الهند ،، فردوس مفقود آخر ،، ( 2 ) ..!!

بسم الله الرحمن الرحيم ..!!

في الموضوع السابق حدثتكم عن الجهود الفردية التي كانت تُبذل من التجار المسلمين في نشر الاسلام في الهند ..واليوم سنتعرف على جهود الدولة المسلمة في فتح الهند ..

بدأ التفكير في فتح الهند مبكراً ، وبالتحديد في زمن امير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، وذلك عندما فكّر واليه على البحرين ” عثمان بن أبي العاص الثقفي ” في ارسال جيش إلى الهند .. وبالفعل فقد أرسل جيشاً إلى ” تانه ” وعندما عاد جيشه أرسل إلى عمر رضي الله عنه يخبره بما فعل .. فكتب إليه سيدنا عمر ” يا أخا ثقيف حملت دوداً على عود ، وإني أحلف بالله أن لو أُصيبوا لأخذت من قومك مثلهم ” .

وليس من الصعب أن نتبين وجهة نظر سيدنا عمر ورفضه لما فعله واليه على البحرين .. فسيدنا عمر كان يعتبر نفسه مسؤولاً ليس فقط عن المسلمين .. وإنما حتى على الحيوانات وهو من قال ” لو أن شاة بشاطئ دجلة عرجت لخشيت أن يسألني الله عنها ” .. والمسلمون لم يكونوا يعرفون ركوب البحر ولا عهد لهم به ولا يعرفون المخاطر التي ربما ستواجههم فيه .. لذلك فإن سيدنا عمر ما كان يُريد أن يغامر بالمسلمين في ركوب البحر ويعرضهم للخطر .. بل إنه حتى ما كان يرضى أن يتقدم المسلمون في البر إلى أماكن بعيدة عن خطوط امدادهم حتى لا يتعرضوا للهلاك .. ولا يُلام سيدنا عمر في ذلك .. لأن ذلك كان من حرصه على المسلمين وعدم إيرادهم موارد التهلكة وهو يعتبر نفسه المسؤول عنهم أمام الله ..!!

وفي عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه لقيت الهند اهتماماً من الخليفة فأرسل من يتحرى له عن الهند ويستطلع خبرها .. إلا أنه لم يتم غزو لها في عهده .. وفي عهد سيدنا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه توجه إلى الهند ” الحارث بن مرّة العبدي ” بإذن من سيدنا علي فظفر وأصاب مغنماً وسبياً ..

وبقي المسلمون يطرقون أبواب الهند بحملات متقطعة وغير منظّمة حتى زمن الخليفة الأموي ” الوليد بن عبد الملك ” وواليه على العراق ” الحجاج بن يوسف الثقفي ” ، ففي زمن الوليد والحجاج بدأت الحملات المنظمة والقوية لفتح الهند .

بدأت تلك الحملات بحملة وجهها الحجاج يرأسها أحد قوّاده .. إلا أنها فشلت ولم تحقق أي نجاح ..فوجّه حملة اخرى وجعل على رأسها ابن أخيه الشاب ” محمد بن قاسم الثقفي ” وكان شاباً صغيراً لم يصل العشرين من العمر لكنه كان معروفاً بالصلابة والشجاعه ، سار محمد بن قاسم بجيشه من جنوب فارس قريباً من الساحل ، تلحقه السفن التي تحمل العتاد والمؤن .. وتوغّل القائد محمد في الهند .. وهو يُحرز الانتصار تلو الانتصار .. وكان ملك الهند حينها اسمه ” داهر ” ..واستمر محمد بن القاسم في تقدمّه ويهزم ولاة داهر في المدن والملك داهر لاه عنه ومستخف به .. حتى تلاقيا .. وكان داهر يركب فيلاً كعادة الملوك في الهند ..وما لبثت المعركة أن نشبت حتى  ولى داهر وجنده الأدبار وانهزموا ،، ثم تابع القائد محمد السير نحو الشمال وتقابله البلاد مستسلمة وطالبة الأمان حتى وصل إلى ملتان ، فجرى قتال بينه وبين أهلها انتهى بانتصار المسلمين

وفي الوقت الذي كان القائد ” محمد بن القاسم الثقفي ” ينتقل من نصر إلى نصر ، جاءه الخبر الذي سيضع حداً ونهاية لمسيرته المظفّرة ولانتصاراته الرائعه في الهند .. هو خبر وفاة عمّه الحجاج ..وبعده بقليل وفاة الخليفة ” الوليد بن عبد الملك ” .. وتولي الخليفة ” سليمان بن عبد الملك ” ..وكانت بين سليمان وبين الحجاج خصومة وعداوة قديمة ..ولأن الحجاج قد مات قبل تولّي سليمان الحكم .. فقد شفى سليمان غليله من ابن أخ الحجاج وهو القائد ” محمد بن القاسم الثقفي ” .. فعزله من مهمته .. ولم يكتفِ بذلك ، بل أرسله مقيداً بالسلاسل إلى سجنه في واسط .. حيث مات القائد ” محمد بن القاسم ” هناك .

وأنا واثق أنكم الآن تتألمون لمصير هذا القائد الشاب ذو الهمّة العالية ، والذي للأسف لم يشفع له بلاؤه في الهند ولا انتصاراته التي وسعت من رقعة الدولة الاسلامية .. للأسف كل ذلك لم يشفع له عند الخليفة سليمان فعزله وحبسه دون ذنب ودون جريرة .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..!!

ونحن نسمع صراخ القائد محمد وهو في سجنه ويتمثل قول الشاعر :

أضاعوني وأي فتىً أضاعوا …ليوم كريهة وسداد ثغرِ .

وهاهو أيضاً يرثي نفسه في سجنه ويقول :

فلئن ثويت بواسط وبأرضها .. رهن الحديد مكبلا مغلولا

فلرب قينة فارس قد رعتها .. ولرب قرن قد تركت قتيلا.

وما يُثير الاعجاب في شخصية هذا القائد المسلم ، ليس فقط شجاعته وانتصاراته الحربية .. وإنما حسن تدبيره وكياسته وتعامله في المدن المفتوحة ..وتاليف قلوب اهلها وكسب ودهم .. وهذه ميزة القادة العظام .

ثارت القلاقل في الهند بعد ما جرى مع القائد محمد بن القاسم .. مما اضطر والي السند إلى القتال من اجل استعادة بعض ما فتحه محمد بن القاسم من قبل ..حتى جاء زمن الخليفة ” عمر بن عبد العزيز” رضي الله عنه الذي كتب إلى ملوك الهند يدعوهم إلى الطاعة على أن يبقوا في مراكزهم لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم .. وكانت سيرة هذا الخليفة العادل قد سبقته .. لذلك استجابوا ، بل إن بعضهم قد أسلم .

وبقي الحال كذلك والياً ياتي ووالياً يذهب طيلة الخلافة الأموية .. ولما سقطت الخلافة الأموية وحلت محلها الخلافة العباسية بقي الأمر كذلك في السند التي خضعت للعباسيين أيضاً .. واستمر الأمر كذلك حتى ضعُفت الخلافة العباسية وبدات الأطراف تنفصل عن جسم الخلافة المركزية في بغداد ولو أنها بقيت تابعه لها اسمياً .. فانفصلت السند كذلك ، وقامت حينئذ إمارتان للمسلمين ، واحدة في الجنوب وعاصمتها ” المنصورة ” .. وواحدة في الشمال وعاصمتها ” ملتان ” ..وتوقفت الفتوحات  الاسلامية في الهند وبقيت بعيدة عن أي فتح اسلامي ، حتى طرق بابها قائد شجاع وسلطان همام كتب صفحة جديدة في تاريخ الهند وتاريخ الاسلام فيها .. من هو هذا القائد ؟ .. سنتعرف عليه في الموضوع القادم إن شاء الله ..!!

ولكم كل الود والورد 

أخوكم .. مـــأمون