مصطلح «معارضة» ليس مصطلحاً طارئاً أو جديداً على القاموس العربي، إنما دخله بكل قوة وحيوية منذ تقيفة بني ساعدة وحتى نهايات العصر العباسي، وقد اتخذ اشكالاً أغنى من خلالها تاريخ العرب الفقهي والثقافي والفكري والفلسفي، وقد كانت المادة الهامة للجسم المعارض هي مدى جواز الخروج على الحاكم الظالم واسقاطه، حيث افضى ذلك الى نظريتين اثنتين : تمثل الأولى وجهة نظر المعارضة وتقول بوجوب الخروج على هذا الحاكم، أما الثانية فتعتبر أن الحاكم هو ظل الله على الأرض، لا يجوز الخروج عليه إلا في حالة الكفر البواح: أي الكفر المعلن على الملأ، وهذه هي نظرة الفقه السلطوي. 
إلا أن المعارضة ولأسباب موضوعية هُزمت في هذا الصراع، وخبا ألق مصطلح «معارض» الآنف الذكر، وسيطر الفكر والثقافة السلطوية في الميدان الاجتماعي متمثلاً بأيديولوجية اسلامويه ميتة، لعبت دور الحاضنة الشرعية لحالة التخلف الاجتماعي القائمة، حيث تسعى من جهة لتأبيد هذه الحالة، ومن الجهة الأخرى اعادة انتاجها، وقد زاد في الطين بلة تتويج هذه المرحلة بسيطرة عثمانية دامت حوالى اربعمئة عام، تبنت هذه الأيديولوجية وحضتها وزادت على تخلفها تخلفاً لأن العثمانيين لم يعرفوا الحضارة كما عرفتها شعوب المنطقة، وانما كانوا مجرد قبائل مقاتلة خلا وفاضها من أي تاريخ فكري أو ثقافي. 
لقد ساعدت هذه المنظومة الفكرية المتخلفة على تسهيل مهمة الدول الاستعمارية في السيطرة وبسط النفوذ، وذلك لمساهتمها في اقصاء الشعوب التي تتبناها عن مسرح التاريخ، ولأنها منظومة قهرية، متسلطة، تكفيرية، وذات بعد واحد، وتقوم على الاخضاع القسري، فقد هيأت المناخ الاجتماعي العام لقبول حالة القهر والاخضاع التي مارسها المستعمر الاجنبي، فلم تعتبر أن مشكلتها مع هذا المستعمر، وانما مع حركات التحرر وقوى التقدم محلية كانت أو عالمية. 
هذا ما ترجمه الاسلام السياسي ممثلا بالحركة العالمية للإخوان المسلمين منذ بدايات القرن الماضي وحتى الساعة. 
فالإخوان المسلمون هم اليوم حصان طروادة للنظام الامبريالي العالمي في محاولته الالتفاف على حركة الشعوب العربية الطامحة إلى التغيير الديموقراطي والنهوض الاقتصادي والاجتماعي. 
وهم الى جانب الوهابيين التكفيريين، وبعض النكرات من المتسكعين على أرصفة اوروبا وفي مقاهيها وباراتها، هم المسؤلون عن سفك الدم السوري، فقد تنطح هؤلاء منذ اللحظة الاولى للاحتجاجات الشعبية المطالبة بالاصلاح تحت سقف التعاون مع الشرفاء في النظام وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية، وضمن حدود صون مؤسسات الدولة، لحرف هذا الحراك عن مساره، والاتجاه به نحو الحرب الأهلية، متوسلين السلاح والقتل سبيلاً الى ذلك، والا ما معنى أن تكون قوى العدوان العالمية هي الداعمة لهم ولمجلسهم الاسطنبولي؟! ما معنى أن يتوجهوا تباعاً للحج في «اسرائيل»؟! كيف نفهم الدعم بالمال والسلاح والمرتزقة الذي يقدم لهؤلاء من انظمة استولدتها المخابرات البريطانية، وحمت عروشها المخابرات الاميركية والصهيونية؟! أنظمة وهبت ثروات الامة ومستقبل شعوبها لحفنة من جلادي الشعوب الامبرياليين! 
انتم معارضة «اسطنبول» تدعون أنكم ممثلون لثورة تجتاح كامل التراب السوري! لا بأس تعالوا نتحقق من ذلك، وليكن معيارنا القوانين والقواعد التي حكمت تاريخ الثورات منذ القدم والى يومنا الحاضر، سواء ما يخص القيادة، أو ماله علاقة بقاعدة الثورة. 
المعيار الاول يؤكد ان القيادة الثورية يجب أن تكون على درجة من النزاهة والرقي الاخلاقي والايثار نضعها احيانا في مراتب التصوف، إلا أن قيادتكم: «الثورية» المزعومة: البارز منها والمستتر هي قيادات ملوثة، أغلبها ملاحق بجرائم قضائية: جرائم قتل وتخريب للمؤسسات العامة. «الاخوان المسلمون» جرائم فساد اداري واختلاس أموال عامة ودفن للنفايات النووية «عبد الحليم خدام»، جرائم تحريض طائفي «رفعت الأسد ـ الاخوان المسلمون» ، جرائم الاتجار بالمخدرات «مأمون الحمصي»، جرائم الارتباط بالاستخبارات الاجنبية، ومنها الصهيونية، واستدراج الخارج لاحتلال البلاد وتدميرها، وفي هذه الأخيرة تتقاطعون جميعاً.. الخ. 
أما المعيار الثاني: فهو الكفاءة العلمية والثقافية التي شاهدناها لدى جميع النخب الثورية حيث تركت بصمات لا يمكن ان تمحى من سجل التاريخ. 
في حدود هذا المعيار اني اعترف لكم بتنوع مرجعياتكم الثقافية وغناها، من «الحصن الحصين» الى ثقافة «طال عمرك» الخليجية، الى ثقافة الفساد التي يحملها اركان معارضتكم من مهندسي تخريب ادارات الدولة ومؤسساتها، ولعل الشاعر الكبير «محمود درويش» كان مصيباً في تشخيصه للوجه الثقافي والفكري الابرز في هذه المعارضة: «برهان غليون» عندما خاطبه قائلاً: «ان اقصى ما تطمح اليه هو أن تكون مستشاراً لدى «عباسي مدني». 
ان قيادة من هذا الطرح ليس بمقدورها الاجابة على ما يطرحه عليها الشعب السوري بأغلبيته الساحقة من اسئلة، وهذا يعود بكل بساطة بالاضافة الى افتقادها للمعيارين آنفي الذكر، الى عدم وجود ثورة حقيقية، وانما ثورة افتراضية، ولعدم وجود جماهير تتحرك على الارض، بل عصابات ارهابية مسلحة تنفذ اجندة تخدم مصالح الغرب الاستعماري و«اسرائيل» فتقوم لأغراض اعلامية، بالزام المدنيين بالتظاهر في بعض القطاعات التي تسيطر عليها. 
ولأن هذه المعارضة «الاسطنبولية» وملحقاتها من الفلول القومية واليسارية لا تمثل هالة مستقلة في رؤيتها، بل مجموعة من الموظفين لدى دوائر الاستخبارات الغربية فاقدة للإرادة، فهي لذلك: رافضة للحوار، ومعادية للاصلاح، وعاجزة عن تقديم اي برنامج للتغيير، او حتى رفع شعار من خلال تلك التحركات المحدودة المسماة زوراً «ثورة» بحيث يمس اي مواطن من مواطن الخلل في النظام وما أكثرها! 
فهم لا يستطيعون الدخول في حوار وطني لأنهم لا يمثلون مصالح وطنية، وانما مصالح خارجية : اميركية تحديداً لا تتحقق الا بسقوط سورية الكيان وليس سورية النظام! فالاميركيون يريدون الخروج من الأزمة التي تهدد نظامهم الرأسمالي من خلال السيطرة المباشرة على مصادر الطاقة، وعلى السوق الاسيوية التي تضم أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، وهذان هدفان وجوديان بالنسبة اليهم وبالتالي فان امكانية المساومة عليهما تبدو في منزلة المستحيل، كما أن الشعوب المستهدفة التي تعي وتعرف جيداً ان اسقاط سورية يعني السيطرة على الممر الاجباري المفضي اليها، لن تسمح بذلك وهي شعوب ذات شأن على الساحة الدولية، وعلى رأسها شعوب الصين والهند وروسيا،مما يعطي الصراع طابعا عالميا تغدو معه معارضة اسطنبول وملحقاتها الداخلية مجرد تفاصيل تلزم في عملية الاخراج والديكور فقط. 
لقد أدرك حلف الاعداء بقيادة الولايات المتحدة أن اي مغامرة عسكرية ستؤدي الى عكس المرجو، ولذلك قررت خوض حرب بديلة، حشدت له مجموعات كبيرة من كل اصناف شذاذ الافاق في الخارج: من ارهابيي «القاعدة» الى شبكات الاستخبارات التابعة للاطلسي، التي تدير منظمات أمنية مختصة بسفك دماء الشعوب بالاضافة الى التكفيريين في الداخل ومجموعات كبيرة من المجرمين الملاحقين بقضايا جنائية، ممن ظلوا لسنوات خارج قبضة العدالة بسبب فساد النظام، وهؤلاء يحظون بكافة اشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري من دول المعسكر المعادي الاقليمية منها وغير الاقليمية، املا في نجاح عملية استنزاف طويلة المدى للمؤسسة العسكرية، وللبنى التحتية، لطاقات الشعب السوري في الصمود والمواجهة، فتنهار البلاد دفعة واحدة. 
ضمن هذا السياق فان الشكل الذي قدم على أنه معارضة، انما هو معسكر اعداء للوطن والشعب وليس حركة سياسية تهدف الى الاصلاح. 
في المقلب الآخر هناك حركة معارضة وطنية ديموقراطية تخوض الصراع على جبهتين: 
الاولى: الوقوف بكل قوة ضد التهديد الخارجي الذي يستهدف الوطن ككيان، والشعب كوجود ومستقبل. 
والثانية: التصدي لكل مخلفات «النيوليبرالية» ونمط الانتاج الاستهلاكي: من فضائح التنمية، الى فضيحة الفساد المعمم، الى الامية بكل اشكالها، الى تدمير العلم ومؤسسات التعليم.. الخ وتتشكل هذه الحركة التي تسعى الى تحول ديموقراطي عميق، ليس في المستوى السياسي وحسب، وإنما في المستويات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. الخ من شقين: 
الأول متأطر تنظيمياً يتألف من «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» التي تتألف من ثلاثة أحزاب ابرزها «حزب الارادة الشعبية» الذي يقوده الدكتور «قدري جميل» وقد اثبت هذا الحزب انه صادق في وطنيته، واضح في توجهاته، يملك أفقا للحل عبر عنه في برنامجه الذي يتضمن حداً اعلى وحداً أدنى. 
ويضاف الى هذه النواة المعارضة، الكثير من الحركات الصغيرة ذات التوجهات اليسارية، والقومية والاسلامية المتميزة عن الحركات الاسلاموية المرتبطة بالخارج. 
اما الشق الثاني : فيتشكل من نخب تضم اعداداً كبيرة من المثقفين والمفكرين ومن قطاعات جماهيرية واسعة، ويطلق عليها عرفاً «الكتلة الصامتة» وهي التي تقف سداً منيعاً في وجه اولئك الذين ارتضوا لأنفسهم ان يكونوا خدماً للشيطان، ويعول على هذه الكتلة اذا ما تفاعلت مع خط الاصلاح ان تساهم في إيصال البلاد الى شاطىء النجاة. 
أخيراً ان هذا الصراع الذي يدور حول مصالح جوهرية لأطرافه لا يحتمل حلاً وسطاً ويجب ان تخرج منه اما منتصرة أو مهزومة. …………..صجفي وكاتب سوري

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫11 تعليق

  1. ولعل الشاعر الكبير «محمود درويش» كان مصيباً في تشخيصه للوجه الثقافي والفكري الابرز في هذه المعارضة: «برهان غليون» عندما خاطبه قائلاً: «ان اقصى ما تطمح اليه هو أن تكون مستشاراً لدى «عباسي مدني».

  2. فهم لا يستطيعون الدخول في حوار وطني لأنهم لا يمثلون مصالح وطنية، وانما مصالح خارجية : اميركية تحديداً لا تتحقق الا بسقوط سورية الكيان وليس سورية النظام! فالاميركيون يريدون الخروج من الأزمة التي تهدد نظامهم الرأسمالي من خلال السيطرة المباشرة على مصادر الطاقة، وعلى السوق الاسيوية التي تضم أكثر من نصف سكان الكرة الأرض

  3. هل هذا الحوار المزعوم؟ أن تتتفنن في رمي الاتهامات هل اصبحت أزمة سوريا كلها ناتجة عن السنة؟ مادامت هذه هي النظرة التي يطرح من خلالها الطرف الاخر حواره فهو اذا مجرد نية مبيتة للغدر فكيف يمكن لك عقد حوار وصلح مع اطراف مجرمة ؟
    أماعباس مدني يا استاذ الياس لم يجد فرصته ليثبت هل هو جدير بالحكم ام لا لان الطريق قطع في بدايته وما كان لاحد ان يوقف وقتها حمام الدم في هذا البلد وكلام درويش رحمه الله ليس قرآنا

  4. ثم يا استاذ الياس لا احد يمكنه في قرارة نفسه ان ينكر ان في الامر شيئا من المؤامرة (وبالمناسبة المؤامرة ليست ضد سوريا كبلد بل ضد المنطقة باكملها حتى اولئك الذين يدعمون تخريب سوريا هم متعرضون للتضليل) ولكن هذا لا يعفي النظام من مسؤولياته تجاه ما حصل ويحصل فلنقف ونسال انفسنا لماذا تنجح المؤامرة في بلداننا بسهولة؟ هل يعقل ان المعارضة التي تعيش دائما في الظل لا يعرفها الشعب ابدا تستطيع في لحظة ان تكسب هذه القوة التخريبية ؟ لا يا استاذ الياس بل لان هناك ارضية اجتماعية وفكرية تجعل المواطن سهل الانقياد خلفها وسبب هذا الوضع هو النظام الجائر لذلك لا يمكن باي حال من الاحوال جعل (السيد رئيس الجمهورية) كما يسميه المقال ملاكا وتجعل (الاسلاميين) هم الشياطين الذين اوصلوا سوريا الى ما هي عليه اذا كنتم غير قادرين على تقبل الطائفة السنية في بلدكم وهم اغلبية فكيف تريدنها هي ان تقبل تعسف وجور وظلم الاقلية؟
    شيء من الانصاف في التوصيف لا يضر لكن شيئا من الجور فيه يضر كثيرا

    1. اخت لبنى اتفق معك في مسؤلية النظام تماما وهو كغيره من انظمة العالم الثالث .ولا اظنك تقصدين ان الثورة هي لطائفة ضد طائفة لانه عنده لا يمكن تسميتها ثورة وخاصة ان الطائفة لسنية الكريمة تحظى باغلب الوزارات في سوريا على مر الزمن بحكم اغلبيتها ولكن الموضوع اظنه تصفية حسابات امريكية اسرائيلية (من باب امني واستراتيجي ومنقذ لازمات اقتصادية ) ومن دول الخليج (من باب طائفي واسترتيجي والهاء شعوبهم بما يهدد الطائفة السنية في الوطن العربي حتى لا يثوروا عليهم وعلى ملوك وممالك لها مئات السنين وتهضم اغلب الثروات ) كما ان الكاتب لم يشمل جميع الاسلاميين وانما قصد من وضع الدين عنوانا لثورته اظن هذا تحياتي لك اختنا

  5. يسعد مساكي اخت لبنى يمكن عقد هذا الحوار عندما تكون المصلحة الوطنية هي هدف الجميع وفق اسس ديمقراطية وحرة يتفق عليها بعد ان تصفى النيات من قبل الجميع ويقبلوا التنازل عن مصالحهم من اجل الشعب والمقصود كل اطراف النزاع ..اما بالنسبة لعباسي مدني فهو راي محمود درويش وليس قرانا ولكنه اكثر وطنية ممن يدعي الوطنية عندنا

  6. الياس يا شيطان ومادخلك في انظمتنا نحن رضون مدام موفرين لنا مطالبنا وبعدين دول الخليج وعلى راسها السعوديه مالهم دخل في سوريا منذا كان حاكمها حافظ ومن بعد وليس لها مطامع و لديها مشاريعها وتتطورها واصدقاء بما يغني عن دول جاره مالها الاحدود الجيره وبعضها حفظ شرف الجيره وبعضها خانوه والله المستعان كل ما قامت مشكله دول الخليج ودول الخليج يااخي من حقها تقول كلمتها في بعض الامور والمشاكل اخرص الله لسان كل من يتعدى علينا

  7. يبدو ردي لم يك على خاطر نورت مع انه والله خالي من اي شتيمة ولكن لكل موقع وصحيفة سياسته

  8. lebna
    ok lw kan s7i7enhom m3arda
    flaghbar lesh ma6albou al7km b6riqa slmia lmaza alqtl lmaza ljou ll3nf lan israil wra2 altkhrib fhom mkhrrbin w lisou m3ardin slmian

  9. bnt al7jaz
    lanno mlkk alsafl akbr tajer siasi 7qir ibi3 alblad al3rbia fi sbil alm7afza 3la kianou
    mou b3ida 3leh lan shrif mkka al7sein ba3 fls6in lengltra
    bla flsfa w q6r akbar 3mil lamerca wisrail

  10. ya 7aram weyn ba3dkoun a7ssan la ilkoun rou7ou itb5ou shi tab5a bilmatba5 we5alou lsiyase la2ahla anjad masakin bint l7ejaz kaman loubna

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *