مرسلة من صديقة نورت nor

سنعرض اليوم فقط لقصة المرأة الراغبة وهي قصة المجادلة

عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: “وَاللَّهِ، فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ – عز وجل – صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ. قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي. قَالَتْ فَقُلْتُ: كَلا وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ. قَالَتْ: فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابَهَا ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ فَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ – صلى الله عليه وسلم – مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ. قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: يَا خُوَيْلَةُ، ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ فَتَغَشَّى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ. فَقَالَ لِي: يَا خُوَيْلَةُ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (1) (المجادلة 1) إِلَى قَوْلِهِ وللكافرين عذاب أليم (4) (المجادلة)، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَتْ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ. قَالَ: فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَتْ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا ذَاكَ عِنْدَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَال: قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا. قَالَتْ فَفَعَلْتُ”.
وردت هذه القصة، في مطلع (سورة المجادلة)، وهي أول سورة في الجزء الثامن والعشرين، من القرآن الكريم

وسور هذا الجزء تركز على البعد الداخلي؛ والمشاكل الداخلية للمجتمع الوليد في المدينة، خاصة المشاكل الحياتية اليومية العادية، مع عدم إهمال البعد الخارجي للواقع المحيط وما يوجد به من أعداء للدعوة مثل اليهود والمنافقين.كيف أن الحق ـ سبحانه ـ يُولي أهمية خاصة بتلك القضية، وتكون في مقدمة سلم أولويات قضايا السورة بل والجزء كله

وبتدبر آيات القصة يمكننا أن نضع أيدينا على بعض السمات أو الركائز التي تجعل من خولة ـ رضي الله عنها ـ شاهدة صادقة وموثقة على عصرها؛ ولتكون خير دليل، وبرهان عملي على مكانة المرأة في هذا المجتمع الرباني

السمة الأولى: قدرتها على إدارة الأزمة

لقد أوضحت خولة بنت ثعلبة ـ رضي الله عنها ـ أن سبب المشكلة، وبداية القضية؛ أنها راجعت زوجها أوس بن الصامت ـ وهو أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنهما ـ في شيء مما أثار غضبه، فقال لها: أنت عليّ كظهر أمي؛ أي محرمة عليّ، وهو من الطلاق في الجاهلية

ثم بعد ذلك أراد زوجها أوس بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ أن يباشرها فأبت، وخرجت قاصدة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شكواها، ورفع القضية إليه.

وهي التي تحركت وجادلت، بل صممت على الحل العادل الذي يتوافق وظروف بيتها

السمة الثانية: فقهها لأدب الاختلاف

وعندما نورد هذا المثال إنما نورده، لنفتح باباً في التربية، وهو إذا كان هؤلاء بشر يخطئون، ويتشاحنون، ويختلفون، ولكن كان يظلل هذا الخلاف ضوابط معينة لم تك لتغيب عن امرأة من ذلك الجيل القرآني العظيم.
ومن هنا يتبين لنا أن لا نذهل، ولا يصيبنا الإحباط إذا رأينا بعض الخلافات الداخلية، وننظر إليها برؤية المنهج، الذي جاء ليرقى بالبشر، من حيث هم، ولم يعاملهم كملائكة مبرئين من النواقص، جاء ليصنع أمة من البشر العاديين، ولن يحمله إلى الإنسانية إلا بشر، يخطئون، فيُصححون، ويختلفون، فيُراجعون.

حتى عندما نزل الوحي بالحل لقضيتها، نجد أنها جادلت وحاورت، وحصلت بحكمتها على أفضل الحلول، ثم كانت رفيقة بأسرتها، حتى بزوجها وهي في قمة غضبها منه ومن تصرفاته

السمة الثالثة: الورع والخوف منه سبحانه

فتدبر أحداث تلك الواقعة، والملابسات الداخلية التي حدثت بين زوجين داخل بيتهما، وقارن بين سلوك زوجها وسلوكها الراقي الورع الذي استوعب أخطاء الزوج، من أجل عدم الوقوع فيما يغضب الحق سبحانه.

وتذكر كيف فقهت أن طاعة الزوج لها حدود؛ وهي طاعة مبصرة في غير معصية لله عز وجل.

ثم سرعة تصرفها وحكمتها في وجوب الإسراع في حل تلك المشكلة العائلية، من أجل المحافظة على كيان الأسرة

السمة الرابعة: شجاعتها الأدبية وقدرتها على الحوار

لقد ورد عن خولة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تتمتع بقدرة فائقة على الحوار؛ حيث عرضت قضيتها بشجاعة وثقة ولباقة.

وكيف أنها بهذه الصفة قد رفعت عن نفسها؛ بل عن أمة كاملة الحرج والظلم إلى يوم القيامة.

وتدبر كيف بدأت شكواها وهي تقول: (يا رسول الله! أكلَ مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي، ظاهر مني! اللهم إني أشكو إليك)(

السمة الخامسة: احترام خصوصية الزوج

وهناك ملمح تربوي عظيم نستشعره من الحديث الشريف الذي ورد (عن عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ قَالَت:ِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ؛ لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا، وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1](5).

فعائشة ـ رضي الله عنها وهي من هي ـ لم تشأ أن يدفعها الفضول لترى أو تتسمع ما يحدث في بيتها بين زوجها -صلى الله عليه وسلم-، وبين أحد الضيوف؛ خاصة عندما يكون امرأة.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫16 تعليق

  1. مواعظ و حِكم رائعة…و خصوصا تأثرت بالمقطع الأخير و الآية:
    فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1](5).

    جزاك الله خير يا Nor, أنت حقا نور نورت.

  2. سؤالي هو ماذا سألته حتى طلقها…مع أن المهم ما قامت به خولة رضي الله عنها و شكرا.

  3. سلام
    DZ-FAY
    صراحة لاأعلم شيئا غير هذا الحديث، لكنها كانت تجادل رضي الله عنها لأنها لم تشأ لهذا الطلاق أن يقع.شكرا لك على الكلام الجميل

  4. كانت حسنة الجسم، فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها قال عروة: وكان أمرا به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها: أنت علي كظهر أمي. وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: ( حرمتِ عليه ) مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت: يا عمر قد كنت تدعى عميرا، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر

  5. بارك الله فيكي اختي نور
    و كثر الله من أمثالك
    العفو منك ما قدرت اقرأ الموضوع

    صار وقت نومي صرت اشوف الحروف
    اربعه اربعه
    لووول

  6. سلام عليكم
    زادك الله العلي القدير نوراً على نور

    أعجبني جدا هذا التدبر:

    وهو إذا كان هؤلاء بشر يخطئون، ويتشاحنون، ويختلفون، ولكن كان يظلل هذا الخلاف ضوابط معينة لم تك لتغيب عن امرأة من ذلك الجيل القرآني العظيم.
    ومن هنا يتبين لنا أن لا نذهل، ولا يصيبنا الإحباط إذا رأينا بعض الخلافات الداخلية، وننظر إليها برؤية المنهج، الذي جاء ليرقى بالبشر، من حيث هم، ولم يعاملهم كملائكة مبرئين من النواقص، جاء ليصنع أمة من البشر العاديين، ولن يحمله إلى الإنسانية إلا بشر، يخطئون، فيُصححون، ويختلفون، فيُراجعون.

    من خلال حياتي مع زوجي وإدراكي لطِباعِه تعلمت منهجا “بسيطا” ما زال يساهم في تخفيف حدة ووطأة نقاشاتنا.

    عندما يكون على حق أُقِّر وأَعترف إنني على خطأ

    وعندما أكون أنا على حق وهو مخطئ فإنني ألتزم الصمت

    شكرا لك يا نور
    زيدينا, زادك الله من نعمة الصفاء والهناء

  7. القرآن الكريم يتنزّل على قلب رسول الله ينصر امرأة تشتكي إلى الله ،،
    ورسول الله يأخذ برأي امرأة “” أم سلمة “” في عمرة الحديبية فينجو الناس من الهلاك ..
    وعمر رضي الله عنه يقف على المنبر ويقول “” أصابت امرأة وأخطأ عمر “”
    لترفع المسلمة رأسها بالاسلام الذي رفع شأنها وأعلى مقامها ..!!
    شكراً نور .. نوّر الله طريقك ..

  8. سبحان الله نساء تباع كعرائس في اوروبا ونساء تكرم من الله العزيز المقتدر ….!!!حمدلله على نعمة الهدايه
    وسبحان الله امرأة تجادل الرسول للأحتفاظ بزوجها مع كل عيوبه اوامرأة تطلب الخلع لأقل سبب…!!
    مشكورة نور جزاك الله عنا كل خير

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *