إنَّ موت الأمم، وحياة الأمم لفظان مطروقان مستعملان في نصابهما من الوضع اللغوي، كموت الأرض بالقحط، وحياتها بالغيث، لا ينبو بهما ذوق ولا منطق ولا فهم، وإن معناهما لأوسع وأجل من معنى حياة الفرد، وموت الفرد، هذه حياة محدودة، وموت لا رجعة بعده إلاَّ في اليوم الآخر، وتلك حياة ممدودة الأسباب ينتابها الضعف فتعالج، ويُلِمّ بها المرض فتداوى، ويطرقها الوهن فتقوى، ويدركها الانحلال فتشد، ويعرض لها الانتقاض فترمم، وتظلم آفاقها بالجهل فتنار بالعلم.

طالما قال القائلون عن أمتنا: إنها ماتت، وطالما فرح الشامتون بموتها، وطالما نعاها نعاة الاستعمار على مسمع منَّا، وأعلنوا البشائر بموتها في عيدهم المئوي فَعَدَّوه تشييعاً لجنازة الإسلام الذي هو مَسّاك حياة هذه الأمة في هذا الوطن، فقالوا: ماتت لا رحمها الله، وصدقهم ضعفاء الإيمان منَّا فقالوا: ماتت رحمها الله، وقلنا نحن: إنها مريضة مشفية، ولكن يرجى لها الشفاء إن حضر الطبيب، وأحسن استعمال الدواء؛ فحقق الله قولنا، وخيب أقوال المبطلين وكذب فألهم، فحضر الطبيب في حين الحاجة إليه، وأذن بالإصلاح في آذان المريض فانتفض انتفاضة تطايرت بها الأثقال، وانفصمت الأغلال، وكان من آثارها هذا اليوم الذي لا يصوره الخيال والوهم، وإنما يصوره العيان والواقع.

فإذا بقي في الدنيا ممسوس، يكابر في المحسوس، ولا يصدق بوجود هذه الأمة، ولا يؤمن بحياتها – فقولوا له: تطلع من هذه الثنايا على قرية الحنايا، وقارن يومها بأمسها، يراجعك اليقين، ويعاودك الإيمان.

قلنا في هذه الأمة ومازلنا نقول: إن عوارض الموت وأسبابه كلها موجودة فيها من الجهل، والفقر، والتخاذل، وفساد الأخلاق، واختلاف الرأي، وفقد القيادة الرشيدة.

وقلنا – مع ذلك – ومازلنا نقول: إنها مرْجُوَّة الحياة ما دام مناط الرجاء فيها سالماً صحيحاً، ومناط الرجاء هو نقطة من الإيمان ما زالت لائطة بالقلوب وصِلَةٌ بالقرآن ما زالت مرعية في الألسنة، وإن هذا الرجاء معلق بخيط دقيق لا نقول إنه كخيط العنكبوت، ولكننا نقول: إنه أقوى من السلاسل الحديدية إذا أمده الاستعداد والتدبير الرشيد.

هذه النقطة هي مبعث القوة ولو بعد حين، وهي مكمن السيادة والعزة ولو في الأخير، والسبق يعرف آخر المضمار.

من أطوار هذه الأمة في التاريخ أن اختلف ملوكها وقادتها وساستها، وذاقت من خلافهم الشر والبلاء، واختلف علماؤها في الدين فكان خلافهم وبالاً على الأمة، وتشتيتاً لشملها، وصدعاً لجدار وحدتها، وقطعاً لما أمر الله به أن يوصل من أرحامها، ثم فَرَّ العلماء من الميدان، وتركوه للأمراء المستبدين، ثم ألقى الأمراء المقاليد في أيدي السفهاء من الأنصار والذرية والأتباع، وكل أولئك قد فعل في هذه الأمة ما لم يفعله (نيرون).

وكل تلك الأعمال قد أثرت في أخلاق الأمة التأثير العميق، وسكت العلماء أذلة وهم صاغرون، يرون الحق مهضوماً فلا ينطقون، والمنكر فاشياً فلا يغيِّرون ولا ينكرون، وهيهات بعد أن تنازلوا عن حقهم طائعين.

يقع ذلك كله في كل طور من الأطوار التاريخية حتى يبتلى المؤمنون، ويظنوا بالله الظنون، وإذا بذلك العرق يتحرك، وإذا بتلك الانتفاضة تعرو، وإذا بالأمة قائمة من كبوتها، تذود قادة السوء عن القيادة، وعلماء السوء عن الإمامة، وتنزل دخيل الشر بدار الغربة.

جَرَّبنا فصحَّت التجربة، وبلونا فصدق الابتلاء، وامْتَحَنَّا فدل الامتحان على أن عرق الإيمان في قلوب هذه الأمة كعرق الذهب في المنجم كلاهما لا يبلى وإن تطاولت القرون، ثم جلونا هذا العرق في عمل ثلاثين سنة خلت فإذا خصائصه الطبيعية لم تتغير.

هذه الأمة كَبَا بِها الزمن، وأدارها على غرائب من تصاريفه حتى أصبحت عوناً له على نفسها، وترصد لها العدو كل غائلة، ففتنها عن دنياها حتى سلمت له فيها، ثم فتنها عن دينها حتى كادت تتلقاه عنه مشوهاً ممسوخاً، وأحاطت بها خطيئاتها من كل جانب فجنت على نفسها بما كسبت أيديها من سوء الأقوال، وفساد الأعمال.

 ولكن ذلك العرق المخبوء في تلك المضغة يتحرك، فيأتي بالعجائب.

بقلم ..محمد البشير الابراهيمي ..

 

*****

انهضي يا أمّتي انهضي .. انهضي وظللينا بجناحك ..فقد آذتنا ريح الحاقدين والشامتين ..

 

انهضي ..انهضي .. لننهض معكِ ونكبر معكِ ..

انهضي .. فقد اشقنا للعز يا أمتي ..!!

 

أخوكم … مــأمون !!

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫21 تعليق

  1. “فقالوا: ماتت لا رحمها الله، وصدقهم ضعفاء الإيمان منَّا فقالوا: ماتت رحمها الله، وقلنا نحن: إنها مريضة مشفية، ولكن يرجى لها الشفاء إن حضر الطبيب، وأحسن استعمال الدواء”>
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    الأمم لا تموت، ولكنها تمرض… لكن احيانا أشعر أن المرض الذى أصيبت به أمتنا مرض جينى، تسبب فى خلل كلى، وتدهور شديد فى جينات كل أفراد الأمة… وبالتالى الشفاء منه يحتاج لمعجزة.
    أتمنى أن يكون المرض عرضى، وأن يتواجد ذلك الطبيب فى أسرع وقت ممكن، لاننا تعطشنا لوجوده… مدة الشقاء طالت، وأغلبنا أصابه اليأس، واللإستسلام.

  2. هي ليست ميتة لكنها فاقدة لوعيها ولذا وجب على اعضائها( الابناء) ان يضطلعوا بمهامهم ووجب على راسها( حكامها) ان لا يكونوا راسا فارغا فيعطل نفسه وبالتالي كافة الاعضاء الموصولة به في الاصل ووجب على اطبائها (العلماء) ان لا يعدموا الوسيلة ما امكنهم حتى يزيلوا اي داء يلم بالاعضاء ويحافظوا على نقاء الدماغ بالتوجيه والنصح وزرع المعارف السليمة الخالصة…فمسؤولية كل جهة من هذه الجهات لا ينبغي ان تلقى على طرف واحد حتى تستعيد وعيها وتكون فاعلة فلا خير في جسد ممدد لا يقوى على الحراك فلا هو مات واراح المترقبين من مواجع الانتظار لخلاص الفقد الحتمي ولا هو افاق فاعاد اليهم فرحة عودته ولكنه بين الامل والفقد يقطع شوط الانقضاء البطيء حتى يغدو الموت امنية بعد ان كان مكروها …شكرا مامون لم نفقد الامل في العودة من السبات العميق لهذه الامة فقد سخر الله لها ما لم يسخر لغيرها العودة اليه حتمية باذن الله.

  3. شكراا مامون على الموضوع
    ورحم الله شيخنا محمد البشير الابراهيمي احد رواد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ابان الاحتلال الفرنسي

  4. امتنا العربيه لن ولم تموت وستظل صادمه رغم انف الحاقدين.
    عاشت الامه العربيه الاسلاميه معزتتا مكرمه رغم انف الحاقدين.

  5. فاتي & لبنى & حياتي & مصطفى ..
    شكراً لكم على المرور والمشاركة .. لكم مني كل الود والورد ..!!

    1. اخ مامون البيبي اللي انت حاطه بالصوره باحد الصفحات هو ابنك ؟؟ بس فضوووول

  6. قال الشَّيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله:

    «والشَّباب المحمَّدي أحقُّ شباب الأمم بالسَّبْقِ إلى الحياة، والأخذ بأسباب القوَّة؛ لأنَّ لهم من دينهم حافزًا إلى ذلك، ولهم في دينهم على كلِّ مَكْرُمَةٍ دليلٌ، ولهم في تاريخهم على كلِّ دعوى في الفخار شاهدٌ.

    أعيذُ الشَّباب المحمَّدي أن يُشْغِلَ وقتَه في تِعْدَاد ما اقترفه آباؤُه من سيِّئات أو في الافتخار بما عملوه من حسنات، بل يبني فوق ما بَنَى المحسنون ولْيَتَّقِ عثرات المسيئين.
    وأُعيذه أن ينام في الزَّمان اليقظان، أو يَهْزَلَ والدَّهر جادٌّ، أو يرضى بالدُّون من منازل الحياة.

    يا شباب الإسلام! وصيَّتي إليكم أن تتَّصلوا بالله تديُّنًا، وبنبيِّكُمْ اتِّباعًا، وبالإسلام عملًا، وبتاريخ أجدادكم اطِّلاعًا، وبآداب دينكم تخلُّقًا، وبآداب لغتكم استعمالًا، وبإخوانكم في الإسلام ولِدَاتِكم في الشَّبيبة اعتناءً واهتمامًا، فإنْ فعلتم حُزْتُمْ منَ الحياة الحظَّ الجليلَ، ومن ثواب الله الأجرَ الجزيلَ، وفاءت عليكم الدُّنيا بظلِّها الظَّليلِ».
    و من أقواله أيضا: “أيتها الأمة! إن التفرق شر كله، وشر أنواع التفرق ماكان في الدين، وأشنع أنواع التفرق في الدين ما كان منشؤه الهوى والغرض، ونتيجته التعادي والتباغض، وأثره في نفوس الأجانب السخرية من الدين والتنقّص له واتخاذ أعمال أهله حجة عليه، وما أعظم جناية المسلم الذي يقيم من أعماله الفاسدة حجة على دينه الصحيح، وما أشنع جريمة المسلم الذي يعرض – بسوء عمله- دينه الطاهر النقي للزراية والاحتقار”. (الآثار 2/162)
    و قال رحمه الله: إن أول من يجب عليه أن يؤذن بهذا الصوت جهيراً مدوياً هم علماء الإسلام، فكل عالم مسلم لا يدعو إلى اتحاد المسلمين، وإلى إحياء حقائق الإسلام العالية، وإلى إسعاد الشرق بها فهو خائن لدينه، ولأمانة الله عنده. وإن العالم المسلم الذي يسكت عن كلمة الحق في حينها والذي لا يعمل لإقامة الحق، ولا يرضى أن يموت في سبيل الحق؛ جبان، والجبن والإيمان لا يلتقيان في قلب المؤمن.
    إن عهد الله في أعناق علماء الدين لعهد ثقيل، وإن أمانة الإسلام في نفوس علمائه لعظيمة، وإنهم لمسؤولون عليها يوم تنشر الصحائف في هذه الدار، وفي تلك الدار.
    أيها الإخوان! إن الكلام لطويل، وإن الوقت لقصير، فليكن آخر ما نتواصى به: الحق والصبر والاتحاد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (الآثار 2/472).
    بارك الله فيك مأمون..

  7. سمية ما احلاكي .ان امتنا يكمن مرضها في تلك الوجبة الجاهزة .اللتي يأكلها الانسان دون أن يشارك في اعدادها او يتدخل في صنعها .للاسف هده هيا حقيقة أغلبنا غدائنا الوجبة الجاهزة.كالمريض اللدي له وصفة طبية يتودد لصيدلي ان يعطيه احسن الدواء لشفاء.الطبيب والصيدلي والمريض كلهم لم يشاركوا في هته الوجبة الجاهزة؟ان اللقاح حلف دفاع مشترك بينه وبين الانسان ضد العدوى سواء كانت فيروسية او بكتيريا اد انه أي اللقاح يعاون الانسان في أن يبني حصون مناعته بنفسه.vaccine الله يعلم مادا يوجد فيها واي طريقة نجد بها لقاح للامة نستغني به عنهم من اول يوم تخرج للوجود يرتبط مصيرك بهدا اللقاح ان بعدنا عن علاج الامة ..يكمن في بعدنا في صنع اللقاح.كي نقظي على الفيروس والبكتيريا المنتشرة في جسد الامة.واطباء الامة هم من دكرتيهم اختي سمية في مقالك عن البشير الابراهيمي دالك المهمش اللدي يبحت عن اللقاح .واللقاح انواع. وابناء الابراهيمي كثر قادرين على صنع كل انواع اللقاح. وتخليصنا من التبعية.عندنا زروهني مدير معاهد الصحة الوطنية بامريكا.وعندنا احمد حسن زويل الكميائي مكتشف femto second.الدكتور علي مصطفى عالم اغتيل عندهم. الدكتورة سميرة موسى اغتيلت. الدكتورة العالمة السعودية سامية عبدالرحيم ميمني اغتيلت بطريقة بشعة.الدكتور رمال حسن رمال اغتيل. عالم الدرة يحي المشد اغتيل.عالم الدرة سمير نجيب اغتيل. والقائمة طويلة جدا ….؟انهم يقتلون كل من يريد صنع لقاح يناسب العرب وحداري ثم حداري ان يكون عربي قوي على وجه الارض ممنوع منعا باتا.فأما دالك اللدي يتبع الكميرة اينما دهبت ويستعمل لغة القرآن كي يقنع الناس.بما هم مقتنعين به لا يوجد مصلحة في قتله. ولقد رضت عنهم امريكا الان في تونس والمغرب ومصر وتريد ان ترضى عنهم في فلسطين وليبيا ولم ترضى عنهم يوما في الجزائر ومصر كما لا ترضى عن الخميني وحسن نصر الله اليوم وتقتل علمائهم وتحاصر حلافائهم لا يهمهم كيف هو اسلامك المهم ان لا تصنع اللقاح وحدك .ومزال لم يسقط القناع يا محمود درويش

  8. شكراً أختي هند وأختي أميمة وأخي هوّاري وأختي سميّة وشكراً لاضافتك القيمة كما عودتيننا دائماً …!!

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *