية التي أوقفت القتال. ثلاثة ألوية وما يقارب ستة آلاف جندي، قيل إنهم سيتولون أمن طرابلس والمناطق الساخنة. وهو عدد هائل لمن يعرف المساحة الصغيرة لمنطقتي جبل محسن وباب التبانة، لكن الزواريب المتفجرة فقرا وبؤسا، وعدد المقاتلين الجهاديين المستعدين للاستنفار في أي لحظة، يجعل المهمة صعبة. لذلك اعتبر الوزير فيصل كرامي أن التدابير المتخذة أشبه بـحبة «بنادول»، وقرر رئيس الوزراء نجيب ميقاتي استكمال المصالحة بين المنطقتين. وسمعنا للمرة الأولى زعيم جبل محسن رفعت عيد يقول إنه يقبل «تسليم السلاح مقابل ضمانات للطائفة العلوية».

لم يخف رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن «ما يحدث في طرابلس هو انعكاس لما يجري في سوريا»، وهذا هو ما يجعل بعض المقاتلين في باب التبانة يحجمون عن المشاركة في القتال، على اعتبار أن القضية لم تعد قضيتهم. وقال أحد أئمة المساجد النافذين إنه «بات على المقاتلين أن يخجلوا من توريط الأهالي بمعارك عبثية لا تعنيهم».

طرابلس تغرق في الوحل السوري. إذ لم يعد نادرا أن تسمع أبا يتحدث عن ابنه الذي ذهب للقتال في سوريا. كما لم يعد غريبا أن تلتقي بمعارضين سوريين في طرابلس يحدثونك عن رفضهم لبعض ممارسات الجيش اللبناني، دون أن ينتبهوا إلى أن كلامهم يثير حساسية أو إزعاجا لأحد.

الحرب السورية بأبعادها الإقليمية، انتقلت إلى طرابلس. التسلح المتمادي لدى الطرفين، مع التجييش المذهبي، الذي يمتد من المدينة مرورا بعكار والضنية وصولا إلى سوريا، يشي بأن ثمة مساحة جغرافية كبيرة باتت مفخخة بالألغام المعدة للتفجير.

طرابلس أنهت الجولة الرابعة عشرة من المعارك، والحكومة مصممة على أن تجعلها الأخيرة. وهو حزم يحتاج إجراءات تضرب عرض الحائط بكل المحسوبيات السياسية، والحسابات الانتخابية الضيقة والانتهازية. ثمة مقاتلون مطلوبون للعدالة، وآخرون يهربون السلاح، وغيرهم يخالفون القوانين في كل لحظة. الأجهزة الأمنية تعرف كل شاردة وواردة، هناك غض طرف واضح لتفادي صدامات مع فئات يدعمها هذا الطرف أو ذاك. الوضع على شفير هاوية. إما القبضة الحديدية أو حرب بلا هوادة لن تنتظر سقوط النظام في سوريا كي تشتعل. أما بعد سقوط النظام، فالانفجار لا يتهدد طرابلس وحدها. ولم يعد الجهاديون وبعض مشايخهم يتحفظون عن القول: «ليس هذا وقت القتال في سوريا، علينا أن نحفظ ذخيرتنا من الشباب لمعركتنا مع حزب الله، بعد سقوط بشار الأسد».

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫26 تعليق

  1. لو سكان جبل محسن تصرفوا على أساس إنهم لبنانيون بالدرجة الأولى لتغير الكثير هناك ٠٠لكن عندما يصبحون محمية عسكرية تعمل لمصلحة من زرعهم ليكونوا شوكة سيظل الصراع معهم الى حين ٠٠

  2. لو كنت رئيس لبنان لنقلته الى قبرص و ما وراء قبرص بعيدأ عن مملوك و مالكه و المالكي و كل هالحظيرة الاسدية المعفنة..

  3. عندما تقطع رؤوس الفتن كالأسير والحريرى والاسلامويين الذين يملئون ساحات طرابلس سيعيش أهالى تلك المناطق في أمان اما مع وجود هؤلاء الامعات فالله فقط الذى سيستر …………….الجزائر

      1. اذا اتتكى مذمتى من ناقص فهى الشهادة لى بأنى كامل ………………الجزائر

        1. الأخ كمال الأخ لايف أو الأخت مش هي لايف تايم …أي أنا…أنا كان إسمي لايف تايم وغيرته لسعاد …حبيت أوضح لك لتتشابه عليك الأمور…لأنه في شخص سألني إذا أنا صاحبة أحد التعليقات بتاع لايف…

          1. هااااها عادى يا سعاد فأنا اصلا لم اشك فيكى تحياتى ………….الجزائر

  4. أ إلى هذه الدرجة الوضع متأزم في لبنان.. قذائف هاون بين أبناء الشعب الواحد.. إن لم نرحم أنفسنا .. فكيف لنا أن نطلب الرحمة من الآخرين.. كل مرة أقرأ فيها خبرا عن إقتتال أبناء شعب واحد في أي مكان من الدول العربية..إلا ويكون أبطالها شيوخا..متى يتعلم هؤلاء أن مهمتهم ليست التفتين و إنما لم الشمل.. متى يتعلم هؤلاء أن دين الإسلام دين توحيد و ليس تشتيت.. متى يخاف هؤلاء إنتقام الله .. ثم والأهم..متى تتعلم الشعوب العربية من خطأ إقتيادها وراء شطحات الشيوخ القاتلة.. متى يتعلم شبابنا أن قوتنا في توحدنا.. سبحان الله..أغبى الشعوب هي الشعوب العربية.. والمشكلة أننا أغبياء بإرادتنا.. كلنا نعرف المثل القائل “فرق تسد”.. ومع ذلك نسعى دائما التفرقة ..

  5. وينك و وين اراضيك يا مغترب ؟؟كيف الأحوال عندكم ان شا الله تتحسن ،..
    غيبت غيبت و راجع باستفهام يا أخي ظنيت بعد ها الغيبة ما راح تسكت من الكلام ؟؟؟ ع سلامتك !!!

    1. ستار رجعتي لاصلك… أهلا بهالطلة أهلا ، أهلا بهالعين الكحلة ضحكتلك وردات الدار وقالتلك أهلا وسهلا….

      1. هههههه ضحكتيني مودي ترحيب فريد من نوعه حبيته ههههه
        انا أطل بالاسمين معا حتى ما تنسوني ههههه كيفك يا شقية عساك بخير …

        1. الله يشفيها مودي مسكينة لسة صغيرة ما تستحمل الله معها و يعينك عليها اعطيها سوائل كثير و ما تخليها تروح للحضانة لو عندها حضانة …. الله يشفيها و يعافيها يا رب

          1. شكرًا ستار هيي ما تروح عالحضانة تبقى معي … انا ما بحط الأولاد بالحضانة قبل السنتين ونصف…

          2. برافو مودي انا مثلك كمان لا حضانة و لا بيبي سيتر ابني راح لها على عمر الأربع سنوات . و عملاله early preschool

  6. الله يشفي بنتك ويخليها لك يا مودي وتشوفيها في أحسن حال دائما ……..يا رب

  7. سلام من صبا بردى أرق *** ودمع لا يكفكف يا دمشق
    ومعذرة اليراعة والقوافي *** جلال الرزء عن وصف يدق
    وذكرى عن خواطرها لقلبي *** إليك تلفت أبدا وخفق
    وبي مما رمتك به الليالي *** جراحات لها في القلب عمق
    دم الثوار تعرفه فرنسا *** وتعلم أنه نور وحق
    بلاد مات فتيتها لتحيا *** وزالوا دون قومهم ليبقوا
    وللحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة يدق
    جزاكم ذو الجلال بني دمشق *** وعز الشرق أوله دمشق

  8. شكراً لك أيها التلحمي … أحييك
    أنا في دمشق بركان النار أدعو الله عز وجل أن تخمد هذه النار لنبني من جديد وهيهات أن نستطيع فعل ذلك.

    1. يا أخي مغترب الله يحييك , لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *