عمر حبنجر- بمراجعة السجالات السياسية والإعلامية المتصلة بتعثر تشكيل الحكومة اللبنانية وما رافقها من تحديات وحتى تمديدات، لفت اليها آسفا الرئيس ميشال سليمان شخصيا، يتبين ان التفجير الاغتيالي والذي ذهب بأحد أركان تيار المستقبل، الوزير السابق للمال والمستشار السياسي الدائم للرئيس سعد الحريري، د.محمد شطح في بيروت صباح امس الجمعة، ليس مستغرب الوقوع، وان كان الاستغراب يتناول اختيار الجناة للوزير الديبلوماسي المنفتح والمعتدل والعاقل ليكون دمه الكابح لجماح قوى 14 اذار في توجهاتها السيادية، وتصلبها الحكومي، وتمسكها بإعلان بعبدا، النائي بلبنان عن التبعية للمحاور الإقليمية والأزمة السورية.People look as a body, believed to be that of Mohamad Chatah, lies next to a burning car in Beirut

لماذا محمد شطح الذي وصفه سعد الحريري بغصن كبير في شجرة رفيق الحريري سقط أمس؟ هل قال ما لا يجوز قوله في أي وقت؟ أم هل كان ينوي ان يقول ما لا يجوز قوله لقناة «المستقبل» في برنامج عن المحكمة الدولية؟

الراجح ان د.شطح كان الى جانب كل ذلك الهدف السهل الذي يصعد الى جانب السائق في سيارته، بلا موكب وهمي ولا حراسة أمامية أو خلفية، ولقد أعاد اغتياله بهذه الطريقة تذكير اللبنانيين بموجة الاغتيالات الكبرى التي اجتاحت لبنان، بدءا بالنائب مروان حمادة في مثل هذه الأيام من اواخر سنة 2004، لكن حمادة نجا بأعجوبة، وقيل يومها ان اختيار مروان كان بمنزلة رسالة، ولكونه هدفا سهلا امنيا، وهذا ما قيل امس، ان اختيار شطح رسالة ولكونه هدفا سهلا امنيا، حمادة رسالة الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وشطح رسالة إلى الرئيس فؤاد السنيورة، الذي قيل ايضا ان موكبه كان يمر في المكان او سيمر في المكان عينه.

المرعب في الامر ان محاولة اغتيال حمادة كانت البداية بسلسلة اغتيالات تناولت الى جانب الرئيس الحريري نحو 25 شخصية لبنانية سياسية وفكرية وإعلامية ودينية والخشية الآن ان يكون اغتيال الوزير السابق شطح، بداية لمسلسل جديد، بهدف فرض الفراغ على المؤسسات الدستورية من تشكيل الحكومة الى عدم اجراء انتخابات رئاسية.

آخر كلام في السياسة للدكتور شطح صدر صباح امس وقبل ساعة من تفجير سيارته حيث وجدت تغريدة له على «تويتر» كانت الاخيرة وفيها بالحرف: ان حزب الله يهول ويضغط ليصل الى ما كان النظام السوري قد فرضه على لبنان مدة 15 عاما، وهو تخلي الدولة له عن قرارها السيادي في الامن وفي السيادة الخارجية.

وفي هذا السياق يقول الاعلامي علي حمادة ان مندوب حزب الله الى مؤتمر «سان كلو» الحواري في فرنسا، قال ان الحزب اصبح الناظم الامني في البلد بعد الانسحاب السوري.

وبالعودة الى الوقائع تبين ان شطح كان متوجها الى بيت الوسط لحضور اجتماع استكمال البحث بتنفيذ مندرجات اعلان طرابلس، وكان الرئيس فؤاد السنيورة، ونائب رئيس المجلس فريد مكاري اول الواصلين الى مكان الاجتماع، ومعهم عدد من النواب والشخصيات، وإذ عند التاسعة والنصف تماما دوى انفجار هائل على مدى النظر من المكان، وهرع الدفاع المدني والصليب الاحمر، الى حيث انتصب عمود من الدخان الاسود في سماء الوسط التجاري من بيروت.

مسرح الجريمة كان الطريق الممتد امام مجمع ستاركو حيث تناثرت السيارات اشلاء على اتساع الشارع المزدوج المسلك، لم يكن في المكان مبنى رسمي يمكن استهدافه، ومع نفي هذا الامر رجحت المعلومات ان تكون ثمة شخصية مستهدفة، وسرعان ما اتجهت الانظار الى بيت الوسط، حيث الفعاليات الطرابلسية على موعد لقاء لمتابعة احتياجات عاصمة الشمال، ولم يطل الوقت حتى استدل على هوية هذه الشخصية من بطاقته التي وجدت على الارض قرب سيارته.

وتبين أن سيارة مفخخة يابانية الصنع رباعية الدفع وتحمل لوحة رباعية الأرقام، تبين انها مسروقة منذ مدة.

أجواء الحزن والهلع خيمت على بيت الوسط فالدكتور شطح مفكر سياسي وخبير اقتصادي وطاقة ديبلوماسية واسعة العلاقات، ودون تفكير طويل بمن يكون المخطط أو المنفذ، جرى استعراض سريع للوضع، وكان اجماع وفق معلومات «الأنباء» على ان ثمة خطأ حصل في إعلان موعد الاجتماع في بيت الوسط قبل انعقاده، بدليل ان التحقيقات الأولية أثبتت ان السيارة المفخخة مركونة في مكانها منذ يومين، والإعلان عن الموعد تم قبل يومين.

وفي قراءة سريعة أجمع المجتمعون على ان نية القاتل، القول لسعد الحريري ابق حيث أنت، وإلا عليك بالإذعان.

حصيلة الانفجار بلغت 6 قتلى ونحو 75 جريحا، فضلا عن تدمير عدد من السيارات، اضافة الى واجهات المباني المجاورة. والى جانب الوزير شطح تم التعرف على جثمان مرافقه طارق بدر، والمواطن محمد منصور العامل في شركة أمنية بالمكان.

على صعيد ردود الفعل قال رئيس كتلة «المستقبل» النائب فؤاد السنيورة في بيان لقوى 14 آذار بعد اجتماعها في بيت الوسط، ان القاتل لم يشبع من دماء أبطال لبنان أبطال ثورة الأرز أبطال الحرية والاستقلال، وأشار الى ان القاتل هو نفسه الذي يوغل في الدم السوري واللبناني، هو نفسه من بيروت الى طرابلس وكل لبنان، القاتل نفسه هو وحلفاؤه اللبنانيون من درعا الى حلب ودمشق وكل سورية.

ولفت الى ان «الرسالة المكتوبة بالدماء قد وصلت وجوابنا الى العالم الى العرب واللبنانيين وأهالي طرابلس وبيروت، لافتا الى ان «لبنان الحرية والكرامة والعيش المشترك باق والطغاة الى زوال».

ودعا اللبنانيين الى ألا يخافوا ولا يتراجعوا، فالمجرم هو من يجب ان يخاف لأن الحق خلفه وسيدركه، وسيبقى لبنان لكل اللبنانيين بلد التفاهم والعيش المشترك، لبنان لن يكون للقتلة ولا للمجرمين وسيبقى لبنان مطالبا «بتحويل ملف هذه الجريمة الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان».

وصدر العديد من بيانات الاستنكار للجريمة، في طليعتها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي ندد بالجريمة الإرهابية التي أودت بالوزير السابق محمد شطح، الشخصية الحوارية المعتدلة، معتبرا أن هذا العمل الجبان ومهما كانت الرسائل التي يحملها ويوجهها لن تزيد اللبنانيين إلا إصراراً على الحفاظ على بلدهم واحة سلام واستقرار وحوار في وجه الإرهابيين الذين لا يعرفون سوى القتل والتفجير والتخريب وسيلة لإثبات وجودهم.

وإذ أبدى الرئيس سليمان أسفه لسقوط الضحايا الأبرياء جراء هذا العمل الإرهابي فإنه دعا اللبنانيين، قيادات ورأيا عاما، إلى التضامن والتكاتف والمساعدة في تشكيل حكومة جديدة تتولى مسؤولياتها الوطنية في هذه المرحلة، لافتا إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه يضع الجميع أمام مسؤولياتهم وأمام التاريخ الذي لا يرحم. وكان الرئيس سليمان ألغى كل مواعيد القصر الجمهوري أمس. كما أدان رئيس مجلس النواب نبيه بري اغتيال شطح، وأشاد بخصاله وبوطنيته ودعا اللبنانيون إلى الوعي بخطورة المرحلة.

من ناحيته، دان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اغتيال الوزير السابق محمد شطح، وقال: «إننا ندين هذا الاغتيال الذي استهدف شخصية سياسية وأكاديمية معتدلة وراقية آمنت بالحوار ولغة العقل والمنطق وحق الاختلاف في الرأي، كما ندين كل أعمال العنف والقتل التي لا توصل إلا إلى المزيد من المآسي والخراب والاضرار بالوطن».

ووصف مفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني عملية الاغتيال بأنها إعلان إجرامي عن بداية تفجير لبنان.

على الطرف المقابل اعتبر عضو كتلة «الوفاء» للمقاومة النائب علي عمار أن هذا الانفجار هو استهداف للسلم الأهلي والوفاق الوطني في لبنان، وطالب الدولة بكل أجهزتها إلى الاستنفار من أجل جلاء الحقيقة ومعرفة من قام بهذا العمل الإرهابي.

وعاهد النائب مروان حمادة الوزير السابق القتيل محمد شطح بالعمل بوصيته، وقال: لن نسمح لحزب الله بالتحكم في لبنان، وحزب الله لن يمر إلى الحكم في لبنان مهما حاول بالدم والدمار.

وأضاف في حديث تلفزيوني ان شطح كان من اول المنبهين لسياسات حزب الله، واغتيال شطح رسالة الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد مواقفه الاخيرة، وأشار الى ان الادلة التي ستعرض في المحكمة الدولية بعد 20 يوما ستكون واضحة في ملف جميع الاغتيالات منذ اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري.

بدوره، قال رئيس «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب ان الارهاب لن يستثني احدا على الساحة اللبنانية، والمطلوب تشكيل حكومة وحدة وطنية تريح الى حد ما الاجواء، وتستطيع تحصين لبنان من العمليات الارهابية التي شهدنا احداها اليوم، عبر استهداف الرجل الحواري المعتدل الوزير السابق محمد شطح.

كذلك دان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة تمام سلام جريمة اغتيال الوزير السابق محمد شطح، ووصفها بأنها عمل ارهابي يهدف الى ضرب الاستقرار وإيقاع الفتنة بين اللبنانيين، ويستدعي من اللبنانيين اقصى درجات الوحدة الوطنية.

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

  1. الوزير جنبلاط طالب السعودية بإجراء مباحثات مع إيران للتخفيف من الإحتقان الموجود في البلد

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *