بسم الله الرحمن الرحيم ..

 

صاحب موقف اليوم كان فتىً من فتيان قُريش .. ولكنّه لم يكن فتىً عادياً .. كان فتىً غارقاً في النعمة .. مرفّهاً ومُدللاً عند أبويه .. يلبس من الثياب أفخرها .. ويضع من العطور أغلاها وأزكاها .. حتى كان يُقال ” أعطرُ أهل مكّة ” .. ذلك هو ( مصعب بن عمير ) ..

 

سمع مصعب كما سمع كل أهل مكّة بذلك الرجل المسمّى محمداً ( صلى الله عليه وسلّم ) .. وسمع بما جاء به .. فقرر أن يسمع منه .. وأن يقف على حقيقة أمره بنفسه .. فسار إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم حيثُ كان يجتمع النبي مع أصحابه .. وتلا عليه رسول الله القرآن .. ولأنه صاحب قلب نقي فقد خضع للحق أول ما سمع به .. وأسلم مصعب بن عمير مع رسول الله فأصبح  ( مصعب الخير ) ..

لكن اسلام مصعب لن يكون سهلاً .. وسيبدّل حاله من حال إلى حال ..

كانت أم مصعب امرأة ذات شخصية قويّة .. ومرهوبة الجانب .. فكتم مصعب اسلامه عنها حتى لا يصطدم معها ..لكن الأمور لم تجر كما كان يريد مصعب .. وعلمت أمّه بامر اسلامه ..فثارت ثائرتها .. ووضعت القيود في يد مصعب وحبسته .. لكنه استطاع أن يهرب من محبسه .. ثم يهاجر إلى الحبشة مع من هاجروا فراراً بدينه بعد أن أوغلت قريش في المسلمين تعذيباً واضطهاداً .. وعندما عاد .. عادت أمّه لتُثنيه عمّا هو فيه .. فحرمته من كل شيء .. وأصبح مصعب .. ذلك الفتى الوسيم الأنيق المرفّه .. صاحب أغلى الثياب وأزكى العطور .. أصبح فقيراً معدماً لا يملك شيئاً ..

لماذا كل هذا يا مصعب ؟ .. وفي سبيل ماذا ؟ هل تطمع أن تُصبح ملكاً ؟ أو سيداً ؟ .. لالالالالالالا .. إنه في سبيل الاسلام.

خرج مرة على رسول الله ومعه أصحابه .. فلما رآه صحابة رسول الله دمعت عيونهم .. فقد تذكروا ما كان فيه من نعيم .. وهاهم يرونه اليوم يخرج عليهم في ثوب مرقّع …ونظر إليه رسول الله بحنان .. واشار إليه وقال لأصحابه ( لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله).!! … نعم .. ذلك هو السر .. حباً لله ورسوله .

وتمر الأيام .. ويعقد رسول الله بيعة مع نفر قليل من أهل المدينة .. وسيجد رسول الله مكاناً آخر غير مكّة ينشر منه النور ..وكان لا بًد من تهيئة الأجواء في المدينة لاستقبال رسول الله والاسلام .. ولا بد من تعريف أهلها بهذا الدين .. فمن سيقوم بهذه المهمّة الخطيرة … ومن هذا الذي سيضع رسول الله مستقبل الاسلام في المدينة بين يديه ؟ .. إنه مصعب بن عمير .. أول سفير في الاسلام .

وفي المدينة أثبت مصعب حسن اختيار رسول الله له .. وانتشر حديث الاسلام في المدينة كما ينتشر الضوء في الظلمة ..

لكن زعماء المدينة كانوا على كفرهم .. ومنهم سعد بن معاذ .. سيد الأوس .. وهاهو قد سمع بمصعب وجاء حاملاً حربته .. وذهب إلى حيث مصعب مغضباً وقال له : ما جاء بك إلى حيُنا ..؟ تغشانا بما نكره ، اعتزلنا إن كان لك في نفسك حاجة ..

وبكل ثقة .. وهدوء .. يقول له مصعب :” أفلا تقعد فتسمع ..فإن رضيت أمراً قبلته .. وإن كرهته كففنا عنك ما تكره

فقال له سعد : لقدأنصفت .. وركز حربته وجلس يسمع .. ومصعب يتلو عليه القرآن .. فباشر النور يدخل قلب سعد بن معاذ .. وتغير الوجه الذي جاء به إلى مصعب … وأسلم سعد .

وما ان انتهى العام حتى كانت المدينة مهيئة لاستقبال رسول الله .. وليس فيها بيت إلا فيه ذكرٌ لرسول الله .

وكل ذلك .. بثقة مصعب بن عمير بنفسه .. وبمواقفه الرائعه في الدعوة إلى الله .. وحسن تصرفه ولباقته ..

وأختم بموقف استشهاده رضي الله عنه يوم أحد .. فذلك موقف تصمت فيه الكلمات .. ويكبو فيه البيان .. وتنتحني الأرواح اجلالاً لهكذا رجال ..

كان مصعب يحمل لواء المسلمين يوم أُحد .. فلما انكشف المسلمون .. ثبُت مصعب .. فأقبل ابن قميئة وكان فارساً .. فضربه على يده اليمنى فقطعها .. فتناول مصعب اللواء بيسراه .. فضربه على يسراه فقطعها .. فحنى مصعب على اللواء وضمّه بين عضديه .. فأقبل ابن قميئة برمحه فأنفذه في صدره .. فوقع مصعب .. وسقط اللواء .

ليقف رسول الله عند رأس مصعب وقد كفّن ببردة خشنه اذا غطت رأسه بدت رجليه .. وإذا غطت رجليه بدا رأسه .. وقال : ( لقد رأيتك بمكة, وما بها أرق حلة, ولا أحسن لمّة منك. “ثم هأنتذا شعث الرأس في بردة)..؟!

 

 

لكم كل الود والورد

أخوكم .. مــأمون .

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫18 تعليق

  1. لا بأس بالموت و التضحية بكل شيء في سبيل امر نؤمن به فكيف بالدعوة الإسلامية حيث حتى يومنا هذا يدخل دين الأسلام الآف من الناس ممن لا يتكلمون العربية
    هنيئاً لمن ادرك بدايات الإسلام و عاصر الرسول صلى الله عليه و سلم
    شكراً مأمون لسرد حياة هذه النماذج المشرّفة من المسلمين

    1. شكراً لكِ يا نُهى ..
      نعم ضحّوا وقدموا دمائهم وارواحهم للإسلام ..ولكي تنعم الأاجيال القادمة ببهاء وعدالة الاسلام .. رضي الله عنهم ..

  2. رجال بيعجبك…..
    تخريج المدرسة المحمدية………اول دورة
    هيك دين …بدو هيك ناس….موحيللة
    ايوا………برررررررررررررررررررر
    والا ما وصل هدا الدين لعندك و ماكنت انت الان مسلم

    1. صدقت يا أخي ” واحد ” .. جزاهم الله عنا وعن الاسلام خير الجزاء ..

  3. هكذا كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا يضحون من اجل نصرة هذا الدين الذي كان يساوي بالنسبة لهم ارواحهم ودماءهم فرضي الله عنهم وجزاهم عنا خير الجزاء وكان قدوتهم في ذلك نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام

  4. رجال صدقوا ما عاهدو الله عليه
    فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
    ومابدلو تبديلا

  5. مأجور حج مأمون
    يقال الرجل بمثابة الموقف فكيف وهو بين يدين الله وأمام أشرف الخلق محمد (ص) كان حينها الرجل رجلاً يقول الحق ولا يهاب شيئاً ويسمع للحق ويأخذ به فكانو رجالاً عظماء بقدر الاسلام ،اما اليوم هه وما إدراك ما اليوم يا سيدي كلها رجال الياهمالالي، يحاصر ويجوَّع ويحارب ثم يقتل المسلم في غزة والمسلمين مشغولين بأطول ناطحة سحاب وبأجمل ممثل وأكثرهم إيمانا يأتي الى نورت للشتم من الزنار ونازل ويا حبيبي على هيك تطور !!!  نازل على لبنان اليوم أسِّع أسِّع

  6. أحد خريجى مدرسة النبوة، رضى الله عنه وعن صحابة خير خلق الله أجمعين.
    مشكــور مأمون، ورمضان كريم.

  7. من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراًمنه

    ولا يوجد ماهو افضل من الجنّةِ ونعيمها

    اسأل الله لي ولكم الجنه ووالدينا ولجميييع المسلمين الموحدين الاحياء منهم والميتين

    .

  8. الى أخي مأمون
    عفواً لكتابة هذه الكلمات ولكن لاني لم ارى اسمك من ايام طويلة عسى المانع يكون خيراً يااخي وعسى ان تكونو جميعكم بصحة وسلامة انت وعائلتك .. سوري انا لا اعرفك كثيرا ولكن افتقدنا مواضيعك الشيقة .. فارجوك يااخي اطلع وبان مرة ثانية بمواضيعك المخبأة في الخزانة ههههههه وانا متاكدة الكل افتقدك ويمكن يخجلون ان يكتبو وعفوا انا قويت وشجعت نفسي حتى اقول مااردت قوله .. ودمتم تحت حماية الرحمن

    1. شكراً لكِ يا ليلى على سؤالك وكلامك الطيّب .. أنت بنت أصول ..وانسانة محترمة وأنا شاكر لك جداً سؤالك عني .. أتمنى لك الصحة الدائمة والأمان الدائم لك ولأهلك وأحبابك ..!!

ماذا تقول أنت؟
اترك رداً على noha إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *