مرسلة من صديق الموقع فريد البدري

يقول ليث تعودت كل ليلة أن امشي قليلا ، فأخرج لمدة نصف ساعة ثم اعود

وفي خط سيري يوميا كنت اشاهد طفلة لم تتعدى السابعة من العمر ..

كانت تلاحق فراشاة اجتمعن حول احدى الانوار المضيئة المعلقة في سور احد المنازل ..

لفت انتباهي شكلها وملابسها .. فكانت تلبس فستانا ممزقا ولا تنتعل حذاء ..

وكان شعرها طويلا يميل الى الاصفرار وعيناها خضراوان .. كانت في البداية لا تلاحظ مروري ..

ولكن مع مرور الايام .. اصبحت تنظر إلي ثم تبتسم .. في احد الايام استوقفتها

وسالتها عن اسمها فقالت عــــذيــة .. فسألتها اين منزلكم ..

فأشارت الى غرفة خشبية بجانب سور احد المنازل .. وقالت هذا هو عالمنا ،

اعيش فيه مع امي واخي موعود.. وسالتها عن ابيها ..

فقالت ابي كان يعمل ميكانيكيأ في احدى الشركات الكبيرة .. ثم توفي في حادث

حيث سقطت عليه احد المكائن

ثم انطلقت تجري عندما شاهدت اخيها موعود يخرج راكضا الى الشارع ..

فمضيت في حال سبيلي .. ويوما بعد يوم .. كنت كلما مررت استوقفها لاجاذبها

اطراف الحديث ..

سالتها : ماذا تتمنين ؟ قالت كل صباح اخرج الى ذلك الشارع فرفعت اصبعها بأتجاه الشارع ..

لاشاهد دخول الطالبات الى المدرسة .. اشاهدهم يدخلون الى هذا العالم الصغير

ويدخلون من باب صغير..ثم يخرجون متشابهين .لانهم يرتدون زيأ موحدأ

ولااعلم ماذا يفعلون خلف هذا السور

امنيتي ان اصحو كل صباح .. لالبس زيهم .. واذهب وادخل من هذا الباب لاعيش

معهم واتعلم القراءة والكتابة .. لا اعلم ماذا جذبني في هذه الطفلة الصغيرة ..

قد يكون تماسكها رغم ظروفها الصعبة .. وقد تكون عينيها .. لااعلم حتى الان السبب

كنت كلما مررت في هذا الشارع .. احضر لها شيئا معي .. حذاء .. ملابس .. ألعاب..أكل..

وقالت لي في إحدى المرات .. بأن خادمة تعمل في احد البيوت القريبة

منهم قد علمتها الحياكة والخياطة والتطريز ..

وطلبت مني ان احضر لها قماشا وادوات خياطة .. فاحضرت لها ما طلبت ..

وطلبت مني في احد الايام طلبا غريبا .. قالت لي : اريدك ان تعلمني كيف

اكتب كلمة احبك .. ؟ مباشرة جلست انا وهي على الارض .. وبدأت اخط لها

على الرمل كلمة احبك .. على ضوء عمود الانارة في الشارع .. كانت تراقبني

وتبتسم ..

وهكذا كل ليلة كنت اكتب لها كلمة احبك .. حتى اجادت كتابتها بشكل رائع ..

وفي ليلة غاب قمرها … حضرت اليها .. وبعد ان تجاذبنا اطراف الحديث ..

قالت لي اغمض عينيك .. ولا اعلم لماذا اصرت على ذلك .. فأغمضت عيني ..

وفوجئت بها تقبلني ثم تجري راكضة .. وتختفي داخل الغرفة الخشبية ..

وفي اليوم التالي حصل لي ظرف طاريء استوجب أن أسافر خارج المدينة لمدة شهرين

متواصلين ..

لم استطع ان اودعها .. فرحلت وكنت اعلم انها تنتظرني كل ليلة .. وعند عودتي ..

لم اشتاق لشيء في مدينتي .. اكثر من شوقي لـعـــــــــذيـــة..

في تلك الليلة خرجت مسرعا وقبل الموعد وصلت المكان وكان عمود الانارة

الذي نجلس تحته لا يضيء.. كان الشارع هادئا .. احسست بشي غريب ..

انتظرت كثيرا فلم تحضر .. فعدت ادراجي .. وهكذا لمدة خمسة ايام ..

كنت احضر كل ليلة فلا أجدها ..

عندها صممت على زيارة امها لسؤالها عنها .. فقد تكون مريضة ..

استجمعت قواي وذهبت للغرفة الخشبية .. طرقت الباب على استحياء..

فخرج اخاها موعود .. ثم خرجت امه من بعده .. وقالت عندما شاهدتني ..

يا إلهي .. لقد حضر .. وقد وصفتك كما انت تماما .. ثم اجهشت في البكاء ..

علمت حينها ان شيئا ما قد حصل .. ولكني لا اعلم ما هو ؟!

عندما هدأت الام سالتها ماذا حصل ؟؟ اجيبيني ارجوك ..

قالت لي : لقد ماتت عــذيـة .. وقبل وفاتها .. قالت لي سيحضر احدهم للسؤال

عني فاعطيه هذا وعندما سالتها من يكون .. قالت اعلم انه سياتي ..

سياتي لا محالة ليسأل عني ؟؟ اعطيه هذه القطعة .. فسالت امها ماذا حصل ؟؟

فقالت لي مرضت عـــذيــة .. في احدى الليالي احست ابنتي بحرارة واعياء

شديدين ..

فخرجت بها الى احد المستوصفات الخاصة القريبة ..

فطلبوا مني مبلغا ماليا كبيرا مقابل الكشف والعلاج لا أملكه ..

فتركتهم وذهبت الى احد المستشفيات العامة .. وكانت حالتها تزداد سوءا.

فرفضوا ادخالها بحجة عدم وجود أسم لها بالمستشفى .. فعدت الى المنزل ..

لكي اضع لها الكمادات .. ولكنها كانت تحتضر .. بين يدي ..

ثم اجهشت في بكاء مرير .. لقد ماتت .. ماتت عـــذيـــــة..

لا اعلم لماذا خانتني دموعي .. نعم لقد خانتني .. لاني لم استطع البكاء ..

لم استطع التعبير بدموعي عن حالتي حينها .. لا اعلم كيف اصف شعوري ..

لا استطيع وصفه لا أستطيع .. خرجت مسرعا ولا أعلم لماذا لم اعد الى مسكني …

بل اخذت الشارع ذهابأ وأيابأ فجأة تذكرت الشيء الذي اعطتني اياه ام عــــــذيـــــة ..

فتحته … فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة ..

وقد نقش عليها بشكل رائع كلمة أحبك .. وامتزجت بقطرات دم متخثرة …

يالهي .. لقد عرفت سر رغبتها في كتابة هذه الكلمة ..

وعرفت الان لماذا كانت تخفي يديها في اخر لقاء ..

كانت اصابعها تعاني من وخز الابرة التي كانت تستعملها للخياطة والتطريز ..

كانت اصدق كلمة حب في حياتي .. لقد كتبتها طفلة بدمها .. بجروحها .. بألمها ..

كانت تلك الليلة هي اخر ليلة لي في ذلك الشارع ..

فلم ارغب في العودة اليه مرة اخرى.. فهو كما يحمل ذكريات جميلة ..

يحمل ذكرى ألم وحزن

ذكرى طفلة كانت كألحلم ورحلت كألفراشة

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫15 تعليق

  1. انا هالقصة قريتها قبل هالمرة عن جد قصة رائعة وفيها معنى كبير لحب الاطفال العظيم والطهر لانه لما الطفل بيقول بحبك ما بيكزب فبتكون أصدق كلمة يمكن يسمعها حدا.
    ويعطيك الف الف مليون عافية يا فريد على اختيارك الرائع.
    وكتكوت مفرفش انشر انشر.

  2. ااااااااخ يا فريد و الله ما بغرف شو بدي قول لساني تربط.
    في مثل فرنسي يقول*la vérité sort de la bouche des enfants*و معناه ان الحقيقة تلفظ من افواه الاطفال و هذا صحيح ليس هناك اروع من ان يقول لك طفل احبك…انا شخصيا الاطفال يعتبرون نقطة ضعفي
    احييك على القصة التي لها معاني كبيرة جدا ليس فقط ما تكلمت عنه انا و انما لها معاني عديدة …شكرا يا فريد

  3. قصه جميله و حزينه و مؤثره جدا” جعلتنا نحب الفتاة الصغيره و نحزن
    لموتها و كأنه واقع
    شكرا” اخ فريد البدري

  4. والله يا اخي فريد انهيت قصتك والدموع تسيل من عيوني
    اشتقت لامي ولبلدي.لانني كلما قرأت قصة حزينه تذكرني بامي وببلدي
    عافاك الله اخي فريد واسعد قلبك

  5. سلام من الله ورحمة منه وبركاته عليكم اخواني واخواتي فريد قرقناوي والاخ عبد الوهاب والانسة أيمان والانسة لانا ومصطفى وميتم مجنون تحياتي لم واشكركم جميعأ كتبتها سابقأ في موقع الساخر واعدت صياغتها وغيرت فيها بعض الشيء ونشرتها هنا لاننا مللنا من كلام السياسة والاغاني والحوارات المملة والعتابات والشتائم والاعتذارات فحببت ان اغير شيء ما هنا لكي ننسى ما نحن عليه من اوجاع وغربة وهموم وقبل الختام مبروك لمصر فوزها ومبروك للجزائر وعاشت الامة العربية ورحم الله شدائنا شهداء الامة العربية وشكرأ لكم اخواني واخواتي

  6. عبد الوهاب عندي شعر ملمع بس خوفي ما في احد يفهم مقصدي ومعناه ولذلك انتظر الوقت المناسب

  7. استاذ فريد، اشكرك جداً على هذه المشاركة المتميزة، صحيح تعليقاتك حضرتك وموضوعاتك قليلة، لكل كل تعليق وكل موضوع يكون له مذاق وطعم خاص. ومذاق هذا الموضوع انه دخل إلى القلب، وجعل اللسان عاجز عن التعبير. قصة مؤثرة جداً، لكن بها الكثير من العبر.
    مشكور استاذ فريد.

  8. فصة رائعة …شكرا لك اخي فريد…لقد سافرنا معها في عالم جميل من الخيال والالم….منتظرين المزيد….

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *