بسم الله الرحمن الرحيم ..!!

في الموضوع السابق تناولت معكم حدثاً جرى في عصر ملوك الطوائف وهو سقوط طليطلة ..
وفي هذا الموضوع سنتناول حدثاً آخر جرى في تلك الفترة لا يقل ألماً ومرارة .!!

إحدى مدن الطوائف كانت سرقسطة .. وكان يحكمها بنو هود ..وإحدى المدن التابعه لسرقسطة كانت مدينة ( بربشتر ) ..!!

نترك مدينة بربشتر الأندلسية الوادعة ونتجه نحو فرنسا .. وتحديدأ نحو شمال غرب فرنسا .. إذ احتلت تلك المنطقة جماعة من النورمان الذين كانوا وثنيين ثم دخلوا في النصرانية ..وحملت تلك المنطقة اسمهم فأصبح اسمها ” النورماندي ” ..وقد حصلوا عليها من شارل الثالث الملقّب بالأبله بعد حروب ومفاوضات …

قررت تلك الجماعات أن تُغير على بلاد الأندلس الاسلامية .. وتذكر بعض الروايات ومنها روايات أوروبية أن البابا اسكندر الثاني كان من المشجعين على تلك الغزوات ..

احتشد النورمان ومعهم عدد كبير من الفرنسيين وغايتهم الاندلس .. وتوجهوا نحوها في أربعين ألف مقاتل ..وسارت جموعهم إلى مدينة (وشقة) .. إلا أنها كانت مدينة حصينة جداً فتركوها .. ثم توجهوا نحو مدينة ( بربشتر ) .. وضربوا حولها الحصار ..
استمر الحصار حوالى أربعين يوماً .. وكانت تجري معارك شرسة خارج أسوار المدينة ..إلى أن قلّت المؤونة والأقوات واشتد الضيق بالمدينة .. فتمكن النورمانديون بعد قتال عنيف من اقتحام أسوار المدينة ..فتحصن المسلمون بالمدينة الداخلية وقد عزموا على القتال حتى آخر رمق ..ولكن المهاجمين تمكنوا من قطع مجرى الماء عن المدينة .. فاشتد العطش بالمدافعين عنها ..فطلبوا من المهاجمين تسليم المدينة بشروط .. إلا أن النورمانديون رفضوا ذلك ..واستمر القتال .. حتى تمكن النورمانديون من اقتحام المدينة عنوة .. واستباحوا المدينة الشجاعة بكل من فيها وما فيها … وحدثت مأساة رهيبة .. إذ قدّر عدد القتلى والأسرى بين أربعين ومئة ألف .. !!

ثم أعطى قائد الحملة الأمان لأهل المدينة .. فازدحم الناس .. ولما رأى كثرتهم طلب من جنوده ان يقللوا من أعدادهم حصدا بالسيوف . وللتو قُطع ستة آلاف رأس ..!!

اقتحم النورمان المدينة .. واستباحوا اهلها ومنازلها … وقتلوا ونهبوا وهتكوا الأعراض .. وكان الخطب كما وصفه المؤرخ الاندلسي أبن حيان ( أعظم من أن يوصف أو يُتقصّى ) ..

اهتزت الاندلس بكاملها على وقع المأساة .. وأصابت أهل الاندلس عامة بذهول وألم كبيرين .. خاصة وأن حكام سرقسطة لم يحركوا ساكناً لنجدة بربشتر ..!!

أيقظت تلك المأساة النفوس .. فتنادى الناس للجهاد .. وتجاوب معهم الحكّام والأمراء .. وسارت جموع المتطوعين للجهاد لا يحركهم إلا نداء ” الله أكبر ” ..وانطلق النداء الخالد ” لا إله إلا الله .. محمد رسول الله ” يجوب الساحات والتلال .. تزأر به حناجر الرجال …ولبى دعوة الجهاد الكثير من المتطوعين الذين اشرقت نفوسهم وعلت هممهم بالجهاد في سبيل الله وحده ..!!

بلغ عدد المجاهدين ستة آلاف مجاهد ..وتوجهوا نحو مدينة بربشتر المنكوبة والمكلومة فحاصروها ..ثم اقتحموها .. ودارت في داخلها معركة شرسة بين المسلمين والنورمان .. مزّق فيها المسلمون أعدائهم شر ممزق ..واستعادوا بربشتر من بين براثنهم بعد أن أثخنوا فيه الجراح ..
ويا سبحان الله .. استطاع هؤلاء الستة آلاف مجاهد أن يتغلبوا على النورمان الأكثر عدداً وتحصيناً داخل المدينة التي احتلوها .. نعم ..فهذا ما يفعله نداء ” الله أكبر ” عندما يخرج من قلوب صادقة تريد وجه الله ولا تريد سواه ..!!

يُعلّق ابن حيان وقد كان معاصراً لتلك الأحداث .. ويلقي باللائمة على الناس والحكّام ..
فعن الناس يقول “” فقد أركستهم الذنوب ووصمتهم العيوب ، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء ، ولا عن معاني الغي بأقوياء ، نشئٌ من الناس هامل ، يعللون نفسوهم بالباطل ، من أدل الدلائل على فرط جهلهم بشأنهم واغترارهم بزمانهم وبعادهم عن طاعة خالقهم ورفضهم وصية رسوله نبيهم عليه الصلاة والسلام ، وهم عن النظر في عاقبة أمرهم وغفلتهم عن سد ثغرهم ، حتى لظل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم يتبجح عراض ديارهم …. “”

أما عن أمراء السوء فيقول “”  فكانت النتيجة الاغترار بالأمل ، والاستناد إلى امراء الفرقة الهمل ، الذين هم منهم ما بين فشل ووكل ، يصدونهم عن سواء السبيل ، ويلبسون عليهم وضوح الدليل . “”

ولو كان ابن حيّان بيننا اليوم لما زاد شيئاً عما قاله في ذلك الزمن .. فما أشبه اليوم بالأمس ..وما أشبه الاسباب بالنتائج ..فكم من بربشتر في زمننا ؟ .. ولكن لا مجيب لها ..

أخوكم .. مأمون !!

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫13 تعليق

  1. شكرا مأمون على مجهوداتك…بصراحة لم اقرأ الموضوع …أتركه للغد إن شاء الله…لأني مضطرة أروح و لهذا تصبحون على خير جميعااااااا…بكرة أقرأه على مهل…ميرسي خيووو…

  2. التاريخ يعيد نفسه فى الهزائم والكوارث فقط … لكنه بيصاب بالشلل التام فى غيرها.
    انتصر ستة الاف مقاتل لانهم هبوا لنصرة اخوانهم، غير طامعين فى جاه، ولا ملك، ولا سلطة، ولا كنوز… فقط غيرة لشرف اخوانهم، وغيرة على دينهم، واعتصاماً بحبل الله، وإعلاء لراية الدولة الإسلامية… اخلصوا النية، فنصرهم رب العالمين.
    أين نحن كشعوب وحكام الان من هؤلاء المجاهدين؟!!
    شكراً مأمون.

  3. شكرااااا مأمون على الموضوع وكل المواضيع التي تقدمها
    جزاك الله كل خير
    واوافق الاخت فاتي في جملتها الاولى للاسف

  4. بدأ الحصار في مايو 1064 م واستمر طيلة أربعين يومًا لتسقط بعدها بربشتر ولكن الاسلام كان شعلة فترت ولكنها لم تخب فاتقدت ورفضت ما آل اليه حال اهلها
    ترى هل ستتشابه هذه اللحظة التاريخية في نصرها كما تشابهت لحظات هزائمنا بهزائمهم؟
    شكرا مامون على التتمة في انتظار ما تبقى

    1. اهلا لبنتي
      (اللي يتمنى غير من اللي يستنى واللي يستنى خير من اللي يقطع اللياس)

  5. مريم ، فاتي ، حياتي ، لبنى .. نضّر الله وجوهكم ..وجزاكم كل خير ..!!

  6. الي اعرفه انه المسلمين طردو من الاندلس لسوء الحكم وسرقه ثروات الاندلس ونهبها
    لذلك اجتمع الاسبان لطردهم شر طرده

    1. شكلك شمتان يا أخ وسام العراقي…الأندلس عرف ازدهارا كبيرا في عهد الحكم الاسلامي…كان فيه علم و ثقافة و حضارة و عمران …لكن مر بفترات تدهور للأسف بسبب انحراف بعض الحكام نحو حياة البدخ و الترف و بسبب ضعفهم و انقسامهم…و هذا حدث كثيرا لأقوام و حضارات عبر التاريخ…و للأسف تم طرد الأندلسيين من فردوسهم المفقود… بعد أن تحالف عليهم الاسبان الذين لم يهضموا يوما الفتح الاسلامي لبلدهم و اعتبروه في نظرهم “غزوا” …و لكن رغم ذلك استفادوا من كل ما تركه المسلمون هناك من كتب و علم و قصور و جسور و حدائق… و الآن تربح من ورائه اسبانيا الملايير سياحيا…يكفي أن قصور بني الأحمر بغرناطة يعتبر واحدا من أهم الآثار الجميلة في العالم يجذب ملايين السياح…سقوط الأندلس لا يمنعنا من أن نعترف و نعرف الناس بأن حضارة إسلامية جميلة و متطورة مرت من هناك و تركت أثرها الجميل…أما المغزى من مواضيع مأمون هو الاتعاظ مما سلف و أخذ العبرة و الاحتراس لما هو آت…سأنوب عن مأمون و أقول لك شكرا على مرورك أخ وسام…و لا انسى أن أشكر مأمون…يسلمووو خيو…

    2. يبدو أن السيد وسام العراقي لا يعلم أن ملوك الاسبان وحكامهم كانوا يرسلون اولادهم إلى المدن الاسلامية للتعلم .. وكان يفتخرون بذلك .. وكانوا يتعلمون العربية ويتباهون بذلك أيضاً ..!!
      ويبدو أنه لا يعلم أن حال الاسبان قبل مجيء الاسلام إلى اسبانيا كان مُزرياً جداً ..ويكفي أن أقول لك أنهم كانوا على درجة كبيرة من القذارة فلا يستحمون إلا مرة أو مرتين في العام ..!!
      وكلام الأخت مريم يصف بعضاً من الحضارة التي أدخلها المسلمين في الأندلس ..!!

  7. ولكنها ليست بربشتر واحدة، وإنما نجحوا ولا يزالون يسعون لجعل كل شبر من أرضنا بربشتر
    سلسلتك رغم ما فيها من عبر تستنهض الهمم، لكنها تعصر القلب ألما
    بوركت أخي

  8. يعني اهل افغانستان يستحمون الان بعد تطبيق الشريعه هناك انظر الى حالهم القذر يا اخي على من تضحك اصحو واقراءو تاريخكم المزور مره اخرى ولو كان المسلمون خيرين هناك لما طردو

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *